عملية مقايضة.. لماذا تلهث الرباط وراء اعتراف إسرائيلي بـ"مغربية الصحراء"؟
في موقف غامض عصي على الفهم، يواصل المغرب فتح ذراعيه وخيراته لإسرائيل باتفاقيات المستفيد منها طرف وحيد هو كيان الاحتلال منذ الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد توقفها عام 2000.
وبوتيرة متسارعة، كثف المغرب وإسرائيل الزيارات المتبادلة، توجت بتوقيع اتفاقيات في مجالات مختلفة كالدفاع والتجارة والسياحة والتعليم العالي والثقافة، دون قرار واضح بشأن ملف إقليم الصحراء الغربية.
رهين الهوى
وفي آخر تصريح حديث عن قضية الصحراء خلال زيارتها للمغرب، قالت وزيرة المواصلات الإسرائيلية، ميري ريغيف: “حكومتنا تتفهم أهمية هذه القضية بالنسبة للمغاربة، والعلاقات مع المغرب لها أهمية قصوى بالنسبة لإسرائيل"
وأضافت خلال تصريح صحفي في 29 مايو/أيار 2023 أنها "على يقين من أن حكومة بنيامين نتنياهو ستتخذ موقفا بشأن هذه القضية قريبا جدا".
وقال الباحث المغربي في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، وأحد الداعمين للتطبيع: "من مصدر إسرائيلي رفيع المستوى ستعلن إسرائيل عن موقف سياسي مساند للمغرب بخصوص قضية الصحراء المغربية كما ستفتح قنصلية لها في الأقاليم الجنوبية قبل نهاية العام الجاري (2023)".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 31 مايو 2023: "وتأكيد ذلك سيكون في الزيارة الرسمية التي سيقوم بها رئيس الكنيست الإسرائيلي نهاية الأسبوع المقبل لبلادنا، أمير أوحنا، المفتخر بأصوله المغربية والذي من المحتمل جدا أن يقوم بزيارة خاصة لبعض مناطق الجنوب".
وفي 7 يونيو 2023، وصل أوحانا إلى المغرب، في أول زيارة (غير محددة المدة) لمسؤول إسرائيلي بمنصبه، بهدف توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون البرلماني وتوطيد العلاقات بين المغرب وإسرائيل، حسب بيان صادر عن الكنيست.
ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.
وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عند "الكركرات" ووصفها بأنها منطقة منزوعة السلاح.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.
وفي رد على ذلك، قال الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي: "كانت الصحراء مغربية منذ قرون.. وتأكدت بالمسيرة الخضراء.. حتى جاء عهد الهرولة البوريطية الصهيوتطبيعية إلى حضن صهيون فأصبحت مغربيتها رهينة الهوى الإسرائيلي".
وفي تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 1 يونيو/حزيران 2023، أضاف هناوي "فاقد الشرعية.. والإرهابي المجرم مغتصب أرض شعب فلسطين منذ 75 عاما.. لا يمكنه منح صك الشرعية لمغربية الصحراء.. اللهم إن كان من يسعى وراء ذلك متطابق الهوية مع كيان صهيون". وتابع: "وهنا تصبح الصحراء مجرد منديل لتبييض التصهين".
وقال هناوي "أمام حالة تقلبات البروباغندا الصهيونية الرسمية وغير الرسمية تجاه ملف الصحراء المغربية.. وأمام حالة البؤس السياسي والإعلامي المغربي والمرافق لها .. يظهر جليا أن الدولة المغربية قامت بخطأ كبير جدا: و هو وضعها لكل البيض دون استثناء في سلة الاتفاق الثلاثي مع الأميركان ..والصهاينة".
واستطرد: "انقلبت أمريكا ومعها إسرائيل على كل الزفة.. واستمرت حكاية التسويف والتمطيط والإبتزاز في ملف ترسيم وتنفيذ الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء".
وتساءل "أليس هناك لدى دولتنا (في مركز القرار) سيناريو لخط الرجعة والمراجعة والتصحيح والعودة عن مسار السراب والمهانة على أعتاب واشنطن وتل أبيب... والعمل على إعادة تقييم وتقويم خط السير.. خاصة أمام كل هذه الخسائر الكبيرة الفادحة التي تكبدتها قضية الصحراء المغربية ومعها كل بنية الدولة وعناوين ثوابتها داخل الوطن".
ويقول مغاربة إن المملكة كانت واضحة منذ البداية في تعاطيها مع العلاقات مع إسرائيل ذلك أن الاتفاق الثلاثي بين الرباط وواشنطن وتل أبيب تضمن اعتراف هذه الأخيرة بمغربية الصحراء كشرط للتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين على المستويات كافة.
لكن لا تزال تل أبيب تماطل في الخروج بمواقف داعمة لشريكها الجديد، والتي كانت معنية بخطاب الملك محمد السادس حين شدد على أن "المغرب ينتظر من شركائه التقليديين والجدد، الذين يتبنون مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن يوضحوا مواقفهم بشكل لا يقبل التأويل".
وفي خطابه السنوي بمناسبة ذكرى "ثورة الملك والشعب" التي تخلد النضال ضد الاستعمار، دعا الملك محمد السادس بعض الدول الشريكة لبلاده التي لا تؤيد بوضوح موقف الرباط بشأن النزاع في الصحراء الغربية إلى "توضيح مواقفها"، من دون أن يخص بالذكر أي دولة.
وأضاف في 20 أغسطس/ آب 2022 مؤكدا "أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".
اللهث وراء السراب
الوزير المغربي السابق، محمد يتيم يرى أن "التعويل على التطبيع من أجل دعم صهيوني واللوبيات لمغربية الصحراء فضلا عن ذلك هو تمسك بوهم وبناء لبيت واهن من قبيل بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت".
وشدد في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك في 2 يونيو 2023، على أنه "سيطول انتظار صدور اعتراف إسرائيلي بمغربية الصحراء... وسيظل ورقة الابتزاز وجر المغرب للتخلي عن التزامه بنصرة القضية الفلسطينية ونصرة القضية....".
واستطرد الوزير السابق، عضو حزب "العدالة والتنمية" (معارض) "هذا الاعتراف حتى لو وقع لا يشرف القضية ولا يخدمها بل أنه يسيء لها ويضرها.. وهو من قبيل تمسك بالوهم وبناء بيت من قبيل بيت العنكبوت..".
من جهته، قال المتخصص في العلاقات الدولية، علي فاضلي، إن "الموقف الإسرائيلي الغامض من مغربية الصحراء يدخل في إطار سياسة إسرائيلية مرتكزها الرئيس عدم تقوية الدول العربية، والعمل على استمرار مشاكلها الداخلية، بل والعمل على تفتيتها، والمثال هو جنوب السودان، بحيث لعبت إسرائيل دورا أساسيا في دعم انفصال جنوب السودان".
وأوضح فاضلي، لموقع ”الأيام 24" المحلي في 31 مايو 2023، أن "رفض إسرائيل الإعتراف بمغربية الصحراء رغم مرور ثلاث سنوات على قرار تطبيع العلاقات، هدفه الحصول على مواقف مغربية لصالح الكيان الصهيوني في إطار عملية مقايضة”.
وأضاف أن “المغرب ما فتئ يجدد التأكيد على مواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية، ويضعها في مرتبة قضية الصحراء، وهو ما يستحيل معه حصول الكيان الصهيوني على مواقف مغربية تنافي موقفه الثابت من القضية الفلسطينية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية والتاريخية والإنسانية المناصرة والمؤيدة للحق الفلسطيني".
وعن تصريح وزيرة المواصلات الإسرائيلية ريغيف، حول موقف إسرائيل بشأن الصحراء، حيث قالت "أنها على يقين من أن الحكومة ستتخذ موقفا بشأن هذه القضية قريبا جدا"، قال فاضلي، إن "هذا كلام عام للاستهلاك الإعلامي"، معتبرا أنها "تردد الكلام نفسه الذي قاله مسؤولون إسرائيليون قبل مدة”.
وأكد أن “المبالغة في توقع أي دعم إسرائيلي لمغربية الصحراء، هو اعتقاد تدفعه أطروحة خاطئة، مفادها تحكّم إسرائيل في السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا من الأوهام التي تخترق العقل العربي”.
وأشار إلى أن “ما يحدد السياسة الخارجية الأميركية هي المصالح الأميركية، والدعم الأميركي لإسرائيل يدخل ضمن خدمة هذه المصالح".
وتابع: "إسرائيل في خدمة المصالح الأمريكية بصفتها قاعدة لها في الشرق الأوسط، فمثلا رغم الموقف الإسرائيلي من إيران إلا أن إدارة أوباما وقعت اتفاقا نوويا معها، وهو الأمر الذي يدافع عنه الرئيس بايدن والديمقراطيون بغض النظر عن المعارضة الإسرائيلية".
وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي لوكالة "رويترز" البريطانية، إن "اتخاذ إسرائيل موقفا فيما يتعلق بالصحراء الغربية قد يؤدي إلى ترقية كاملة لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب لتتحول بعثاتها الدبلوماسية وهي مكاتب اتصال معينة حاليا إلى سفارات مع احتمال أن يحمل المستقبل إبرام اتفاقية تجارة حرة".
وامتنعت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن التعليق، لكن مصدرا في حكومة نتنياهو قال للوكالة في 7 يونيو 2023، إن مجلس الأمن القومي يناقش الأمر.
لكن رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، قال إن "ربط قضية صحرائنا ومغربيتها باعتراف كيان الاحتلال العنصري هو أكبر ضربة لها ولعدالتها وإهانة لأرواح شهدائه ".
وشدد في مقابلته مع قناة "حرة بريس" المحلية في 7 يونيو 2023 على أن "الجانب الرسمي يلعب بالنار في الصحراء! المخطط واحد في الصحراء الشرقية والغربية معا، الوضع خطير وليتحمل كل ذي مسؤولية مسؤوليته!".
من جانبه، قال الناشط المغربي، زكرياء النويني، إن "المغرب وفي محاولة للتموقع بعد المتغيرات الدولية إثر جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، أراد أن يستثمر عملية استئناف علاقاته مع إسرائيل".
وأشار النويني هنا في حديث لـ"الاستقلال" إلى سياسة فتح القنصليات التي تميز بها المغرب في منطقة الصحراء خاصة مدينتي العيون والداخلة، بالضغط على إسرائيل للالتزام بالاتفاق بشأن الإعلان علنا بمغربية الصحراء، وأيضا أن تفتتح واشنطن قنصلية لها في المدينة الأخيرة".
وأضاف أن "المغرب يرى أن هذا الاعتراف هو نقطة إضافية لملف تقوية صراعه على ترابه الوطني. والتفاف الدول الأجنبية عامل إيجابي لحسم هذا الملف لدى الهيئات الأممية".
واستدرك: "هذا هو المستوى الشكلي خصوصا أن المغرب لسنوات طويلة أراد أن يحسم هذا المشكل الذي يؤرقه".
لكن جوهريا وعلى المستوى التاريخي فإن المغرب غير معني باعتراف إسرائيلي نظرا لتاريخ إسرائيل الدموي وعدم مشروعيتها الدولية، وهذا يضعف موقف الرباط في مسار دفاعها عن حقها المشروع، كما قال.
وتابع النويني: "ظاهريا لا نقاط إيجابية من اعتراف اسرائيل بمغربية الصحراء، لأن أكبر قوة دولية وهي أميركا اعترفت بذلك مع الرئيس السابق دونالد ترامب".
وهذا يعني برأيه أن السلطات بدل أن تتجه خطوات إلى الأمام بسياسة جديدة تحسم هذا الملف، يظهر أنها تعود للوراء وتطيل هذه القضية.