أكثر من أي دولة أخرى.. لماذا تهتم إسرائيل بالتوسط بين حميدتي والبرهان؟
"نقاتل الجيش السوداني مثلما تقاتل إسرائيل الإرهابيين في حركة حماس"، تصريح أطلقه يوسف عزت مستشار قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، أظهر مدى تعلق المليشيات العسكرية في الخرطوم بتل أبيب.
وجاء حديث عزت لقناة البث الرسمية الإسرائيلية "كان" في 22 أبريل/نيسان، 2023 ضمن جملة تصريحات غازل فيها دولة الاحتلال منذ بدء الاشتباكات.
ومنذ 15 أبريل 2023، اندلعت في عدد من ولايات السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح معظمهم من المدنيين.
وعام 2013، تشكلت "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.
موقف إسرائيل
ومنذ اندلاع الصراع، تدور التساؤلات حول موقف إسرائيل والجهة التي تقف إلى جانبها، وسط أحاديث عن انقسام المؤسسات الإسرائيلية بين حميدتي والبرهان.
وأشارت وسائل إعلام عبرية إلى نوعين مختلفين من المؤسسات الحكومية الإسرائيلية تربطهما علاقات مع السودان، الموساد (الاستخبارات الخارجية) ووزارة الخارجية.
وتأتي الحساسية الإسرائيلية من اندلاع المعارك بعد وصول إسرائيل والسودان لصيغة اتفاق نهائي لتطبيع العلاقات، في 2 فبراير 2023، خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين للخرطوم.
وأعلنت تل أبيب والخرطوم تطبيع العلاقات بينهما، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد تعهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بشطب السودان من قائمة الدول التي تعدها واشنطن "راعية للإرهاب" وتقديم مساعدات لها.
ولذلك، تراقب إسرائيل عن كثب ما يجرى في السودان، وادعت استعدادها لعب دور الوساطة بين الطرفين، من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، بحسب خارجية الاحتلال.
وقالت الخارجية في 24 أبريل، إنها "عرضت استضافة قمة تفاوضية في إسرائيل، من أجل التوصل إلى اتفاقيات تسمح بوضع حد للعنف والحرب، في البلاد.
ويعمل الوزير إيلي كوهين، على الترويج للهدوء الناتج عن توقيع اتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والسودان في المستقبل القريب، وفق البيان.
وتابع: "إن مدير عام الخارجية رونان ليفي، عقد محادثات مع كبار المسؤولين من الجيش والدعم السريع، بهدف إنهاء القتال، وشهدت المحادثات تقدما، ويجرى النظر في استضافتهم في إسرائيل للتوصل إلى اتفاق يؤدي لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد".
وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم" إن الحكومة الإسرائيلية توصلت إلى استنتاج بأنه لن يكون بالإمكان التوقيع على اتفاق سلام كامل بين إسرائيل والسودان قبل انتهاء المواجهات في السودان، وذلك خلافا لتقديرات إسرائيلية سابقة أنه بالإمكان توقيع الاتفاق رغم عدم إنهاء الانتقال إلى حكم مدني.
ومن جانبه، علق جهاز الاستخبارات والمهام الخاصة الإسرائيلي "الموساد" على الأحداث الجارية في دولة السودان 15 أبريل، بأنه صراع على السلطة ولن يؤثر على العلاقات مع "إسرائيل"، وفق ما نقل موقع إنتلي تايمز العبري.
ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية محمد هلسة إن إسرائيل ليست بعيدة عن أي صراع في المنطقة، وفي السودان لدى "تل أبيب" مصالح ومن المعروف أنها ستدعم الطرف الأقدر على تحقيقها.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "إسرائيل تلعب الآن دور الحيادي بين طرفي الصراع، وتجري الاتصالات مع البرهان الطرف الآخر -الذي تميل له-، بدعوى التهدئة ووقف القتال وتحقيق الهدنة، وهو جهد دعائي لا أكثر".
وتوقع المختص أن إسرائيل لن تواصل هذا الدور بل ستدعم قوات الدعم السريع بشكل أو بآخر لحسم هذا الصراع، مشددا على أن الاحتلال يخشى توسع هذه المعارك لتصبح حربا أهلية تغير الموازين في السودان؛ وتضر باتفاق التطبيع.
وتابع "الهدف الأساسي لإسرائيل كان أن يجرى تحقيق اتفاق التطبيع بشكل كامل قبل وصول الحكم في السودان لجهة مدنية منتخبة، لمعرفتها أن الشعوب ومن تختارهم ضد الاحتلال، ولكن هذا النزاع حصل قبل إبرام الاتفاق؛ لذلك من المتوقع أن تتدخل تل أبيب لحماية أطماعها في الخرطوم".
وأكد هلسة أن إسرائيل تستطيع دعم الطرف المفضل لها -وقد يكون قوى الدعم السريع- بسلاح نوعي يمكنها من إحداث فرق على الأرض، أو بالضغط على الولايات المتحدة ودول عربية مؤثرة في هذا الصراع.
وأضاف "ولكن في نفس الوقت لن تغامر إسرائيل بدعم طرف من الممكن أن يخسر الصراع، ولا يملك مؤهلات الانتصار، فهي بذلك تطلق رصاصة الرحمة على اتفاق التطبيع؛ لذلك ستتصرف بحذر وفي الخفاء لكي تنجح في مساعيها".
وأوضح الكاتب أن لدى إسرائيل مخططا للتغلغل في السودان لنهب ثرواته الهائلة المتروكة، وتحويل البلد العربي الفقير لمركز ثراء لشركاتها الزراعية والصناعية والتجارية، وسيكون بوابة الاحتلال للقارة السمراء، والتمدد فيها سريعا وجني المكاسب منها.
وأضاف "تتخوف إسرائيل أنه في حال فشل اتفاق التطبيع بسبب الصراع في السودان من عودة فصائل المقاومة للنشاط فيه وعلى رأسها حماس، وهي تمتلك تاريخا من الوجود في هذه البلاد للتدريب وتهريب السلاح إلى قطاع غزة ولبنان، وكذلك ممكن عودة إيران للنشاط بالخرطوم".
ونوه المختص إلى أن إسرائيل تسعى للتخلص من 150 ألفا من المهاجرين الإفريقيين، وتناقل الإعلام العبري استعداد السودان لاستيعابهم، ولكن في حال خسر الاحتلال هذه الساحة لن يحل هذا الملف.
حميدتي المفضل؟
ويحظى حميدتي بعلاقات قوية مع الاحتلال الإسرائيلي وبالتحديد جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد".
وتداولت صحف سودانية وعالمية ما كشفته صحيفة "هآرتس" العبرية في الأول من ديسمبر /كانون الأول، 2022، بأن نائب رئيس المجلس السيادي السوداني وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي"، حصل على أجهزة تجسس من شأنها قلب موازين القوى في السودان.
ووفق تحقيق أجرته الصحيفة وشارك فيه صحفيون يونانيون، فإن شحنة التجسس المرسلة إلى "حميدتي" وصلت إلى مطار الخرطوم بشكل سري، في مايو/أيار 2022، على متن طائرة يملكها مسؤول سابق في جهاز الموساد الإسرائيلي، وتسلمتها قوات الدعم السريع.
ونقلت الصحيفة العبرية عن ثلاثة مسؤولين أوروبيين، أن أجهزة التجسس صنعت في الاتحاد الأوروبي، وقادرة على تغيير ميزان القوى في السودان، بفضل قدرتها على تحويل الهاتف الذكي إلى أداة تجسس على حامله.
ويمكن لأجهزة التجسس التي حصل عليها "حميدتي"، وفقا لـ"هآرتس"، اختراق نظام "أندرويد" و"أيفون" والبنى التحتية للشبكات والتجسس البصري، فضلا عن تعقب الـ"واي فاي"، واعتراض الاتصالات عبر الشبكة الهاتفية (جي أس أم)، والتعقب الجغرافي عبر الهواتف.
وكشف موقع واللا العبري، يونيو/حزيران 2022، أن أوساطا حكومية في السودان غاضبة من زيارات استخبارات الاحتلال الإسرائيلي لـ"حميدتي"، وتنامي الاتصالات الخاصة بين الجانبين.
وأشار إلى أن البيانات حول مواقع تتبع الطائرات أظهرت أن طائرة استخدمها رئيس "الموساد" السابق يوسي كوهين قد هبطت عدة مرات في الأراضي السودانية، وكان على متنها مسؤولون كبار في الجهاز، حضروا لقاءات مع رجال حميدتي.
وأوضح أن "حميدتي" ومنذ بدء عملية التطبيع حاول البحث عن قنوات اتصال مع الاحتلال، والتقى كبار مسؤولي الموساد في أغسطس/آب 2020، مما دفع بالرهان لأن يشتكي من ذلك عدة مرات".
ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، إن إسرائيل معنية بشدة بما يحصل في السودان، وقد راهنت كثيرا على ما سيجلبه تطبيع الخرطوم لها من فوائد أمنية وبالتحديد النشاط الاستخباري والعملياتي لجهاز الموساد.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "اضطرابات جمهورية جنوب السودان، التي كانت قاعدة للموساد، زاد من أهمية العلاقة مع عسكر الخرطوم".
وأشار إلى وجود سلطة لجهاز الموساد في السودان، وعدها نكسة عربية أخرى، أن يكون أكثر أجهزة الاحتلال إجراما بحق العرب؛ مؤثرا على الأوضاع الداخلية في بلد عربي.
وقال النعامي إن الطرفين أوصلا رسائل طمأنة لإسرائيل، ولكن حميدتي كان الأكثر تهافتا وفجورا في محاولته استمالة الاحتلال، على لسان مستشاره السياسي يوسف عزت الذي أجرى عدة مقابلات مع قنوات عبرية لتسويق الدعم السريع بوصفه المدافع ضد الاسلاميين.
وتابع "حميدتي هو من فتح أبواب الخرطوم أمام الموساد، حيث استقبل مسؤوليه دون علم مجلس السيادة، وأبدى استعداده للتعاون الأمني والاستخباري مع الاحتلال، والحملات الأمنية التي استهدفت الفلسطينيين في السودان سواء بالاعتقال أو التحقيق أو الطرد، كانت نتاج هذا التعاون".
وأوضح المختص أن حميدتي أوكل لشقيقه عبد الرحيم دقلو مهمة التنسيق العلني مع إسرائيل، وزار تل أبيب بشكل رسمي، ولذلك عليه رهانات إسرائيلية كبيرة.
وشدد على أن إسرائيل رغم تفضيلها لحميدتي، لا يمكن أن تدعم طرفا على آخر على الأقل بشكل علني، ليس فقط لأن البرهان منخرط أيضا في مسار التطبيع، بل أيضا لأن القوى الإقليمية التي تدعم الطرفين ترتبط بشراكات مع إسرائيل.
وأضاف الكاتب "من الواضح أن هناك دولا أخرى تقف خلف ما يجرى في السودان، كالإمارات ومصر وهي دول تقدم لإسرائيل العديد من الخدمات والمصالح، لذلك سيكون الموقف الإسرائيلي في هذه الحرب مراعيا لردة فعل هذه الأنظمة حتى بوجود طرف مفضل".
وأوضح أن إسرائيل تعمل على تحويل السودان إلى قاعدة اقتصادية خاصة بها داخل إفريقيا، وتوظيف موانئ البلاد لخدمة سلاح بحريتها ولمراقبة حركة تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية.
وتابع "تخطط إسرائيل لمراقبة الأوضاع في ليبيا من خلال السودان، حيث تدعي أن السلاح تدفق من هناك إلى غزة بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، إلى جانب الاستفادة المباشرة من التعاون الأمني مع السلطات السودانية".