"مواجهة قريبة".. ماذا يجرى بين تركيا وروسيا في عرض البحر الأسود؟
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتسعى تركيا إلى الحفاظ على علاقة متزنة بين روسيا والدول الغربية، لكن عقب الانتخابات الرئاسية التي جرت بأنقرة في مايو/ أيار 2023، حدثت مستجدات أثرت على هذه السياسة.
إذ اتخذت أنقرة خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الخطوات لتنأى بنفسها عن موسكو، بما في ذلك إعلان دعمها الكامل لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وذلك خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى إسطنبول، أوائل يوليو/ تموز 2023.
علاوة على ذلك، سمحت تركيا بمغادرة قادة "كتيبة آزوف" الأوكرانية، الذين كان من المفترض أن يظلوا في تركيا حتى نهاية الحرب بموجب اتفاق لتبادل الأسرى، بين أوكرانيا وروسيا، برعاية تركية.
أضف إلى ذلك إعطاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الضوء الأخضر، لبدء عملية الموافقة على انضمام السويد إلى الناتو.
روسيا تصعد
وقال موقع "المونيتور" الأميركي إن "الروس لم يبقوا مكتوفي الأيدي، أمام اتخاذ تركيا لهذه الخطوات واحدة تلو أخرى".
ففي 17 يوليو/ تموز 2023، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انسحاب بلاده من اتفاق الحبوب، الذي يسمح بشحن الحبوب الأوكرانية بأمان عبر البحر الأسود، والذي توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة خلال عام 2022.
وفي 6 أغسطس/ آب 2023، قصفت القوات الروسية شركة تصنيع المحركات الأوكرانية "موتور سيش"، التي يجمعها اتفاق تعاون مع شركة "بايكار" التركية العملاقة، المعروفة بصناعة المسيّرات التركية ذائعة الصيت.
وأشار الموقع إلى أن "المسيرات التركية من طراز "بيرقدار" -التي تنتجها شركة "بايكار"- قد لعبت دورا حاسما في دفاع الجيش الأوكراني ضد القوات الروسية".
وفي حديث لمسؤول دبلوماسي تركي رفيع المستوى، لموقع "ديفنس نيوز"، المتخصص في الشأن العسكري والدفاعي، أوضح المسؤول أن قصف شركة "موتور سيش" الأوكرانية كان "بمثابة رسالة تحذير روسية، بسبب بعض المواقف التركية".
وفي 13 أغسطس/ آب 2023، داهمت القوات الروسية، في المياه الدولية في البحر الأسود، سفينة شحن متجهة إلى أوكرانيا، مملوكة لمواطن تركي ويديرها طاقم تركي، وذلك على بعد حوالي 50 كيلومترا (31 ميلا) قبالة الساحل التركي.
ونشرت موسكو لقطات تُظهر عملية اقتحام قواتها للسفينة.
ويرى يوروك إيسيك، المحلل الجيوسياسي والباحث في "معهد الشرق الأوسط"، أن اقتحام القوات الروسية للسفينة كان خطوة "غريبة"، لكن الأكثر غرابة هو رد فعل أنقرة، الهادئ نوعا ما.
وأوضح "المونيتور" أن الجانب التركي ظل صامتا نحو 4 أيام، إلى حين أن أصدرت الرئاسة التركية بيانا، في 17 أغسطس 2023.
وجاء في البيان التركي أنه "في أعقاب حادثة السفينة، جرى تحذير نظرائنا في روسيا بالطريقة الملائمة لتجنّب مثل هذه المحاولات التي ستؤدي إلى تصعيد التوتر في البحر الأسود".
ورطة كبيرة
وقال إيسيك لـ"المونيتور" إن "روسيا في ورطة كبيرة بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن الجانب التركي لا يريد أن يتمادى في الضغط عليها".
وأشار إلى أن "الصمت النسبي لأنقرة قد يتعلق بجهودها لإقناع موسكو بالعودة إلى اتفاق الحبوب".
وحسب المونيتور، فقد أدى انسحاب روسيا من مبادرة الحبوب -التي سمحت للمواد الغذائية الأوكرانية بالوصول إلى الأسواق العالمية- إلى ارتفاع حاد في أسعار الحبوب العالمية، وسط تحذيرات دولية من أزمة غذاء تلوح في الأفق، قد تصل لحد المجاعة.
وأفاد بأن هناك "أكثر من 40 دولة تعتمد على صادرات الحبوب من أوكرانيا، كما شُحن أكثر من 655 ألف طن من الغذاء إلى المجتمعات الفقيرة التي تواجه خطر انعدام الأمن الغذائي".
وشمل ذلك بلدان إثيوبيا، واليمن، وأفغانستان، والسودان، والصومال، وكينيا، وفق برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة.
وفي سياق سعيها لإقناع روسيا بالعودة للاتفاق، قالت أنقرة إن "أسعار الحبوب انخفضت بنسبة 23 بالمئة خلال فترة تنفيذ الاتفاق، ثم ارتفعت بنسبة 15 بالمئة في أول أسبوعين فقط بعد توقفه، مضيفة أن الدول ذات الدخل المنخفض هي الأكثر تضررا".
ويعتقد الموقع الأميركي أن "اتفاق 2022 جلب الكثير من المديح لأردوغان، لحمله روسيا وأوكرانيا على استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية، عبر موانئ البحر الأسود، وتجنب أزمة قمح عالمية".
"وفي حين لم يتمكن أردوغان في تحقيق طموحاته للتوسط في اتفاق سلام بين كييف وموسكو، فقد ظل لاعبا مهما في الأزمة، حيث تفاوض الطرفان، بوساطته، على تمديد الاتفاق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ومارس/ آذار، ومايو/ أيار 2023"، وفق الموقع.
وعندما مددت موسكو الاتفاق 60 يوما أخرى في مايو/ أيار 2023، حذرت من أنها لن تجدده ما لم تلبَّ مطالبها.
وحسب المونيتور، فإن "مطالب موسكو تشمل إعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام الدفع العالمي "سوفيت"، ورفع القيود المفروضة على التأمين ووصول السفن والبضائع الروسية إلى الموانئ".
أضف إلى ذلك تمكينها من توريد قطع الغيار المستخدمة في الآلات الزراعية، والأهم من ذلك، إنهاء العقوبات المفروضة على شركات الأسمدة الروسية.
أرضية مشتركة
من جانبه، يرى الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس في إسطنبول، أونور إسجي، أن سياسة أنقرة تجاه موسكو "تُفهم في سياق جهودها للحفاظ على التوازن بين روسيا والغرب".
وأضاف "إسجي" أن "توثيق تركيا لعلاقاتها مع الغرب لا يعني قطع علاقاتها مع روسيا، لكن "الامتثال غير المشروط للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا ليس خطة مجدية لتركيا، كما أنه غير ممكن".
"ويتساءل مراقبون عما إذا كان أردوغان وبوتين سيجتمعان شخصيا في أغسطس/ آب 2023، مرجحين أن يصل الجانبان لأرضية مشتركة حال اجتماعهما"، حسب المونيتور.
وشدد الموقع الأميركي على أن "الحرب في أوكرانيا وضعت الاقتصاد الروسي في حالة يرثى لها".
وعلاوة على ذلك، فإن كلا من أنقرة وموسكو تحتاجان إلى تقليص التزاماتهما في سوريا؛ للتركيز على القضايا الجيوسياسية الأكثر إلحاحا، وفق المونيتور.
وختم الموقع بالتأكيد على أنه "بالرغم من شكوك الأتراك تجاه الغرب الممتدة منذ قرون، إلا أن صورة روسيا في عقولهم ليست أفضل بكثير".