بالتزامن مع حراك سياسي كبير وتصاعد المقاومة.. لماذا أقال عباس 12 محافظا دفعة واحدة؟

حسن عبود | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لم يتخذ مثلها منذ توليه السلطة عام 2005، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في 10 أغسطس/آب 2023، مرسوما رئاسيا بإحالة 12 محافظا بالضفة الغربية وقطاع غزة على التقاعد. 

وأحال عباس على التقاعد في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، كلا من محافظي شمال غزة، غزة، خانيونس، رفح، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا".

كما أحال في المحافظات الشمالية (الضفة الغربية) كلا من محافظي جنين، نابلس، قلقيلية، طولكرم، بيت لحم، الخليل، طوباس ومحافظ أريحا والأغوار.

وأشارت وكالة "وفا" إلى أن عباس أصدر مرسوما رئاسيا بتشكيل لجنة رئاسية، تضم عددا من الشخصيات القيادية ذات الاختصاص، لاختيار مرشحين لشغل منصب محافظي المحافظات الشاغرة ورفعها له لإصدار قرار بشأنها.

ما الأسباب؟

هذه الخطوة النادرة أثارت الريبة والشك والتساؤلات بشأن أسبابها وتوقيتها، لغياب مثيلاتها على مدار 18 عاما تولى فيها عباس السلطة وحوّلها إلى "مزرعة سياسية" لمقربيه. 

وعزا الناشط السياسي في الضفة الغربية، عامر حمدان، خطوة عباس إلى تأثيرات إقليمية وخاصة من مصر والأردن "اللتين تلعبان دورا أساسيا في سياساته".

وأوضح حمدان لـ"الاستقلال" أن هذه الخطوة المفاجئة تأتي أيضا بعد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في 30 يوليو/تموز 2023.

وفي هذا الاجتماع الذي عقد بمدينة العلمين المصرية، دعا عباس إلى تشكيل لجنة من الفصائل الفلسطينية مهمتها استكمال الحوار حول القضايا والملفات المختلفة التي جرى مناقشتها، بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.

وطلب عباس، في البيان الختامي الذي تلاه، من اللجنة "الشروع في العمل فورا لإنجاز مهمتها والعودة إلينا بما تصل إليه من اتفاقات أو توصيات".

واستكمالا للمحادثات المذكورة، أجرى رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، اتصالا هاتفيا مع عباس "جرى خلاله  التوافق على ضرورة الإسراع في تشكيل لجنة المتابعة الفصائلية التي ستبحث في كل الملفات، وحتى يتسنى لها تقديم مخرجات مناقشاتها أمام اجتماع الأمناء العامين القادم".

وقال بيان لحركة "حماس" في 10 أغسطس، إنه "جرى (خلال الاتصال) التأكيد على ضرورة السير قدما في الخطوات التي تقرب شعبنا من إنجاز وحدته الداخلية لتعزيز الموقف الوطني المشترك لمجابهة التحديات الراهنة"، وهي مؤشرات وتصريحات ربطها مراقبون بخطوة إقالة عباس للمحافظين وتجديد الدماء في السلطة الفلسطينية. 

وتطالب "حماس" والفصائل الفلسطينية باستمرار، بإحياء منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين دوليا، كما تدعو إلى إنهاء حالة الترهل في المؤسسات الرسمية والمناصب العامة والرفيعة كبادرة حسن نية نحو إنهاء الانقسام السياسي بين غزة والضفة الغربية المستمر منذ عام 2007.

وجاءت إقالة المحافظين تزامنا مع حراك سياسي كبير، فقبل لقائهما في مدينة العلمين، اجتمع هنية وعباس بالعاصمة التركية أنقرة في 26 يوليو 2023 والتقيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي 14 أغسطس 2023، شارك عباس في مصر بأعمال القمة الثلاثية الفلسطينية المصرية الأردنية مع رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني، لـ"بحث آخر مستجدات القضية الفلسطينية".

كما وصل عباس إلى الأردن في 8 أغسطس والتقى العاهل الأردني باحثا معه آخر التطورات السياسية، ورافقه في الزيارة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء ماجد فرج، ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، مجدي الخالدي.

وذكرت مصادر فلسطينية في 10 أغسطس، أن زيارة عباس للأردن كان لها دور في سرعة اتخاذ قرار الإقالة، إذ تلقى إنذارات من المملكة بأن مكانة السلطة بالضفة الغربية "في خطر كبير".

وبينت المصادر التي نقل عنها موقع "الشرق" السعودي أن "شعبية عباس تتراجع في ظل تنامي وانتشار مجموعات المقاومة المسلحة في مدن الضفة كافة، بالإضافة إلى التفاف الشارع الفلسطيني حولها مقابل غضبه الشديد على السلطة".

وتشير استطلاعات الرأي العام إلى تراجع لافت في مكانة السلطة الفلسطينية والأجهزة الحكومية في الشارع، وتزايد تأييد فصائل المقاومة، في ظل ارتفاع حدة الجرائم الإسرائيلية خصوصا في الضفة الغربية المحتلة، مع استمرار رفض عباس لاستخدام السلاح ضد تل أبيب.

بدورها، قالت مصادر فلسطينية مقربة من السلطة لذات الموقع إن ”بقاء المسؤولين من وزراء ومحافظين وسفراء في مواقعهم لفترات طويلة، وتسجيل ضد بعضهم اعتراضات شعبية على مواقف وممارسات معينة، دفع عباس لتلك الخطوة”.

وبينت أن "المحافظين المقالين أمضوا سنوات طويلة في مواقعهم، وبينت الأحداث الأخيرة قصورا في أدائهم، منها لجوء بعضهم إلى المقاربة الأمنية دون أي حد من الدبلوماسية، واستفزاز آخرين لمشاعر المواطنين، وأداء البعض الآخر أنشطة اقتصادية تتناقض مع مهامه الرسمية، الأمر الذي اقتضى التغيير”.

تناقض كبير

من جهته، لم يعر الشارع الفلسطيني خطوة عباس الأخيرة أهمية كبيرة، على تقدير أن الرئيس نفسه انتهت ولايته عام 2009 ويتخذ من الانقسام الداخلي ذريعة للاستمرار في السلطة.

ووصل عباس إلى السلطة بعد وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات عام 2004، ولم ينافسه سوى القيادي أحمد قريع الذي انسحب من السباق لاحقا، ليصبح انتخابه مضمونا في رئاسيات عام 2005.

وبعدما ضمن التسلسل الهرمي في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني "فتح"، لعباس الوصول إلى رأس السلطة وبقائه بها، تغير الوضع جذريا اليوم خاصة بعد أن حل المجلس التشريعي الذي يرتب انتقال السلطة في 2018.

ولذلك، فإن المواطنين الفلسطينيين يرون تناقضا في خطوة عباس ويعدونها "منقوصة"، لأنها لا تطال رؤوس السلطة الكبار والمتهمين بملفات فساد كبيرة، فضلا عن استمرار رأس الحكم في تعيين مقربيه في المناصب الرفيعة وغض الطرف عن آخرين وصلوا إلى سن التقاعد.

وأخيرا، فتح تعيين رئيس السلطة، شخصيات "مقربة" سفراء في عدد من الدول حول العالم، ملف الفساد داخل أروقة مقر المقاطعة (الرئاسة) برام الله.

فعلى سبيل المثال، أدى اليمين القانونية أمام عباس في 15 مارس/ آذار 2022، كل من وزير الصحة السابق جواد عواد سفيرا لدى أوزبكستان، والقيادي في حركة "فتح"، رويد أبو عمشة سفيرا لدى جيبوتي.

ومنتصف فبراير/ شباط 2022، أدى الرائد في جهاز الأمن الوقائي بالضفة، ليث عدنان عرفة، اليمين القانونية أمام عباس سفيرا لدى ألمانيا.

لكن أكثر ما أثار الجدل، أداء رولا ابنة القيادي الراحل بحركة "فتح"، جمال محيسن، اليمين القانونية سفيرة لدى السويد في 15 مارس بعد وفاة والدها بشهر.

ودفع هذا التعيين إلى انتقاد سياسة عباس المتجددة في "التفرد والإقصاء" واختيار السفراء من "المقربين" وأبناء القيادات والمسؤولين.

وقال الحقوقي مصطفى إبراهيم وقتها في تغريدة على تويتر إن "تعيين رولا جمال محيسن ابنة القيادي بحركة فتح إضافة إلى وزير الصحة السابق جواد عواد سفراء لفلسطين، دليل على المحسوبية والفساد المستشري في مؤسسات السلطة، واحتكار لعظام الرقبة".

وفي يناير/كانون الثاني من نفس العام، أثار تعيين سلام الزواوي سفيرة لفلسطين لدى إيران خلفا لوالدها صلاح، الذي تولى منصبه على مدار أربعة عقود كثيرا من الجدل.

وفوجئ الشارع الفلسطيني بوجود سفير في إيران طوال أربعة عقود (1981 وحتى 2022)، لا يظهر له أي نشاط دبلوماسي أو تصريح صحفي، وكانت المفاجأة مضاعفة بسهولة تولي ابنته منصبه.

وبحسب تقارير محلية، فإن "الزواوي" صديق شخصي للرئيس عباس، حيث تشاركا مقاعد الدراسة في قرية صفد قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، وبقيت علاقتهما قوية حتى اليوم.

ويعد السلك الدبلوماسي الفلسطيني أكثر جهة تتلقى الانتقادات والاتهامات بالفساد والمحاباة بالتوظيف، ويعد مقصدا لأبناء المسؤولين والقيادات والمحسوبين عليهم، نظرا لما يوفره من امتيازات.

واشترط قانون السلك الدبلوماسي رقم (13) لسنة 2005 وفقا لأحكام المادة الـ(11) بأن التعيين يجب أن يكون وفقا "لمسابقة عامة تجريها وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية لاختيار موظفي السلك، ويجري الاختيار من قبل لجنة متخصصة تتشكل لهذا الغرض".

إلا أن عددا كبيرا من المعينين لم يخضعوا لهذه المسابقة، ولا يوجد التزام بنشر وجود شاغر حتى يتقدم له من يريد حسب الأصول، لذلك يتفاجأ الشارع الفلسطيني باستمرار بتعيين أبناء القيادات والمسؤولين في حركة "فتح" والسلطة اللتين يرأسهما عباس.

وكشفت دراسة للائتلاف من أجل النزاهة والمساواة "أمان"، في سبتمبر/ أيلول 2021، أن هناك 111 سفيرا فلسطينيا يمثلون السلطة في العالم، كان بينهم 41 بالمئة التزموا المدة القانونية، و59 بالمئة تجاوزوا المدة المسموح بها للبقاء في مناصبهم.

وبينت أن عدد السفراء الذين بلغت مدة شغلهم منصب السفير بين 4 - 5 سنوات وصل إلى 11، بينما بلغ عدد الذين تراوحت مدة بقائهم في المنصب بين 5 - 10 سنوات 36 سفيرا، كما استمر 7 في مناصبهم لأكثر من 10 سنوات.

وذكر أحد المسؤولين المقربين من عباس لقناة "الشرق" السعودية: "لدينا 35 سفيرا تجاوزوا السبعين من العمر، ولدينا أعضاء في مجلس القضاء الأعلى تجاوزوا سن التقاعد منذ سنين طويلة، ولدينا وزراء سجلوا إخفاقات كبيرة".

ماذا يعني؟

وترجح الأوساط السياسية والإعلامية في فلسطين أن خطوة عباس إقالة المحافظين "تعني الإبقاء على الوضع الفلسطيني، على ما هو عليه دون تغيير جذري في هرم السلطة".

ففي ظل غياب الانتخابات العامة، يدغدغ عباس عواطف الشارع باتخاذ خطوات شكلية لامتصاص بعض الغضب المحلي، والإيحاء إقليميا أنه يعمل على إصلاح الأوضاع.

وفي أبريل/نيسان 2021، ألغى عباس الانتخابات العامة التي كانت مقررة في الشهر التالي، بذريعة عدم سماح إسرائيل بإجرائها في القدس المحتلة، واستمر الوضع على ما هو عليه.

ويقول الناشط عامر حمدان، إن "عباس أقال المحافظين دون أي تنسيق مسبق معهم، ما يعني التمهيد لمرحلة جديدة ورجال جدد قريبين من نائبه، والرئيس القادم حسين الشيخ".

وأردف في حديث لـ"الاستقلال" أن "استحداث منصب نائب الرئيس أصبح وشيكا ومرحلة حسين الشيخ باتت أقرب للشعب الفلسطيني".

ويشير حمدان هنا إلى معركة الخلافة، ملمحا إلى أن الإقالات والتغييرات تسبق خطوة رحيل عباس، الثمانيني والمدخن الشره عن السلطة.

وحسين الشيخ (61 عاما) هو الاسم الأكثر حضورا هنا، والذي أصبح خلال السنوات الأخيرة، الرجل الأول لدى عباس، يليه رئيس جهاز المخابرات العامة، ماجد فرج.

ووضع عباس عينه على القيادي حسين الشيخ وعينّه خلال مايو/ أيار 2022 أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهو منصب يمهد لصعوده إلى الرئاسة.

ويحاول عباس والشيخ وفرج، خلق الانطباع بأن معركة الخلافة قد حسمت بالفعل وأن الشخصين الأخيرين سيقودان الحكم بعد نزول الأول من الحلبة السياسية.

لكن الشارع الفلسطيني غير مستعد لقبول هذا الإملاء، ولا كبار المسؤولين في حركة فتح (الذي يرون أنفسهم أحق بالخلافة) ولا المعارضة، وفق ما قال موقع "نيوز ون" العبري في أبريل 2022.

ولذلك، بيّن الناشط حمدان أن "هذه الخطوات لا معنى لها في السياسية الفلسطينية، بل هي تكريس للفردانية وحكم الشخص الواحد".

ويرى أن "أهم تغيير ذا أهمية ونتيجة فعلية، هو إقرار انتخابات المجلس الوطني والتشريعي وإعادة تداول السلطات".

وأشار إلى أنه "خلاف ذلك، فإن ما يجري تكريس للحكم الفردي من خلال الحزب والشخص الواحد، وكذلك، القرار الفلسطيني غير مستقل كما تدعي القيادة وهذا واضح".

وعلى الدوام، تؤكد صحف عبرية خشية السلطة الفلسطينية وأطراف دولية وإقليمية من بينها الولايات المتحدة ومصر والأردن من تصاعد قوة حركة "حماس".

ولذلك، فهي تضخ الأموال في مؤسسات عباس وتطالبه بتهدئة الأوضاع خشية اندلاع انتفاضة ثالثة، واتخاذ خطوات ضد المسؤولين على تحريك الوضع السياسي.

ويرى كثيرون أن خطوة عباس الأخيرة "لا تصب في اتجاه تغيير حقيقي قد يفضي إلى إنهاء حالة الانقسام وتحقيق الوحدة مع الفصائل، خاصة مع اختلاف البرامج السياسية".

ومن التطورات السياسية التي تشير إلى ذلك، عرض عباس الأخير على حركة "حماس"، في اتصالات جرت خلال الشهرين الماضيين، تشكيل حكومة وفاق وطني تعمل على إدارة قطاع غزة والضفة الغربية وتوحيد المؤسسات الحكومية في المنطقتين الواقعتين تحت إدارتين مختلفتين، وفق ما قال موقع "الشرق" السعودي.

ويتضح من هذا العرض، محاولة عباس إدارة المناطق الفلسطينية بتشكيل حكومة من قبله دون إجراء انتخابات تفضي إلى تغيير في هرم السلطة.

وكشف الموقع أن "حماس رفضت العرض، وطالبت بشراكة سياسية في منظمة التحرير أولا، وهو ما  رفضه عباس بسبب الخلاف في البرنامج السياسي للمنظمة".

ففي حين تعترف "فتح" بالقرارات الدولية، وتلتزم بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، تقدم "حماس" برنامجا آخر يشمل المقاومة المسلحة.

ويرى عباس أن هذا البرنامج "قد يؤدي إلى تعرض المنظمة لحصار دولي في حال انضمام حماس لها"، كما أن الرئيس الحالي يعارض المقاومة المسلحة ويصفها بـ"الإرهاب" ويلاحق المقاومين في الضفة الغربية.