عاصم منير.. قائد جيش باكستان الذي يخوض معركة سياسية شرسة ضد عمران خان
قائد الجيش في باكستان، الجنرال عاصم منير، شخصية عسكرية تجاوزت تأثيرها، وكاد يكون أقوى رجل في البلاد، والمتحكم في جميع التفاصيل الاستخباراتية والأمنية والسياسية والاقتصادية أيضا.
هذا التحكم المطلق دفع زعيم حركة الإنصاف ورئيس الوزراء السابق، عمران خان، لشن هجوم على قائد الجيش، في لقاء تلفزيوني مع قناة "العربية" السعودية، في 22 يونيو/ حزيران 2022، وتساءل خان موجها حديثه لمنير: "لا أعلم ما مشكلتك معي؟ لماذا ترفضني؟"
وتعد المواجهة بين خان صاحب الشعبية الكبيرة، وقادة الجيش، من أعقد المشكلات والتحديات التي تواجه منير، خاصة أن الأخير تولى منصب قيادة الجيش في توقيت عصيب حيث عصفت بالبلاد أزمات سياسية واقتصادية طاحنة، فضلا عن الاحتجاجات الكبيرة بقيادة خان وأنصاره، عقب الإطاحة به من رئاسة الوزراء، ثم توقيفه قضائيا.
ويعد الجيش الباكستاني الباب الوحيد الذي ينفذ منه السياسيون إلى السلطة، وقد اعتادوا طرقه لخدمة تطلعاتهم على مدار طيلة 8 عقود.
الجنرال الملا
اسمه عاصم منير أحمد شاه، ولد في مدينة روالبندي المحاذية للعاصمة الباكستانية إسلام آباد، وكان والده يعمل في مهنة التدريس.
في عام 1986، بدأ منير خدمته في الجيش، عندما التحق بالدورة 17 لمدرسة تعليم الضباط في مدينة مانجلا في إقليم آزاد كشمير الباكستاني (شمال غربي البلاد).
ومما حققه خلال تلك الفترة أنه فاز بسيف الشرف المرموق، الذي يمنح للمتدرب الأفضل أداء، وعندها بدأت حياته العملية الفعلية بالجيش، من خلال عمله في الكتيبة 23 من فوج القوة الحدودية.
إضافة إلى أنه كان مساعدا مقربا من قائد الجيش السابق، الجنرال قمر جاويد باجوا، حيث تولى فرقة في المناطق الشمالية برتبة عميد تحت قيادة باجوا، الذي ترأس آنذاك فيلقا للجيش.
كما خدم منير في المناطق المتنازع عليها مع الهند، وكملحق عسكري في السعودية.
وخلال التراتبية العسكرية لمنير في صفوف الجيش، شغل منصب قائد قوة المنطقة الشمالية ما بين الأعوام 2014 و2016.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016 أصبح مديرا عاما للاستخبارات العسكرية.
ويصفه الإعلام الهندي بـ"الجنرال الملا" أي "الصارم" كناية عن التزامه وشراسته.
أقصر فترة
وفي 25 أكتوبر/ تشرين الثاني 2018، أسندت إلى منير مهمة قيادة المخابرات العامة، وهو منصب مهم ورفيع داخل دولاب الدولة، وقائده يلعب الكثير من الأدوار الأمنية والسياسية.
ومن الحوادث المهمة التي حدثت خلال فترة تولي منير للمخابرات، أن وسائل الإعلام الهندية ربطت بينه وبين تفجير "بولو أما" بالهند في فبراير/شباط 2019، والذي أسفر عن مقتل 40 من أفراد الشرطة.
وهي فترة تصاعدت فيها التوترات بشدة بين باكستان والهند، وكان البلدان على وشك الدخول في حرب شاملة.
لكن منير لم يكن أيضا على وفاق مع رئيس الوزراء آنذاك عمران خان، وبدأت الخلافات تدب بينهما، ليقوم خان بتغييره بالجنرال فايز حميد، في 16 يونيو 2019، لتصبح تلك الفترة الأقصر لمنير في توليه منصبا قياديا.
ومنذ ذلك الوقت زادت التوتر في العلاقة بين منير وخان، حتى إن الأخير ألمح في أكثر من مرة أن منير مازال يحمل له الضغينة منذ إقالته من منصب قائد المخابرات العامة.
وبعد الضربة التي تعرض لها الجنرال منير، بإزاحته من المخابرات، تولى قيادة فيلق للجيش في مدينة جوجرانوالا في إقليم البنجاب، واستمر هناك حتى 6 أكتوبر 2021.
ليترأس قيادة الإمداد والتموين المسؤولة عن الإمداد لجميع وحدات الجيش، ويكون على تواصل دائم مع قائد الجيش باجوا، الذي مهد مع بقية الجنرالات لوضع منير على هرم السلطة العسكرية.
قائد الجيش
في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تم تعيينه قائدا للجيش، خلفا للجنرال جاويد باجوا، وتم اختيار منير من بين 6 مرشحين، حيث ينص الدستور الباكستاني على أن قائد الجيش يتم بالتوافق بين رئيس الأركان، وجنرال برتبة فريق أول بـ (أربعة نجوم)، وعضو بارز في هيئة رؤساء الأركان المشتركة، ثم رئيس الوزراء، ويتم الأمر بتصديق رئيس البلاد.
وعندما أعلن عن منير كقائد للجيش، سرعان ما خرج عمران خان، وصرح وسط أنصاره: "القيادة الحالية فاسدة ولا ينبغي السماح لها باتخاذ القرار".
وكات أنصار خان قد قاموا بالهجوم على مقار الجيش والمنشآت العسكرية وحتى النصب التذكارية للجنود، خلال الاحتجاجات التي وقعت في أبريل/ نيسان 2022، اعتراضا على الإطاحة به من رئاسة الوزراء، في وضعية عدوها مؤامرة محكمة بين الجيش والبرلمان.
لم يكن خان وحده التحدي الأكبر في مواجهة منير، حيث أثرت جائحة كورونا على الاقتصاد، إضافة إلى الركود الاقتصادي العالمي، الذي ترك نتيجة سلبية على العملة وأسعار السلع الأساسية، مما تسبب في اضطرابات سياسية.
وعلق على تعيين منير، الخبير في شؤون جنوب آسيا لدى مركز "وودرو ويلسون" الدولي للباحثين (مقره واشنطن)، مايكل كوغلمان، في مقال نشره مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2022 أن "الأمر لن ينهي الاضطرابات ولكنه خطوة في المسار الصحيح".
وأضاف: "تعيين قائد جديد للجيش، أزال مصدرا من مصادر حالة عدم اليقين، ويضع على رأس الجيش قائدا جديدا لا يحمل أعباء ولا يواجه شعبية متدنية كتلك التي عانى منها باجوا".
ورأى أن "التحدي الأكبر الذي يواجهه الجنرال منير يتمثل في كيفية استعادة ثقة الشعب في الجيش بالإضافة إلى مواجهة انتقادات خان للجيش".
انقلاب متوقع
وصف موقع "بي بي سي" البريطاني، الجنرال عاصم منير بأنه حليف وثيق للولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي مقابلة مع مجلة "نيوزويك" الأميركية في 6 يونيو 2023 اتهم خان الولايات المتحدة بأنها وراء تحريض عسكر بلاده على الإطاحة به.
وقال إن "الأشخاص الذين تآمروا لإسقاط حكومتي هم قائد الجيش، والمؤسسة العسكرية، التي تعني رجل واحد (يقصد الجنرال عاصم منير) من أجل التوسع في الحكم وإلغاء الديمقراطية".
وأكد أنه فاز بـ30 انتخابات فرعية من أصل 37 "ومع هذا قرر قائد الجيش، عاصم منير، أنه مهما حدث، لا ينبغي السماح لي بالعودة، ومحاولة اغتيالي كانت جزءا من ذلك، والآن يصوروني كما لو كنت أكبر إرهابي ولست رئيس أكبر حزب في البلد".
لكن يبدو أن منير عزم على تصعيد المعركة بقوة ضد خان، وهو الأمر الذي سيؤثر بقوة على المسرح السياسي الباكستاني برمته
وهو ما ذكره موقع "آسيان نيوز إنترناشيونال" الباكستاني في 17 مارس/ آذار 2023 أن "قائد الجيش الفريق عاصم منير، يؤيد اعتقال عمران خان لإنهاء حياته السياسية".
وكانت صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية ذكرت في 10 مارس 2023، أن "مراقبين يرجحون السيناريو الثاني، وهو عودة باكستان لحقبة الانقلابات العسكرية".
وأوضحت أن الأحداث السياسية في باكستان بأزماتها المتعددة قد تؤدي بالجيش للتدخل و"كنس رقعة الشطرنج السياسية بأكملها من الأحزاب بعيدا"، عبر انقلاب عسكري شرس.
وأضافت أن "هذا هو السيناريو الكئيب الحذر الذي يتوقعه كل المعلقين السياسيين تقريبا بعدما يأس الجيش من حل الأحزاب المتحاربة للأمور بينها".
وأتبعت: "لم يتبق لدى الجيش سوى القليل من الجهد للتعامل مع الاقتصاد أو التهديد الأمني الذي يلوح في الأفق بشكل كبير".
واختتمت: "استمرار المعركة السياسية العنيفة، بين خان والجيش، جعل المؤسسة العسكرية بقيادة منير تشعر بالغضب وتتهيأ لانقلاب، خاصة أن الوضع الاقتصادي الباكستاني هش".
المصادر
- عمران خان يتهم قائد الجيش الباكستاني بإيواء «ضغينة شخصية» ضده
- "الجنرال الملا".. عاصم منير قائد الجيش الباكستاني
- رئيس الاستخبارات السابق في باكستان عاصم منير يتولى قيادة الجيش
- قائد جديد للجيش .. هل ينهي تعيين الجنرال عاصم منير الفوضى في باكستان؟
- لا يزال الجيش الباكستاني هو الطريق الوحيد إلى السلطة
- Exclusive: Pakistan Ex-PM Imran Khan Says Defying U.S. Policy Led to His Downfall
- عمران خان لـ"إنترسبت": الجيش الباكستاني تلاعب بواشنطن لدعم إطاحتي