إطالة أمد صراع البرهان وحميدتي في السودان.. كيف تهدد المصالح الأميركية؟

12

طباعة

مشاركة

تناول معهد أميركي خيارات واشنطن، حيال الحرب في السودان، مؤكدا أنه "كلما طال الصراع، ازدادت معاناة السودانيين، وتصاعد الخطر على المصالح الأميركية معا".

وقال معهد "هادسون" الأميركي إن "تاريخ وطبيعة كل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى جانب ديناميكيات القتال الجاري، كلها عوامل تشير إلى أن هذا الصراع سيكون طويل الأمد".

وأفاد بأن "القوات المتحاربة تتمتع بنقاط قوة مختلفة ولكنها متكافئة، وقد أبدى كلا الجنرالين مرارا وتكرارا طموحهما للسيطرة على السودان، لذلك، ليس هناك ما يشير إلى أنهما سيشاركان في مفاوضات جدية لإنهاء القتال".

ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023 اندلعت بعدد من مدن السودان اشتباكات واسعة بين الجيش و"الدعم السريع" بهدف سيطرة كل منهما على السلطة، ضمن عمليات راح ضحيتها مئات بين قتيل وجريح، معظمهم من المدنيين.

وأضاف المعهد الأميركي أنه "من المرجح أن تجدد الجماعات المسلحة الأخرى في السودان من صراعاتها، مما قد يقودنا إلى نتيجة على غرار ليبيا، بحيث تكون البلاد عبارة عن خليط من الجماعات المسلحة المتنافسة".

"علاوة على ذلك، وبالنظر إلى تاريخ السودان في إيواء تنظيم القاعدة، ربما لا يزال بعض الإسلاميين السودانيين على صلة بالتنظيم، ما يزيد من احتمالية أن يعيدوا بناء قوتهم تحت ستار الفوضى"، وفق تعبير المعهد.

وأفاد أنه "على الرغم من ازدراء العديد من الشباب للإسلاميين في السودان، بعد عقود من سوء الحكم، فقد يقرر الشعب السوداني أن سيطرة الإسلاميين أفضل من الهرج والمرج الذي بدأه البرهان وحميدتي".

خطر روسي محتمل

وأورد المعهد نتيجة أخرى مفادها أنه "إذا استمر القتال، فمن المرجح أن تحول دول مثل روسيا، التي لها مصالح في السودان، الوضع لصالحها".

وأكد أن "الولايات المتحدة إذا لم تتصرف بحزم، فإن دولة أخرى ستفعل ذلك في النهاية بدلا منها، وربما يميل الموقف إلى مسار يُصعّب من محاولات واشنطن للتأثير على الأحداث لصالحها فيما بعد".

وحسب "هادسون"، فإن للولايات المتحدة أربع مصالح أساسية في السودان، أولها رغبتها في منع منافسيها من استغلال الصراع، وفي هذا السياق، فإن أخطر تهديد هو روسيا.

فقد حاولت موسكو لسنوات الحصول على قاعدة في "بورتسودان"، الواقعة شمال شرق السودان، الأمر الذي من شأنه أن يمنحها حضورا قويا على طريق ملاحي دولي بالغ الأهمية.

كما ينشط مرتزقة "فاغنر" الروس في البلاد، بما في ذلك تجارة الذهب غير المشروعة، ما قد يساعد الكرملين في تمويل الحرب ضد أوكرانيا.

أما الأمر الثاني – وفق المعهد- فهو أن الولايات المتحدة لا تريد عودة الإسلاميين، الذين هيمنوا على السودان في عهد الرئيس السابق، عمر البشير، إلى السلطة.

وقال إن سبب ذلك هو أن هؤلاء الإسلاميين "ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد".

هذ "بالإضافة إلى إيوائهم لتنظيم القاعدة ومنظمات إرهابية أخرى، هذا فضلا عن تعاونهم مع إيران لتزويد حركة (المقاومة الإسلامية) حماس بالأسلحة لشن هجمات ضد إسرائيل"، بحسب زعمه.

وأفاد المعهد بأن الأمر الثالث هو "الرغبة الأميركية في منع انهيار الدولة السودانية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد المنطقة بكارثة إنسانية".

فالسودان بلد يبلغ تعداد سكانه 46 مليون نسمة، وتحيط به دول مختلة وظيفيا مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان، ومن أمثال تشاد ومصر، اللتين تتعاونان مع واشنطن في قضايا مهمة.

وأكد المعهد أن "استمرار الصراع من شأنه أن يؤدي إلى حركة كبيرة للاجئين والأسلحة، فضلا عن الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية".

وشدد على أن "هذه التطورات ستؤدي إلى زعزعة استقرار العديد من البلدان، وتسبب معاناة إنسانية هائلة تريد الولايات المتحدة تجنبها".

مساعدة حكومة ديمقراطية

والأمر الرابع هو أن "واشنطن تريد مساعدة حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية على تولي السلطة".

"هذه الحكومة ستكون شريكا طبيعيا للولايات المتحدة، أكثر من نظام استبدادي آخر من هذا النوع الذي تسبب في الكثير من المشاكل لواشنطن في الماضي"، حسب معهد هادسون.

وأوضح أنه "منذ عام 2019، ركزت واشنطن دبلوماسيتها على مساعدة المدنيين لأن يكونوا قوة حاسمة في الحكومة".

"لكن القتال الحالي دمر تلك الجهود، والآن تضغط الولايات المتحدة، بدلا من ذلك، من أجل وقف إطلاق نار هادف وإجراء محادثات سلام".

ويعتقد المعهد أنه "في حين أن وقف إطلاق النار للسماح للمدنيين بالخروج من ساحات القتال وإدخال المساعدات الإنسانية، أمر يستحق العناء، إلا أن محاولة إجبار الجنرالات على الجلوس لطاولة المفاوضات أمر غير عملي".

فطالما أنهم غير ملتزمين بحل سلمي، فإن المحادثات بينهما ستكون مصدر إلهاء، ويحتمل أن تأتي بنتائج عكسية، كما أنها مضيعة للموارد والجهد الدبلوماسي الأميركي، حسب المعهد.

كذلك، فإن "الضغط من أجل عملية محكوم عليها بالفشل يضر بمصداقية الولايات المتحدة"، وفق "هادسون".

وبالفعل، قررت الولايات المتحدة والسعودية مساء الأول من يونيو/حزيران 2023، تعليق محادثات جدة بين أطراف الصراع في السودان نتيجة "انتهاكات خطيرة ومتكررة" لوقف إطلاق النار.

وقالت الدولتان الراعيتان للمفاوضات في بيان مشترك: "تعلن السعودية والولايات المتحدة تعليق محادثات جدة (بدأت في 11 مايو/أيار) بصفتهما المسهلين (الرعاة)".

وأوضح البيان أن تلك الانتهاكات "أعاقت إيصال المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية التي هي هدف وقف إطلاق النار قصير الأمد".

ولفت البيان إلى أن الطرفين أُبلغا "بالخطوات التي سيتعين عليهما اتخاذها لإثبات التزامهما الجاد بمحادثات جدة، واتخاذ إجراءات بناء الثقة التي يريدان تنفيذها من الطرف الآخر" قبل استئناف المفاوضات.

كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، فرض عقوبات على الجهات التي وصفتها بأنها "تؤجج العنف" في السودان، بينما لم يلتزم طرفا النزاع باتفاق وقف إطلاق النار.

وذكرت الوزارة أن البيت الأبيض "فرض قيودا على تأشيرات سودانيين، بينهم مسؤولون في الجيش وقوات الدعم السريع، وأفراد من النظام السابق للرئيس عمر البشير بسبب مسؤوليتهم أو تورطهم في تقويض انتقال السودان إلى الديمقراطية"، نقلا عن وكالة أسوشيتد برس.

وكان الرئيس جو بايدن مهد الطريق للعقوبات في الرابع من مايو 2023 عندما أصدر أمرا تنفيذيا وسع فيه سلطات واشنطن للرد على أعمال العنف، والمساعدة في إنهاء الصراع.

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، إدراج 4 شركات في قائمة العقوبات، وهي: شركة (الجنيد) للأنشطة المتعددة المحدودة، التي يسيطر عليها حميدتي، وشقيقه نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.

وكذلك فرضت عقوبات على شركة "تريدف" للتجارة العامة التي يسيطر عليها الرائد في قوات الدعم السريع، ألقوني حمدان دقلو، وهو أيضا شقيق قائد الدعم السريع.

وعاقبت أيضا "منظومة الصناعات الدفاعية السودانية"، وشركة "سودان ماستر تكنولوجي" التي تنتج أسلحة ومركبات للجيش السوداني.

وفي ذات السياق، أضاف المعهد الأميركي أن "بإمكان الولايات المتحدة أن تحاول إكراه الأطراف -من خلال تهديد إمبراطورياتهم الاقتصادية- حيث إن إضعاف قدرتهم على شراء الأسلحة ودفع أجور مقاتليهم أمر له مردوده".

لكن "من المحتمل أن واشنطن لن تستطيع بناء نظام عقوبات محكم بما يكفي لجعل الجنرالات يغيرون حساباتهم، ففي الواقع، هناك بالفعل كيانات خاضعة للعقوبات في السودان، على ارتباط بروسيا، لكنها تستمر في الازدهار".

ورأى المعهد أن "هذا المسار سيعتمد على التعاون الصارم مع دول مثل الإمارات، التي كانت متساهلة في فرض العقوبات على إيران وروسيا".

علاوة على ذلك، فإن "إجبار الإمارات للامتثال للعقوبات، قد يخاطر بمزيد من التوتر في العلاقات مع دولة مهمة، تقع على الخليج، في وقت تميل فيه نحو الصين"، حسب تقديره.

وأوضح أن "الولايات المتحدة تُركت بقائمة من الاختيارات تتراوح بين سيئ وأسوأ"، مشيرا إلى أن "النتيجة الأقل سوءا بالنسبة للمصالح الأميركية هي انتصار الجيش السوداني".

وأفاد المعهد بأنه "في حين أن للبرهان علاقات مع روسيا، فهي ليست قوية مثل علاقات حميدتي".

فقد سافر الأخير إلى موسكو مع بداية غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وأرسل مقاتلين إلى ليبيا بجانب مرتزقة فاغنر لدعم الجنرال خليفة حفتر، ويتعاون مع المليشيا الأخيرة لاستغلال مناجم الذهب في السودان.

كما أن "البرهان هو أيضا جزء من هيكل يجعله أكثر استقرارا وأقل تقلبا من حميدتي"، في إشارة إلى الجيش السوداني النظامي مقارنة بقوات الدعم السريع.

العلاقة مع الإسلاميين

وأقر المعهد أن "دعم البرهان للإسلاميين من نظام البشير يمثل إشكالية عميقة، فقد سمح للبعض بالعودة إلى الحكومة والجيش، بينما كان حميدتي أكثر معاداة لهم".

"ومع ذلك، ربما يكون قائد القوات المسلحة السودانية قد أعاد تأهيل الإسلاميين لمواجهة حميدتي والمدنيين، خلال فترة الصراع المستمر على السلطة في الفترة الانتقالية، حيث لا يوجد ما يشير إلى أن البرهان نفسه إسلامي"، وفق المعهد.

ورأى أن "تلك البراغماتية تشير إلى أنه سيجرد الإسلاميين من سلطتهم إذا اعتمد في قوته على دول مثل مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة".

وفي المقابل، فإن "حميدتي ليس معاديا للإسلاميين من حيث المبدأ، لكنه انتهازي، إذ صعد للسلطة في الأساس بهدف خدمة رغبات النظام الإسلامي في السودان".

لذلك فإن "حميدتي لديه موقف مرن فيما يتعلق بالإسلاميين، بحيث لو كانوا مفيدين بالنسبة له، فسيستخدمهم".

وأشار المعهد إلى أن "أي مسار تختاره الولايات المتحدة في السودان سيكون محفوفا بالمخاطر، بما في ذلك مساعدة القوات المسلحة السودانية بشكل غير مباشر".

وأضاف أن "مصر هي الدولة التي من المرجح أن تتدخل بقوة لصالح الجيش السوداني، ويمكن لواشنطن أن تشير للقاهرة بأنها لن تعارض دعمها القوي للقوات المسلحة السودانية، بل وتحاول إقناع الدول الأخرى المعنية بضرورة مسار العمل هذا".

وأردف أنه "من المرجح أن يكون الدعم المصري المباشر، والأميركي غير المباشر، إلى جانب المساعدة المحتملة من دول أخرى، كافيا لمساعدة الجيش على إضعاف قوات الدعم السريع وطردها من معظم المراكز السكانية".

"ومع ذلك، ربما سيظل الجيش غير قادر على هزيمة قوات الدعم السريع بشكل حاسم في كل أرجاء البلاد، ويمكن أن ينسحب حميدتي إلى دارفور لقيادة تمرد طويل الأمد".

وتابع معهد هادسون أن "الاستقرار في بعض أجزاء السودان أفضل من عدم الاستقرار في كل البلاد".

ويعتقد أن "على واشنطن أن تفضّل أن يكون لها تأثير كبير على الحكومة المسؤولة عن تلك المناطق المستقرة، بدلا من أن يكون لها تأثير ضئيل في بلد غارق في الفوضى".

وأكد أن "إدارة مثل هذه المهمة الدقيقة ستكون شاقة، وستتطلب انتباها وواقعية يصعب على حكومة الولايات المتحدة حشدها أو الحفاظ عليها".

"وسيتعين على واشنطن أن تراقب عن كثب سلوك البرهان، للتأكد من أنه يفي بالالتزامات التي يجب أن تطلبها الولايات المتحدة، وأن تكون على استعداد لمحاسبته إذا لم ينفذها"، حسب المعهد.