حميدتي يضع يده على "قنبلة جرثومية" والصحة العالمية تدق ناقوس الخطر.. ما القصة؟
حذر موقع إيطالي من كابوس ما أسماه "الإرهاب البيولوجي" في السودان في خضم الحرب المندلعة منذ 15 أبريل/ نيسان بين قوات الدعم السريع والجيش النظامي.
يأتي ذلك على إثر إعلان منظمة الصحة العالمية في 25 أبريل، عبر ممثلها المحلي نعمة سعيد عابد، أن مقاتلين مسلحين تمكنوا من السيطرة على مختبر طبي يحتوي على عينات مسببة لأمراض الحصبة والكوليرا وشلل الأطفال.
ونقل موقع "إنسايد أوفر" في تقريره حول تداعيات هذا التطور عن ممثل المنظمة الأممية قوله في اتصال عبر تقنية الفيديو إن "أحد الطرفين المتقاتلين يحتل مختبرا للصحة العامة، ما يشكل خطرا بيولوجيا مرتفعا جدا".
من جانبه، كشف مصدر طبي رفيع المستوى لشبكة سي إن إن" الأميركية عن أنّ قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" هي مَن استولت على المختبر الوطني للصحة العامة في الخرطوم.
وقال المصدر: "توجد بالمختبر كمية كبيرة من الأوبئة”، مشيراً إلى أنّ الخطر يكمن في اندلاع أيّ مواجهة مسلحة في المختبر، لأنّ ذلك "سيحوّل المختبر إلى قنبلة جرثومية".
ماذا يحتوي المختبر ؟
وحذر المسؤول الأممي المحلي من أن احتلال المختبر المركزي للصحة العامة يشكل علامة سيئة من جانب أحد الأطراف المتحاربة لأن ذلك لن يؤدي سوى إلى استخدام الفيروسات والبكتيريا كسلاح.
وشرح بأن طرد الفنيين من المختبر إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء العاصمة السودانية، يجعل من المستحيل إدارة المواد البيولوجية المخزنة بشكل صحيح.
وأضاف بأن إنقطاع التيار الكهربائي يهدد بالإتلاف التدريجي لأكياس الدم المخزنة هناك.
بدوره، رأى رئيس قسم الأمراض المعدية بمستشفى سان مارتينو في جنوة (شمال)، ماتيو باسّيتّي، أن "ما يحدث في السودان مقلق للغاية، فلا نعرف ما يوجد في ذلك المختبر".
وقال باسيتّي إنه "من الواضح أن توقف نظام التبريد يشكل مشكل كبيرة لا لتلك المنطقة في العالم وذلك في حالة وجود سلالات من شلل الأطفال، والكوليرا والحصبة وربما بعض الكائنات المسببة للأمراض المعدية الأخرى في الداخل".
وأوضح: "أفكر ببعض الفيروسات عالية العدوى كالجدري، أو كائنات حية دقيقة أخرى من تلك التي تنتشر بسرعة."
وأشار الموقع الإيطالي إلى أن المختبر يقع في وسط الخرطوم على مقربة من المطار الرئيس وبالقرب من نقاط الاحتكاك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وغير بعيد عن مقر الجيش السوداني.
وعلى الرغم من كونه مصدر قلق كبير، قلل الموقع الإيطالي من مخاطر السيطرة على المختبر خصوصا وأنه ذو طبيعة عامة مشتركة ولا يشكل موقعا عالي الاحتواء.
علاوة على ذلك، جميع الأمراض التي يعالجها مستوطنة في المنطقة وبالتالي لا تصنف على أنها عالية الخطورة، يضيف إنسايد أوفر.
على جانب آخر، يلاحظ أن الجغرافيا الخاصة للمدينة تجعل استهداف المواقع الإستراتيجية قريبا بشكل خطير من البنى التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمرافق الصحية.
وينقل عن خبراء على غرار الإيطالي فابريزيو بريلياسكو شرحهم أن المواد المحفوظة في المختبر من مسببات الأمراض التي تنتقل عبر طرق مختلفة، وبالتالي لن يكفي نشرها في البيئة وإنما كذلك معرفة كيفية التعامل معها بدقة.
كما أن مسببات الأمراض تحتاج إلى نقلها ونشرها لا فقط عن طريق الهواء مثل الجمرة الخبيثة، وإنما أيضًا من خلال نقل العدوى عبر تلويث الماء والغذاء أو كذلك من خلال القنابل والرصاص.
لذلك تشكل سلاحا قاتلا صامتا وغير مرئي بإمكانه استهداف مناطق شاسعة جدًا بأقصى قدر من الفعالية وبتكاليف منخفضة نسبيًا.
في حالة السودان، يحذر الموقع من أن هذا الخطر يتفاقم لاسيما وأن سوء إدارة المواد المخزنة يمكن أن يتسبب في مخاطر جسيمة لأي شخص يتعامل مع هذه المواد خصوصا وأن البلد يعيش حالة حرب وخرجت فيه أغلب المرافق الصحية عن الخدمة.
لهذا السبب، تناشد منظمة الصحة العالمية بإخلاء العناصر المسلحة للمختبر وإخضاعه لاتفاقيات محددة بين الطرفين.
"إرهاب بيولوجي"
ولفت الموقع الإيطالي إلى أنه يجري إثارة الإرهاب البيولوجي كأثر رادع محتمل منذ فجر التاريخ إلى غاية جميع النزاعات المعاصرة.
وأضاف أن الاستخدام لتقنيات إعادة التركيب الجيني للإنتاج الضخم للسموم للأغراض العسكرية يعد أحد أكثر التطورات إثارة للقلق في الهندسة الوراثية الحديثة.
وشرح أن ما يسمى بالحرب البيولوجية تشكل شبحا واجهته المجتمعات المعاصرة ولكنه أيضًا أداة تم التخلي عنها رسميًا على الأقل لتفادي السباق على الأسلحة البيولوجية على عكس الأسلحة الذرية.
وأشار أيضًا إلى وجود أدوات محددة في القانون الدولي نصت على منع تطوير هذه الأسلحة.
وذكر في هذا الصدد، اتفاقية جنيف لعام 1925 التي تمنع، في حالة النزاع استخدام "أساليب الحرب البكتريولوجية".
وكذلك "اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسموم وتدميرها" سارية المفعول منذ 26 مارس 1975، تلزم 183 دولة طرفا فيما لا تلتزم العديد من الدول بها.
وبحسب الموقع، هذه الأدوات لا تعد أسلحة "مصوبة"، لأنها لا تحظر إنتاج مسببات الأمراض وإنما فقط استخدامها للأغراض العسكرية.
وذكر أن هذه التحذيرات من المخاطر البيولوجية لا تعد أمرا جديدا في القارة الإفريقية في إشارة إلى ما حدث في جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري.
وأشار إلى كشف تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا في أكتوبر 1998 عن مشروع الساحل Project Coast، وهو برنامج حرب بيولوجية أجراه النظام سراً بين الثمانينيات والتسعينيات.
وأطلق المشروع في عام 1981 كـ"فرضية دفاعية" وسرعان ما تحول إلى مشروع قاتل من أجل إنتاج نوعين من مسببات الأمراض: أسلحة الدمار الشامل، من خلال استخدام الجمرة الخبيثة والكزاز والكوليرا وكذلك عوامل التسمم الشائعة مثل السالمونيلا.
وتم تطوير برنامج ثان، موازٍ للبرنامج الأول، لاستهداف الأفراد بعناصر قاتلة من أصل كيميائي وبيولوجي ونباتي.
البرنامج، الذي كان سريًا حتى عام 1998، كان مدفوعًا بالحاجة إلى تطوير عناصر للسيطرة على الحشود بالإضافة إلى معدات دفاعية أكثر تطوراً.
وبمجرد أن خرج عن السيطرة، تحول إلى شبكة كثيفة من الأسرار والشركات الواجهة والمعاملات غير المشروعة وكذلك هياكل شبه حكومية غير مرئية.