المسيرات الانتحارية.. سلاح جديد يزج به الاحتلال في غزة لتنفيذ الاغتيالات

12

طباعة

مشاركة

خلسة وبدون صوت ولا ضوء، تحلق في سماء قطاع غزة، وتنفجر في منازل قادة المقاومة الفلسطينية وفي مصانع الصواريخ والراجمات، مخلفة دمارا كبيرا.

هكذا عملت المسيرات الانتحارية الإسرائيلية خلال جولة القتال الأخيرة، التي استهدفت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

اغتيال القادة  

وشنت إسرائيل عدوانا على قطاع غزة، بدأ بإرسالها طائرات مسيرة انتحارية، فجر 9 مايو/أيار 2023، تجاه منازل وشقق سكنية يقطنها قادة وناشطي في سرايا القدس. وراح ضحية سلسلة الضربات الأولى المتزامنة 13 شخصا، من بينهم 3 قادة مع أطفال نساء.

وارتقى قائد المنطقة الجنوبية في سرايا القدس، وأمين سر مجلسها العسكري، جهاد غنام، وزوجته، إضافة إلى قائد السرايا عن الضفة الغربية الأسير المحرر عام 2011 والمبعد إلى غزة، طارق عز الدين.

واستشهد عضو المجلس العسكري في سرايا القدس، وقائد المنطقة الشمالية في قطاع غزة، خليل البهتيني، خلال ذات الضربات المتزامنة بواسطة المسيرات الانتحارية.

وارتقى عضو المجلس العسكري، وقائد الوحدة الصاروخية  في سرايا القدس علي غالي، فجر 11 مايو 2023، بتفجير شقة كان يوجد بها في مدينة حمد جنوب القطاع من خلال مسيرة انتحارية، وتتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن إعطاء أوامر إطلاق الصواريخ.

وعقب اغتيال قائد الوحدة الصاروخية في سرايا القدس، اغتالت إسرائيل نائبه، أحمد أبو دقة،  وهو أحد أبرز القادة في الجهاز العسكري للجهاد الإسلامي.

وجرى ذلك من خلال استهداف منزل كان يتحصن به، بواسطة طائرة مسيرة انتحارية عصر 11 مايو في مدينة خانيونس.

وخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليتفاخر بتصفيته هو وعلي غالي، ووصفهما بأنهما القائد ونائبه في قيادة الوحدة الصاروخية للجهاد، المسؤولة عن إطلاق الصواريخ.

 

وكذلك اغتال الاحتلال العضو في المجلس العسكري للسرايا، ومسؤول وحدة العمليات فيها إياد الحسني، رفقة أحد مساعديه، مساء 12 مايو من خلال طائرة انتحارية، استهدفت شقة سكنية كانا بها في حي النصر، شمال غربي مدينة غزة.

وبعد 5 أيام من التصعيد، انتهى العدوان في 12 مايو 2023، بحصيلة ضحايا بلغت 33 شهيدا، بينهم 3 نساء و6 أطفال، و 111 مصابا، بعد قبول الاحتلال والمقاومة مبادرة مصرية للتهدئة.

وسجلت الجولة إطلاق المقاومة  إطلاق 1469 صاروخا من القطاع، ولم تنجح القبة الحديدية سوى باعتراض 437 صاروخا، حسب إحصائيات جيش الاحتلال.

كما أعلن الاحتلال عن مقتل مستوطن وإصابة 77 آخرين، جراء الضربات الصاروخية.

وشهدت المعركة أول استخدام لجيش الاحتلال لكم كبير من الطائرات المسيرة الانتحارية، وأنواع جديدة منها في عمليات الاغتيال داخل قطاع غزة. 

سلسلة هجمات

وكانت أولى استخدامات الاحتلال للطائرات الانتحارية في القطاع المحاصر بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وقتها، اغتال القائد العام لسرايا القدس في غزة، بهاء أبو العطا، في منزله الكائن بحي الشجاعية من خلال طائرة مسيرة دخلت من نافذة منزله وأسفر الاستهداف عن استشهاده وزوجته.

وتبين أن الطائرة المستهدفة في الاغتيال، هي مسيرة "ميني درونز" الانتحارية، وعثر على بقاياها في مكان الاستهداف، حسب مصادر فلسطينية.

 وضبطت وزارة الداخلية في غزة مارس/آذار 2021، طائرة كواد كابتر انتحارية لجيش الاحتلال كان قد سيطر عليها صيادون بعد سقوطها في البحر.

فيما انفجرت طائرة أخرى بمجموعة من الصيادين الفلسطينيين قبالة شواطئ مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بعدما علقت في شباك صيدهم، ما أدى إلى استشهاد 3 منهم.

ونقلت القناة 12 العبرية أن الطائرتين سقطتا خلال عملية عسكرية للبحرية الإسرائيلية، كانت تستهدف قاربا قبل 3 أسابيع من ارتقاء الصيادين.

إذ كان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في فبراير/شباط 2021، إحباط تهديد محتمل قبالة شواطئ جنوب القطاع.

ولم تكن الضفة الغربية بمعزل عن استخدام الطائرات الانتحارية، حيث استخدمت في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، باغتيال وديع الحوح، القائد في مجموعات عرين الأسود العسكرية التي تنشط في مدينة نابلس شمال الضفة.

 وروى مرافقو الشهيد بأن طائرات مسيرة صغيرة تحمل شحنات متفجرة، وكاميرات تصوير لاحقت الشهيد داخل المنزل الذي كان يتحصن فيه، بعدما حاصرته القوات الإسرائيلية الخاصة، وأن بعض تلك الطائرات كانت تنفجر لفتح ثغرات في النوافذ أو الجدران لتمر منها أخرى لاستهدافه.

ووثقت كاميرات الناشطين في الضفة تحليق الطائرات الانتحارية فوق منازل المطاردين خلال اقتحامات الاحتلال، وخصوصا في سماء جنين التي تنشط بها مجموعات عسكرية تعيق اقتحامات القوات الإسرائيلية، وسبق أن كبدتها خسائر في أرواح الجنود خلال الاشتباكات. 

وأعلن جيش الاحتلال عن استخدامه الطائرات الانتحارية، في 20 يوليو/تموز 2022، بعد رفع رقابة العسكرية الإسرائيلية، حظرا كان مفروضا على عملياتها، واعترف رسميا، لأول مرة، أنه استخدم هذا النوع من المسيرات.

وحسب القناة 13 العبرية، فإن جيش الاحتلال نفذ هجمات انتحارية بالمسيرات خلال العدوان على غزة في مايو 2021، زاعمة أن بعض الطائرات اكتشفت وفجرت راجمات صواريخ لحركة المقاومة الإسلامية حماس. 

وأتت الجولة الأخيرة في غزة لتكون المعركة التي سجلت أكبر اعتماد لقوات الاحتلال على هذا النوع من المسيرات الانتحارية.

أهداف الاستخدام

وبدوره، قال المحلل السياسي والكاتب في الشأن الإسرائيلي فايز أبو شمالة، إن إسرائيل تطور وسائل الطيران غير المأهولة وتسخرها لاستهداف المقاومة داخل فلسطين والتهديدات خارجها، وأبرزها الطائرات المسيرة بتشكيلاتها كافة ومنها الانتحارية.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "لم تستخدم الطائرات الانتحارية المسيرة للمرة الأولى خلال التصعيد الأخير، بل سبق استخدامها ضد مصنع للصواريخ الدقيقة لحزب الله اللبناني في الضاحية الجنوبية عام 2019".

وأوضح الكاتب أن استخدام إسرائيل لهذا الطراز من المسيرات؛ يهدف لتحقيق عنصر المباغتة للمقاومة، وضرب الروح المعنوية للمقاومين، وترى أنها نجحت بتحقيق ما هدفت له ما يؤشر لاستمرار استخدامها. 

وتابع أن "الطائرات المسيرة تختلف عن الصواريخ التي اعتاد عليها أهل غزة، والتي تأتي بعد طلعات عالية الصوت للطائرات الحربية، وهو ما من شأنه أن ينبه المقاومين".

وكذلك لدى المسيرات مرونة في تنفيذ الهدف لو حدث خلل أو تغير في الخطة يمكن تطبيقه وهو ما لا يتوفر بصواريخ الطائرات الحربية، وكذلك إصابة الهدف المحدد بدقة، حسب زعم الاحتلال.

ولفت أبو شمالة  إلى أن إسرائيل طورت أنواعا عديدة من الطائرات المسيرة بمختلف الأحجام والتخصصات، لتقلص من العامل البشري في الطيران، خصوصا فيما يتعلق بالتحليق بأجواء دول كإيران تمتلك منظومات دفاع جوي متطورة.

وأوضح أن الاحتلال صنع طائرات مسيرة انتحارية وروبوتات لمهاجمة أنفاق المقاومة في غزة؛ لاقتحامها وتصويرها من الداخل ثم تفجيرها سواء من العمق أو من فوهة النفق.

من جانبه، قال الباحث الفلسطيني زكريا السلاسلة إن جيش الاحتلال استخدم طائراته المسيرة الانتحارية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، لتنفيذ عمليات اغتيال مؤكد النجاح.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "الطائرات المسيرة هي السلاح الأساسي الذي يستخدمه الاحتلال ضد الفلسطينيين، سواء الهجومية أو الاستطلاعية وحديثا الطائرات الانتحارية".

وذكر الباحث أن الاحتلال لجأ لهذا النوع من عمليات الاغتيال؛ ليتجنب اكتشاف المقاومين لنواياه.

إذ إن لدى المقاومة القدرة التكنولوجية على الكشف عن الطائرات المسيرة في سماء القطاع، ومعرفة إذا ما كانت مسلحة أو لغرض الاستطلاع وأماكن تحليقها.

واستدرك: "لكن مع الطائرات المسيرة الانتحارية صغيرة الحجم والتي تدخل الحدود من مناطق غير مأهولة، وتحلق بالقرب من الأرض، فإن اكتشافها يصعب على المقاومة، ويمكن الاحتلال من تنفيذ عملية الاغتيال بنجاح".

وأوضح السلاسلة أن المعركة ما بين الاحتلال والمقاومة ستعتمد في المعارك المقبلة على سلاح المسيرات بشكل تصاعدي.

 فالمقاومة لديها برنامج أيضا لتصنيع هذه المسيرات الانتحارية وخلال العدوان الأخير أطلقت واحدة منها تجاه منطقة نحال عوز على حدود قطاع غزة، كما قال.

وبدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات إن الاحتلال طور خلال السنوات الأخيرة حوامات وطائرات مسيرة انتحارية؛ بهدف الاغتيالات.

وتابع في حديث لـ "الاستقلال": "لهذه الطائرات قدرات عسكرية كبيرة، تصيب الأهداف بدقة شديدة، وبعضها يصل للهدف دون ضوضاء كحوامات كواد كابتر، ويعتمد عليها جيش الاحتلال بشكل كبير في العمليات الخاصة والاغتيالات". 

وأوضح بشارات أن لدى جيش الاحتلال طواقم مدربة لإدارة أسراب الطائرات المسيرة الانتحارية وتوجيهها بدقة للأهداف، وأيضا لدراسة الهدف ومكان الاستهداف جيدا قبل تنفيذ العملية.

ولفت إلى أن جيش الاحتلال يعمل في الوقت الراهن على تطوير نظام لتشغيل وتسيير مجموعة من الحوامات في الوقت نفسه، بحيث يتحكم بأسراب من الطائرات المسيرة الانتحارية والاستطلاعية.

وأضاف "يعول الاحتلال على طائرة لينوس وهي مسيرة انتحارية صغيرة الحجم يجري إنتاجها حاليا بواسطة شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية، ومصممة للقتال في المناطق السكنية مع القدرة على التسلل إلى المنازل والأنفاق، وجمع المعلومات الاستخباراتية والانقضاض على الهدف وتفجيره".

"تصل سرعة الطائرة إلى 20 مترا في الثانية، وتمتلك أجهزة توثيق محمولة، ويمكنها حمل متفجرات، مع تفعيل التفجير بواسطة مشغل بشري أو بشكل مستقل".

وأوضح المختص أن الطائرة مزودة بنظام (GPS)، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وقدرة فريدة على إنتاج خريطة ثلاثية الأبعاد للبيئة التي يحلق فيها، وتحمل الطائرة كاميرات وأجهزة الاستشعار.

أنواع المسيرات الانتحارية

وتعد إسرائيل أول من صنع الطائرات الانتحارية المسيرة سنة 2008، وكانت أولى طائراتها تدعى "هاربي".

وفي سنة 2015 جرى تطويرها وتحديثها وتغيير اسمها إلى "هاروب"، ويبلغ وزنها 135 كيلوغراما، وهي مزودة برأس يحمل 23 كيلوغراما من المواد المتفجرة.

تعمل الطائرة المذكورة بواسطة منظومة رادار متطورة، ترصد هدفها وتنقض عليه بالسقوط المباشر، وتنفجر فوقه وتدمره، وهي قادرة على الطيران 6 ساعات في الجو وبمسافة 100 كيلومتر، ويصل ثمن الواحدة منها إلى نحو مليون دولار.

والمسيرة "هاربي" من تصميم شركة "يسرائيل إيركرافت إندستريز" الإسرائيلية، وإنتاج شركة الصناعات الجوية التابعة لسلاح جو الاحتلال.

وتمتلك إسرائيل اليوم العديد من أنواع المسيرات الانتحارية، بعضها خرج للعلن والآخر لا يزال يخضع للرقابة العسكرية، حسب موقع Israel defense الإسرائيلي.

وتنشر الشركات الإسرائيلية المصنعة للمسيرات بيانات طائراتها وقدراتها العسكرية عبر مواقعها الرسمية، بشرط موافقة الرقيب العسكري الإسرائيلية على أي معلومة يجري نشرها.  

ومن أبرز أنواع المسيرات الإسرائيلية طائرة "سكاي سترايكر" الانتحارية (Sky Striker)، وتحمل رأسا حربيا يبلغ وزنه 5 أو 10 كغم مثبتا داخل جسم الطائرة، ما يتيح إصابة الهدف بدقة عالية.

ويوفر الدفع الكهربائي لنظام الطائرة الحد الأدنى للصوت، ما يسمح بالعمليات السرية على ارتفاعات منخفضة، كمهاجم صامت وغير مرئي ومفاجئ، وفق ما نقله موقع الصناعات الجوية الإسرائيلية .

أما طائرة "سويتش بليد 600" الانتحارية (SWITCHBLADE 600)، فهي سلاح جوي متفجر يجرى إطلاقه من أنبوب غاز مضغوط.

وتحتوي على نظام كهربائي بصري وكاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وباستطاعتها الطيران لمدى يصل إلى 80 كلم، وتبقى في الجو لمدة تزيد على 40 دقيقة وتتوفر منها نسخة أقل حجما ومدى تحمل اسم "سويتش بليد 300" الانتحارية (SWITCHBLADE300)، بحسب ذات المصدر.

ويستخدم الاحتلال أيضا  طائرة "روتم" الانتحارية (Rotem)، وهي مسيرة صغيرة الحجم يجري التحكم فيها من خلال شخص واحد عبر جهاز لوحي. 

تقلع بشكل عمودي وتستطيع الدخول من النوافذ والأبواب للانقضاض على الهدف، وتحمل قنبلتين يبلغ وزن الواحدة منهما 2 كغم تقريبا، إضافة إلى رأس حربي يزن نصف كغم، وفق ما نقله موقع الصناعات الجوية الإسرائيلية. 

وأيضا يستخدم الاحتلال طائرة "أوربيتر 1 كي" الانتحارية (Orbiter 1K) وهي نسخة معدلة من طائرة "أوربيتر" المخصصة للاستطلاع.

وجرى تعديلها لحمل عبوة متفجرة تزن 2 كغم، إضافة إلى رأس حربي يزن 3 كغم، لتصبح قادرة على تنفيذ مهام انتحارية. 

تتميز بمهاجمة الأهداف ذات الدروع الخفيفة والأهداف البشرية، ويجري التحكم فيها من قِبل المشغل، بحيث تصبح قادرة بعد إعطائها المعلومات المطلوبة على الوصول إلى نقطة معينة، وتنفيذ عملية مسح للمنطقة بشكل مستقل لاكتشاف هدف ثابت أو متحرك وتدميره، بحسب موقع Israel defense الإسرائيلي.

وبحسب موقع واللا العبري، فإن أبرز الطائرات التي تستخدم في الاغتيالات في غزة والضفة الغربية، هي طائرة "كواد كابتر" الانتحارية (quadcopter).

تصنف من الطائرات العمودية، وتختلف عن نظيرتها ذات الأجنحة الثابتة، إذ إنها ترتفع وتطير في الهواء بواسطة 4 أو 6 مراوح أفقية.

وتمتلك كواد كابتر قدرة كبيرة على أداء المناورات الجوية، وتعد من أبرز الطائرات التي تنفذ عمليات المراقبة والبحث والاغتيال على مستوى العالم، ويمكنها حمل متفجرات تزن 10- 15 كغم.

أما الطائرة الانتحارية بعيدة المدى "شرقرق" Shrekarek فتعد سلاحا تكتيكيا، يحمل مواصفات قريبة إلى صواريخ "كروز".

وهي فعالة للغاية ضد الأهداف المخفية التي يمكن رؤيتها لفترات زمنية قصيرة، ويمكنها الطيران لمسافة 40 كلم، بسرعة تزيد على 185 كلم في الساعة، وبإمكانها حمل رأس حربي يزن 5 أو 10 كغم من المواد شديدة الانفجار.

وتعمل من خلال نظام دفع كهربائي صامت، ما يجعلها قادرة على الاقتراب من هدفها دون ضجيج، حسب موقع الصناعات الجوية الإسرائيلية.