"دعم فرنجية".. كيف تستغل إيران تطبيعها مع السعودية في أزمة رئاسة لبنان؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في أول زيارة له إلى لبنان عقب التسوية بين طهران والرياض، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في العاصمة بيروت نظيره اللبناني عبد الله بو حبيب، ورئيسي الحكومة نجيب ميقاتي، والبرلمان نبيه بري.

ورعت الصين في 10 مارس/آذار 2023، اتفاقا بين إيران والسعودية يقضي باستئناف العلاقات بينهما بعد قطيعة حصلت منذ عام 2016 جراء حرق سفارة الرياض في طهران على يد محتجين إثر إعدام الأولى رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهمة الإرهاب.

"أفكار ومبادرات"

وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي وصل على رأس وفد رسمي إلى بيروت في 26 أبريل 2023، في إطار زيارة رسمية ليومين، حمل "أفكارا ومبادرات" لـ"تحسين الأوضاع" في لبنان، من دون الكشف عن تفاصيلها.

وقال عبد اللهيان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اللبناني، في 27 أبريل 2023، إن "إيران تشجع الأطراف كافة في لبنان على تسريع انتخاب رئيس وإتمام العملية السياسية في هذا البلد المهم في المنطقة".

منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وذلك جراء انقسامات سياسية عميقة، في وقت لا يملك أي فريق أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح للقصر الجمهوري.

وأعلن حزب الله وحلفاؤه دعمهم لوصول النائب والوزير السابق سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة، في حين يصفون المرشح الآخر، ميشال معوض، الذي يحظى بتأييد عدد من الكتل ونواب مستقلين بمرشح "التحدي"، بأنه قريب من الولايات المتحدة الأميركية.

وأضاف وزير الخارجية الإيراني: "سندعم أي انتخاب واتفاق يجرى التوصل إليه بين جميع الجهات في لبنان"، داعيا في الوقت ذاته "الأطراف الأجنبية إلى احترام خيار اللبنانيين من دون التدخل في شؤون البلاد الداخلية".

وعقد ممثلو خمس دول معنية بالشأن اللبناني بينها فرنسا والولايات المتحدة والسعودية اجتماعا بالعاصمة الفرنسية باريس في فبراير/شباط 2023 من أجل مناقشة الوضع في لبنان، لكنهم لم يحققوا أي تقدم، ولا سيما في ملف انتخاب رئيس للبلاد.

وأوضح عبداللهيان: "أجرينا اليوم مباحثات حول التعاون الشامل بين البلدين، وأكدنا الاستعداد التام لإيران لتعزيز العلاقات في المجالات كافة، لا سيما الاقتصادية والتجارية والسياسية والعلمية". وتابع: "كما تطرق البحث إلى الاتفاق الأخير بين طهران والرياض".

من جهته، قال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، إن عبد اللهيان أطلعه على "تفاصيل الاتفاق السعودي - الإيراني في بكين، وتمنى أن يأتي الخير منه إلى بلدنا".

وأبدى بو حبيب تفاؤله من أن "كل اتفاق بين دول الجوار هو جيد للبنان، وأن نتائج الاتفاق السعودي الإيراني لا تنحصر على فتح السفارات فحسب، إنما أيضا لها انعكاسات في اليمن ولبنان وعلى القضية الفلسطينية، ونتمنى أن تكون إيجابية".

طرف مروض

من جهته، قال النائب سعيد الأسمر عضو تكتل "الجمهورية القوية" (الكتلة النيابية لحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع) إن وزير الخارجية الإيراني يزور لبنان، للتواصل مع حلفائه ويطمئن على "الجالية الإيرانية" ومن يأتمرون بالمشروع الإيراني في لبنان، في إشارة إلى "حزب الله".

عن الرابط بين الاتّفاق السعودي - الإيراني والزيارة، أمل الأسمر أن "يعكس تطبيق هذا الاتفاق إيجابيات تكون لمصلحة لبنان، خصوصا أن من أبرز شروطه، عدم التعرّض لشؤون الدول العربية الداخلية واحترام سيادتها، والأهم في هذا السياق ملف رئاسة الجمهورية، حسبما نقلت صحيفة "النهار" اللبنانية في 27 أبريل 2023.

وبخصوص حديث إيران عن مبادرات لتسوية الأوضاع في لبنان مباشرة بعد تطبيع علاقتها مع السعودية، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إبراهيم حيدر لـ"الاستقلال" إن "وزير الخارجية الإيراني لم يأت إلى لبنان انطلاقا من الاتفاق الإيراني السعودي".

وأرجع حيدر ذلك إلى أن "لبنان ليس لها أولوية في هذا السياق (التسوية السعودية الإيرانية)، وإنما تكون في أماكن أخرى ولا سيما في اليمن وسوريا، وبالتالي الملف اللبناني هو آخر ما يمكن أن يطرح على طاولة البحث، وهنا إيران لها حسابات مرتبطة بهذه الساحة تحديدا".

واستبعد الكاتب اللبناني أن "تؤدي أي مبادرة إيرانية إلى تسوية أو انتخاب رئيس في لبنان خلال مدة قريبة، أو على الأقل قبل القمة العربية المقبلة المقرر انعقادها بالمملكة العربية السعودية في 14 مايو/ أيار 2023".

وأشار إلى أن "النقطة الأساسية في هذا السياق، هي أن الوجهة الإيرانية عموما تنطلق من مشروع مرتبط بلبنان وسوريا بشكل رئيس، وبالتالي الوضع اللبناني له خاصية معينة بالنسبة للإيرانيين، فهو يشكل ساحة نفوذ وخطا أحمر أساسيا لا يتنازلون عنه".

وأكد الكاتب أن "طرح وزير الخارجية الإيراني مبادرة خلال زيارته- الثالثة للبنان خلال عام- هي محل رفض من جزء من المكونات اللبنانية، كونها تعد طهران جهة غير متوازنة نتيجة دعمهم المفتوح لحزب الله اللبناني".

وبين الحيدر أن "المبادرة الإيرانية- إذا كانت مطروحة بالفعل- فإنها لا يمكن أن تأخذ مسارا إيجابيا إلا من خلال تسوية عادلة تؤدي إلى اقتراح مرشح للرئاسة من خارج الاصطفافات القائمة في هذا السياق".

دعم فرنجية

وفي المقابل، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، قاسم قصير، إن "الزيارة تأتي بعد انطلاق الاتفاق الإيراني السعودي والقيام بخطوات عملية بين إيران والسعودية، خصوصا على صعيد القرار بفتح السفارات وتبادل العلاقات الدبلوماسية".

ورأى قصير خلال حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 27 أبريل 2023 أنه "من الواضح أن القيادة الإيرانية ترى أن الاتفاق الإيراني السعودي خطوة مهمة سيكون لها انعكاسات على الملفات كافة في المنطقة، وزير الخارجية يريد أولا التأكيد على الموقف الإيراني".

وأردف: "الملف اللبناني في أيدي اللبنانيين والقرار يعود إليهم، وإيران لا تتدخل بشكل مباشر، وأي قرار يتفق عليه اللبنانيون تدعمه الأخيرة، وعلاقات طهران والرياض يمكن أن تدفع في الاتجاه الإيجابي، بعكس ما كانت عليه الأجواء في السنوات الماضية".

وعن الموقف الإيراني من ملف الرئاسة في لبنان، أكد قصير: "حسب معلوماتي ومصادر في حزب الله أن حظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، هو الذي يتقدم حاليا خصوصا أن هناك معلومات بوجود موقف سعودي إيجابي".

ولفت إلى أنه "ليس مطروحا حاليا أي مرشح بديل عن فرنجية، وهناك خطوات لطمأنة الذين كان لديهم اعتراضات على ترشيح فرنجية سواء من خلال مواقفه التي أعلنها أو سيعلنها".

ورأى قصير أن "السعوديين لديهم ملف اليمن أولوية، وإيران كان لديها أولوية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الآن ملف اليمن يسير في الاتجاه الصحيح والعلاقات عادت".

وأردف: "الملف السوري يتقدم، لذلك أظن أن هذه الأجواء كلها قد تنعكس إيجابا حتى لو لم يكن الملف اللبناني على طاولة الحوار سابقا، ولكن تحسن العلاقات بين إيران والسعودية سينعكس إيجابا على الوضع اللبناني".

وبحسب مراقبين، فإن إيران استغلت التسوية مع السعودية للحديث عن مبادرة للملف اللبناني، وذلك يحمل مؤشرات على أنها تدفع باتجاه القبول بالمرشح الحالي للرئاسة المدعوم من حزب الله سليمان فرنجية، وبالتالي هي مطالبة مبطنة للرياض بالضغط على حلفائها في لبنان لانتخاب الأخير.

ويزيد الشلل السياسي الوضع الاقتصادي سوءا في لبنان، إذ باتت حكومة تصريف الأعمال التي تدير البلاد عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي وصندوق النقد لتقديم الدعم من أجل وقف الانهيار الاقتصادي المتمادي منذ خريف 2019.

ومنذ مارس 2023، دخلت الليرة اللبنانية مرحلة جديدة من الانهيار، تمثلت بهبوطها التاريخي إلى مستوى 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد في السوق الموازية، وسط ارتفاع جنوني في أسعار السلع ونقص حاد في الخدمات، ولا سيما قطاع الكهرباء.