ضمن تسوية مصرية تركية.. هل توصل الدبيبة وحفتر لاتفاق ينهي أزمة ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

رجحت تقارير عديدة في الآونة الأخيرة، وجود اتفاق غير معلن بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة واللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر على تشكيل حكومة موحدة في البلاد.

وكان آخر كشف في هذا الصدد، ما تحدث به في 23 مايو/أيار 2023، مصدر سياسي ليبي "واسع الاطلاع" لوكالة الأناضول التركية عن تفاصيل الاتفاق.

وقال المصدر الليبي إن ذلك جاء خلال مشاورات جرت في القاهرة بين وفود من حكومة "الدبيبة" ومندوبين عن حفتر وبتمثيل أقل من مجلس النواب.

الاتفاق ينص على أن يكون الدبيبة رئيسا للحكومة الموحدة المقبلة التي ستجري الانتخابات، مقابل تنازله عن الضغط الذي يمارسه لإقصاء حفتر من المشاركة في الرئاسيات المقبلة، كونه عسكريا، ويحمل الجنسية الأميركية.

وبحسب المصدر نفسه، كان سبب إقصاء برلمان طبرق لـ"فتحي باشاغا" رئيس الحكومة المعفية الموالية لحفتر في الشرق، هو رفضه أن يكون نائبا للدبيبة في الحكومة المقبلة الموحدة.

وهو ما دفع حفتر للضغط على مجلس النواب لتوقيفه عن رئاسة الحكومة في مايو 2023 وفق المصدر.

مصادر مصرية رجحت لـ "الاستقلال" أن يكون هذا الاتفاق، جرى إثر تدخل المخابرات المصرية للوساطة بينهما.

كما بينت أن وفدا مصريا ومسؤولين من جهاز المخابرات المصرية" زاروا الدبيبة في ليبيا 17 مايو 2023 لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.

أوضحت أن الاتفاق المنتظر إعلانه فور توافق كل الأطراف على مناصب الحكومة المقبلة، جرى وفق تفاهمات مصرية تركية في أعقاب الزيارات المتبادلة بين وزيري الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو والمصري سامح شكري للبلدين مارس/آذار وأبريل/نيسان 2023، وتصفية الكثير من الخلافات.

وقبلهما لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في قطر على هامش مباريات كأس العالم نوفمبر/تشرين ثان 2022، والمتوقع أن يجرى بينهما قمة قادمة عقب الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجرى جولتها الثانية 28 مايو/أيار 2023، وفق المصدر.

تفاصيل الوساطة

وفي 20 مايو 2023، ذكرت وكالة "نوفا" الإيطالية نقلا عن مصادر ليبية، أن مصر أرسلت وفدين أمنيين إلى شرق ليبيا وغربها، في محاولة لاحتواء الأزمة بما يحفظ مصالح القاهرة، في أعقاب إقالة مجلس النواب 16 مايو 2023 فتحي باشاغا.

ونقلت الوكالة عن مسؤول أن "وفدا أمنيا رفيع المستوى، برئاسة مسؤول الملف الليبي بالمخابرات المصرية، زار الانقلابي خليفة حفتر، بعد أنباء الخلافات بينه وبين باشاغا، وتسببه في عزله، بحسب موقع "روسيا اليوم" 20 مايو 2023.

وقد نقل موقع "العربي الجديد" 20 مايو 2023 أيضا عن مصادر مصرية، أنباء إرسال القاهرة وفدين أمنيين لشرق وغرب ليبيا، مشيرا إلى أن تحرك مصر جاء ردا على تحرك إماراتي لتشكيل حكومة موحدة، مهمتها أن تجهز للانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وأشار المصدر المصري إلي توتر في العلاقات بين حفتر والقاهرة، بعدما استهدفت مصر شحنة أسلحة ووقود كانت موجهة من شرق ليبيا (بدعم إماراتي) تحت حماية قوات الانقلابي المتقاعد إلى قوات الدعم السريع في السودان.

ورشحت أنباء عن دعم حفتر لقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي" في مواجهة الجيش السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان، والمدعوم من النظام المصري.

وتوقع المحلل السياسي الليبي عبد الله الريس لموقع "العرب" 24 مايو 2023 أن تكون الاتفاقات الجديدة بين حفتر والدبيبة، تتويج للمفاوضات السرية في القاهرة بين ممثلين عن الرجلين بهدف تشكيل حكومة ائتلافية جديدة أو تعديل وزاري ضمن اتفاق على الانتخابات.

ونقل موقع "ليبيا برس" عن الناشط الحقوقي الليبي حسام القماطي حديثه عن عقد لقاء موسع في 17 مايو 2023 بين "صدام حفتر" و5 من السياسيين الليبيين للاتفاق على تعديل حكومة الدبيبة مقابل تسلم اللواء المتقاعد وزارات الخارجية والدفاع والحكم المحلي والمالية.

كما نقل "ليبيا برس" عن النائبة في البرلمان الليبي "ربيعة بوراس" قولها إن عائلتي الدبيبة وحفتر على تواصل لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية بقيادة الدبيبة وأسامة حماد (وزير المالية المكلف بقيادة حكومة باشاغا بعد إعفاء الأخير).

وتزامن الحديث عن الاتفاق، مع إعلان اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا "6+6" تحقيق "توافق كامل" بخصوص الملفات المتعلقة بإجراء الانتخابات، بحسب ما قال المتحدث باسمها عمر محمد أبو ليفة، خلال مؤتمر صحفي بمدينة بوزنيقة المغربية 23 مايو 2023.

وتشكلت لجنة 6+6 من مجلسي النواب والدولة نهاية مارس 2023 لوضع القوانين والتشريعات للانتخابات المزمع انطلاقها قبل نهاية هذا العام وفقاً للتّعديل الدستوري 13 الذي أقره المجلسان، 

وقد عُقد في 24 مايو 2023 اجتماع للجنة العسكرية المشتركة 5+5 ومجموعة العمل الأمني المنبثقة عن مؤتمر برلين، بفندق ريكسوس بالعاصمة طرابلس ضمن خطط توحيد الجيش الليبي ونزع أي توتر، بهدف الإشراف على الانتخابات.

وسبق أن أكدت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة خلال اجتماعها بمدينة بنغازي في 7 أبريل 2023 استعدادها لتقديم الدعم لتأمين الانتخابات المرتقبة.

ولجنة "5+5" تضم 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا ومثلهم من طرف قوات الشرق التي يقودها الانقلابي حفتر.

 وتعقد منذ عامين حوارات داخل البلاد وخارجها لتوحيد الجيش تحت رعاية الأمم المتحدة تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020. 

دور تركيا

مصدر مصري قريب من المفاوضات مع حكومة الدبيبة بشأن اتفاق الانتخابات المقبلة، ذكر لـ "الاستقلال" أنها شهدت "دفعة" بفعل التحسن في العلاقات المصرية التركية، ويمكن وصفها بأنه أحد بنود اتفاقات التسوية بينهما.

أوضح أن ملفات عديدة كانت عالقة بين حكومة طرابلس في الغرب والانقلابي خليفة حفتر في الشرق، بسبب خلافات القاهرة وأنقرة.

لكن مع تحسن العلاقات جرى تفكيك عُقد كثيرة من بينها الملف الليبي، خاصة أن هناك مصالح مصرية تركية مشتركة كانت تعرقلها الخلافات مثل التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وفق قوله.

وفي 15 مايو 2023 قال القائم بالأعمال التركي في القاهرة صالح موتلو شين لقناة "فبراير" الليبية إن "مصر وتركيا يفهمان بعضهما البعض حاليا بشكل أفضل".

وبين أن "كلاهما تدعمان الانتخابات وتسعيان لإحلال السلام في ليبيا وأن هذين الهدفين هما أساس التعاون المصري التركي".

وفي 20 مارس 2023 أكد وزير خارجية تركيا خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة مع نظيره المصري أنه جرى حل مشاكل "عدم ارتياح" مصر لتواجد بلاده في ليبيا.

ونقلت عنه وكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية، قوله إن اتفاقية الصلاحية البحرية المبرمة بين بلاده وحكومة طرابلس في ليبيا "ليست ضد مصالح مصر"، وإن اتفاقية القاهرة مع اليونان "ليست ضد أنقرة".

وقال تشاووش أوغلو إن "مصر راعت مصالح تركيا عندما أبرمت اتفاقيات بحرية مع اليونان"، أما اعترضها على اتفاق أنقرة وطرابلس بشأن التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط فيرجع فقط لاعتبار القاهرة أن حكومة الدبيبة مؤقتة وليست مخولة التوقيع على اتفاقيات.

وعقّب مصدر دبلوماسي مصري لـ "الاستقلال" مؤكدا أن تحفظ القاهرة على اتفاق الغاز التركي الليبي لم يعد بالتالي له وجود، في ظل عودة مصر للتعامل مع حكومة الدبيبة واعتبارها شرعية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022 وقعت حكومة الدبيبة، اتفاقيتين مع تركيا حول التنقيب عن النفط والغاز، اعترضت عليهما مصر واليونان.

وفي مؤشر على حجم النفوذ التركي في ليبيا، قال الدبيبة لمستثمرين أتراك في جناح تركيا بمعرض طرابلس الدولي للإنشاءات 22 مايو 2023: من لا يصوت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية الحالية "لن يعمل" في البلاد.

ولعبت تركيا دورا في هزيمة الانقلابي خليفة حفتر خلال هجومه على العاصمة طرابلس، من خلال طائراتها المسيرة ودعمها العسكري غير المحدود، وتطور التعاون الكبير والدعم المتبادل بين الجانبين في كافة المجالات.

ودعمت أنقرة الإعمار في ليبيا، فيما تبرع الدبيبة بهبة مالية بـ 50 مليون دولار لإعادة إعمار جنوب تركيا بعد الزلزال المدمر في فبراير/شباط 2023.

هل تنتهي الأزمة؟

بحسب المصادر المصرية، مصر بحاجة إلى ليبيا اقتصاديا، واستقرارها وإجراء انتخابات، يضمن للنظام المصري الاستفادة ماديا عبر مشاريع اقتصادية متبادلة، وضمان بقاء دوران طرابلس في فلك القاهرة، وسط ظل التنافس الإقليمي والدولي على أرضها.

ترى أن الدبيبة في المقابل، يحتاج علاقات جيدة مع مصر لضمان دعمها له في الانتخابات المقبلة كمرشح للرئاسة، لذا فتح الباب لشركات الجيش المصرية والحكومة لتنفيذ مشروعات في ليبيا.

أيضا نجحت اللقاءات على مستوى القادة ووزراء الخارجية بين مصر وتركيا في تسريع حلحلة الخلافات الثنائية ومن بينها الملف الليبي، ما دفع كل طرف موال للبلدين في ليبيا لتليين موقفه والبحث عن حل للصراع ينهي الأزمة المستمرة منذ 2011.

ولعبت دبلوماسية الكوارث دورا، عقب زلزال تركيا، في تحريك المياه الراكدة في مسار المصالحة التركية المصرية، بعدما أرسلت مصر مساعدات بطائراتها الحربية، ثم تبادل وزيري الخارجية الزيارات وحظيت التجارة بدفعة أخرى.

لذا يتوقع محللون أن تقترب أزمة ليبيا من الحل بفعل الوساطة المصرية التركية وتحقيق توافق بين الطرفين المتصارعين السابقين (الدبيبة وحفتر)، وفي ظل التنافس الدولي على البلاد ووجود مصالح مصرية تركية مشتركة هناك.

وكانت مشاركة رجل أعمال مقاولات الجيش "إبراهيم العرجاني" في الزيارة التي أجراها وفد المخابرات المصرية لليبيا للقاء الدبيبة في 17 مايو  2023، ذات مغزى حول عودة التقارب بين القاهرة وحكومة طرابلس بعدما كانت تعتبرها غير شرعية.

إذ كان العرجاني يجلس مباشرة على يسار الدبيبة، ما يشير للاتفاق على قيادته أعمال البيزنس المصرية في ليبيا، وهو تحدثت عنه قبائل من سيناء تتعاون مع الجيش.

وضمن تحسن العلاقات بين القاهرة و"الدبيبة" بعد خلاف دبلوماسي وقطيعة قاربت العام، شاركت 20 شركة مصرية أغلبها تابع للحكومة والجيش في معرض "ليبيا بيلد" 2023 بطرابلس، وفق صحيفة "المال" المصرية 22 مايو 2023.