تكدس النفايات.. أزمة بيئية لها أبعاد اقتصادية تزيد معاناة الشمال السوري
تناول موقع "TV5 Monde" الفرنسي مخاوف السوريين، الذين يعيشون في مدينة إدلب، شمالي البلاد، من انتشار الأمراض، بسبب تكدس النفايات.
والتقى الموقع ببعض السوريين في تلك المدينة الحدودية مع تركيا، والذين أكدوا أن إعادة تدوير النفايات في شمال سوريا، ضرورة وليست خيارا بالنسبة لهم.
وقال: "في مكب نفايات عملاق في جيب للثوار، شمالي غرب سوريا، يبحث محمد بهلال وأبناؤه عن البلاستيك، ليبيعوه بعدها لمَن يعيدون تدويره، ويحولونه إلى سجاجيد متعددة الألوان، فضلا عن أشياء أخرى، وهي مهمة مؤلمة ولكنها حيوية".
وأضاف أنه "في سوريا -التي تواجه ويلات الحروب والاقتتال لأكثر من 12 عاما- نادرا ما يكون خلف إعادة تدوير النفايات دافع بيئي".
وتابع: "لكن هذه المهنة هي بالأحرى شريان حياة بالنسبة لبعض السكان المحتاجين، الذين يبحثون عن عمل".
وأشار الموقع إلى أن محمد - هذا الرجل البالغ من العمر 39 عاما، ورأسه مغطى بكوفية حمراء وبيضاء، قال متنهدا: "نحن نتعب ونعاني من رائحة النفايات والأوساخ، ولكن على الأقل يمكننا كسب لقمة العيش عبر هذه المهنة".
وأفاد أن محمد أصيب في ساقه أثناء القتال في صفوف المعارضة في منطقة حلب، شمالي سوريا، التي يسيطر عليها النظام السوري حاليا.
وأوضح أن محمد -وهو أب لستة أطفال- ليس لديه عمل آخر، لذلك فهو يجمع بيديه العاريتين، مع اثنين من أطفاله، علبا بلاستيكية ومعدنية، في أكوام من القمامة في منطقة بالقرب من الحدود التركية.
وفي المنطقة المحيطة، يجمع آخرون قطعا من المعدن والزجاج من مكب النفايات هذا، حيث يستخدم البعض البلطات والمجارف لجمع هذه المواد ووضعها في أكياس، لإعادة بيعها مقابل دخل أسبوعي يتراوح بين سبعة وعشرة دولارات للفرد، وفق التقرير.
وقال محمد: "الأمر متعب.. لكن ماذا عسانا أن نفعل! علينا أن نتحمل هذا العمل الشاق"، مضيفا "الحمد لله، على الأقل لدينا عمل مع القمامة".
ولفت الموقع إلى أنه "في مناطق المعارضة بسوريا يعتمد ما يقرب من 90 بالمئة من السكان على المساعدات الإنسانية"، ولذلك تعد إعادة التدوير هناك ضرورة أكثر من كونها خيارا.
خطر انتشار الأمراض
وقال المواطن السوري، فرحان سليمان، البالغ من العمر 29 عاما: "نشتري البلاستيك الذي يجمعه الأطفال أو يعرضه الباعة الجائلون".
وأضاف سليمان: "نعرّض أنفسنا لخطر الإصابة بأمراض مثل الكوليرا، أو الأمراض المزمنة عامة"، معبرا عن شكواه "من الروائح الكريهة والذباب".
وفي أواخر عام 2022، بدأ الكوليرا في الانتشار بمناطق إدلب، وبدا القلق من تفشي المرض بشكل أوسع ينتاب سكان مخيمات النزوح.
وأكدت الأمم المتحدة أن تفشي المرض مرتبط بري المحاصيل باستخدام مياه ملوثة، وشرب مياه غير آمنة من نهر الفرات الذي يشطر سوريا من الشمال إلى الشرق.
وحينها، حذرت منظمة "كير" الإنسانية الدولية من أن ملايين السوريين معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا، مؤكدة أن المرض "يمكن أن يكون قاتلا بسرعة إذا لم يُعالَج".
وانطلاقا من خشيتها من انتشار المرض بعد الزلزال الذي ضرب شمال سوريا، في 6 فبراير/شباط 2023، أطلقت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حملة تطعيم ضد الكوليرا في المنطقة.
وأفاد بيان صادر عن منظمة الصحة العالمية أن الحملة ستشهد "توزيع 1.7 مليون جرعة من لقاح الكوليرا لحماية السوريين الذين تزيد أعمارهم عن عام واحد".
وأضافت أنها ستركز على "أولئك الذين يعيشون في المناطق الأشد تضررا بالزلزال والأكثر عرضة لخطر الكوليرا، ومنها مثلا مناطق سرمدا ومعرة مصرين ودانا وأطمة في إدلب ومناطق أعزاز في شمالي حلب".
وحسب أطباء في الشمال السوري، فإن مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا، الموجودة في ريفي محافظتي إدلب وحلب، تشهد ارتفاعا ملحوظا في أعداد المصابين بأمراض جلدية.
وأرجع الأطباء أسباب انتشار هذه الأمراض إلى ارتفاع درجات الحرارة، وتفشي مكبّات النفايات، وحُفَر الصرف الصحي بين المخيمات بالإضافة إلى استخدام مياه غير نظيفة".
وحذّر فريق "منسقو استجابة سوريا" من انتشار الأمراض الجلدية في المخيّمات بسبب البيئة غير السليمة صحيا، موضحا في بيان أن معدل الإصابات يُصنَّف منخفضا، لكنّه أبدى تخوفه من ارتفاعه.
وطالب الفريق المنظمات الصحية العاملة في المنطقة "بالعمل على رصد الأمراض الجلدية في كلّ المخيمات، وتأمين المستلزمات الضرورية ذات الصلة، بالإضافة إلى عزل المرضى وتأمين العلاج اللازم لهم".
وشدد البيان على "ضرورة توفير المياه النظيفة وتقديم مستلزمات النظافة للنازحين والعمل على إصلاح شبكات الصرف الصحي المكشوفة في مخيّمات الشمال السوري".
صناعة السجاد
وأورد الموقع الفرنسي الجهود الفردية للسوريين في شمال البلاد، لتحصيل الاستفادة من هذه النفايات، وتقليل ضررها قدر الإمكان.
وأضاف أن "سليمان يعمل في مركز يجري فيه فرز البلاستيك وسحقه وتطهيره، قبل تحويله إلى كرات صغيرة".
ومن ثم يجري بيعها إلى مصانع في المنطقة، مثل مصنع السيد خالد، الذي يستخدم البلاستيك المعاد تدويره في صناعة السجاد.
وورث خالد خبرته الفنية عن جده، الذي كان يحتفظ بمصنع للسجاد لأكثر من خمسين عاما، جنوب مدينة إدلب، وفق الموقع.
وأردف أن خالد وقف متفاخرا أمام الآلات الضخمة في مصنعه، قائلا إن لديه "أكثر من 30 موظفا".
"وفي بلدة معرة مصرين في مركز إدلب، يبيع محمد القاسم السجاد المصنوع من البلاستيك المعاد تدويره بأحجام وألوان متعددة"، وفق التقرير.
وأفاد بأن "السوريين يبيعون هذا السجاد بتكلفة تتراوح بين خمسة دولارات و15 دولارا، مقارنة بمتوسط 100 دولار للسجاد من الطراز الفارسي".
ولفت الموقع بأن "الطلب يتزايد على السجاد في مناطق الثوار شمال سوريا التي يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة، أكثر من نصفهم من النازحين الذين اضطروا للفرار من المناطق التي احتلها النظام".
وأورد أن هذا "السجاد يستخدم بشكل أساسي في المساكن المؤقتة أو الخيام التي يتكدس فيها النازحون".
وقد هرب هؤلاء النازحون من محافظات سورية أخرى بسبب القصف المدفعي والجوي، ولكنهم يعانون الآن ظروفا معيشية صعبة داخل مخيمات، تفتقر إلى أبسط متطلبات العيش الكريم.
ويبلغ عدد مخيمات النازحين في شمال غربي سوريا 1489 مخيما، يسكنها نحو مليون ونصف مليون نازح، من بينها 452 مخيما عشوائيا.
وقد بلغ عدد المخيمات المحرومة من المياه النظيفة والمعقمة 590 مخيما، وفق ما أعلنه فريق "منسقو استجابة سوريا".