تحركات عسكرية.. لماذا تحشد مليشيا الحوثي في المدن المحاذية للسعودية؟
أثارت التحذيرات التي أطلقها المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبيرغ، من التحركات العسكرية الحوثية في عدد من المدن، ولا سيما تلك المحاذية للسعودية، تساؤلات ملحة عن انعكاس ذلك على الهدنة في البلاد، وإلى أي مدى يسهم التقارب السعودي الإيراني في منع انهيارها.
وكانت الأمم المتحدة قد رعت هدنة بين الجيش اليمني، ومليشيا الحوثي المدعومة من إيران لمدة ستة أشهر وانتهت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليدخل بعدها اليمن في وضع يشبه الهدنة من دون إعلان، لكن البلاد تشهد بين الحين والآخر مناوشات مسلحة.
استفزازات عسكرية
وأعرب هانس غروندبيرغ عن قلقه من التحركات العسكرية قرب محافظة مأرب واستعراض مليشيا الحوثي للمقاتلين في محافظة إب (تقعان وسط اليمن)، محذرا من التحشيد العسكري الأخير لهذه المليشيا التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ عام 2014.
وقال غروندبيرغ خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي، في 10 يوليو/تموز 2023، إنه رغم انتهاء الهدنة ما زال الشعب اليمني يستفيد "من أطول فترة هدوء نسبي منذ بداية النزاع".
وأكد المبعوث الأممي لليمن أنه "رغم الانخفاض الملموس في القتال منذ بداية الهدنة، فإن الجبهات لم تصمت بعد، إذ وقعت اشتباكات مسلحة في الضالع وتعز والحديدة ومأرب وشبوة".
وأضاف: "يساورني القلق إزاء التقارير التي تفيد بوجود تحركات للقوات بما فيها تحركات بالقرب من مأرب إضافة إلى استعراض لمقاتلين في محافظة إب أخيرا".
ودعا الأطراف إلى وقف الاستفزازات العسكرية والانخراط في اتفاق شامل لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، ومفاوضات سلام تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في اليمن.
من جهتها، قالت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد إن "اليمنيين يتطلعون إلى إحراز تقدم بشأن جهود السلام، سيتطلب أن تجتمع الأطراف اليمنية معا للتفاوض على المسائل المعقدة، على غرار استخدام الموارد السيادية اليمنية لسداد رواتب القطاع العام".
وأضافت غرينفيلد خلال إيجاز لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن في 11 يوليو 2023، قائلة: "نحث الأطراف جميع على التعاون مع المبعوث الأممي الخاص والمشاركة في المحادثات اليمنية- اليمنية المقبلة بشكل ذي مغزى".
وفي 6 يوليو 2023، نفذت مليشيا الحوثي عروضا عسكرية كبيرة على مقربة من الحدود السعودية احتفاء بما تسميه "يوم الولاية" أو "عيدر الغدير".
ويأتي احتفال الشيعة بما يسمى بـ"عيد الغدير" لاعتقادهم بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عيّن علي بن أبي طالب خليفته الأول والإمام من بعده للمسلمين، لكن الصحابة كانوا "غادرين" له، وفق اعتقادهم.
ونشرت مليشيا الحوثي، صورا لاحتفالات نظمتها في جبهات كتاف والبقع بمحافظة صعدة، مستعرضة العديد من الأسلحة الثقيلة المتنوعة والآليات القتالية، إذ توعد قادتها بالقتال مجددا، متهمين الجيش السعودي باستمرار قصف مناطق حدودية، على حد زعمهم.
وفي 8 يوليو 2023، قُتل ضابط يمني ومرافقه، وأصيب 7 آخرون بينهم مدني واحد، في هجوم شنّته طائرة مسيرة بمحافظة تعز التي تشهد تحشيدا لمليشيا الحوثيين واستعدادات قتالية في مختلف المحاور، جنوبي غرب البلاد، كما أسفر انفجار لغم أرضي عن مقتل خبيري نزع ألغام في محافظة صعدة شمالا.
الحل بالردع
وبخصوص التعزيزات العسكرية وانعكاسها على الواقع في اليمن، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي إن "الهدنة لم تكن أبدا متعلقة بالوضع العسكري الداخلي".
ولهذا "من الطبيعي أن تسترعي تهديدات الحوثيين بالتصعيد مع السعودية انتباه المبعوث الأممي وتدفعه إلى التحذيرات من تحركات الأخيرة العسكرية".
وأكد التميمي لـ"الاستقلال" أن "الهدنة لم تضمن السلام في اليمن طيلة الفترة الماضية ولكنها خفضت من التصعيد العابر للحدود. الخيار العسكري هو الذي تمسك ويتمسك به الحوثيون ما لم يكن هناك رادع حقيقي".
ورأى الكاتب اليمني أن "التقارب السعودي الإيراني بدوره لم يستطع أن ينهي خيار التصعيد العسكري المحتمل".
وبين أنه "إذا ما أضيف إلى الوضع في اليمن النزاع الناشب حول حقل الدرة في شمال الخليج، فإن تفاهم الرياض وطهران يتعرض لاختبارات صعبة في الساحة اليمنية وكذلك على الساحة الإقليمية".
وكانت الصين قد رعت في مارس 2023، اتفاقا بين المملكة العربية السعودية وإيران يقضي باستئناف العلاقات بين توقف دام 7 سنوات بسبب حرق سفارة الرياض في طهران على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهمة الإرهاب.
وفي 6 يونيو 2023، أعادت إيران افتتاح سفارتها بالرياض بحضور نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية علي رضا بيكدلي، والذي عد الخطوة بمثابة "حقبة جديدة" في العلاقات بين القوتين الإقليميتين.
لكن في خطوة أثارت حفيظة الكويت والسعودية، أعلنت إيران جهوزيتها الكاملة للبدء في حفر حقل الدرة (آرش على الجانب الإيراني) للغاز الطبيعي.
وهو ما رفضته الدولتان الخليجيتان، مؤكدتان أنهما فقط لهما الحق باستغلال ثرواتها، واستعدادهما للتفاوض مع طهران كطرف واحد.
فصل جديد
وعلى الصعيد ذاته، قال الباحث السياسي اليمني ثابت الأحمدي إن تصريح المبعوث الأممي ينذر بفصل جديد من فصول الصراع، مضيفا أن "الحوثي لم يتوقف عن التحشيد العسكري وخرق الهدنة ومحاولة اقتحام مدينة مأرب مع ما يبديه أبناؤها واليمنيون المقيمون فيها من استماتة تاريخية للدفاع عن وجودهم وجمهوريتهم".
وفي ما يتعلق بالحديث عن السلام، رأى الأحمدي خلال تصريح لصحيفة "إندبندنت عربية" في 12 يوليو 2023 أنه "لا يعدو كونه عبثا، لأن السلام مع الحوثي يعني تكليفه غير طباعه، وهذا من سابع المستحيلات لأنه لم يكن من أهل السلام".
تكثف مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا من تحركاتها العسكرية نحو محافظات جنوب اليمن، وهو ما يؤشر على طبيعة المعركة القادمة التي ينوي الحوثيون افتعالها.
إذ دفعت بآلاف المقاتلين إلى جانب أرتال من الآليات العسكرية باتجاه مدينة الضالع، وذلك بالتزامن مع تعزيزات أخرى وصلت إلى محافظة تعز البوابة الأخرى لمحافظات جنوب البلاد.
تلك الاستعدادات صاحبها إعلان رسمي من الحوثيين، بأنهم أصبحوا مستعدين للمعركة القادمة ضد القوات الحكومية اليمنية، حسبما قال محمد العاطفي، وزير الدفاع في حكومة المليشيا غير المعترف بها دوليا، والتي تتخذ من صنعاء مقرا لها.
وقال العاطفي خلال زيارته لجبهات قعطبة ودمت وجبن والحشا بالضالع في 3 يوليو 2023 إن قواته وصلت إلى نسبة كبيرة من الاكتفاء الذاتي، بدءا من ذخيرة بنادق الكلاشينكوف، وصولا إلى الصواريخ الباليستية الإستراتيجية ذات المديات البعيدة.
العاطفي هدد مجددا بحرب مفتوحة في حال استمرار رفض شروط الحوثيين في المفاوضات، محذرا "التحالف العربي" بقيادة السعودية، والمساند للحكومة الشرعية في اليمن بأن، الهدنة حسب رغباتهم لن تبقى قائمة.
وتابع: "سيكون للقوات المسلحة اليمنية (يقودها الحوثيون) تحركها المدروس والذي سيعيد للمنطقة توازنها"، مشيرا إلى أن الحل ليس بأيدي من وصفهم بـ"تحالف العدوان"، وإنما هم مكرهون على أن يكون الحل بأيديهم، فإن أرادوها سلما فسيرتاحون وإن أرادوها حربا فسنجعلها حربا مفتوحة.
مبعوث غوتيريش ليس من صلاحياته إحلال السلام في اليمن لأنه مايزال مقيد بمرجعيات تدعو للاستسلام
— حسين العزي (@hussinalezzi5) July 11, 2023
المبعوث أيضا لايستطيع أن يقودمفاوضات تفضي لوقف الحرب في اليمن لأن من يقود الحرب في الطرف الآخر ليس ضمن إختصاصه التفاوضي
الأفضل لمجلس الأمن أن يصمت لأنه من يطيل أمد الحرب والحصار على اليمن
وفي السياق ذاته، وضعت مليشيا الحوثي شروطًا جديدة للقبول بمساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن.
إذ قال القيادي الحوثي حسين العزي الذي يحمل صفة "نائب وزير الخارجية" في حكومة الحوثيين إن" السلام والحوار اليمني اليمني يستدعيان فض التحالف وتحييد العنصر الأجنبي وإلغاء القرار 2216 ومن دون ذلك يبقى السلام مجرد كلام".
وخلال تغريدة له في 11 يوليو 2023 اتهم القيادي الحوثي، حسين العزي، الأمم المتحدة "بإطالة أمد الحرب في اليمن"، وذلك لأن "مبعوث غوتيريتش (الأمين العام للأمن المتحدة) ليس من صلاحياته إحلال السلام في اليمن لأنه ما يزال مقيدا بمرجعيات تدعو إلى الاستسلام".
وأضاف أن "المبعوث أيضا لا يستطيع أن يقود مفاوضات تفضي لوقف الحرب في اليمن لأن من يقودها في الطرف الآخر ليس ضمن اختصاصه التفاوضي"، مشيرا إلى أن "الأفضل لمجلس الأمن أن يصمت لأنه هو من يطيل أمد الحرب والحصار على اليمن".
وفي 14 أبريل/ نيسان 2015، اتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار يحمل رقم 2216، ينص على فرض عقوبات تمثلت في تجميد أرصدة وحظر السفر للخارج، نالت عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين، وأحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس الأسبق، والقائد السابق للحرس الجمهوري اليمني، المتهمين بـ"تقويض السلام والأمن والاستقرار" في اليمن.
المصادر
- تحشيدات “حوثية” عسكرية بتجاه الجنوب اليمني.. عن ماذا تبحث إيران؟
- تحذير أممي من تحشيد حوثي جديد ينذر بعودة الحرب في اليمن
- المبعوث الأممي يشترط “انفراجة حقيقية” لإنهاء الحرب في اليمن ويُعرب عن قلقه من تحركات للقوات بالقرب من مأرب
- رغم التهدئة.. عروض عسكرية حوثية على الحدود السعودية
- الحوثية الإرهابية تعلن استكمال استعداداتها العسكرية.. والجنوب بوصلتها القادمة
- هجوم بمسيرة وانفجار لغم يسفران عن 4 قتلى بينهم ضابط في اليمن
- واشنطن تدعو إلى جهود دولية مضاعفة لإنهاء الحرب في اليمن
- خلاف حقل الدرة النفطي.. هل يعيد العلاقات بين إيران والسعودية للمربع الأول؟