الذهب "كلمة السر".. لماذا تدعم الإمارات حميدتي في حربه ضد الجيش السوداني؟

12

طباعة

مشاركة

يثير الدور الإماراتي الغامض في أزمة السودان الحالية تساؤلات عن كواليس وخبايا الحرب الدائرة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع "حميدتي" منذ 15 أبريل/ نيسان 2023.

وتؤكد وسائل إعلام ومنظمات دولية أن أصابع إماراتية تقف وراء رجلها في السودان حميدتي في هذه الحرب، لتحقيق "مصالح اقتصادية" تتعلق بمناجم الذهب، فضلا عن خططها بشأن موانئ البلاد الحيوية المطلة على البحر الأحمر، لا سيما بورتسودان.

"ذهب حميدتي"

وبحسب عدة تقارير دولية، يمتلك حميدتي ثروة هائلة مستمدة من نهب ذهب السودان من المناجم غير القانونية، وتصديره للخارج، خاصة الإمارات التي تشتريه بأسعار رخيصة مقابل دعمها له سياسيا وعسكريا.

حيث يدير شركة خاصة تسمى "الجنيد"، تعمل بالتعدين والتجارة ويقودها شقيقه عبد الرحيم دقلو، بحسب وثائق نشرتها "غلوبال ويتنس" في  19 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وهي منظمة غير حكومية لمكافحة الفساد.

وحصلت هذه المنظمة على بيانات مصرفية ووثائق مؤسسية تُظهر أن حميدتي ورجال شركته يحتفظون بحساب بنكي باسمهم في بنك أبو ظبي الوطني في دولة الإمارات.

وفي تحقيق تتبعت فيه مسار ذهب السودان الذي يبيعه حميدتي، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" في 5 يونيو/ حزيران 2022 أن معظم إنتاج السودان من الذهب، يتم تهريبه عبر دولة الإمارات.

قالت إن الإمارات هي "المركز الرئيس للذهب الإفريقي غير المصرح به"، في وقت تعلن فيه وزارة التعدين السودانية أن 80 بالمئة من ذهب السودان يخرج من البلاد بطريقة غير شرعية.

من جانبها، كشفت صحيفة "الغارديان" في 10 فبراير/ شباط 2020 تفاصيل مثيرة عن سيطرة قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي على مناجم الذهب، ودور الإمارات في هذا القطاع.

وقالت الصحيفة البريطانية إن من يشتري هذا الذهب، الذي يسيطر عليه وينهبه حميدتي، هي الإمارات، فيما تتولى مرتزقة فاغنر الروسية عمليات نقله وحمايته، عبر عمليات مشبوهة.

وأضافت أن الإمارات تعد أكبر مستورد للذهب السوداني في العالم حيث تُظهر بيانات منظمة التجارة العالمية لعام 2018 أنها استوردت 99.2 بالمئة من صادرات السودان من الذهب.

وأوضحت الصحيفة أن الأمر غير مقتصر على الذهب، بل إن الإمارات تعاقدت أيضا مع مليشيا قوات الدعم السريع للقتال في اليمن وليبيا، مقابل أموال.

ولاحقا كشف تحقيق لوكالة "بلومبرغ" في 28 ديسمبر 2021، أنه يجرى تهريب أطنان من الذهب من 9 دول، أبرزها السودان، للإمارات ثم تُحول لمجوهرات وسبائك لطمس مصدرها.

وفي 15 يوليو/ تموز 2022 قالت مجلة "فورين بوليسي" إن سيطرة قوات الدعم السريع على صناعة الذهب الأكثر ربحية في السودان يعقد مسار البلاد نحو الديمقراطية ويهدد عملية انتقال السلطة.

وأشارت إلى سيطرة قوات الدعم السريع على منجم جبل عامر للذهب في دارفور في عام 2017، وعلى ثلاثة مناجم ذهب أخرى على الأقل في أجزاء أخرى من البلاد مثل جنوب كردفان، ما حول "حميدتي" إلى أحد أغنى رجال السودان وجعله لاعبا رئيسا.

فيما أكدت وكالة "رويترز" في 15 أبريل 2023 أن حميدتي "كان له مطلق الحرية في الاستيلاء على مناجم الذهب في دارفور وبيع أغلى موارد السودان، ومع انتقال السودان من أزمة اقتصادية إلى أخرى، أصبح حميدتي ثريا".

وأشارت إلى قوله في مقابلة سابقة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "أنا لست أول رجل لديه مناجم ذهب، نعم لدينا مناجم ذهب وليس هناك ما يمنعنا من العمل في الذهب".

وبحسب بيانات للبنك المركزي السوداني صادرة في 8 سبتمبر/ أيلول 2022، صدر السودان 21.8 طنا من الذهب في النصف الأول من العام، مقابل 16.7 طنا في الفترة نفسها من عام 2021، وأن كل الذهب جرى تصديره إلى دولة الإمارات.

وارتفعت صادرات السودان من الذهب، في النصف الأول من عام 2022 إلى مليار و315 مليون دولار، مقابل حوالي مليار و14 مليون دولار، في النصف الأول من عام 2021، بزيادة 300 مليون و900 ألف دولار.

فيما تشير تقارير دولية إلى أن الإنتاج الفعلي من الذهب في السودان يقدر بأكثر من 100 طن سنويا.

إلا أن أكثر من 60 بالمئة منه يتم تداوله خارج القنوات التسويقية والمصرفية الرسمية، مما يفقد الاقتصاد مليارات الدولارات سنويا.

وتؤكد السلطات السودانية في أكثر من مناسبة أن ما يصل إلى 80 بالمئة من الذهب المنتج في السودان يجرى تهريبه.

دعم مفضوح 

وبشكل لافت يوضح مصالحها، لاحظ مراقبون دعم وسائل إعلام موالية للإمارات حميدتي في صراعه مع الجيش، إذ تركز تغطيتها على أخبار قواته، وتنقل بشكل منتظم تصريحات خاصة عنه، خاصة شبكة "سكاي نيوز عربية".

وتسعى التغطية الإعلامية الإماراتية إلى إظهار حميدتي أنه "أضطر لدخول هذه المعركة بعدما لاحظ تحركات الجيش ضده وحصارها له، وقيام إسلاميين داخل الجيش بإشعال الحرب أملا في إعادة نظام عمر البشير السابق.

ومن دلائل الدعم الإماراتي لحميدتي أيضا أن صفحته الرسمية الموثقة على فيسبوك، يديرها نشطاء من الإمارات حسبما كشف خبراء إنترنت وناشطون.

وغداة بدء الاشتباكات، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مسؤول سوداني لم تسمه قوله إن حميدتي يتلقى الدعم من الإمارات، لأنه مدها بقوات برية تابعة لقواته في حرب اليمن ضد المتمردين الحوثيين.

وقال المسؤول السوداني: "لقد أعطوه الكثير من النقود على مدى السنوات العشر الماضية، وحميدتي بالنسبة لهم، هو الرهان الأقوى في الخرطوم حاليا".

من جانبه، يؤكد أستاذ العلوم السياسية خليل العناني أن "الإمارات متورطة حتى أذنيها عسكريا وماليا واستخباراتيا في الحرب الدائرة في السودان من خلال دعم ذراعها اليمنى حميدتي.

فيما أشار "مركز الإمارات للدراسات والإعلام" الإماراتي المعارض (إيماسك) 17 أبريل، إلى أن هناك علاقة خاصة تجمع حميدتي بالإمارات، وأنه يتلقى منها دعما عبر طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي الإماراتي.

وأكد المركز أن "كلمة السر في تلك العلاقة هي الذهب حيث تسيطر قوات الدعم السريع على أربعة مناجم ذهب تخرج صادراتها للإمارات".

كشف المستور

وفي التحقيق الاستقصائي الذي نشرته "غلوبال ويتنس" في 9 ديسمبر 2019، أوضحت المنظمة أن هناك شركات لعبت دور الواجهة للأعمال المالية لقوات الدعم السريع ونفذت عمليات تحويل إلى تلك القوات من الإمارات، ومنها إلى شركات سودانية يسيطر عليها أفراد من عائلة حميدتي، متورطة في سرقة ثروات البلاد، وأبرزها الذهب.

وقالت إن وثائق حصلت عليها الشبكة تكشف أن قوات الدعم السريع تمتلك حسابا بنكيا مستقلا خارج السودان، في بنك أبو ظبي الوطني.

ولفتت إلى أن شركة تدعى "تراديف للتجارة العالمية"، مسجلة في الإمارات، ثبت أنها تستخدم كواجهة لتعاملات قوات الدعم السريع المالية، وأن شقيق حميدتي هو المدير والمالك المسجل بالإمارات لهذه الشركة.

وأشارت إلى تلقي شركة تراديف في حسابها ببنك النيلين السوداني، 50 مليون درهم إماراتي (نحو 13 مليون دولار) من حساب الدعم السريع ببنك أبو ظبي، على دفعات.

كما قامت الشركة بتحويل 48 مليون درهم إلى الدعم السريع، ووصفت إحدى الوثائق غرض تحويل الأموال بأنه "تحويل من شركة شقيقة Sister Company".

وكشف التحقيق أيضا عن سجل محاسبي مُسرب لقوات الدعم السريع يغطي الأشهر الستة الأولى من عام 2019 ويظهر روابط عدة أخرى مع مجموعة "الجنيد" التابعة لحميدتي.

وأظهر وجود شركة أخرى عملت كواجهة لتعاملات الدعم السريع المالية، مع الإمارات، وهي شركة “GSK”، وهي مسجلة في السودان كشركة أنظمة معلومات وأمن تقني، ويتولى منصب مديرها التنفيذي القوني دقلو الشقيق الأصغر لحميدتي.

ضمن دعمها حميدتي في الحرب، أظهرت لقطات فيديو بثها الجيش السوداني، أسلحة إماراتية (قذائف حرارية) حصلت عليها قوات الدعم السريع، من الإمارات، وفق ما نقلت صحيفة "تليغراف" البريطانية في 18 أبريل 2023.

ووفق الفيديو الذي تناوله ناشطون، تحتوي الصناديق على قذائف إنزال جوي حرارية عيار 120 ملم، ذات علامات تشير إلى أنها صُنعت في صربيا عام 2020، وأُرسلت لاحقا إلى الإمارات التي رفضت التعليق.

وقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 19 أبريل 2023، عن مصادر مطلعة على الاقتتال، إن الانقلابي الليبي خليفة حفتر أرسل دعما عسكريا أيضا إلى حميدتي.

وقالت إن حفتر الذي تسيطر قواته على شرق ليبيا، أرسل على الأقل طائرة واحدة من ليبيا إلى السودان، تنقل إمدادات عسكرية إلى قوات "الدعم السريع" يوم 17 أبريل 2023.

وفي ذلك اليوم قال الجيش السوداني إن "حميدتي" يحشد قوة كبيرة بقاعدة جوية لتأمين هبوط طائرة مساعدات عسكرية "من جهات إقليمية" دون أن يحددها.

وألمحت الصحيفة الأميركية إلى أن هذا دعم إماراتي لحميدتي عبر حفتر، مشيرة إلى أن كلا من حفتر و"حميدتي" سبق وتحالفا مع الإمارات، التي ساعدت حفتر عسكريا في ليبيا، كما استأجرت رجال حميدتي للقتال في اليمن.