رغم تكاليفه الضخمة.. لماذا تحرص روسيا على إنجاز ممر "الشمال - الجنوب"؟
سلط موقع برتغالي الضوء على ممر "الشمال - الجنوب" الإستراتيجي، الذي يربط روسيا بالخليج العربي عبر شبكة سكك حديد تمر من داخل أذربيجان وإيران.
وقال موقع "إيه ريفرانسيا" البرتغالي إن مشروع السكك الحديدية، التي تربط روسيا بالمحيط الهندي عبر إيران يتمتع بأهمية بالغة لدى موسكو، لأنه سيساعدها على نقل البضائع بسلاسة وفعالية.
ومع ذلك، يعتمد هذا المشروع بشكل كبير على وضع إيران وبنيتها التحتية، مما يشكل تحديا كبيرا للكرملين، حسب الموقع البرتغالي.
وأردف: تواجه إيران صعوبات في تمويل المشروع، ولا يمكن أن يُفعّل الممر دون استثمارات كبيرة، وبالتالي، ستحتاج روسيا إلى ضخ استثمارات ضخمة في الطرق والموانئ والمستودعات والبنية التحتية.
وقال الموقع البرتغالي إنه عندما طلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في منتصف مارس/آذار 2023، من الشركات الروسية الاستثمار في بناء طريق "رشت-أستارا" -وهو جزء من ممر "الشمال - الجنوب"، لم تكن هناك شكوك في أن رجال الأعمال سيتجاوبون معه.
وسمي الطريق المذكور بهذا الاسم لأنه يربط مدينة رشت في إيران بمدينة أستارا في أذربيجان.
"ومع ذلك، جرى الكشف في مايو/أيار 2023، عن أن الحكومة الروسية كانت تمول المشروع بنفسها، حيث قدمت قرضا بقيمة 1.3 مليار يورو للحكومة الإيرانية"، حسب التقرير.
وأوضح أن "قرار الحكومة الروسية هو أحدث تطور في مشروع أُجِّل لما يقرب من عشرين عاما".
فقد وقعت موسكو وطهران وباكو لأول مرة اتفاقية عام 2005، لبناء خط سكة حديد يربط الخطوط الموجودة في إيران بأستارا.
تقدم بطيء
وبالنظر إلى أن الطرق بين أذربيجان وروسيا موجودة بالفعل، فستكون هناك حاجة فقط إلى 350 كيلومترا إضافيا، لربط موسكو بموانئ المحيط الهندي، ولذلك كان من المتوقع أن يستغرق العمل حوالي عامين.
وحسب الموقع، فإن إيران بدأت في بناء الجزء الخاص بها من خط السكة الحديد عام 2009، ومع ذلك، أُنجز نصف الخط فقط، بين بلدتي قزوين ورشت خلال العقد الماضي.
أما النصف الثاني من الطريق، الممتد من رشت إلى أستارا، فقد تبين أنه يتطلب تكنولوجيا أكثر تعقيدا وتمويلا إضافيا.
وأفاد الموقع أن إيران -التي تعاني من ضائقة مالية- بدأت في جذب الاستثمار الأجنبي لتمويل المشروع.
ففي عام 2017، وافقت أذربيجان على إقراض جارتها إيران 500 مليون يورو، أي حوالي نصف تكلفة البناء الإجمالية.
لكن "باكو" قررت إعادة النظر في ذلك عام 2018، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على طهران، حسب "إيه ريفرانسيا".
وأضاف الموقع أن العمل في الجزء الممتد من "رشت" إلى "أستارا" ما زال مستمرا، على الأقل على الورق.
لكن من الواضح أن إيران تفتقر إلى الأموال والتكنولوجيا، وحاليا عاد الأمر إلى أموال الخزانة الروسية لإعادة المشروع إلى مساره الصحيح.
وفيما يتعلق باحتمالية إنجاز هذا المشروع بعد التمويل الروسي، أوضح الموقع البرتغالي أن الأقوال أسهل من الأفعال، نظرا لظهور عدد من المشكلات.
المشكلة الأولى هي أنه لا يزال العائد من الاستثمار الروسي بعيد المنال، فحتى لو سار كل شيء وفقا للخطة، فلن يجري تشغيل سكة حديد "رشت - أستارا"، التي يبلغ طولها 162 كيلومترا، إلا في عام 2027.
وخلال هذه الفترة، سيتعين أن تمر البضائع عبر أذربيجان، في وقت تتوتر فيه علاقاتها مع إيران، ومن غير المؤكد على الإطلاق أن "باكو" ستمرر هذا الأمر بسهولة، حسب التقرير.
البديل الصيني والتركي
علاوة على ذلك، يمكن لممر "الشمال - الجنوب" أن ينافس مشروع باكو المفضل، وهو "ممر زانجيزور" التركي.
فهناك خطة مثيرة للجدل لشق طريق نقل يربط بين أذربيجان -وربما روسيا- بالبحر الأبيض المتوسط عبر أرمينيا وتركيا، وفق التقرير.
كذلك، أثيرت تساؤلات مشروعة حول فعالية خط "رشت - أستارا" من حيث التكلفة، مقارنة بوسائل النقل البري في إيران.
وأفاد الموقع بأن الأمر "لا يتعلق فقط بأن البنزين مدعوم بشكل كبير في إيران، ولكن أيضا البنية التحتية للطرق أفضل بكثير من السكك الحديدية".
وتابع: "لذلك، ليس من قبيل المصادفة أن تتدخل الحكومة الروسية لتمويل المشروع، وسط ضعف اهتمام المستثمرين من القطاع الخاص".
وأكد الموقع البرتغالي أنه "بالنظر إلى خزائن إيران شبه الفارغة، فإن فرص روسيا في استعادة أموالها ضئيلة بالفعل".
وأوضح التقرير أن "التعاون القائم على الإقراض أصبح العمود الفقري للعلاقات الروسية-الإيرانية".
ففي عام 2021، قدمت روسيا قرضا بقيمة 5 مليارات دولار لإيران لتمويل مشاريع البنية التحتية، وفي نفس العام، تبين أن طهران مدينة بمبلغ 500 مليون يورو (591.5 مليون دولار) لبناء محطة "بوشهر" للطاقة النووية.
"كذلك تستمر ديون إيران -مقابل تحصيل المنتجات الزراعية الروسية- في الارتفاع شهرا بعد آخر"، وفق التقرير.
وأشار إلى أن "روسيا تواصل تقديم القروض على الرغم من تزايد ديون إيران من المشاريع السابقة".
ومع ضعف الوضع المالي لطهران واستمرار الأزمة السياسية، فإن الشكوك تحوم حول قدرة إيران على سداد هذه القروض.
ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن "روسيا بحاجة ماسة إلى وسائل نقل بديلة بعد قطع الطرق التقليدية لها عبر أوكرانيا بسبب الغزو، وبالنظر إلى العقوبات المفروضة عليها، يبدو أن الممر الذي يمر عبر إيران هو الخيار الأكثر أمانا".
وأفاد التقرير بأن "هناك طرقا بديلة تمر عبر الصين وتركيا، ولكن هناك حالة من عدم الاطمئنان حيالها".
فعلى الرغم من "الشراكة اللا محدودة" بين بوتين ونظيره الصيني، شي جين بينغ، فإن الولايات المتحدة تظل الشريك الاقتصادي الأكبر للصين، وقد أثبتت بكين عدم استعدادها لتحمل مخاطر فرض عقوبات عليها.
"كذلك، فإن تركيا، عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لديها اقتصاد مندمج بشكل أكبر مع الغرب"، حسب الموقع البرتغالي.
وشدد "على أنه بالرغم من مقاومتها للعديد من المطالب الغربية بفرض قيود على التعامل التجاري مع روسيا حتى الآن، فإنه قد يصعب الاعتماد على تركيا كشريك موثوق لفترة طويلة".
وتابع: "في المقابل، فإن إيران، التي تواجه عقوبات قاسية، ليس لديها ما تخسره إذا ما تعاونت مع روسيا".
مشروع إجباري
وأوضح أن "لدى روسيا خيارات إضافية تقلل من حاجتها للتنسيق مع دول وسيطة، حيث يمكنها على سبيل المثال توسيع أسطول الشحن البحري الخاص بها في بحر قزوين".
وحسب الموقع، فإن هذا "سيكون أسرع من بناء خط سكة حديد، حيث إنه بعد الوصول إلى إيران، يمكن نقل البضائع عبر الأراضي الإيرانية باستخدام الطرق الحالية أو السكك الحديدية".
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لروسيا الوصول إلى الخليج العربي عبر استخدام السكك الحديدية في كازاخستان وتركمانستان.
ففي مايو 2023، قدم الرئيس الكازاخستاني، قاسم جومارت توكاييف، اقتراحا لإنشاء خط شحن عالي السرعة بين مدينة "تشيليابينسك" الروسية وإيران، بحيث تجدد كازاخستان جزءا من السكك الحديدية الخاصة بها.
ومع ذلك، سيتطلب إنشاء أي من هذه الطرق استثمارات ضخمة، وفق التقرير.
إذ سيتعين توسيع السكك الحديدية الإيرانية ذات المسار الواحد، وبناء موانئ جديدة على سواحل بحر قزوين والخليج العربي وخليج عمان، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الداعمة للمشروع.
وأكد أن إيران لا تستطيع فعل ذلك بمفردها، لكنها على دراية تامة بالوضع الذي تواجهه روسيا الآن وسبب رغبة موسكو في إنجاز ممر "الشمال - الجنوب".
ولذلك، تهدف إيران إلى تحديث بنيتها التحتية، بمساعدة مالية روسية، ويبدو أن موسكو من جانبها، قد استسلمت لدفع الفاتورة، حسب "إيه ريفرانسيا"
ففي منتصف مايو 2023، قال نائب رئيس الوزراء الروسي، مارات خوسنولين، إن بلاده ستنفق من 250 مليار إلى 280 مليار روبل (حوالي 3.5 مليار دولار) على ممر "الشمال - الجنوب"، بحلول عام 2030.
وأشار الموقع البرتغالي إلى أنه "تحت أي ظرف، فإن هذا الرقم أقل بكثير من التكلفة الحقيقية للمشروع".
لكن ليس أمام روسيا خيار آخر، فهي بحاجة إلى الممر، ولا يوجد طرف آخر غيرها مستعد للاستثمار فيه، وفق تقديره.