مئات القتلى في أسابيع قليلة.. ماذا وراء نجاحات تركيا ضد "بي كا كا" بسوريا؟

12

طباعة

مشاركة

بضربة تلو أخرى عبر المسيرات الحديثة، تواصل تركيا حصد عناصر وقادة فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" في المناطق التي تتمركز وتتنقل فيها بشمال شرقي سوريا.

وخلفت تلك الاستهدافات الدقيقة المتصاعدة في الآونة الأخيرة عددا من القتلى والمصابين في صفوف فروع "بي كا كا".

وتأتي تلك الضربات ضمن أهداف تكتيكية لأنقرة لاستنزاف الموارد البشرية التابعة لتنظيم "بي كا كا" في سوريا التي تعد صلة الوصل المباشرة مع القادة الرئيسين في جبال قنديل بالعراق.

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.

استنزاف "بي كا كا"

وأعلنت الاستخبارات التركية في 19 أغسطس/ آب 2023 مقتل القيادية في حزب العمال الكردستاني "هجران إيجوز" الملقبة بـ"فيجين جيان"، في الحسكة شمال شرقي سوريا.

ونقلت "وكالة الأناضول" عن مصادر أمنية، أن القيادية انضمت لـ "بي كا كا" عام 2016 وشاركت بتدريب الشبان والقاصرين السوريين المنضمين للتنظيم.

وتعد إحدى المسؤولين عن التشكيلات النسائية المسلحة في التنظيم، كما وكانت من بين المخططين لهجمات استهدفت القوات الأمنية التركية، لا سيما في المناطق الحدودية.

كما استهدفت طائرة مسيرة تركية في 18 أغسطس 2023 موقعا عسكريا لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" العمود الفقري لقوات "ي ب ج" الكردية، الفرع السوري من "بي كا كا"، في قرية الطويلة بريف تل تمر شمال الحسكة، ما أدى لمقتل عنصرين.

وبحسب إحصائية لوزارة الدفاع التركية نشرتها في 12 أغسطس 2033، فإنها تمكنت من تحييد 21 عنصرا من "بي كا كا" في سوريا والعراق خلال يومين.

وكان جهاز الاستخبارات التركي، أعلن في 28 يوليو/ تموز 2023 تحييد القيادي في تتظيم "بي كا كا" مسعود جلال عثمان، وهو من أبرز مسؤولي منطقة سنجار العراقية في التنظيم.

وقد أكد وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، في مقابلة مع قناة تركية خاصة بتاريخ 26 يوليو/ تموز 2023، أن قوات بلاده حيدت خلال الشهرين الماضيين، 119 إرهابيا من تنظيم "بي كا كا"، وأنه أوشك على الانهيار بشكل كامل.

من جهتها أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل أكثر من 800 عنصر من "بي كا كا "في سوريا والعراق في النصف الأول من عام 2023 وحده.

ومنذ مايو/أيار 2022 تتحضر تركيا لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد فروع "بي كا كا" في مناطق متعددة شمال سوريا، بهدف توسيع المنطقة الآمنة، وإبعاد تلك الفروع عن مناطق المعارضة السورية بغية تحقيق مزيد من الاستقرار فيها.

إلا تركيا بدأت بتكثيف عمليات استهداف عناصر وقادة فروع "بي كا كا" في سوريا عبر الطيران المسير.

مكافحة دائمة

وتدلل هذه الضربات على قدرة المخابرات الوطنية التركية (MIT) على محاربة المنظمات الإرهابية من خلال جمع المعلومات الاستخبارية على الأرض واستخدام الفرص التكنولوجية في تحييدهم.

إذ تؤكد وسائل إعلام تركية أن وحدات المخابرات والأمن تعمل على تطوير تقنيات قتالية جديدة ضد التنظيمات الإرهابية التي تغير أساليبها بالتنقل باستمرار.

لكن مع ذلك فإن السمة المشتركة لمعظم الأسماء التي تستهدفها الطائرات التركية المسيرة، أنها صاحبة اتصالات من المستوى المتوسط ​​والعالي ​​بين المقر الرئيس في جبال قنديل لـ "بي كا كا" وقادتهم في سوريا الذين تقول وسائل إعلام تركية إنهم تدربوا في حزب العمال الكردستاني لمدة 10 سنوات على الأقل، وبعضهم منذ 20 عاما أو أكثر قبل تسلم مهامهم العسكرية.

ولهذا فإن أهمية تلك الضربات القاتلة على قادة بي كا كا، هي صعوبة استبدال "بي كا كا" لهم على الفور بمقاتلين مدربين على نفس المستوى.

كما أن الغارات الجوية التركية على مركبات قادة "بي كا كا" عادة ما تجري خارج المدن وتحديدا في التضاريس المفتوحة، الأمر الذي يخلق نوع الإرباك في التنقل الذي يجعله محفوفا بالمخاطر ويسبب لهم عدم الارتياح.

وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي التركي هشام جوناي، أن "سياسة تركيا الأمنية قائمة على مكافحة تنظيم بي كا كا، ولذلك في بعض الأحيان هناك ظروف داخلية تركية تؤجل الأعمال العسكرية ضد فروع هذا التنظيم بسوريا، ولكن هذا لا يعني أن أنقرة لا تتبع عددا من الوسائل لمكافحة بي كا كا".

وأضاف لـ "الاستقلال": "في الوقت الراهن فإن تكثيف تركيا استهداف عناصر وقادة بي كا كا بسوريا عبر القصف الجوي هو من ضمن عمليات المكافحة المستمرة، والتي تأتي بنتائج لصالح تركيا كونها تمتلك الأسلحة التي تتفوق على تنظيم بي كا كا".

وحول الصمت الأميركي حيال اصطياد الطيران التركي بشكل مستمر لعناصر وقادة بي كا كا، ربط جوناي غض الطرف هذا راهنا "لتعلقه ببعض المصالح المتبادلة".

فعلى سبيل المثال موافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، وكذلك مصلحة واشنطن من موقف تركيا حيال روسيا بما يتعلق بالغزو الأوكراني، يوضح جوناي.

واستدرك قائلا: "لذلك فإن تفسير الصمت الأميركي يرجع لتلبية مطالب تركيا في ما تقوم به من أعمال عسكرية على حدودها الجنوبية مع سوريا من عمليات لمكافحة فروع بي كا كا".

استغلال المرحلة

من جهته، يرى الباحث في العلاقات السياسية والعلاقات الدولية رانك نيفزاد في تصريحات لموقع "إندبندنت تركيا"، بتاريخ 15 أغسطس 2023، أن "التغيير في أنقرة وسياسات طهران تجاه التهدئة والتقارب مع الدائرة العربية له تأثير على الملف الكردي".

وقال نيفزاد إن "هذا الوضع سيؤدي حتما إلى تراجع التأييد العربي للملف الكردي في سوريا أو عدم استخدام الأكراد كورقة ضد تركيا وإيران، وبالتالي فإن هاتين الدولتين ستضاعفان هجماتهما التي تستهدف الأكراد".

ومضى يقول: "من المعروف أن البلدين في منافسة، لكنهما يتفادان أيضا حدوث صراع مباشر بسبب مصالحهما المشتركة بما في ذلك الملف الكردي، كما أن تركيا تعتمد اعتمادا كبيرا على الغاز الإيراني، ويمكن للطرفين الاتفاق على مصلحة مشتركة في الخلافات بينهما، ومن الواضح وجود اتفاق سري حول ذلك بين أنقرة وطهران".

ورغم ذلك، فإن حركة الطائرات المسيرة التركية شبه الدائمة في مناطق سيطرة فروع "بي كا كا" بسوريا، تؤكد على عدم إغفال تركيا للمخاوف الأمنية القادمة من مناطق فروع بي كا كا والتي لها انعكاس على الأمن القومي التركي.

إذ كثيرا ما أثبتت التحقيقات التركية وجود تنسيق بين منفذي تفجيرات في الداخل التركي وبين المقار العسكرية التابعة لـ "بي كا كا" في ريفي حلب والحسكة.

وقد أعلنت مديرية الأمن العامة التركية في إسطنبول في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أن منفذة تفجير شارع الاستقلال بإسطنبول اعترفت أثناء التحقيق بانتمائها لتنظيم "بي كا كا" وأنها تلقت تعليمات بتنفيذ العملية من مركز التنظيم في مدينة عين العرب شمال حلب.

وأمام ذلك، فإن نجاح الطائرات بدون طيار التركية المتطورة للغاية في تقييد أنشطة حزب العمال الكردستاني بدقتها وإستراتيجيتها في القتال أمر واضح بسوريا.

لا سيما أن الأتراك عانوا كثيرا من هجمات "بي كا كا" خلال العقود الماضية، لكن الطائرات بدون طيار قلبت هذه المعادلة راهنا بفضل هذه التكنولوجيا، إذ يستغل الأتراك هذه الهجمات لعرض قدراتهم العسكرية وتعزيزها.

ولذلك باتت الطائرات العسكرية المسيرة العمود الفقري لقوات تركيا الجوية لملاحقة معاقل "بي كا كا" خارج حدود البلاد، بفضل قدراتها التقنية المرتفعة.

وتعد المسيرة التركية "بيرقدار تي بي 2" (Bayraktar TB-2) المصنعة من قبل شركة "بايكار" (Baykar) التركية للصناعات الدفاعية، القيمة الأكثر شهرة لتركيا في العالم، وقد تمكنت المسيرة المذكورة من وضع بصمتها في العديد من العمليات الدفاعية ومنها في سوريا.

وتصنف "بيرقدار TB2" ضمن الطائرات العسكرية التكتيكية، التي تقدم مهام المراقبة والهجوم، إذ يمكنها التحليق على ارتفاع "20 ألفا إلى 27 ألف قدم" نحو 8 آلاف متر، وحمل معدات بوزن 150 كيلوغراما، والطيران حتى 25 ساعة متواصلة.

بالإضافة إلى تميزها بإمكانية إجراء مهام الاستكشاف والتدمير الفوري للأهداف خلال الليل والنهار.

وعلى سبيل التأكيد فقد ساهم الطيران المسير التركي في نجاح العمليتين العسكريتين التركيتين الهادفتين لقطع الطريق أمام محاولات فروع "بي كا كا" وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها، تربط محافظات "الحسكة، الرقة، حلب"، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

الأولى، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، وجرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا".

والثانية، في 9 أكتوبر 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، إذ أبعدت قوات "ي ب ج" مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.