جسر جوي بين الإمارات وتشاد.. دعم عسكري للدعم السريع في السودان بغطاء إنساني
لا تبتعد الإمارات عن الحرب الضروس المستعرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع المدعومة إماراتيا.
وكشف موقع "غريون" الهولندي المتخصص في الملاحة الجوية عن وجود جسر جوي بين الإمارات ومطار "أم جرس" التشادي، وعن التقاط صور بالأقمار الصناعية لموقع عسكري بالقرب من المطار.
قال الموقع في 30 يونيو/حزيران 2023: "إن المعسكر يتوقع أن يكون هو نفسه المستشفى الميداني، الذي سبق وأعلنت الإمارات إقامته في تشاد لدعم اللاجئين السودانيين، الفارين من لهيب المعارك".
وهو ما طرح تساؤلات عن طبيعة ذلك الجسر الجوي وأهدافه وعن علاقته بدعم قوات الدعم السريع السودانية بقيادة زعيمها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في حربها ضد الجيش.
وكيف استخدمت أبوظبي المجلس العسكري الانتقالي التشادي بقيادة محمد إدريس ديبي، لتنفيذ عمليات دعم لوجيستي وعسكري لقوات الدعم السريع؟
أم جرس
ويقع مركز الإمارات اللوجيستي في مدينة "أم جرس" عاصمة منطقة إندي إست في شمال تشاد.
وعلى الرغم من كونها في السابق واحة صحراوية منعزلة، فإن عدد سكانها يبلغ اليوم قرابة 30 ألف نسمة.
وأم جرس هي رابع أكبر مدينة في الصحراء (الشمالية) لتشاد، ولديها مطارها الخاص وهو مكمن أهميتها وقوتها حاليا.
فالمطار الذي جرى افتتاحه في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، به مدرج مرصوف يمتد لـ 3 آلاف متر.
المدينة بها كذلك قاعدة عسكرية، سبق أن زارها خلال عام 2015 الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي (قتل عام 2021)، بصفتها من مراكز السيطرة والدعم العسكري لنظامه في شمال البلاد.
يفسر هذا سر اهتمام الإمارات بهذه المدينة، خاصة أنها تقع على تخوم الحدود السودانية، بالقرب من إقليم دارفور السوداني، ومدينة الفاشر، حصن ومهد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" حليف الإمارات المقرب.
وفي 16 يوليو/تموز 2023، نشرت منصة "إيكاد" العربية، الخاصة باستخبارات المصادر المفتوحة، أنها رصدت تكثيف الإمارات رحلاتها نحو مطار "أم جرس" التشادي.
وكشفت عن ما مجموعه 28 رحلة شحن بين الإمارات وتشاد التقطت عبر الأقمار الصناعية التي أظهرت ما لا يقل عن انطلاق 6 طائرات شحن من طراز "إليوشن إل 76" من أبوظبي إلى أم جرس، في الفترة بين 20 و30 يونيو 2023.
وأرجعت المنصة سبب ذلك الجسر الجوي إلى تحايل حكام الإمارات لدعم مليشيات التمرد (قوات الدعم السريع في السودان) وتأمين إمداداها بالعتاد العسكري.
خاصة أن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، استقبل في 14 يونيو 2023 الرئيس الانتقالي لتشاد والجنرال ذي الأربع نجوم، محمد إدريس ديبي، لإبرام تفاهمات سرية معه وسط إغراءات مالية لحكومته.
أما النشرة الحكومية في تشاد، فأقرت أنه جرى التوقيع على خمس اتفاقيات، من بينها مواضيع الطاقة والجيولوجيا ومجال "الجيش والأمن ومكافحة الإرهاب".
التحايل الإماراتي
حينها قالت منصة "إيكاد" إنه كان يجري تفسير جسر الرحلات الجوية من الإمارات إلى تشاد تحت غطاء دعم الوضع الإنساني المتدهور في السودان المجاور.
خاصة أن سفير الإمارات في تشاد، سعيد الشامسي، افتتح في 4 يوليو 2023، المستشفى الميداني الإماراتي في "أم جرس" الذي شيد بأمر محمد بن زايد لدعم اللاجئين السودانيين.
وعقبت المنصة أن ذلك ليس تفسيرا محتملا للرحلات المشبوهة الأخيرة إلى أم جرس، لعدد من التقديرات تخص المكان، وكثافة تواجد اللاجئين السودانيين من الأساس.
لأنه لو قصدت الإمارات اللاجئين السودانيين، وتقليل الانعكاسات الإنسانية المأساوية عليهم، كانت ستتوجه إلى مطار "أبشي" بطريقة أكثر منطقية.
فمدينة "أبشي" تقع في الوسط الشرقي لتشاد، على بعد 330 كم جنوب غرب أم جرس.
كما أن موقعها أفضل كثيرا من أم جرس لأنها تقع على طول الطرق الرئيسة للبلاد، مما يسمح بنقل البضائع بسهولة عبر الطرق. لكن الأهم أن العدد الأكبر من اللاجئين السودانيين يتمركز في "أبشي" .
فوفقا لتقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 11 يونيو 2023، يقبع في مدينة "أبشي" التشادية حوالي 74 ألف نازح سوداني من المعارك.
كما أن "أبشي" بها مطار ممهد، يضم مدرجا بطول 2800 متر، يستطيع استقبال أي طائرة. وبناء عليه فهي من جميع الأوجه الأكثر منطقية لاستقبال المساعدات الإنسانية من أم جرس.
لذلك فإن المساعدة الإماراتية والرحلات المكثفة نحو أم جرس ليس لها تفسير منطقي إلا وجود أغراض سياسية ودوافع إستراتيجية لتحقيق مصالح بعينها، وفق مراقبين.
ويتساءل كثيرون: لماذا يؤدي الجسر الجوي المكون من 28 رحلة إلى مستشفى ميداني بسعة 50 سريرا فقط؟
ولماذا يجرى إنشاء مستشفى ميداني في منطقة نائية مع تدفق طفيف للغاية للاجئين؟
إمداد المتمردين
وفي 17 يوليو 2023، أورد موقع "إمارات ليكس"، أن أبوظبي استغلت علاقتها بالمجلس العسكري الانتقالي التشادي، وموقع تشاد كدولة حدودية مع السودان لاستخدامها في تهريب الأسلحة والعتاد العسكري لقوات الدعم السريع.
وهبّت الإمارات لدعم النظام التشادي بالمال وشراء الذمم لإطالة أمد الصراع في السودان واستمرار الفوضى فيها.
وقد تورطت الإمارات في إمداد مليشيات التمرد في السودان بطائرات مسيرة، نقلت عبر مطار "أم جرس" التشادي، وذلك خدمة لمؤامرات أبوظبي في تصعيد الاقتتال الداخلي.
ففي 13 يونيو 2023 استخدم الدعم السريع طائرات مسيرة إماراتية، ونجح الجيش السوداني في إسقاط مسيرتين أثناء استهدافهم سلاح المدرعات.
وفي ذلك اليوم نشرت القوات المسلحة السودانية فيديو، كشفت فيه تنفيذ الجيش عملية نوعية في منطقة المدرعات في حي الشجرة.
وعقب يوم واحد، وتحديدا 14 يونيو، نقلت قناة العربية السعودية عن مصادر عسكرية أن المسيرات استهدفت رئاسة سلاح المدرعات في الخرطوم، والمستشفى الملحق برئاسة سلاح المدرعات، ما أدى لسقوط أطباء ومرضى.
وفي 30 يونيو 2023، كتب السياسي السوداني، زين الدين عبد الرحمن، عبر صحيفة "سودانايل" المحلية، أن الإمارات تصر على دعم وإذكاء الحرب في السودان، وتتخذ من تشاد مركزا لتحركاتها.
ومن أهم أوجه ذلك الدعم نقل المسيرات من تشاد إلى داخل السودان، لأن نقطة التفوق الحقيقية للجيش تكمن في سلاح الجو، وتريد الإمارات إحداث توازن لحلفائها من الدعم السريع.
وذكر أنه في 9 يونيو 2023 ، ظهرت في سماء السودان مسيرات "LT79 Terrier" التي زودت بها الإمارات الجيش التشادي، ومن ثم قوات الدعم السريع.
وبحسب ما كشفه موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عام 2015، فإن أبوظبي حصلت على تلك الطائرات بعقد قيمته 200 مليون دولار، من شركة "Yugoimport" الصربية وشركة الإمارات للأبحاث المتقدمة والتكنولوجيا القابضة "EARTH".
وكانت منصة "إيكاد" أوردت أن صورا للمسيرة ذاتها نشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، حين استخدمها الجيش الإثيوبي خلال النزاع في إقليم تيغراي، كما وجدت صور لها أيضا في اليمن بعد إعلان مليشيا الحوثيين إسقاطها عام 2021.
وأكدت المنصة، أن كل الطائرات التي ظهرت في اليمن أو إثيوبيا أو السودان تتشابه كليا، وأن الطائرة الإماراتية جرى تعديلها بإضافة أنبوبين حتى تستطيع حمل القذائف، وترميها بشكل مشابه للقنابل الغبية، وهي تقنية تتطلب تواجد المسيرة على ارتفاع منخفض، ما يجعلها عرضة للنيران الأرضية.
لذلك فإنه بالاستناد لتلك الوقائع، استخدمت قوات الدعم السريع المسيرات الإماراتية في استهداف السودانيين، وأن تلك المسيرات التي نقلت عبر أم جرس التشادية، استخدمت ذخائر كتب عليها "الإمارات"، كما سبق أن رصدت في اليمن وإثيوبيا.
المصادر
- The UAE airlift to Amdjarass, Chad
- فيديو: رحلات مكثفة من الإمارات إلى تشاد لدعم ميليشيات التمرد في السودان
- الإمارات تفتتح مستشفى ميدانيا في تشاد دعما للاجئين السودانيين
- رئيس الدولة ورئيس تشاد الانتقالي يشهدان تبادل اتفاقيات ومذكرات تفاهم
- أم جرس..صور أقمار صناعية تظهر معسكرًا جديدًا قرب المطار.. ما القصة؟