القطار الكهربائي نموذجا.. هل يحل السيسي أزماته ببيع أصول مشروعاته الفاشلة؟
بعد ثلاثة أسابيع من افتتاح المرحلة الأولى منه في 3 يوليو/ تموز 2022، كشفت مصادر حكومية مصرية أن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي يدرس بيع بعض أصول القطار الكهربائي السريع لعدم جدواه.
وهو ما عده خبراء منذ ذلك الحين، مؤشرا على فشل القطار، وخطوة أولى تمهد لبيع مشاريع فاشلة أخرى جرى تشييدها بالقروض، لسداد الديون المتراكمة على البلاد، ما يمثل تجسيدا للمصطلح الشعبي "سكة الندامة".
وعادت القصة إلى الواجهة بعد أن كشف مصدر مسؤول في وزارة النقل، لموقع "المنصة" 22 يوليو 2023 عن طرح الوزارة بيع جزء من أصول شبكة القطارات الكهربائية السريعة بخطوطها الثلاثة "العلمين -العين السخنة" و"6 أكتوبر -أبو سمبل" و"قنا -سفاجا" لشريك أجنبي.
قال إن ذلك سيجري بغرض المساهمة في سداد قرض المشروع، في وقت تعاني فيه الحكومة شح العملة الأجنبية وعدم قدرتها على سداد الديون المتراكمة.
مع أن وزارة النقل نفت في 23 يوليو 2023 بيعها أصول شبكة القطار، لكنها اعترفت بالتعاقد مع شركة أجنبية هي سكك حديد ألمانيا، على إدارتها وتشغيلها ولكن "مع استمرار ملكيتها للدولة المصرية" وفق بيان رسمي.
إلا أن إعلانها التعاقد فقط على إدارة وتشغيل المشروع، مع شريك أجنبي لمدة 20 عاما، يثير الحيرة.
فقد سبق أن أعلنت بالفعل عام 2022 رسميا إسناد إدارة خطوط القطار الكهربائي السريع لاتحاد شركتي السكك الحديدية الألمانية دويتشه بان والسويدية إلكتريك لمدة 15 سنة، وفق صحيفة "الأهرام" 16 أغسطس/آب 2022.
وهو ما يطرح تساؤلات حول تضارب تصريحات الوزارة ردا على اتهامات بيع نظام عبد الفتاح السيسي أصول مشاريع نقل لسداد القروض.
ويرى خبراء أنه عاجلا أو آجلا ستضطر حكومة السيسي لبيع أصول مشاريعها في قطاع النقل مثل القطار السريع وغيره لعدم قدرتها على سداد الديون التي اقترضتها لبنائها، وتولية شركة أجنبية إدارة المشروع كمقدمة لبيع الأصول.
أكدوا أن هذه هي النتيجة المتوقعة لسوء التخطيط وعدم وجود دراسات الجدوى والجهل التام بعلوم الإدارة والاقتصاد التي لا يعلم عنها ضباط الجيش أي شيء، محذرين أن الشعب هو من سيدفع ثمن هذه الأخطاء.
ماذا حدث؟
لم يكن الخبر الذي نشره موقع "المنصة" الخاص في 22 يوليو 2023 نقلا عن "مصدر مسؤول" في وزارة النقل، عن طرح الوزارة بيع جزء من أصول شبكة القطارات الكهربائية السريعة بخطوطها الثلاثة لشريك أجنبي، مفاجأة لأحد.
ففكرة بيع أصول مشاريع للمساهمة في سداد قرض المشروع مطروحة في مناقشات شبه رسمية. ولم يكن نفي الوزارة البيع والاكتفاء بالحديث عن "شريك أجنبي" واضحا.
فقد ظهر وزير النقل كامل الوزير على قناة "إم بي سي" مساء 23 يوليو 2023 ليقول إنه لا تفكير في البيع، رغم حديثه عن أن المؤسسات الدولية أوصت بتخارج الحكومة من بعض القطاعات للقطاع الخاص.
قال: "نستعين بشركات ألمانية للإدارة أو التشغيل لمدة 20 عاما"، ثم بين أن قطاع النقل والمواصلات يساعد في الإنفاق على مجالات مثل الصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الخدمية، دون أن يحدد ما المقصود وكيف؟
وقد عقب "عمرو أحمد"، وهو مهندس في إدارة المشاريع وحوكمة الشركات عبر تويتر على تصريحات وزير النقل النافية للبيع متوقعا أن يكون هناك "طرف ثالث" يشتري أصول الخط كاملًا بالمحطات.
قال إن هذا الطرف الثالث "هو من تعاقد في صفقة سرية مع الشركة الألمانية للتشغيل كواجهة، وستكشف الأيام هوية المشتري".
هناك طرف ثالث تشتري أصول الخط كاملًا بالمحطات وهو من تعاقد مع الشركة الالمانية للتشغيل كواجهة والسيسي هو البائع والشراء تم للتملك وتملك أصول استراتيجية اعلان سيطرة. وستكشف الأيام من هو المشتري.كل الصفقات السرية التي تمت في الخفاء يجب أن تؤمم فهي سرقات وبيع من لا يملك لمن لا يستحق
— Dr Amr Ahmed, PhD, PE (@amrahmed1484100) July 23, 2023
وبين المصدر الذي تحدث لموقع "المنصة"، وهو مسؤول في مجلس إدارة الهيئة القومية للأنفاق، أن مخطط البيع الذي تدرسه الوزارة جرى عرضه في اجتماع خلال يوليو.
وهذا الاجتماع جمع وزير النقل بمستشاريه وقيادات هيئة الأنفاق، ليكلف الوزير بدراستها، تماشيًا مع خطة الحكومة لطرح 32 شركة مصرية في البورصة.
أشار المصدر إلى أن عملية بيع جزء من ملكية الوزارة للمشروع لحساب القطاع الخاص الأجنبي "تستهدف إشراك المشتري في عملية سداد قرض المشروع بحلول فترة سداده".
ولفت إلى أنه سيكون شريكًا في أصول الشبكة كافة، على غرار برنامج بيع محطات الطاقة الكهربائية الذي تسير فيه الحكومة خلال الفترة الحالية لتوفير العملة الصعبة وإعانتها على سداد جزء من الدين الخارجي.
ففي 13 فبراير/شباط 2022 كشف صندوق مصر السيادي عن بيع 3 محطات توليد كهرباء جرى تشييدها بقروض أجنبية، لمستثمر إستراتيجي.
وذلك ضمن خطة الحكومة لخصخصة أجزاء من حصصها في شركات متعددة، بحسب ما قال الرئيس التنفيذي للصندوق أيمن سليمان، في مقابلة مع قناة "الشرق بلومبيرغ" السعودية.
وتزامن مع ذلك، الإعلان أيضا عن بيع محطات الكهرباء سيمنز التي حصلت مصر على قروض ضخمة لبنائها ولم يجر تشغيلها لعدم الحاجة إليها على إثر انقطاع الكهرباء بصورة مستمرة في مصر بفعل عدم توفير المحروقات اللازمة لها. ولهذا فقد دعا مصريون للسخرية قائلين: "السيسي بيبيع الإنجازات".
( وزارة النقل تدرس بيع أصول القطار الكهربائي لسداد قرض تنفيذه )
— صاحب السعادة (@Happiness_owner) July 22, 2023
هات قرض
إعمل قطار كهربائي ... بيع القطار الكهربائي
سدد القرض �� pic.twitter.com/ntgpsuQmqC
وقبل تسريب هذه الأخبار عن بيع المشاريع لسداد ديون الدولة، اجتمع السيسي في 20 يوليو 2023 مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير النقل.
وقيل إن السبب الاطلاع على الموقف التنفيذي والتشغيلي لعدد من مشروعات وزارة النقل، خاصة القطار الكهربائي السريع. فهل جرى في هذا الاجتماع إعطاء الضوء الأخضر لبيع أصول هذه المشاريع؟
��#مشاريع_مصر����|
— مشاريع مصر Egypt (@EgyProjects) July 20, 2023
الرئيس عبد الفتاح السيسي يطلع على الموقف التنفيذي والتشغيلي لعدد من مشروعات وزارة النقل، خاصةً ما يتعلق بمنظومة القطار الكهربائي السريع على مستوى الجمهورية، ومستجدات عملية التطوير الجارية لمنظومة الموانئ المصرية. pic.twitter.com/6FhSF2fPbB
غير مربح
ما زاد من احتمالية التوجه نحو بيع بعض أصول القطار الكهربائي أن المشروع تعرض لانتقادات كثيرة من خبراء بعدما تبين بعد شهرين من تشغيله في 3 يوليو 2022، ورغم الدعاية الكبيرة التي صاحبت الافتتاح، أنه جرت دراسة وقف التشغيل بسبب عدم جدواه اقتصاديا حاليا.
واشتكى مصريون من ارتفاع سعر التذكرة بشكل مبالغ فيه، وندرة الركاب الذين بلغ عددهم بإحدى الرحلات ثلاثة أفراد فقط.
وهو ما يمثل وفق مراقبين، إهدارا لأموال الدولة، ويؤكد اتهامات المعارضين للحكومة بإقامة مشروعات غير ذات جدوى وإنفاق المليارات دون طائل.
ورغم نفي الحكومة ذلك التوجه ومع كثرة اللغط بشأن توقف القطار، وندرة الراكبين، أعلنت وزارة النقل في 15 سبتمبر/أيلول 2022، تخفيض تذاكر القطار بنسبة 30 إلى 40 بالمئة وإصدار اشتراكات مخفضة بنسبة 50 بالمئة.
وانتهي الأمر بتأكيد مصادر حكومية لموقع "العربي الجديد" في 5 سبتمبر 2022، بأن وزارة النقل المصرية تدرس وقف تشغيل "القطار الكهربائي الخفيف" الذي يربط القاهرة بالعاصمة الإدارية ومدينة العاشر من رمضان، لمدة 6 أشهر.
وضمن السخرية من بيع القطار ربط ناشطون مصريون بينه وبين أزمة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة بصورة مزعجة 3 أو 4 مرات يوميا عن منازل المصريين.
وتساءلوا: كيف سيسير القطار بالكهرباء ومصر تعاني من انقطاع التيار؟! كما سخروا من أخذ نظام السيسي قروضا لتنفيذ مشاريع نقل ثم بيعها لاحقا لعدم قدرته على السداد.
- إحنا بنجيب قروض عشان نعمل بيها مشاريع
— صاحب السعادة (@Happiness_owner) July 23, 2023
= هايل . . . وبعدين ؟!!!
- بنبيع المشاريع عشان نسدد بيها القروض �� pic.twitter.com/0qgOkzUsn1
وكان ملفتا أنه بالتزامن مع الحديث عن بيع أصول القطار الكهربائي، أشار موقع "الشرق بلومبيرغ" 19 يوليو 2023 لاستقالة رئيس قطاع الاستثمار في صندوق مصر السيادي، عبد الله الإبياري، من منصبه.
وحاول موقع "القاهرة 24" القريب من الجهات الأمنية المصرية التخفيف من وقع الاستقالة بالقول في 22 يوليو 2023 إن 5 مسؤولين بالصندوق السيادي وليس واحدا فقط "لم يجر التجديد لعملهم".
وجاء ذلك بعد أيام قليلة من إعلان الصفقات المنفذة من برنامج الطروحات الحكومية".
ونقل الموقع عن "مصدر حكومي" أن هناك خمسة مسؤولين بصندوق مصر السيادي انتهى عقدهم ولم يجدد التعاقد لهم لشغل مناصبهم في الصندوق السيادي، بينهم عبد الله الإبياري، وكريم بدر.
والأخير هو المدير التنفيذي لصندوق مصر الفرعي للمرافق والبنية الأساسية بصندوق مصر السيادي.
الإنفاق والديون
ومنذ إعلان عبد الفتاح السيسي في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، تشييد خط قطار كهربائي سريع، طوله ألف كيلومتر وبتكلفة 23 مليار دولار، انتشر الجدل بشأن أولويات الإنفاق على مشاريع "لا تخدم سوى الأثرياء" لأنه يربط بين منتجعاتهم ومراكز السلطة في مدن العلمين والعين السخنة والعاصمة الإدارية.
وزاد من غضب وتساؤلات المصريين، أن الصين سبق أن تقدمت بعرض لنفس الخط الكهربائي مع شركات مصرية بتكلفة 9 مليارات دولار فقط، أي أقل من النصف، ما يشير لخسائر وتكاليف ضخمة اضطر معها النظام لبيع مشاريعه لسداد ديونه.
فقد بلغت تكلفة تنفيذ شبكة القطارات السريعة وقت تقديرها عام 2019 مبلغ 11 مليار دولار، مقسمة على الخطوط الثلاثة بمقدار 3.5 مليار دولار للخط الأول، و7.5 مليار دولار للخطين الثاني والثالث.
والآن في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى، يتوقع زيادة تكلفة تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة بشكل كبير.
ولتنفيذ المشروع حصلت وزارة النقل على قرض قيمته 4.4 مليار دولار من بنك التنمية الألماني، ووكالة ائتمان الصادرات الإيطالية، لتمويل الأعمال الإنشائية للخط الأول، وتصنيع الوحدات المتحركة وأنظمة التشغيل والأجهزة الكهروميكانيكية ومحطات تغذية الكهرباء.
وتشير دراسة لمركز أبحاث "حلول للسياسات البديلة" 16 يوليو 2023 إلى أنه "سيتوجب على مصر سداد مبلغ 83.6 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة فقط (2023 حتى 2028) في خدمة الدَّين"، أي، عدا سداد رأسمال الديون نفسها.
وبحسب النشرة الشهرية للبنك المركزي (مايو/أيار 2023) بلغ حجم الدَّين الخارجي لمصر 163 مليار دولار حتى الربع الثاني من العام المالي الحالي (يوليو 2023/يونيو/حزيران 2024) مسجلًا ارتفاعًا بمعدل خمسة أضعافه خلال الـ 10 سنوات الماضية.
وهو ما يعني توقع صعوبات كبيرة في سداد قروض هذه المشاريع مع استفحال أرقام الديون، ويدفع لبيع أصول شبكة القطارات المبنية بالقروض ضمن ما يبيعه نظام السيسي حاليا من أصول لسداد ديونه.
ويقول تقرير "المعهد الأوروبي للشرق الأوسط (IEMed)" لعام 2023 إن نظام السيسي يعاني أزمة اقتصادية غير عادية بعد مرور 10 سنوات من الحكم القمعي ويبحث عن مساندة دولية لنظامه عبر تقديم خدمات للغرب.
أكد أنه بعد عقد من الانقلاب الذي قاده السيسي ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، أصبح ترسيخ الاستبداد في مصر واضحًا، لكن الجديد هو الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مع ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء وتزايد عدم المساواة والقمع القوي.
وبين أن نظام السيسي "يسعى إلى تبييض صورة البلاد في الخارج بمبادرات سياسية محدودة لا تقدم أسبابًا قليلة للأمل"، وذلك طمعا في تعويم نظامه اقتصاديا.
المصادر
- مصدر: "النقل" تدرس بيع بعض أصول القطار الكهربائي لسداد قرض تنفيذه
- النقل تنفي بيع بعض أصول القطار السريع والكهربائي الخفيف لسداد قروض التنفيذ
- دول خليجية تتطلع لشراء حصص بمحطات كهرباء "سيمنز" وشركة وقود تابعة للجيش في مصر
- وزير النقل: دويتشه بان مصر بالشراكة مع شركة السويدي اليكتريك ستقوم بإدارة وتشغيل شبكة القطار الكهربائي السريع