رغم أوجه الشبه.. لهذه الأسباب يصعب تكرار "احتجاجات فرنسا" في تركيا
تناولت صحيفة تركية قضية أحداث الشغب في فرنسا ونظرة الأتراك لها، بعد تصاعدها بشدة، ما أثار مخاوف كبيرة في أوروبا.
وتساءلت صحيفة "قازيتي دوفار" في مقال للكاتب فهيم طاش تكين: لماذا لا يتوقف الشباب عندما يتلقون أوامر "توقف" من قبل شرطة المرور؟
وأردف الكاتب: هل كلهم مرتبطون بالجريمة؟ ألا توجد عوامل نفسية وراء ذلك مثل الخوف من التعرض لسوء المعاملة أو الضرب أو حتى القتل؟
نائل المرزوقي
وبدأ الشباب بالخروج في مظاهرات احتجاجا على مقتل نائل المرزوقي البالغ من العمر 17 عامًا من قبل الشرطة الفرنسية في 27 يونيو/حزيران 2023.
كان نائل ابن عائلة من أصول جزائرية تعيش في ضاحية نانتير بباريس، قد قتلته الشرطة الفرنسية لعدم امتثاله لتحذير "توقف"، وبذلك اندلعت الثورة، وفق وصف الكاتب.
بل وجاء تصريح الشرطي الذي أطلق النار على نائل على شكل "قاد السيارة نحوي" لتزداد الاحتجاجات، حيث كان هناك تسجيل مصور لوقت الحادث.
وأظهرت مقاطع مصورة مشهد إطلاق النار من جانب ضابطي شرطة يميلان إلى نافذة جانب السائق في سيارة صفراء قبل أن تنطلق السيارة بعيدًا.
ثم أطلق أحد الضباط النار في النافذة، وأظهرت مقاطع مصورة أن السيارة تحطمت لاحقًا.
بدورها، أعربت والدة نائل، بعد يومين من مقتله، عن اعتقادها أن الحادثة لها دوافع عنصرية.
وقالت منية لقناة "فرانس 5" في أول مقابلة إعلامية معها منذ إطلاق النار، "أنا لا ألوم الشرطة، أنا ألوم شخصاً واحداً: الشخص الذي قتل ابني".
وأضافت "لدي أصدقاء شرطيون... إنهم يدعمونني تماماً... لا يتفقون مع ما حدث".
ورأت أن الشرطي البالغ 38 عاماً والذي وُجهت له تهمة القتل العمد، كان يمكن أن يلجأ إلى طرق أخرى للسيطرة على ابنها الذي كان يقود سيارة بلا رخصة.
وقالت الأم العزباء باكية "لم يكن مضطرا لقتل ابني... رصاصة؟ من هذه المسافة من صدره؟ لا، لا". ورأت أن الشرطي "رأى وجها عربيا، طفلا صغيرا، وأراد أن يقتله".
وتساءلت الأم التي قالت إنها تعمل في القطاع الطبي، "حتى متى سيستمر هذا؟ كم عدد الأطفال الآخرين الذين سيقتلون على هذا النحو؟ كم من الأمهات سيجدن أنفسهن في مكاني؟".
وقد جرى إيقاف الضابط الذي قتل الشاب عن العمل وما زالت محاكمته جارية وهو مقبوضٌ عليه. ولم يكن هذا الشاب أول من قُتل لعدم اتباع تحذير "توقف".
إذ أعادت هذه الحادثة فرنسا إلى أيام التمرد في 2005. ففي تلك الفترة جرى إشعال النيران في السيارات والحافلات، ونُهبت المحال التجارية، واستُهدفت قاعات المدينة ومراكز الشرطة والمدارس.
سياسة الحكومة
على الرغم من أن الرئيس إيمانويل ماكرون حريص على عدم ارتكاب خطأ وزير الداخلية السابق نيكولا ساركوزي عام 2005، والذي نعتَ المتظاهرين آنذاك بـ "القذارة"، فإن وزير الداخلية الحالي جيرالد دارمانين يدافع هنا عن موقف الشرطة.
فبعد الهجوم الذي تبناه تنظيم الدولة في مدينة نيس عام 2016، مُنحت الشرطة الإذن بإطلاق النار على أي سائق سيارة إذا كان من المحتمل أن يضرَّ بالمارة، وذلك كله باسم مكافحة الإرهاب.
وبهذه اللائحة، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2017، زاد عدد القتلى أثناء سيطرة قوات الشرطة على الأحداث بمقدار 5 أضعاف، حيث شارك 16 شخصا نفس النهاية الحزينة مع نائل في الأشهر الثمانية عشر الماضية، وفق الكاتب.
وأردف أن رأي اليمين الفرنسي ونقابة الشرطة هنا هو: "لم يكن هذا ليحدث لو لم يهرب الشاب".
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، التقى الرئيس إيمانويل ماكرون برئيسة الوزراء إليزابيث بورن ووزير الداخلية جيرالد دارمانين في قصر الإليزيه لمناقشة الأوضاع في البلاد.
وقد أصدر ماكرون في الاجتماع تعليماتٍ لوزرائه ببذل قصارى جهدهم لاستعادة النظام والهدوء في البلاد، كما طلب منهم بدء دراسة طويلة الأجل لفهم ما يحدث في فرنسا.
ونشر ضباط إنفاذ القانون عربات مصفحة في وسط مدينة مرسيليا احتساباً لحالة تجمهر الناس واندلاع الاحتجاجات مرة أخرى.
بينما انتشرت فرق القوات الخاصة للشرطة في شوارع مدينة ليون، حيث كانت الاحتجاجات متوترة في الليالي السابقة.
ومن ناحية أخرى، فرقت الشرطة تجمهر اليمين المتطرف في مدينة ليون بالغاز المسيل للدموع.
كما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في مدينة نويلي سور مارن أيضا، وجرى اعتقال عديدين في أنحاء البلاد.
وأوضح الكاتب أن نتائج الاستطلاع الذي نفذته شركة ستاتيستا الألمانية على 1032 شخصا في 15-16 فبراير تجعلنا نقول إن "هناك عنصرية".
فعند سؤال "هل تعتقد أن هناك تمييزاً على أساس الأصل أو الانتماء العرقي؟"، قال 38 بالمئة "نعم، كثيرا"، وقال 48 بالمائة "نعم، قليلاً"، وقال 13 بالمائة "لا".
وعند طرح نفس السؤال حول التمييز على أساس الانتماء الديني؛ أجاب 38 بالمئة "نعم، كثيرا"، و43 بالمئة "نعم، قليلاً"، و18 بالمئة "لا".
وقال شاب اشترك في المظاهرات تكريماً لنائل؛ "إذا كان لون بشرتك غير مناسب، فالشرطة ستكون أكثر خطورة عليك".
كانت حركة ذوي السترات الصفراء (Gilets Jaunes) هي نيران الطبقة الوسطى الصاعدة من الريف حيث وجد أقصى اليمين موطئ قدم لها.
وتحول هذا الاحتجاج فيما بعد إلى جبهة أوسع للاحتجاج على رأس المال، لكن حلول وباء (كوفيد-19) ساهم في إخماد التمرد قبل تلبية المطالب.
وفي هذا العام، جرى تنظيم 13 إضرابا عاما احتجاجا على رفع سن التقاعد. لكن ومرة أخرى، لم يلق هذا الغضب أي صدى من الجهات العليا. وعزز ذلك الشعور "اللامبالاة" لدى من هم دونهم.
تركيا والاحتجاجات
وتابع تكين طاش: أولئك الذين يشاهدون المظاهرات العنيفة من تركيا مرعوبون أكثر من الفرنسيين.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ المواطن التركي يقارن هذه الحوادث بما يمكن أن يحدث مستقبلاً مع اللاجئين السوريين، وبذلك تَنتُجُ سيناريوهات الخوف للمستقبل.
وتحولت إدانة العنف ودعوات دعم الشرطة إلى اختبار وطنية بالنسبة للفرنسيين.
وهذا بصرف النظر عن رد الفعل الكلاسيكي لليمين المتطرف، الذي طالب بحالة الطوارئ كما حدث في عام 2005.
وبين الكاتب أن الجهود المبذولة لتشويه صورة المتظاهرين من خلال ربط القضية على الفور ببقاء البلاد لا تسفر عن النتائج المرجوة.
وعلى الرغم من كل الخطط الشيطانية تجاه مظاهرات السترات الصفراء، لم ينخفض الدعم الشعبي لهم كما هو مرغوب.
وتستحضر الثورة شعارًا آخر للثورة الفرنسية: "عش حرًا أو مت! (Vivre libre ou mourir)".
ليس أطفال الجيل الثالث المهاجرون وحدهم من ينتشر في الشوارع لنعي نائل، فهناك مجموعة واسعة من الفرنسيين هم من أصحاب المصلحة في هذا الغضب. لذا، لا توجد معارضة عنصرية في الشارع.
وعلى الرغم من وجود أوجه تشابه مع اللاجئين السوريين وسيناريوهات الخوف التي تتشكل في تركيا، فإن الأحداث لا علاقة لها بهم.
كما لا يمكن تصنيفها على أنها محاولة للأشخاص ذوي البشرة السوداء، فالضحية مواطن فرنسي ولد ونشأ في فرنسا، ومن يشاركونه الغضب هم فرنسيون بالأسود والأبيض.
وإذا كان هناك درس يمكن لتركيا أن تتعلمه، فهو أن سياسة العنصرية والكراهية لا جدوى منها سوى زرع الألغام في الأرض، وفق الكاتب.
واختتم طاش تكين مقاله قائلاً: إذا ربطنا المقال في جملة واحدة، فهي عندما احتج أحد المتظاهرين قائلاً: "نحن لسنا بقذارة!"، وهذه هي الجملة الوحيدة التي تحتاج إلى فهم دقيق.