عبر ربطهم بالأزمة الاقتصادية.. هل يشجع السيسي العنصرية ضد السوريين؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

رأى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في المعارضة التركية نموذجا، فبدأ يستخدم ورقة اللاجئين ويتحدث عنهم في خطاباته، ويربطهم بالأزمة الاقتصادية العاصفة وحالة الغلاء غير المسبوقة التي تضرب البلاد.

فمن إسطنبول إلى القاهرة، يشهد المواطن السوري الحائر وجوها مختلفة اليوم لحملات العنصرية بطريقة أو بأخرى.

وما إن هدأت الحملة العنصرية ضد السوريين في تركيا بإعلان فوز رجب طيب أردوغان برئاسة الجمهورية التركية، في 28 مايو/أيار 2023 حتى بدأت في مصر.

ففي 14 يونيو/حزيران 2023، كان رئيس النظام المصري في زيارة لقرية الأبعادية بمحافظة البحيرة لافتتاح بعض المشروعات، ووجه خطابا للأهالي، تطرق فيه إلى الأزمة الاقتصادية. 

ثم استخدم اللاجئين في معرض خطابه عندما قال: "مهم تعرفوا عدد الضيوف اللي موجودين في مصر، لما سألت لقيت العدد مش واضح، مش هقول الجنسيات، لكن لدينا 9 ملايين ضيف".

وأضاف: "بالمناسبة كل دولة فيها عدم استقرار واضطرابات، الناس بتخاف وتفزع، يارب نكون أمن وأمان لنفسنا ولأي حد يلجأ إلينا". 

وأتبع: "مش هقول دول علشان محرجش حد، لكن اعرفوا أن الدول اللى حصل فيها مشاكل واقتتال جه منهم عندنا ملايين هنا عايشين معانا، طيب احنا ظروفنا صعبة، كنا ممكن نقول لا، ولكن بيخشوا المدارس بتاعتنا والمستشفيات وبنتشارك الموجود، واللى موجود مش كتير، لكن احنا نتشارك فيه".

تناقضات واضحة

حديث رئيس النظام المصري حمل تناقضات من جهات عدة، خاصة فيما يتعلق بأعداد اللاجئين، فبحسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، فإنه بدءا من 31 يونيو 2022، كان عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية يتكون من 146 ألف لاجئا من سوريا و59 ألف لاجئ من السودان.

وكذلك 25 ألف لاجئ من جنوب السودان، و 8 آلاف لاجئ من اليمن و5 آلاف لاجئ من العراق وأكثر من 50 جنسية أخرى.

الأمر الآخر أنه بحسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة في مصر، الذي تضمن تفصيلات عن العدد الإجمالي للمهاجرين المقيمين في مصر حتى نهاية يوليو/تموز 2022، فإن عدد السوريين من بين المهاجرين يصل إلى 1.5 مليون.

وهذا يوضح أن السيسي يخلط ما بين مفهوم اللاجئ والمهاجر، وهو فرق كبير في طبيعة المعيشة والاستحقاقات.  

وتعليقا على هذه النقطة، قال الباحث المصري محمد ماهر، في حديث لـ"الاستقلال": "إن الخلط بين اللاجئ والمهاجر تدليس ممنهج وابتزاز مفضوح، لأن المواطن البسيط قد لا يعي الفارق، ويتعامل مع كل مغترب ومهاجر أنه لاجئ يستقطع من نصيبه أو يمثل عبئا عليه وهذا غير حقيقي".

وأضاف: "الدولة في مصر من الأساس تتحلل من مواطنيها، ولا يوجد لهم رعاية اجتماعية أو صحية إنسانية، فما بالنا بالمغتربين واللاجئين، فقط النظام يريد مزيدا من الأموال والدعم في ظل أزمته غير المسبوقة فبدأ باللعب على وتيرة المهاجرين".

واستطرد: "اختصاص السوريين بخطاب النظام له أكثر من بعد، أولا هي حالة مجربة في تركيا وجاءت بنتائج بعدما قدم الاتحاد الأوروبي دعما وأموالا لها".

ثانيا في تركيا أيضا لجأت المعارضة إلى نفس الخطاب وحققت نجاحات بشكل ما، عندما حكموا البلديات في إسطنبول وأنقرة، وحققوا تقدما ملحوظا في الرئاسة رغم الخسارة. 

وشدد: "لكن مصر ليست تركيا، فنحن والسوريون بيننا تاريخ مشترك، وخضنا الحرب معا، وكنا جناحي القومية العربية، ومن الصعب التعامل مع السوري كغريب أو لاجئ". 

وأتم: "لذلك فإن لعبة النظام المصري ستكون خاسرة من جميع النواحي، لكن لا يمكن إغفال أثرها السلبي حتى ولو لم يكن حاسما في الوضع، لكنه سيترك شروخا نحن في غنى عنها". 

حسابات مغرضة

لكن الملاحظ أن كلمة السيسي كشفت عن حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على مهاجمة السوريين المقيمين في مصر. 

فحساب باسم شريف غرد عبر تويتر قائلا: "السوري بيتاجر في العملة وابنه بيدرس مجانا فى مصر، ومخلي المصري يضطر يدرس بره ويدوخ على الدولار اللي يشتريه من نفس السوري المزور".

وأردف أن "كل ده بسبب سياسة بلدنا الحالية المرحبة والمفضلة للأجانب اللاجئين على المصريين ولاد البلد!"، وفق زعمه.

حساب آخر باسم المهندس أحمد محمد نشر مقطع فيديو عبر تويتر، يدعي فيه أن السوريين يسيطرون على تجارة الرمان في مصر، ويحتكرون السوق، ويرفعون الأسعار على المواطنين. 

أما صفحة حسن أبو سعيد، وهو ناشط مصري على تويتر متخصص في مهاجمة السوريين، نشر تغريدة يتحدث فيها قائلا: "هل الشعب المصري قادر على طرد اللاجئين بطرق سلمية بعد أن سيطروا على مدن كاملة، والمصريون أصبحوا فيها أقلية". 

وأضاف: "أم من سمح لهم بالدخول والتوغل في مصر، هو الوحيد القادر على طردهم، فده سوري مثلا مترحل من السعودية وجايب أمه ربنا يشفيها تتعالج علي حسابنا".

منتجون لا عالة 

خطاب الكراهية المتصاعد ضد السوريين عقب تصريحات السيسي، لا يتطرق إلى حقيقة أن قطاعا كبيرا من المجتمع السوري في مصر، يضيف إلى الإنتاج ويضخ أمواله في الاستثمار، ويكفي احتياجاته الشخصية والعائلية بنفسه. 

فمثلا كانت التأشيرة الممنوحة للمواطن السوري حتى مطلع عام 2021 تبلغ 1200 دولار.

وبحسب مكاتب سياحية سورية فإن إصدار التأشيرة المصرية البطيئة للسوري كانت تكلفتها 1050 دولارا، لتنخفض قيمتها خلال فترة العروض إلى 500 دولار ويستغرق الحصول عليها أقل من شهر، بينما التأشيرة السريعة فتبلغ 1400 دولار ومدة إنجازها أسبوع.

ويحصل السوري على إقامة زيارة سياحية إما لستة أشهر أو لشهر، ويجرى التقديم عليها في دائرة الهجرة والجوازات للأجانب في القاهرة، بشرط وجود عقد إيجار منزل ودفع مبلغ 650 جنيها مصريا، وبذلك يحصل الشخص على الزيارة السياحية التي تختم على جواز السفر.

ووفقا لما قاله رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر، خلدون الموقع، خلال حديث مع  إذاعة موالية للنظام السوري، في 27 سبتمبر/أيلول 2021 فإن "عدد الصناعيين السوريين العاملين في مصر يقدر بين 15 و17 ألفا، أما رجال الأعمال عامة فيزيد عددهم على 30 ألفا".

وكشف تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2021،  أن "حجم الأموال السورية في مصر يقدر بـ 23 مليار دولار". 

وأضاف: "الاستثمارات والمصانع السورية في مصر تضخ نحو 100 مليون قطعة شهريا من منتجات المصانع".

وفي أواخر سبتمبر/أيلول 2021، أقر عضو مجلس إدارة "غرفة صناعة حلب"، مجد ششمان، بهجرة 47 ألف شخص من سوريا إلى مصر.

ويجمع كثير من المراقبين أن مصر قدمت تسهيلات كبيرة للمستثمرين السوريين، لكنها تهدف لجذب أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، ولا سيما أن الأمر يتطلب كتلة كبيرة جدا من رأس المال الأجنبي، واستقطاب الدولار إلى السوق المصرية، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. 

وكان البنك المركزي المصري قد أعلن مطلع مايو 2023، أن عجز صافي الأصول الأجنبية في مصر قد تجاوز 24.46 مليار دولار.

وميض نار

وعلق المحامي السوري نزار حمدان، على الحالة التي يشهدها المجتمع السوري قائلا: "أنا عشت في مصر 3 سنوات وكثير من أقاربي مقيمون هناك، وأقول بصراحة إن الشعب المصري من أفضل الشعوب التي استقبلت السوريين في محنتهم الطويلة".

وأوضح حمدان المقيم في هولندا حاليا لـ"الاستقلال": "ولا عجب فإننا ومصر كشعب واحد يعيش في دولتين، ولنا ارتباطات تاريخية خاصة مع مصر، منذ زمن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وصولا إلى الوحدة العربية خلال (الرئيس الأسبق) عهد عبد الناصر". 

وأضاف: "لا يشعر السوري في مصر بكثير من الغربة، لكن دعنا نقول أنه لا يجب الاستخفاف بأثر الخطابات السياسية وقت الأزمات الاقتصادية".

فحينها "يجد المواطن الكادح نفسه مضطرا لتحميل أي جهة مسؤولية الوضع، حتى لو كانوا مغتربين أو غيرهم، وكما يقول الشاعر: أرى تحت الرماد وميض نار.. ويوشك أن يكون له ضرام"، وفق قوله. 

وأورد: "مع كثرة الحديث عن اللاجئين أو المهاجرين والمغتربين، لا شك أن الأمر سيتحول إلى ظاهرة ومن ثم سيكون له نتائج سلبية بشكل أو بآخر، حتى ولو لم يصل الحال إلى ما وصلت إليه الأوضاع في تركيا، لكن سيكون له تداعيات".

وشدد حمدان على أن "السوريين في مصر أيضا كما لهم وضعية خاصة في المعاملة، لهم وضعية في الاستثمار".

فكثير من رأس المال السوري خرج إلى مصر، وفتحت مشروعات تجارية ومصانع وشركات، ويدفع السوري ثمن العلاج والمستشفيات والخدمات التي يحصل عليها، ويدفع كذلك ثمن تعليم أبنائه في المدارس والجامعات، كمواطن أجنبي، حيث يتحصل منه رسوم مضاعفة، وفق قوله.

واختتم المحامي السوري: "يجب التصدي الإعلامي المبكر لهذه الحملات، من خلال الأرقام والبيانات، وكذلك تجنب الاصطدام بخطابات العنصرية والكراهية التي قد تحركها اللجان الإلكترونية لسبب أو لآخر".

خاصة أن المواطن السوري في الخارج مستهدف من أكثر من جهة، على رأسها مخابرات النظام، التي قد تحرك لجانها لزيادة أعمال الكراهية ضده، حدث هذا في تركيا ولبنان، وربما نراه في مصر، كما قال حمدان.