سيناريو مفضوح.. لماذا تكتم السوداني على سارق "مصفاة بيجي" الأكبر بالعراق؟

بإعلان الحكومة العراقية، استعادة المواد والمعدات المسروقة من مصفاة "بيجي" الأكبر بالعراق، عن طريق تعاون أحد المواطنين، تفجرت كثير من التساؤلات عن مصير الجهة التي سرقت المنشأة النفطية عام 2015، وتسببت بتعطيل إنتاجها طيلة هذه المدة، ما كبد البلد خسائر فادحة.
وعقب استعادة مصفاة بيجي في محافظة صلاح الدين من تنظيم الدولة في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 بعد عام من سيطرته عليها، تعرضت للنهب على يد المليشيات، في مقدمتها "عصائب أهل الحق"، المنضوية في الإطار التنسيقي الشيعي، المشكّل للحكومة الحالية.
وفي نيسان/أبريل 2019، نقل موقع "ألترا عراق" عن مسؤول بمحافظة صلاح الدين (لم يكشف هويته)، قوله إنّ اثنتين من المليشيات مسؤولتان عن تفكيك المصفاة وتهريب معداتها، وهما "كتائب الإمام علي"، بقيادة شبل الزيدي، و"عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي.
ومصفاة "بيجي" تعد أكبر مصفاة في البلاد، إذ تبلغ طاقتها الإنتاجية 310 آلاف برميل يوميا، أي أنها تمثل نحو ثلث طاقة إنتاج المصافي العراقية، لكنها تنتج فعليا نحو 170 ألف برميل يوميا يتم استهلاكها محليا.
الرواية الرسمية
وبخصوص تفاصيل إعادة القطع المسروقة، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن "جهودا مخلصة بذلك من أطراف عدة رسمية وغير رسمية، ساهمت في إعادة المعدات والمستلزمات والأجهزة المسروقة من مصفاة بيجي وهي تمثل نسبة كبيرة مما يحتاجه هذا الموقع المهم".
وأوضح السوداني خلال كلمة له أثناء زيارته إلى مدينة بيجي في 16 أغسطس/ آب 2023: إن "جهودا بذلت من المواطن الذي لم يخولنا بذكر اسمه، فهو من راجع رئيس لجنة الطاقة البرلمانية النائب هيبت الحلبوسي، وقدم استعداده لتسليم هذه المواد، والتي تبلغ حمولتها نحو 100 شاحنة".
وأردف: "المعدات كلها مفصلية وتكلفنا ملايين الدولارات، وحتى إذا طلبنا صناعتها، فالأمر يحتاج من 5 إلى 7 سنوات".
رئيس مجلس الوزراء @mohamedshia يعلن استعادة معدات مسروقة من مصفى بيجي فقدت مع سيطرة داعش ونقلت الى إقليم كردستان. pic.twitter.com/J41QvCYsmr
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ���� (@IraqiPMO) August 16, 2023
وفي السياق ذاته، قال هيبت الحلبوسي إنه "كان وسيطا بين الحكومة العراقية، والشخص الذي كانت معدات مصفاة بيجي المسروقة بحوزته"، لافتا إلى أن "مكتب المرجع الأعلى علي السيستاني أفتى بوجوب عودة تلك المعدات، كما فعل ذلك أيضا مكتب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر".
ووفقا لرواية الحلبوسي خلال مقابلة تلفزيونية في 18 أغسطس، فإن "تاجرا كرديا معروفا، توفي عام 2019، كان قد اشترى تلك المعدات من دون أن يعلم بأنها مسروقة، وقد أوصى شقيقه بضرورة إعادتها إلى الدولة".
وأوضح النائب أن "التاجر اشترى المواد بأمواله، بعدما وصلت إلى أربيل في إقليم كردستان، وكانت المواد مخزنة في مستودعات طيلة السنوات السبع الماضية، وعليها حراسة وإدامة دورية، وهناك بعض الصمامات تم لفها بأكياس لمنع دخول الأتربة إليها".
وأردف: "الشخص الذي أعاد المعدّات (شقيق التاجر)، أخبر السوداني (رئيس الوزراء) أنهم رفضوا عرضا من إحدى الدول لشراء تلك المعدات وتسهيل تهريبها إليها، وذلك تنفيذا للوصية، فقد كان التاجر رافضا بيع هذه المواد من الناحية الشرعية".
وبين الحلبوسي أن "التاجر ذهب في عام 2019 إلى النجف واستفتى المرجع (الشيعي) علي السيستاني، وجاءت الإجابة (لا يجوز بيع هذه المواد لأنها تابعة للدولة، جهد الإمكان محاولة إرجاعها إلى أصحابها)، كما ذهب الشخص ذاته إلى مكتب مقتدى الصدر، وتلقى إجابة مماثلة".
وعن أسباب عدم ذكر الشخص الذي أعاد المواد، قال الحلبوسي: إنني اتصلت به (شقيق التاجر) قبل تصوير كلمة رئيس الوزراء في بيجي، وسألته عن إمكانية ذلك، ولكنه رفض، ورد قائلا: "أنا أعدت المواد ولا داعي لذكر اسمي بعد الآن"، لذلك تحفظ السوداني على كشف معلومات إضافية عن القضية.
وعرض الحلبوسي جزاء من وصية التاجر، والتي كانت بلغة عربية فصيحة، وجاء فيها: "أكتب هذه الصفحات وأوصيكم بعدم التصرف بأي جزء من المواد التي في المخازن تحت أي ظرف، وأن تسعوا بكل جهد لإرجاعها للدولة ولا تتركوا مجالا لأي من السماسرة بالتدخل بهذا الموضوع، لأنهم السبب الرئيس بهذا الضرر الذي لحق بي".
ولم تتطرق الرواية الرسمية إلى الجهات التي سرقت مصفاة بيجي، وبيعها إلى التاجر الكردي، رغم أن رئيس لجنة الطاقة البرلمانية أكد معرفته ورئيس الوزراء بكامل تفاصيل وصول هذه المواد إلى إقليم كردستان.
نص وصية الشخص الذي أرجع مواد #مصفى_بيجي pic.twitter.com/EVoYRpuU6S
— د. جاسم الشمري (@dr_jasemj67) August 18, 2023
سيناريو مفضوح
وتعليقا على رواية الحكومة وعدم التطرق إلى الجهة السارقة، قال الباحث العراقي، مؤيد الدوري، إن "ما ذكرته الجهات الرسمية من وقائع غير قابلة للتصديق، وأن من سرق المصفاة هي عصائب أهل الحق، وهذا الشيء معروف للعراقيين، واليوم أعادوها مرغمين".
وأوضح الدوري لـ"الاستقلال" أن "العصائب أرادت تهريبها إلى إيران عن طريق محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق عام 2015، لكن الطيران الأميركي حال دون ذلك وهدد بقصف الشاحنات إذا تقدمت نحو الحدود، ولهذا السبب بقيت طيلة هذه المدة هناك".
وأكد الباحث أن "قيس الخزعلي سبق أن أقر بأن جهات تابعة للحشد الشعبي هي من تورطت في سرقة مصفاة بيجي، وأن إعادة هذه المعدات سيكون قريبا، وذلك بإشراف منه وتعاون مع وزارة الداخلية".
وفي عام 2018، قال الحزعلي أمام وسائل الإعلام خلال زيارته إلى محافظة صلاح الدين إن "خروقات حصلت بالفعل في هذه المدينة، وهناك من أساء للحشد الشعبي واستغل اسم فصائل هذا الحشد لسرقة أجزاء معينة من مصفاة بيجي، وكلنا نعلم بهذه المسألة".
ولفت الباحث إلى أن "سيناريو إعادة المسروقات مفضوح جدا، ولم يحبك بشكل جيد، لأنهم قالوا إن تاجرا كرديا أوصى قبل وفاته بضرورة إرجاع هذه المواد إلى أصحابها الشرعيين، واستفتى في ذلك المرجع الشيعي علي السيستاني، ومقتدى الصدر".
وفي هذه النقطة تحديدا، تساءل الدوري قائلا: "هل التاجر الكردي كان شيعيا حتى يستفتي السيستاني والصدر، أم أن السيناريو أراد إظهار القصة بهذا الشكل حتى يقال إن من اشترى المعدات توفي وقرر التوبة قبل ذلك، وبالتالي إسدال الستار على كامل القصة، ولا عقاب أو محاسبة للسارق؟".
ولفت الدوري إلى أن "السيناريو ذاته، يأتي أيضا متوافقا مع نهج رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، الذي أعلن في أكثر من مناسبة أنه في محاربته للفساد وسرقة المال العام، لا يهمه السارق بقدر ما يعنيه إعادة ما سرقه، وبناء على ذلك أطلق سراح المتهم الأول بسرقة القرن، نور زهير، على أمل أن يعيد الأموال التي سلبها".
وأطلق مصطلح "سرقة القرن" في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد الكشف عن عملية احتيال نفذتها مجموعة شركات وهمية في العراق على مصرف "الرافدين" الحكومي، واستطاعت سرقة مبلغ يصل إلى 2.5 مليار دولار من خزينة الدولة تعود إلى الأمانات الضريبية.
من جهته، علق المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في العراق، غالب الدعمي على رواية الحكومة عبر تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) قائلا: "يقال إن مصفاة بيجي قد عادت إلى العمل بعدما كان مؤمّنة عند بعض الأخوة، والآن أعادوها".
وأردف: "نريد أن نعرف الإخوة الذين أخذوا المصفاة، وكيف أعادوها، وأين كان مؤمنا بدلا من توجيه التهم لهذه الجهة أو تلك"، مضيفا: "أريد الحقيقة، وإن ثبتت أن هناك مجموعة باعته إلى تجار في السليمانية، وجاء تاجر من أربيل اشترى جزءا منها، وتحديدا المواد الاحتياطية غير المستخدمة".
يقال ان مصفى بيجي قد عاد للعمل بعدما كان مؤمن عند بعض الأخوة والآن اعادوه.
— د غالب الدعمي (@KadhimAldamy) August 18, 2023
اولا:نريد ان نعرف الاخوة الذين اخذوا المصفى وكيف اعادوه وأين كان مؤمنا بدلا من توجيه التهم لهذه الجهة أو تلك pic.twitter.com/gVZaxUUhsv
أهمية كبيرة
بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي، استعادة المعدات والمواد والأجهزة المسروقة من مصفاة بيجي، انتعشت آمال الخبراء والمتابعين بتحقيق العراق قفزة نحو الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية، وعدّوها خطوة مهمة نحو إيقاف استيراد هذه المشتقات التي تكلّف الدولة سنويا مليارات الدولارات.
وقال الخبير النفطي العراقي علي نعمة في 19 أغسطس، إن "جميع الأدوات المسروقة من المصفاة جرى استعادتها، من إقليم كردستان"، مبينا أن "المواد المستعادة رغم كونها مهمة، لكنها تمثل نحو 60 بالمئة من المواد اللازمة للمنشأة، وبالتالي بحاجة إلى قطع أخرى قد يتطلب وقتا زمنيا لتوفيرها".
ونقلت صحيفة "الصباح" العراقية الرسمية عن نعمة أن "الطاقة القصوى للمصفى هي تصفية 310 آلاف برميل نفط خام يوميا"، لافتا إلى أن "وزارة النفط ستعتمد على الملاكات الوطنية لإعادة تأهيل مصفاة بيجي، مع إمكانية التعاقد مع شركات ساندة إن كانت هناك حاجة لذلك".
وأشار نعمة إلى أنَّ "المصفاة ستسهم بتوفير المنتجات النفطية التي يتم استيراد كميات كبيرة منها وخاصة البنزين، إذ من المتوقع أن يوفر أكثر من 4.5 ملايين لتر يوميا، مما سيقلل الاستيراد بشكل كبير، وبالتالي توفير مبالغ كبيرة تخصص لاستيراد المنتجات".
وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إن "الطاقة الإنتاجية لمصفى بيجي 310 ألف برميل يوميا وهو أكبر مجمعات تصفية وتصنيع النفط في العراق، وتاريخ إنشائه يعود الى تموز عام 1978".
وأضاف المرسومي خلال تدوينة على "فيسبوك" في 18 أغسطس 2023، أن "أماكن تخزين مواد المصفى المسروقة هي محافظة أربيل في كردستان، وأن قيمة المواد التي اشتراها التاجر الكردي هي 300 مليون دولار".
وأنشئت مصفاة بيجي التي تعد أكبر منشأة مختصة بتصفية النفط الخام بالبلاد في العام 1975 من شركات أجنبية، وكانت معدلات إنتاجها تصل لأكثر من 250 ألف برميل يوميا.
وفي 9 سبتمبر/ أيلول 2018، أعلن وزير النفط العراقي السابق، جبار اللعيبي، إعادة تشغيل إحدى الوحدات الإنتاجية في مصفاة بيجي النفطية، مشيرا إلى أن "طاقته الإنتاجية تبلغ 70 ألف برميل".
المصادر
- العراق يعلن استعادة المعدات المسروقة من مصفاة بيجي "بتعاون من أحد المواطنين"
- الوصية و"العصائب".. ما لم يعلنه السوداني عن معدات مصفى بيجي المنهوبة
- اقتصاديون يتحدثون عن "مصفى بيجي المسروق": تاجر كردي اشترى المواد بـ300 مليون دولار
- مصفى بيجي يفتح أفقاً جديداً لتوفير المشتقات النفطيَّة
- استئناف العمل بإحدى وحدات الإنتاج في مصفاة بيجي الأكبر في العراق
- القصة الكاملة لاستعادة معدات مصفى بيجي