إما انتخابات صورية أو الفوضى.. رسالة من السيسي إلى المصريين عبر نقابة المهندسين

12

طباعة

مشاركة

حين بدا أن معركة إسقاط نظام الرئيس الراحل حسني مبارك قد اقتربت من ختام فصولها بعد مظاهرات ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، لجأ الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا) لمحاولة أخيرة، بإرسال بلطجية للاعتداء على المعتصمين في "ميدان التحرير".

سُمي هذا اليوم الموافق 2 فبراير/ شباط 2011، والذي انقض فيه البلطجية على المتظاهرين، باسم "موقعة الجمل" لأنهم حضروا يحملون العصي ويركبون الجِمال والخيول.

هذا السيناريو كرره "مستقبل وطن" (الحاكم حاليا)، الذي يضم نفس وجوه الحزب الوطني المنحل السابق، في نقابة المهندسين يوم 30 مايو/ أيار 2023 حينما فشلت حيلتهم للتخلص من النقيب الناصري طارق النبراوي.

كانت الخطة هي حشد "المجلس الأعلى للنقابة" الذي يضم أغلبية حكومية من "مستقبل وطن"، أنصاره في جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من النقيب.

ومن ثم تعيين الأمين العام للنقابة "يسري الديب" أو وكيل أول النقابة حسام رزق، وكلاهما تابع لحزب السلطة، ليدير النقابة.

رغم حشد المهندسين بالأتوبيسات الحكومية من مقار عملهم بالأمر، كما قال بعضهم لـ "الاستقلال" للتصويت بحجب الثقة عن "النبراوي"، أظهرت النتائج أن قرابة 90 بالمائة كانوا معه ضد الحزب الحاكم، وتلكأ قضاة السلطة في إعلان النتائج.

تبع هذا هجوم بلطجية أحضرتهم الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع "مستقبل وطن"، ليطالبوا بإلغاء التصويت بعد هزيمتهم وقبل إعلان النتيجة.

ثم بدأوا في تحطيم صناديق التصويت وبعثرتها والاعتداء على الحاضرين، فيما يشبه موقعة "جمل" ثانية لإفشال التصويت الذي جاء لغير صالح السلطة.

مهندسون ومحللون أكدوا لـ "الاستقلال" أن الهدف كان "محاولة عسكرة نقابة المهندسين" وإبعاد النقيب غير الحكومي الذي ينتمي لتيار الاستقلال الذي يضم يساريين وليبراليين.

وأوضحوا أن نظام السيسي لم يتقبل هزيمته، فاستحضر موقعة "جمل" ثانية"، لأن النية كانت اعتبار انقلاب نقابة المهندسين بروفة تسعى السلطة لتطبيقها في النقابات الأخرى التي فشلت في تدجينها وصعد لقيادتها تيار الاستقلال أيضا.

وفاز "تيار الاستقلال" ومرشحون غير حكوميين في سلسلة انتخابات نقابية متتالية منها الصحفيين والمهندسين والمحامين ما أزعج السلطة لخروج هذه النقابات عن سيطرتها، خاصة أنه انطلقت منها مظاهرات لإسقاط النظام السابق عام 2011.

حيث خرجت نقابة الصحفيين من عباءة نظام السيسي بعد فوز معارضين برئاستها ومجلس النقابة، وتكرر ذلك في نقابة المحامين التي تراجع نظام السيسي فيها، والمهندسين أيضا.

قصة الأزمة

في مارس/ آذار 2022، تم انتخاب طارق النبراوي نقيبا للمهندسين المصريين بعد جولة إعادة على منصب النقيب بينه وبين النقيب السابق الحكومي وزير النقل السابق هاني ضاحي.

منذ ذلك الحين بدأت معركة داخلية بين النبراوي، ومجلس النقابة الذي يسيطر عليها حزب "مستقبل وطن" الذي يمثل الحزب الحاكم الجديد ويحوز أغلبية المقاعد بمجلس النواب، وحينها بدأ الخلاف حول النفوذ يلوح في الأفق.

في غمرة الصراع بين النقيب الناصري والأمين العام يسري الديب وهو لواء جيش من "مستقبل وطن"، عقد النقيب جمعية عمومية يوم 6 مارس 2023 لسحب الثقة من المجلس التابع للحزب الحاكم.

أطاحت الجمعية العمومية باللواء الديب، والأمين العام المساعد أحمد صبري وكلاهما عضو في "مستقبل وطن" وكلفت مجلس النقابة باختيار أمانة عامة جديدة، في حضور 3500 مهندس.

لم يستقل أعضاء المجلس (الحكوميون) ورفضوا طلبا تقدم به 338 مهندسا طلبا، بسحب الثقة من كامل مجلس النقابة، فاشتعل الخلاف أكثر مع النقيب.

تقدم 1960 عضوا، موالين للمجلس، بطلب لسحب الثقة من نقيب المهندسين، فوافق على طلبهم لعقد جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من النقيب فقط، دون أعضاء المجلس.

عُقدت الجمعية لإسقاط النقيب يوم 30 مايو وحضرها أكثر من 23 ألف عضو، وفق جداول التصويت، وكانت المفاجأة هي تصويت نفس العدد (1960 عضوا) لإسقاط النقيب، بينما أيد غالبية الحاضرين بقاءه.

موقعة جمل ثانية

بسبب رفض أكثر من 90 بالمئة من المصوتين، سحب الثقة من النبراوي، بدأت الأجواء تشهد سخونة غير عادية، وفوجئ الحاضرون مع قرب إعلان النتيجة بدخول عشرات من البلطجية لمقر الانتخابات، وبدأت موقعة جمل جديدة.

جمعية "سحب الثقة" العمومية شارك فيها ما يزيد عن 23 ألف مهندس (أي أكثر من الذين شاركوا في الانتخابات الأصلية) وهي نسبة رفض مذهلة وغير متوقعة أحرجت حزب النظام، ويبدو أنها أثارت غضب بعض دوائر السلطة.

في دقائق معدودة تحرك بلطجية، يقودهم بشكل واضح شخص يمسك في يده جهازا لاسلكيا، وألقوا صناديق التصويت على الأرض وبعثروا أوراق التصويت وقطعوها وضربوا بعض الحاضرين.

وكشفت مواقع استقصائية أن من بين من قاموا بأعمال البلطجة نائبان من حزب "مستقبل وطن" ليسا مهندسين هما: عماد عيد وإيهاب العمدة، والضابط محمد عبد الرحمن راضي من الحزب نفسه.

المهندس والبرلماني السابق هيثم الحريري وصف عبر فيسبوك ما جرى بأنه: "موقعة الجمل في انتخابات نقابة المهندسين".

نشطاء أكدوا أن البلطجية هم مخزون تستخدمه المخابرات والأمن المصري منذ زمن ويقدرون بألف بلطجي.

ونبه رئيس تحرير صحيفة المصريون "جمال سلطان" لما سبق أن قاله الرئيس الراحل محمد مرسي من أن المؤسسة الأمنية في مصر، تدير نشاطات أكثر من 300 ألف بلطجي في عموم البلاد، منهم 80 ألف بلطجي في القاهرة وحدها.

وقد روى المهندس "محمود عبد العزيز الجن" في شهادته من داخل الجمعية العمومية تفاصيل الموقعة، مؤكدا أن "الشرطة انسحبت من المكان وهجم علينا حوالي 300 بلطجي مأجور"، ما يشير ضمنا لترتيبات للعدوان.

قال: "دخلوا قاعة المؤتمرات وكسروا الباب والصناديق والكراسي وتهجموا علينا وأحدثوا إصابات في البعض، لأنهم لم يتحملوا الخسارة الفادحة اللي تكبدوها".

أوضح أنه من واقع عمليات الفرز التي تابعها، حضر 24900 مهندس، جدد 22 ألف منهم الثقة في المهندس طارق النبراوي، بينما أيد سحب الثقة من النقيب ألفين فقط، رغم حشد مؤسسات الدولة كافة وحزب "مستقبل وطن".

ونشر مهندسون صورا ومقاطع فيديو لتحطيم أثاث مقر انعقاد الجمعية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرض صناديق الاقتراع للعبث بها وإلقاء أوراق التصويت على الأرض وتقطيعها.

وقال طارق النبراوي نقيب المهندسين للصحفيين: فوجئنا بهجوم بعض المعارضين علينا بعد طلبهم ببطلان النتيجة، وسعوا إلى البحث عني للاعتداء علي كما اعتدوا على العديد من الأشخاص.

اتهم من وصفهم بـ "بلطجية الحزب"، في إشارة إلى "مستقبل وطن" الذي يعد حزب رئيس السلطة عبد الفتاح السيسي، على صفحته الرسمية في فيسبوك، باقتحام قاعة الانتخابات والتلاعب بالصناديق.

نقيب المهندسين قال أيضا لموقع "القاهرة 24" 31 مايو: "تم إبلاغنا أن ميعاد الإعلان عن نتيجة التصويت سيكون في تمام الساعة الـ 10، ومن ثم طالبوا بنصف ساعة أخرى، ثم طلبوا مهلة أخرى".

وكشف النبراوي تلاعب اللجنة المشرفة وبها قضاة على التصويت قائلا: "كان هناك تباطؤ وتكاسل في إعلان النتيجة".

أكد أن المهندس هاني محمود رئيس لجنة الانتخابات المشرفة على تصويت أعضاء الجمعية العمومية، فاجأه باتصال يخبره تنحيه عن رئاسة اللجنة، بالإضافة إلى انسحابه واللجنة، لأنه علم أن يسري الديب الأمين العام للنقابة أرسل خطابا إلى اللجنة القضائية يطالبها بتسلم النتائج له!

بالمقابل، اتهم مجلس النقابة الموالي لحزب السلطة، النقيب بالمسؤولية عن الفوضى وأصدروا بيانا، عبر موقع النقابة الذي يسيطرون عليه ويمنعون التعليقات فيه، يدينون محاولة النقيب وأنصاره "اختطاف النقابة" وفرض رأيه بالقوة.

العسكر ضد الصناديق

كان الهدف هو تحويل نقابة المهندسين إلى ما يشبه أحد أجهزة الدولة بفعل انتماء أعضاء مجلسها الحزبي، حسبما قال مهندسون لموقع «مدى مصر» 30 مايو، لذا سخر مصريون على مواقع التواصل مما أسموه "صفعة" تلقتها السلطة.

قالوا إن أتوبيسات تابعة لشركات حكومية وشركات قطاع عام وبعضها تابع لوزارة الإنتاج الحربي، تم حشدها محملة بمئات المهندسين، وطُلب منهم التصويت بسحب الثقة من النقيب.

وانتقد نشطاء عبر مواقع التواصل أسلوب تعامل العسكر وحزب السلطة مع نقابة المهندسين وغيرها من النقابات بأسلوب البلطجة وسخروا من تساؤل إعلاميي السلطة لماذا لا تجرى مصر انتخابات حرة مثل تركيا، كما قال عمرو أديب.

قالوا إن ما جرى في النقابة معناه أن "العسكر قالوا للصناديق لا فكيف نثق في إجرائهم انتخابات رئاسية حرة عام 2024؟!"، وكيف يقبل المعارضون فيما يسمى (الحوار الوطني) الاستمرار في المشاركة في ظل هذه السياسات الرافضة للديمقراطية.

رأى ما حدث في نقابة المهندسين "رسالة" لكل المصريين، خاصة من هم في الحوار الوطني تفيد بأن الديمقراطية لن تعرف طريقها لمصر طالما أن نظام السيسي موجود في السلطة.

عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد سعد عبد الحفيظ، الذي زار مع خالد البلشي نقيب الصحفيين، "النبراوي" لدعمه ضد البلطجية، أكد لـ "الاستقلال" إن ما جرى من بلطجة ضد المهندسين كان محاولة لتغيير إرادة المهندسين بالقوة.

عد هذا "دليلا على أن أي حديث عن الإصلاح ما هو إلا حرث في الماء"، ويتعارض مع فلسفة الحوار الوطني.

ربما لهذا أدانت "الحركة المدنية الديمقراطية" التي تشارك في الحوار الوطني، في بيان بتاريخ 31 مايو 2023 هجوم البلطجية على الجمعية العمومية لنقابة المهندسين التي رفضت سحب الثقة من النقيب.

رأت أن استعمال البلطجة والعنف لتعطيل إعلان نتيجة التصويت في جمعية عمومية لنقابة مهنية "سابقة خطيرة تحمل دلالات على أن كل الأساليب مباحة في إدارة الصراعات النقابية والسياسية ضد القوى النقابية والسياسية المستقلة".

قالت إن السلطة تستدعي العنف والبلطجة، إذ أتت النتائج على عكس رغبة هذه الإرادة المتنفذة في رسالة قوية لكل القوى المستقلة والمعارضة بل في مواجهة إرادة عموم المواطنين المصريين.

وعقب ما جرى قال مهندسون لـ "الاستقلال" إنهم يتوقعون سيناريوهين يستعيد عبرهما النظام قبضته على النقابة:

الأول: أن يتم إلغاء انتخابات نقابة المهندسين، ووضعها "تحت الحراسة" الحكومية بدعوى الانفلات التنظيمي.

الثاني: أن يلجأ مؤيدو السلطة لعمل محضر إثبات حالة في قسم الشرطة عن تكسير الصناديق عن طريق "بلطجية مجهولين"، ما يعني إلغاء اجتماع الجمعية العمومية، وتجميد عمل النقيب لحين عمل جمعية عمومية ثانية.