الحوثيون يروجون لـ"جولة مفاوضات حاسمة" لإنهاء حرب اليمن.. ما مدى جديتهم؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

فتح إعلان الحوثيين عن سعيهم لإجراء جولة مفاوضات "حاسمة" جديدة مع الحكومة اليمنية الشرعية، باب التساؤل واسعا بخصوص مدى تقديم المليشيا المدعومة من إيران تنازلات لإنهاء 9 سنوات من الحرب في البلاد، وما هي السيناريوهات المحتملة في حال فشلت المحادثات.

القيادي في مليشيا الحوثي، وعضو فريقها المفاوض، عبد الملك العجري، قال إنه "يجري الترتيب لجولة مفاوضات قادمة نسعى أن تكون حاسمة في وضع حد لمعاناة الشعب اليمني، لا سيما الاستحقاقات الإنسانية لأن استمرارها هو استمرار للحرب بشكل آخر أكثر فتكا وأشد وطئا".

تصريح العجري على حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) في 21 أغسطس/آب 2023، لم يتطرق إلى أي تفاصيل بشأن الترتيبات أو موعد هذه المفاوضات، كما لم يصدر تعليق عن الحكومة الشرعية في اليمن بشأن ذلك حتى يوم 22 من الشهر ذاته.

"تسوية سياسية"

وجاء تصريح العجري أثناء إعلان وصوله إلى العاصمة العُمانية مسقط، بالتزامن مع مغادرة وفد عُماني مدينة صنعاء اليمنية، في 20 أغسطس 2023، بعد سلسلة مشاورات عقدها مع قيادة الحوثيين، استمرت 4 أيام.

وقالت قناة "المسيرة" الفضائية الناطقة باسم الحوثيين في 20 أغسطس، إن "الوفد العُماني غادر برفقة رئيس فريق المفاوضات في الجماعة (الحوثي) محمد عبد السلام".

وأشارت إلى أن "وفد مسقط اختتم زيارته بعد عقده سلسلة مشاورات في صنعاء"، دون ذكر معلومات بشأن نتائج الزيارة.

لكن في اليوم نفسه، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، عن مصدر سياسي يمني وصفته بـ"المقرب" من مليشيا الحوثي (لم تكشف هويته) قوله إن "المفاوضات تكللت بالتوصل إلى توافق بشأن عدد من القضايا الخلافية، التي كانت تقف عائقًا أمام إنجاز اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار في اليمن، وبدء تسوية سياسية".

وبحسب المصدر، فإن "الوفد العُماني توصل إلى اتفاق مبدئي مع جماعة الحوثي في الجانب الإنساني"، مبينا أن الأخيرة تشترط منح هذا الملف أولوية، فيما يتعلق بدفع رواتب الموظفين الحكوميين وتشكيل لجان بإشراف الأمم المتحدة لصرفها.

وكذلك "فتح مطار صنعاء الدولي وزيادة الرحلات الجوية عبره، ورفع القيود عن ميناء الحديدة، والتوافق على فتح الطرقات المغلقة في عددٍ من المحافظات".

ونقلت الوكالة عن المصدر أيضا، أن "ثمة قضايا لا تزال خلافية بالذات فيما يتعلق بشأن الآلية الخاصة بتنفيذ الاتفاق، وأن الوسيط العُماني سينقل مقترحات جماعة الحوثي بشأنها إلى المملكة العربية السعودية".

وفي أبريل 2023، رعى وفد عُماني محادثات في صنعاء، بين مليشيا الحوثي اليمنية ووفد سعودي رسمي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن، محمد آل جابر، استمرت 6 أيام، بحثت الملف الإنساني وإيقاف إطلاق النار في اليمن، وبدء عملية سياسية شاملة.

وأعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في 4 يونيو/حزيران 2023 عن "ترتيبات لثلاث مراحل ضمن مساعي التوصل إلى تسوية سياسية في البلاد"، مشيرا إلى وضع رؤى وتصورات للحلول على ضوء ما ستسفر عنه الجهود السعودية والعُمانية، بحسب قوله.

ويشهد اليمن هدنة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي اليمنية إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة، التي استمرت 6 أشهر.

تنصل مستمر

وعن مدى تقديم المليشيا تنازلات للتوصل إلى تسوية سياسية، خاطب مستشار وزير الإعلام في الحكومة الشرعية فهد طالب الشرفي، مكونات الشعب اليمني ودول الإقليم والعالم، قائلا: "مع الحوثيين لو تطلعوا السماء بخيط وتنزلوا الأرض بشعرة، لن تصلوا لأي حل مع حركتهم الأبشع من القاعدة وتنظيم الدولة".

وأضاف الشرفي خلال تدوينة نشرها على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 21 أغسطس 2023، أنه "لا حل ولا دولة ولا استقرار إلا بتفكيك مشروعهم ودفن شرورهم".

من جهته، كتب وزير الإدارة المحلية اليمني السابق عبد الرقيب سيف فتح عبر منصة "إكس" في 21 أغسطس، قائلا: "صعوبات تواجه كل مكونات دعاة السلام وإنهاء الحرب في يمننا الحبيب".

وأكد فتح أن "الصعوبات ناتجة عن طرف مليشياوي حوثي تدعمه إيران يرفض السلام ولا يستشعر معاناة الناس، لذا ما يطرح حاليا من مبادرات سبق طرحها من الشرعية (حكومة اليمن المعترف بها دوليا) في مراحل سابقة، ومنها: إطلاق كل الأسرى بدون شروط، فتح الطرقات، دفع المرتبات وغيرها".

وفي 10 يوليو 2023، هددت الحكومة اليمنية بإعادة النظر في الخطوات التي قدمتها دعما لجهود السلام مع الحوثيين، بما فيها تلك المتعلقة بفتح مطار صنعاء الدولي وتشغيل ميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الأرياني، حينها إن الحكومة لن تقف مكتوفةَ الأيدي تجاه ما أسماها بالحرب الحوثية على الاقتصاد الوطني، مؤكدا "أنها ستتخذ جميع التدابير التي من شأنها الحفاظ على مصالح ومقدرات الشعب اليمني".

واتهم الأرياني الحوثيين بـ"استغلال التنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية للدفع بمسار التهدئة والحل السلمي للأزمة".

وأشار إلى أنهم "شنّوا هجمات على السفن والناقلات النفطية في موانئ حضر موت وشبوة، بهدف وقف التصدير وإلحاق الضرر بإيرادات الدولة بهدف شل قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك دفع رواتب الموظفين".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، شن الحوثيون هجمات تحذيرية على ثلاثة موانئ نفطية هي الضبة والنشيمة وقنا، في محافظتي حضرموت وشبوة جنوب شرق البلاد؛ مما أدى إلى وقف عوائد النفط الحكومية وتدفقات الوقود وحرمان الحكومة من أهم مواردها.

وحذر الوزير اليمني من أن مواصلة الحوثيين مسارهم التصعيدي يُنذر بحدوث تدهور بالأوضاع الاقتصادية، وبالتالي تفاقم المعاناة الإنسانية لليمنيين، داعيا المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للتدخل من أجل حماية جهود وفرص التسوية والتهدئة وإحلال السلام.

العودة للحرب

وعن السيناريوهات المحتملة باليمن، قال الكاتب يحيى محمد الشرفي إن عدم حسم الرياض قرارها أثناء هذه المفاوضات الحاسمة يعني أن الحرب ستعود لكن بطريقة مختلفة جدا عما كانت عليه سابقا.

وخلال مقاله الذي نشره موقع "مساء برس" القريب من الحوثيين، في 20 أغسطس، اتهم الكاتب اليمني الوسيط العُماني بأنه "أصبح يستخدم وساطته بما يخدم الطرف السعودي ومن معه فقط لا بما يحقق التوازن والحياد ودور الوسيط الذي يجب أن يبقى على مسافة واحدة من طرفي الصراع".

ولفت الشرفي إلى أن الرياض سبق لها أن "وافقت على مطالب صنعاء المتمثلة بتنفيذ الاستحقاقات الإنسانية، لكنها تراجعت عنها بضغط من واشنطن"، دون الكشف عن وقت الموافقة والتراجع السعودي.

ورجح الكاتب "العودة إلى الحرب من جديد إذا رفضت السعودية تنفيذ الاستحقاقات، لكن هذه المرة لن تكون كما في السابق وعلى المملكة أن تستعد لسنوات عجاف لا تنهي فقط رؤية 2030 إلى الأبد، بل قد تنهي للأبد وجود آل سلمان على سدة الحكم"، وفق تعبيره.

في المقابل، قال الباحث اليمني عبدالواحد العوبلي في 21 أغسطس، إن "المليشيا تسعى كما جرى في العادة، إلى تحميل غيرها المسؤولية في حين أنها تنهب ثلاثة أضعاف ما تجنيه الحكومة الشرعية من الموارد العامة".

وأضاف الباحث في حديث لصحيفة "إندبندنت عربية": "ومع التزام الشرعية بدفع المرتبات وتقديم الخدمات تخصص الجماعة كل الموارد التي تسيطر عليها للإنفاق الحربي، والصرف على قادة المليشيا والمنتمين إلى الطائفة والسلالة الحوثية".

وأكد العوبلي أن "لدى الحوثي إيرادات ضخمة تتلخص أبرزها في ما تجنيه من إيرادات عبر ميناء الحديدة (غرب البلاد)، إضافة إلى حصولها على نفط إيراني مجاني تبيعه في السوق السوداء بأضعاف قيمته، فضلا عن الضرائب الضخمة المتحصلة من البضائع الواصلة إلى الميناء التي تقدر بمليارات الدولارات سنويا".

ومع ذلك يرى الكاتب أن "هذه الموارد الضخمة لا يقابلها أي التزام حوثي تجاه موظفي الحكومة أو قطاع الخدمات العامة والمشاريع والتنمية، وأن كلفة المرتبات لا تتجاوز مليار دولار سنويا لموظفي البلاد كافة، في حين تجني الجماعة أضعاف هذا المبلغ من الضرائب، التي تجنيها من عدد من القطاعات".

ومنذ سبتمبر/أيلول 2014، تسيطر مليشيا الحوثي اليمنية، على غالبية المحافظات وسط وشمالي اليمن، بينها العاصمة صنعاء.

وتصاعدت الحرب في اليمن عام 2015، عندما بدأت السعودية وعدد من حلفائها ضمن ما أطلق عليه "التحالف العربي" شنَّ ضربات جوية لمنع الحوثيين من السيطرة على المزيد من المدن اليمنية، واستعادة سلطة الحكومة المعترف بها دوليا.