فرض أمر واقع.. ما دلالات عقد الهند اجتماعا لقمة العشرين في كشمير؟

12

طباعة

مشاركة

من باب المكايدة وفرض الأمر الواقع، قررت الهند عقد أحد اجتماعات قمة العشرين المتعلقة بالسياحة، في إقليم كشمير لتأكيد أحقيتها فيه، والتحايل للاعتراف الدولي باحتلالها له.

لكن عدة دول قررت عدم إرسال وفودها لحضور اجتماع قمة العشرين في جامو وكشمير المحتلة، ما أثار تساؤلات وفتح نقاشا عالميا حول شرعية التصرف الهندي، وتهديد ذلك لجدول أعمال القمة.

وتتولى الهند حاليًا الرئاسة -التي تتناوب سنويًا بين الأعضاء -ومن المقرر أن تستضيف قمة رؤساء مجموعة العشرين في العاصمة دلهي خلال سبتمبر/أيلول 2023.

وكانت نيودلهي التي تسيطر على ثلثي الإقليم، مقابل الثلث لباكستان، قد ألغت في أغسطس/آب 2019، الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به الشطر المحتل من جانبها، وضمته حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسية المتطرفة بالقوة.

لماذا كشمير؟

كانت مفاجأة لنحو 60 مبعوثاً لغالبية بلاد مجموعة العشرين، حين علموا أن الهند خططت لعقد الاجتماع المخصص لمجموعة عمل السياحة، ضمن قمة العشرين، في كشمير أيام 22 و23 و24 مايو/أيار 2023.

وفود دول سافرت إلى مدينة "سريناغار" عاصمة إقليم جامو وكشمير لحضور الاجتماع، رغم مخاطر النزاع المسلح هناك.

فيما احتجت وفود أخرى ورفضت المشاركة في الشطر الخاضع للاحتلال الهندي من إقليم كشمير لأنه متنازع عليه مع باكستان

ونددت الصين والسعودية وتركيا وباكستان وإندونيسيا بعقد الاجتماع في إقليم محتل، حيث تطالب كل من نيودلهي وإسلام أباد بكشمير ذات الغالبية المسلمة بأكملها منذ استقلالهما قبل 75 عاما.

ورغم ادعاء الهند أنها عقدت الاجتماع في كشمير المحتلة كي تؤكد أن سيطرتها عليها أعادت الهدوء والسلام للإقليم وانتعشت السياحة فيه، كشفت وكالة الأنباء الفرنسية في 22 مايو 2023 أن نيودلهي حولت الإقليم إلى ثكنة عسكرية.

قالت إن القمة عُقدت في مجمع يخضع لحراسة مشددة على ضفاف بحيرة دال في سريناغار، واستاء السكان من الإجراءات الأمنية المشددة، ووصف أحدهم الوضع بأنه مجرد واجهة تخفي خلفها قمعا واحتقانا وتوترا.

وأوضحت الوكالة الفرنسية أن القوات الهندية اعتقلت المئات في مراكز الشرطة وتلقى الآلاف بينهم أصحاب المتاجر مكالمات من مسؤولين تحذرهم من أي "احتجاج أو اضطراب" بحسب ما أفاد مسؤول كبير، كما انتشر جنود ومدرعات في كل سريناغار.

ومنعت الهند الصحفيين الأجانب وطُلب منهم "إذن خاص" لدخول كشمير لا يجري الحصول عليه بسهولة، ومن سمحت له بالدخول اشترطت عليه ألا ينشر "روايات معادية للهند" وعدم التوجه إلى بعض الأماكن بدون إذن مسبق.

لذلك سخر "بهارات بوشان" كاتب العمود في صحيفة "ديكان هيرالد" قائلا: "هل تعتقد حكومة (ناريندرا) مودي أنه يمكن الترويج للسياحة في قاعات المؤتمرات المغلقة بجوار بحيرة تحيط بها مناظر خلابة، بينما تسير فيها دوريات كوماندوز بحرية مع طائرات استطلاع مسيرة؟".

وأضاف أن "مثل هذه الأمور توضح أن الوضع في جامو وكشمير بعيد عن أن يكون طبيعيًا"، بحسب الوكالة الفرنسية.

وقالت رئيسة وزراء إقليم جامو وكشمير سابقاً، محبوبة مفتي، إن الهند حولت المنطقة إلى ما يعادل معتقل خليج غوانتانامو الأميركي من أجل أن تعقد اجتماعاً حول السياحة.

واتهمت حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، باختطاف مجموعة العشرين لأغراض ترويجية، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية 22 مايو 2023.

وقال رجل أعمال كشميري لموقع "بي بي سي" البريطاني في 22 مايو 2023 إن السكان المحليين واجهوا "الكثير من الصعوبات" خلال الأيام العشرة الماضية بسبب الترتيبات الأمنية.

وتابع أنه "كان هناك الكثير من عمليات التفتيش البوليسي والبحث في المناطق السكنية، وجرى إغلاق العديد من المدارس والكليات".

وجرمت السلطات الهندية منذ احتلالها كشمير، المعارضة الكشميرية المسلمة وقمعت الحريات الإعلامية وفرضت قيودًا على الاحتجاجات الشعبية.

ويقول الصحفيون الكشميريون إنهم يعملون في مناخ من الخوف منذ عام 2019 وجرت مداهمة منازل العديد منهم واستدعتهم الشرطة للاستجواب، كما أُجبروا على ممارسة الرقابة الذاتية، بحسب موقع "الجزيرة" الإنجليزي 23 مايو 2023.

وبالتزامن مع عقد قمة العشرين، طالبت "لجنة حماية الصحفيين" في بيان 22 مايو 2023 الحكومة الهندية بـ "إنهاء حملتها الوحشية على وسائل الإعلام والإفراج الفوري عن الصحفيين الكشميريين المحتجزين بشكل تعسفي".

وتحدث البيان عن إرسال السلطات الهندية أربعة صحفيين إلى سجون خارج كشمير الخاضعة للإدارة الهندية والتنكيل بهم.

وصنفت مراسلون بلا حدود، وهي منظمة مراقبة إعلامية مقرها باريس، الهند في المرتبة 161 من بين 180 دولة في مؤشرها السنوي لحرية الصحافة العالمي، وهو أدنى تصنيف على الإطلاق.

تأثير المقاطعة

وزار وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال بوتو زرداري المنطقة التي تسيطر عليها باكستان من كشمير للتضامن مع مظاهرة ضد الهند هناك.

وقال في 24 مايو، إن "الهند تسيء استخدام موقعها كرئيس لمجموعة العشرين لفرض أمر واقع".

وحث العالم على التنديد بـ "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" في نيودلهي منذ أن ألغت الهند الوضع الخاص لكشمير في أغسطس 2019 وحولتها إلى إقليم فيدرالي تابع لها، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية 22 مايو 2023.

أشار موقع شبكة "سي إن إن" الأميركية 23 مايو 2023 إلى أن القمة تعد أول حدث دولي بهذا الحجم يُعقد في المنطقة المتنازع عليها ذات الأغلبية المسلمة منذ أن ألغت الهند استقلال كشمير الذاتي، ما يعني فرض الرؤية الهندية للاحتلال على العالم.

عقد القمة في كشمير، وهي واحدة من أخطر بؤر التوتر في العالم بين جارتين مسلحتين نوويًا، يهدف من ورائه "حلفاء مودي السياسيين" لـ "تعزيز أوراق اعتماده الدولية، وصورته كلاعب رئيس في النظام العالمي".

وأكد موقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي 16 مايو 2023 أن "الهند سعت لاستغلال قمة مجموعة العشرين لتعزيز طموحاتها الاستيطانية الاستعمارية في كشمير".

وتابع: "تريد نيودلهي أن تُظهر للعالم أن الحياة الطبيعية عادت إلى المنطقة الخلابة والغنية بالموارد وأنها مفتوحة للزوار والمستثمرين، لكن استضافة مندوبي مجموعة العشرين في سريناغار خطوة نحو تطبيع احتلال الهند لكشمير دوليًا".

ونقل عن الباحث الكشميري "أثير ضياء" قوله إن نيودلهي تسعى لجعل السياحة في سياقات استعمارية استيطانية، وهذا امتداد للسياسة الإمبراطورية، حيث امتصاص الأراضي المستعمرة من قبل دولة مهيمنة".

أشار إلى سعي الهند لاستغلال سيطرتها العسكرية على كشمير من أجل تغيير التركيبة السكانية وتسهيل زيارة الهنود واستقرارهم في الإقليم، بينما تتنصل من مطالبات السكان الأصليين في نفس الأراضي وتسعى لمحوهم.

وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن رئاسة الهند لمجموعة العشرين صارت مثار جدلٍ بعد أن قاطعت الصين والسعودية الاجتماع الذي عقد في كشمير.

أكدت في 22 مايو 2023، أن استضافة الهند للقمة أثارت اعتراضات دول عديدة مشاركة أو غير أعضاء في مجموعة العشرين بسبب استغلال نيودلهي لها في تبرير فرض سيطرتها على كشمير المتنازع عليها.

ولفتت إلى معارضة الصين الشديدة "لعقد أي نوع من اجتماعات مجموعة العشرين في الأراضي المتنازع عليها"، ووصفت باكستان عقد الاجتماع في كشمير بأنه "تصرف غير مسؤول".

ومنتصف مايو 2023 أصدر "فرناند دي فارينيس"، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بقضايا الأقليات، بيانًا انتقد فيه موافقة مجموعة العشرين على عقد الاجتماع في كشمير.

قال إن القمة: "تقدم عن غير قصد مظهرًا من الدعم لانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد السياسي والاعتقالات غير القانونية في كشمير"، و"الاجتماع خاطر بتطبيع ما وصفه البعض بالاحتلال العسكري" وفق قوله.

وأردف المحلل السياسي الكشميري صديق وحيد، لقناة الجزيرة الإنجليزية 23 مايو 2023 إن الحكومة الهندية حاولت إظهار أن الحياة "طبيعية" في كشمير، من خلال استضافة اجتماع مجموعة العشرين في المنطقة.

لكن "لسوء حظ نيودلهي، وجه غياب الصين خصوصا ضربة لإعطاء هذا الانطباع الطبيعي الذي تروج له الهند"، وأيضا غياب وانتقادات دول أخرى، وفق قوله.

"هندسة" كشمير 

وعقب احتلال الحكومة الهندية اليمينية إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة، وإلغاء الوضع شبه المستقل للمنطقة المتنازع عليها مع باكستان، عملت على إضفاء الطابع الهندوسي عليه.

مجلة "فورين بوليسي" شرحت في تقرير 11 أغسطس 2021 كيف تعمل الهند على "هندسة" كشمير عبر برنامج لتقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة تعطي ثقلاً عددياً للمنطقة الجنوبية من جامو، حيث يوجد تركيز أكبر للناخبين الهندوس.

أوضح أن هذه التغيرات الديموغرافية، تقترن بإعادة تشكيل ذكية للدوائر الانتخابية تسمح للسياسيين الهندوس القوميين بتحقيق هدفهم القديم المتمثل في تنصيب رئيس وزراء هندوسي في كشمير، بما يظهر كأنه انتخاب ديمقراطي.

وأشارت إلى تفكيك حكومة مودي الهندوسية المتطرفة، هياكل الحكم الذاتي في كشمير بسرعة ملحوظة وفتح ملكية الأراضي فيها للهندوس القادمين من مناطق هندية أخرى وطرح تصاريح الإقامة للهنود غير الكشميريين.

وهو ما زاد المخاوف من أن وادي كشمير (المحصور وسط جبال الهيمالايا الثلجية) سيغمره الغرباء، مما يحول السكان المحليين الذين يشكلون أغلبية مسلمة إلى أقلية سياسية في وطنهم. 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، أصدرت وزارة الداخلية الهندية مجموعة قوانين جديدة للأراضي الخاضعة للإدارة الهندية في كشمير، مما أتاح لأي مواطن هندي شراء أرض في المنطقة.

وتقول الصحفية الهندية المسلمة رنا أيوب في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" 11 مايو 2023 إن الكراهية ضد المسلمين في الهند لم يوقفها استضافة الهند لقمة العشرين لأن السلطات تغذيها وتشعلها.

أكدت أن سردا أكثر ظلامية بات يميز الهند غير الديمقراطية التي يحكمها مودي، فالحكومة تضطهد وتهمش سكانها المسلمين البالغ عددهم 220 مليون نسمة.

ذكرت أنها شاهدت مظاهرات في غرب الهند لحشود من الهندوس يحشدهم الحزب الحاكم يهتفون مهاجمين ما يسمى "النمل الأبيض" و"الخونة الملتحين"، وكلها مصطلحات مستخدمة لوصف المسلمين هناك.

كما شاهدت نساء يرتدين الزي العصفري (الزعفران البرتقالي) وهن يؤدين الرقصات التقليدية، ويحملن لافتات تطالب المسلمين بالاختيار بين "باكستان" أو "قبرستان (المقبرة)، بتحريض من الحزب الهندوسي الحاكم.