تعليق انتخابات المحامين بموريتانيا.. خطوة قانونية أم توظيف سياسي؟ 

12

طباعة

مشاركة

تتواصل محاولات تأثير السلطة السياسية في موريتانيا على انتخابات المحامين، بغية تقريب المترشح الموالي للحكومة وضمان فوزه، مما كان موضع انتقاد ورفض واسع.

وتجدد هذا النقاش إثر تعليق الانتخابات الخاصة بالمحامين، بقرار من المحكمة العليا بموريتانيا، والتي كانت مقررة في 13 يوليو/تموز 2023، وسط جدل قانوني بين أعضاء الهيئة.

وظهر الجدل في طريقة تعويض اثنين من أعضاء مكتب التصويت، واللذين اعتذرا عن عضوية المكتب، إثر سفرهما خارج البلاد.

ويتكون مكتب التصويت من ثلاثة أعضاء، وهم الرئيس، محمد ماء العينين الخليفة، وعضوين آخرين، هما الشيخ ولد باها، أقدم محامي على جدول المهنة، وبنعمر ولد فتى، آخر محام في جدول المحاماة.

حيثيات الواقعة

وللكشف عن حيثيات الواقعة، قال المحامي محمد المامي مولاي علي، إن قانون النظام الداخلي للهيئة الوطنية للمحامين، ينص على أن التصويت يُعلَن من طرف المجلس الوطني لهيئة المحامين قبل 10 أيام على الأقل من وقت الاقتراع.

وتابع محمد علي لـ "الاستقلال"، وهذا ما وقع بالفعل، حيث اتخذ المجلس القرار في 21 يونيو/حزيران 2023، بتعيين رئيس وأعضاء مكتب التصويت طبقا للمعايير التي حددتها المادة 74 من النظام الداخلي للهيئة.

واستدرك: "لكن في اليوم الذي يسبق الاقتراع، اعتذر اثنان من أعضاء مكتب التصويت، وحينها، أخبر بذلك النقيب إبراهيم ولد أبتي، وهو أحد المترشحين للمنصب".

ولأنه استشعر الحرج في أن يترأس المجلس الوطني من جديد لاختيار عضوين آخرين، فوض صلاحياته في هذه النقطة بالتحديد للأمين العام، محمد محمود باباه ديداه، حتى يدعو مجلس الهيئة، ويعلن عن العضوين الجديدين، وفق قوله.

وذكر محمد علي أن الأمين العام للهيئة الوطنية للمحامين لم يدع المجلس للانعقاد، وبالتالي لم يتخذ القرار، وإنما رأى أن الأمر لا يحتاج إلى قرار المجلس، وأن بالإمكان تنفيذ المعايير الواردة في المادة المذكورة.

وأوضح أن المادة تنص على تقديم أقدم محامي ثم الذي يليه ثم الذي يليه، وأحدث محامي ثم الذي سبقه ثم الذي سبقه.

وقال محمد علي، إن الاقتراع بدأ في اليوم المعلن على هذا الأساس، لكن دون أن يعلن عن اسمي العضوين الجديدين، واللذين اعترض عليهما أحد المترشحين لرئاسة الهيئة، لأنه لم يُعلن عنهما من طرف المجلس.

وأبرز المتحدث ذاته، أن المرشح، النقيب المنتهية ولايته، إبراهيم ولد أبتي، لجأ إلى المحكمة العليا التي قضت بتأجيل عملية الانتخاب لمدة عشرة أيام، في انتظار الإعلان عن اسمي العضوين الناقصين في مكتب التصويت.

من جانبه، يقول المحامي سيدي مختار ولد سيدي، إن انتخابات المحامين تخضع لقانون يحكمها، لكن هذا القانون للأسف جرى العبث به من لدن الهيئة نفسها التي يُفترض أنها الحارس لهذا القانون.

وأردف ولد سيدي لـ "الاستقلال"، القانون يفرض على الشخص أن يكون حسن النية ويتحلى بالأمانة الإجرائية والجوهرية في القانون الموضوعي، مما يجعل الشخص لا يقبل التناقض على نفسه، وهو ما يجعل التناقض سلوكا غير مقبول.

وتابع: "مع ذلك أصدرت الهيئة قرارا بتعيين رئيس لمكتب التصويت وبالتالي رئيسا للجمعية العامة للمحامين وحددت آجال التصويت، ثم طعنت عقبها في قرارها، أي أنها أصبحت كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثا".

واسترسل ولد سيدي، أن القانون الموريتاني لا يسمح بهذا، لأن القانون الشكلي يحظر على المتقاضي أن يتناقض.

وبين أن هيئة المحامين يفترض أنها تضم رجالات القانون والعدالة، وأن لا تلبس لبوس سوء النية، بل الأمانة الإجرائية.

وشدد المتحدث ذاته، أن الهيئة بنقضها وطعنها فيما أبرمته قد أخلت بهذا المبدأ، أي عدم التناقض، ذلك أن الأخير فيه عدم احترام للقضاء، ومساس بوقار هيئة العدالة.

ونبه ولد سيدي إلى أن المحكمة لم تتدخل في الموضوع بشكل تلقائي أو ذاتي، بل وجدت نفسها مضطرة للاستجابة للطلب الاستعجالي الذي توصلت به، محملا المسؤولية في هذا لمن توجه للمحكمة العليا.

وخلص الفاعل القانوني إلى أن استبدال العضوين المتخلفين من أعضاء مكتب التصويت هو الإجراء الصحيح، وأن الخطأ كان القيام بخلاف ذلك.

تأثير على المحامين

قال المحامي المترشح لرئاسة نقابة المحامين، بونا ولد الحسن، إن تعليق انتخابات المحامين، هدفه التأثير على قناعاتهم بأساليب مختلفة. 

ووفق موقع "الأخبار" المحلي، 14 يوليو 2023، أضاف ولد الحسن، في نقطة صحفية عقدها عقب صدور القرار، أن قرار المحكمة بتعليق الانتخابات، جاء بناء على طعن قدمه النقيب إبراهيم ولد ابتي في قرار صادر عنه هو نفسه.

وعبر ولد الحسن عن استغرابه من تقديم ولد ابتي طعنا في قرار أصدره بنفسه، يقضي بتعيين النقيب ماء العينين ولد الخليفة رئيسا لمكتب التصويت.

وشدد على أنه كان الأولى به الطعن في نتائج الانتخابات التي فرز منها 20 صوتا قبل تعليقها. 

وأكد ولد الحسن أن تعليق الانتخابات مبني على حدس تحقق عند فرز الأصوات بحصوله على 15 صوتا من أصل 20 فرزت، مشددا على أن التعليق جاء للتأثير على أصوات المحامين.

في المقابل، قال نقيب الهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين، إبراهيم ولد أبتي، إن الهيئة قادرة على تجاوز مشكلة الاقتراع الحاصلة الآن، عن طريق مجلسها أو بالتشاور بين المترشحين لمنصب النقيب.

وأضاف في تصريح صحفي، وفق ما نقل موقع "صحراء ميديا" المحلي، 14 يوليو 2023، أن الاقتراع الذي كان من المقرر أن ينظم قبلهها بيوم، لاختيار نقيب جديد، "لم يكن قانونيا نظرا لعدم حضور عضوين من مكتب التصويت".

وأوضح أن شغور هذين المقعدين في مكتب التصويت، "جعله يقصد القضاء لإيقاف الاقتراع، وهو ما أصدرت فيه غرفة المشورة بالمحكمة العليا قرارا بوقف عملية انتخاب نقيب المحامين وأعضاء مجلس الهيئة لمدة عشرة أيام".

وأشار ولد أبتي إلى أن القرار الذي اتخذه الأمين العام للمجلس، بتعيين عضوي مكتب التصويت المتغيبين "لم تراع فيه قواعد المادة 74 من النظام الداخلي، التي تنص على أن مجلس الهيئة هو الجهة الوحيدة المخول لها بتعيين أعضاء المكتب"، وفق تعبيره.

وتابع أن الهيئة قادرة على حل مشاكلها الداخلية "وذلك باجتماع المجلس برئاسة النقيب وتعيين مكتب للتصويت محايد، أو بالتشاور على مستوى المترشحين للاتفاق على صيغة لتجاوز القضية الحالية".

ولفت أنه في حالة لم يتوصل المجلس إلى تسوية، سيكون الحل الأخير في اللجوء إلى القضاء "وهو خيار غير محبب لدينا ونتمنى أن لا نصل إليه" وفق تعبيره.

وفي أبريل/نيسان 2023 أعلن المحامي إبراهيم ولد أبتي، ترشحه لمنصب نقيب المحامين في استحقاقات يوليو 2023، مشيرا إلى أنه تقدم بملفه لعهدة جديدة بعد إعلان المحامي محمد الأمين ولد أعمر عدم ترشحه.

وانتخب ولد أبتي في أغسطس/آب 2020 نقيبا للمحامين بعد حصوله على أغلبية أصوات المشاركين في الشوط الثاني من الانتخابات.

ويشغل ولد أبتي منصب المنسق لفريق محامي الدولة الموريتانية الذي يمثل الطرف المدني في قضية محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فيما يعرف بـ "ملف فساد العشرية".

توقعات بالعرقلة

وفي 10 يوليو 2023، أكد ولد الحسن في تصريح صحفي لمنابر محلية، أنه علم بما وصفها بمخاطر وشيكة تهدد العدل والإنصاف وسمعة مهنة المحاماة وهيئتها المستقلة.

وقال إن هذا الخطر نتيجة جهود محام "ونائب برلماني" اسمه احبيب اجاه، ومحام سابق اسمه عبد الله ولد احبيب، والنقيب الحالي إبراهيم ولد أبتي، وتهدف إلى خرق سافر للنصوص والأعراف المهنية وقيم المحاماة.

ورأى ولد الحسن أن الخطة المشار إليها تتمثل في تقدم عبد الله ولد احبيب بطلب للتأجيل أمام مجلس الهيئة لترفضه، ثم يطعن أمام المحكمة العليا لتعلق الاقتراع إلى أجل يمكن من التدخل لصالح إبراهيم ولد أبتي.

وتابع أن هذا التصرف يعد نذير شؤم على مستقبل المهنة والعدل، وهو في نفس الوقت إلغاء للتراكمات الإيجابية والإنجازات التي حصلت عليها هيئة المحامين ومساس باستقلاليتها.

ورأى أن تأجيل الانتخابات لتمكين جهات من التدخل لصالح النقيب إبراهيم ولد أبتي يعد أمرا خطير على قيم العدل وروح النصوص.

وأكد ولد الحسن أن التعليق ستكون له انعكاسات سلبية دوليا على سمعة البلد ومستوى تقدم حقوق الإنسان فيه، وذلك لسبب بسيط، وهو أن مهنة المحاماة واجهة ومرآة لحقوق الإنسان في البلاد.

وسعيا لحل الأزمة القائمة، اقترح المحامي والمرشح لنقيب المحامين الموريتانيين إبراهيم ولد ادي، إنشاء لجنة حكماء تنظر في موضوع انتخابات هيئة المحامين المعلقة بقرار من المحكمة العليا، وتبحث عن حل متفق عليه للمشكل.

ورأى ولد ادي خلال ندوة صحفية، وفق موقع "الراصد" المحلي، 17 يوليو 2023، أن هذه اللجنة يجب أن تتشكل من النقباء السابقين وبعض العمداء الذين يقفون على مسافة واحدة من جميع المترشحين، على أن تتولى هذه اللجنة استدعاء المترشحين من أجل الاتفاق على مكتب لتسيير عملية الانتخاب.

وأضاف أنه يجب أن يقدم المكتب الذي يتفق عليه المرشحون لمجلس الهيئة لإجازته ويجري سحب الطعن المقدم أمام المحكمة العليا، معتبرا أن هذا خياره ويقدمه لزملائه المترشحين لحل هذه القضية.

وأعلن ولد ادي براءته مما وصفها بأي أزمة قد تحدث في هيئة المحامين، مؤكدا أنه لن يكون في يوم من الأيام طرفا في أي شيء قد يقود إلى الخلاف داخل هيئة المحامين الموريتانيين.

ونفى بشدة أن يكون قد سعى يوما إلى عرقلة انتخابات المحامين، أو أن يكون بارك تدخل السلطة، أو أي جهة أخرى في مسار انتخابات الهيئة التي تخص المحامين فقط.

محاولات تحكم

ولفت إلى أنه لم يستشر السلطة في ترشحه ولم يطلب منها دعما، "ولم أسألها عن وضعيتها وما إذا كانت ستتدخل في الانتخابات"، معتبرا أن الأمر يتعلق بالمحامين فقط.

وأكد أنه قاطع التصويت الذي جرى في 13 يوليو لعدم شرعيته، مشيرا إلى أنه كان يوجد في مكتب التصويت شخصان ليس لديهما صلاحية الإشراف على الانتخابات.

وذكر ولد ادي أنه الوحيد من بين المترشحين الذي قدم برنامجا انتخابيا مكتوبا، "جرى عرضه على جميع الزملاء ودعوتهم لنقاشه"، مشددا على أنه يريد أصوات المحامين دون أي تأثير على إرادتهم.

يرى بعض المحامين الموريتانيين أن المهنة تتعرض لمحاولة تحكم من لدن السلطات الحكومية، منتقدين قابلية بعض أعضاء البدلة السوداء لقبول هذا التحكم.

وفي هذا الإطار، قال المحامي محمد المامي مولاي علي، إن الدولة غالبا ما تتدخل لدعم مرشح أو آخر، مشددا أن "هذا يحدث لتقديرات معروفة".

وذكر محمد علي لـ "الاستقلال"، أن هذا حدث منذ نشأة الهيئة الوطنية للمحامين، حيث تدعم الدولة أحد المرشحين على حساب آخر.

ومرد هذا الدعم، يردف المتحدث ذاته، أن الحكومة أو السلطة تريد أن ترى من هو في موالاتها وفي صفها ويدعم النظام على رأس هيئة المحامين.

ونبه إلى أنه، ورغم هذا، فالمحاماة بموريتانيا لا تخلو من استقلالية، لكن أحيانا، حين تكون هناك بعض القضايا أو الملفات السياسية، يحدث أن يقع تأثير من الدولة عليها، بشكل أو بآخر.

وفي تفسيره لهذه الصراعات التي رافقت انتخابات المحامين في هذا الاستحقاق الانتخابي، قال المحامي سيدي مختار ولد سيدي، إنه صراع متكرر في أغلب المحطات الانتخابية، ومرده هو حرص البعض على أن يبقى نقيبا أبديا.

وذكر ولد سيدي لـ "الاستقلال" أن الهيئة ظلت ترى أنها فوق القانون، مشددا أن هذا أمر يستدعي المعالجة.

وأوضح أن بداية العلاج تتم من حلها، وإعادة تشكيلها على أسس سليمة، تراعي القانون ولا تخرج عنه، وتمثل مختلف مناطق البلاد، لا أن تتحكم فيها أقلية عددية وجهوية ومناطقية.

ورأى ولد سيدي أن الهيئة بما يعتريها من أعراض الخلل حاليا، تشكل خطرا على الحقوق الأساسية، لأنها لن تكون أداة فعالة في ضمان الحقوق والدفاع عن الحريات والمشترك واللحمة الوطنية والتطبيق السليم للقانون.

هذا وسيُنتخب النقيب الجديد ومكتبه لمأمورية من ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

وتولى منصب نقيب الهيئة الوطنية للمحامين منذ نشأتها 11 محاميا، وهم أحمد كلي الشيخ سيديا (1980 – 1983)، وجابيرا معروفا (1983 - 1983)، وحمدي محجوب (1983 - 1985)، ومحمد شين محمادو (1985 – 1987 و1989 - 1991)، ويعقوب جالو (1987 - 1989).

ثم محفوظ بتاح (1991 - 2002)، ومحمد ماء العينين محمد خليفه (2002 - 2005)، وأحمد الشيخ سيديا (2005 - 2008)، وأحمد سالم بوحبيني (2008 - 2014)، والشيخ حندي (2014 - 2020)، وإبراهيم ولد أبتي (2020 - 2023).