الأكثر دموية منذ عقد.. لماذا تعد أوروبا مسؤولة عن غرق قارب اليونان؟

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "الدياريو" الإسبانية إن حادثة الغرق الأخيرة في عرض البحر الأبيض المتوسط قرب سواحل اليونان، مأساة بأتم معنى الكلمة، منتقدة سياسات الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين.

في الحقيقة، ربما لن تكون هذه الحادثة الأخيرة، لأنه لا توجد سياسات أو آليات، من الاتحاد الأوروبي أو غيرها من وجهات المهاجرين، لمنع غرق السفن التي تحمل أولئك الذين يحاولون الوصول إلى القارة العجوز هاربين من البؤس والعنف أو الاضطهاد.

حادث مأساوي

وأضافت الصحيفة أن غرق سفينة المهاجرين في 14 يونيو/حزيران 2923، قبالة سواحل اليونان يعدّ الحادث الأكثر دموية في مياه هذا البلد حتى هذه اللحظة خلال هذه السنة.

علاوة على ذلك، يمكن أن يكون أحد أكبر حوادث الغرق التي سجلت خلال السنوات الأخيرة، إذا تأكد أن القارب كان يحمل أكثر من 700 شخص.

حتى الآن، أنقذ أكثر من مائة شخص على قيد الحياة، بالإضافة إلى ذلك، تمكن خفر السواحل اليوناني من انتشال 78 جثة غرقت من السفينة. لكن يُخشى أن يكون هناك عدد أكبر قد غرق في منطقة عميقة من البحر. 

بعد غرق السفينة، اعترف المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، إريك مامر، أن إدارة الهجرة تفشل وأنه من الضروري "التوصل إلى اتفاق حول نهج عالمي ومتماسك" من مؤسسات الاتحاد الأوروبي.  

ونقلت الصحيفة أن غرق السفينة وقع في المرحلة الأخيرة من النقاش حول ميثاق الهجرة واللجوء الذي قاومه الاتحاد الأوروبي لما يقرب من عقد من الزمان. وكان من المقرر أن يكتمل قبل نهاية هذه السنة، تحت قيادة إسبانيا.

ويتضمن ميثاق السبعة والعشرين مبدأ "التضامن الإلزامي المرن" الذي يفرض إعادة توطين 30 ألف لاجئ، يجرى اختيارهم بشكل عشوائي، من خلال دفع 20 ألف يورو لكل شخص يرفض طلبه بشأن اللجوء.  

وحذرت المجر وبولندا مسبقا من أنهما لن تمتثلا لهذه الاتفاقية. أما البرلمان الأوروبي، فهو أكثر طموحا ويرفض "التضامن الانتقائي".

في المقابل، لا تتضمن هذه المفاوضات أولويات بشأن عمليات الإنقاذ البحري، والتي تعدها المنظمات غير الحكومية العاملة في البحر الأبيض المتوسط ​​ضرورية لإنقاذ مئات الأرواح.

في الأثناء، لا يروج الاتحاد الأوروبي لآلية مساعدة على المستوى الأوروبي، كما يعيق تلك المقترحات التي أطلقتها المنظمات لسد الفجوة التي خلفتها المؤسسات، من خلال محاولة إيقاف مهام الإنقاذ. 

من منظمة أطباء بلا حدود، قال ريكاردو غاتي، رئيس فريق الإنقاذ في سفينة جيو بارنتس، لصحيفة الدياريو، إن المأساة التي حدثت في البحر "كانت متوقعة وكان من الممكن تجنبها" لكنها نتيجة "لسياسات الرفض الأوروبية وعدم الاهتمام بالآخرين". 

ويواصل غاتي: "مات هؤلاء الناس لأنهم لم يجر إنقاذهم"، مضيفا أن ذلك لم يكن عن طريق السهو: "عدم إنقاذهم كان قرارا".

ويوجد رئيس الإنقاذ في منظمة أطباء بلا حدود على متن سفينة جيو بارنتس، التي تعمل في وسط البحر الأبيض المتوسط، وهي واحدة من أكثر طرق الهجرة ازدحاما، حيث حدثت فيها أسوأ حوادث غرق السفن في السنوات الأخيرة. 

تجاهل منظمات الإنقاذ

وأضاف المسؤول في المنظمة: "نحن نعلم ظروف هذه القوارب، ومع ذلك، لم يجر إطلاق عملية إنقاذ" للقارب الذي انتهى بالغرق.

وأوضح أن سفينة جيو بارنتس نفسها كانت بالقرب من صقلية وأنه كان من الممكن أن تأتي لإنقاذ المهاجرين إذا "طلبوا ذلك"، لكن لم يتلق أي من القوارب القريبة تحذيرات في هذا الصدد ليتمكنوا من التدخل.  

واستنكر غاتي أن السياسات الأوروبية "تعرقل وتجرم قوارب المنظمات غير الحكومية"، مثل سفينة أطباء بلا حدود.

وبين أن سلطات دول جنوب أوروبا والوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل "فرونتكس"، نفسها لا تشارك إحداثيات السفن المعرضة للخطر أو تتعاون مع هذه المنظمات التي تلعب دورا أساسيا لإنقاذ الكثيرين من الغرق.

ويندد المسؤول قائلا: "لا تحذرنا فرونتكس، حتى لو كنا على مسافة قريبة ولا تخبرنا بالسفينة التي تحتاج إلى مساعدة. في المقابل، يعمدون إلى إبلاغ السلطات المختصة مثل ليبيا أو مالطا مسبقا".

لكن، ترفض مالطا مساعدة المهاجرين في مياهها الإقليمية، بينما يعترض الليبيون السفن ويعيدونها بالقوة، وذلك بموجب اتفاق مع إيطاليا منذ سنة 2017.

ويسمح الاتفاق المذكور لخفر السواحل بإعادة المهاجرين إلى ليبيا، حيث يسجنون في مراكز وثقت فيها الأمم المتحدة انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية. 

وعلى وجه الخصوص، عمدت السلطات الإيطالية "إلى تفكيك الهياكل المسؤولة عن عمليات الإنقاذ وتجريم المهاجرين والمنظمات غير الحكومية" التي تنقذهم.

لهذا السبب، يطلب غاتي التوقف عن "تجريم هؤلاء الأشخاص والمنظمات غير الحكومية"، بالإضافة إلى إنشاء "عملية إنقاذ مؤسسية" من الاتحاد الأوروبي تنسق مع المنظمات لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح.

وبينت الصحيفة أن الحوادث المأساوية في البحر الأبيض المتوسط ​​تكررت أمام النظرة الخالية من المشاعر لأوروبا، التي لم تمنع سياساتها الكثير من الوفيات.

كما غرقت سفينة في كوترو، جنوب إيطاليا، التي حاول عشرات المهاجرين الوصول إلى شواطئها في فبراير/شباط 2023، حيث توفي 80 شخصا.

وأصبحت هذه المدينة رمزا للسياسات المناهضة للهجرة بقيادة حكومة جورجيا ميلوني اليمينية المتطرفة، تقول الصحيفة. ومع ذلك، لم تمنع هذه الحادثة وقوع مأساة أخرى بعد بضعة أشهر.

في السنوات الأخيرة، لقي مئات الأشخاص حتفهم بعد إبحارهم من ليبيا متجهين إلى إيطاليا، وهي إحدى الدول التي تستقبل، إلى جانب اليونان، أكبر عدد من المهاجرين عن طريق البحر.

وخلال أكتوبر/تشرين الأول 2013، صدم مقتل أكثر من 300 شخص قبالة جزيرة لامبيدوزا السلطات الأوروبية.

لوهلة، بدا أن التصريحات والرثاء وقتها سيمثل حلقة فاصلة في سلسلة حوادث الغرق في عرض المتوسط؛ إلا أن الأمر لم يكن كذلك بتاتا. 

ففي أبريل/نيسان 2015، اختفى حوالي 850 شخصا في مياه قناة صقلية، وفقا لمكتب المدعي العام الإيطالي.

وقبل شهرين، لقي 300 آخرون مصرعهم في نفس المكان. وفي أكتوبر من العام 2013، لقي 360 مهاجرا حتفهم بعد غرق قاربهم قبل الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا.

في هذا السياق، صرحت لورينا ستيلا مارتيني، من مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لصحيفة الدياريو، أن "غرق السفينة قبالة السواحل اليونانية هو إشارة إنذار جديدة تسلط الضوء على أن مشكلة الهجرة ملحة. ومن ناحية أخرى، تحذر من أن الإدارة الحالية لتدفقات الهجرة لا تعمل".