انشغال دول المنطقة في المصالحات.. كيف يعرقل حل أزمة السودان؟
استعرضت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية فرص توسط قوى الشرق الأوسط لإنهاء النزاع المسلح الذي اندلع بين الأطراف السودانية في 15 أبريل/نيسان 2023.
وتدور اشتباكات بين القوات المسلحة النظامية السودانية، بقيادة رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، التي يقودها نائبه محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي".
وتصاعدت الخلافات أخيرا في منطقة مروي شمال السودان، بعد أن نقلت قوات الدعم السريع آليات عسكرية إلى موقع قريب من القاعدة الجوية العسكرية هناك، وهو ما عده الجيش تحركا غير قانوني.
ويرجع أصل الخلاف إلى رغبة البرهان في ضم قوات حميدتي إلى الجيش السوداني، بحيث تكون منضوية تحت القيادة العسكرية للدولة، وهو ما رفضه نائبه.
ووفق الصحيفة العبرية، فإن هذه الاشتباكات تبدو وكأنها ستقوض الاستقرار الهش الذي كانت تتمتع به البلاد خلال السنوات الماضية.
ويلعب كل من الجيش وقوات الدعم السريع دورا مهما منذ الإطاحة بالرئيس السوداني السابق، عمر البشير، في 2019، بعد مظاهرات شعبية.
ونوهت الصحيفة إلى المفارقة، حيث قالت إن "الصراع الداخلي في السودان مهم؛ لأنه يأتي على النقيض من بقية مناطق الشرق الأوسط، التي تشهد اتفاقات سلام ومصالحات".
وكان من المفترض أن ينتقل السودان إلى الحكم المدني بعد عام 2019، لكن في 2021 نفذ الجيش انقلابا على المكون المدني في السلطة، ما عرقل عملية نقل السلطة للمدنيين. ومع ذلك، استمر الجيش في الادعاء بأنه سيسلم السلطة في النهاية.
"ومن نواحٍ عديدة، فإن التحولات في السودان تشبه بعض العمليات الأخرى طويلة المدى في الشرق الأوسط"، حسب جيروزاليم بوست.
فقد جرت تغييرات في دوائر السلطة في بعض الدول بفضل ثورات الربيع العربي، بخلاف السودان، التي كانت العملية فيها مختلفة بعض الشيء؛ لأن نظام البشير كان إسلاميا مرتبطا بجماعة الإخوان المسلمين، حسب الصحيفة العبرية.
وأشار التقرير إلى أن السودان جزء من جامعة الدول العربية، لكنه أيضا بلد يربط إفريقيا جنوب الصحراء بشمال القارة والساحل.
اتفاق على التطبيع
وبعد الإطاحة بالبشير، اتجهت البلاد نحو التطبيع مع تل أبيب باتفاق كل من البرهان وحميدتي، حيث أشاد الأخير به في مقابلة عام 2020، قائلا إن "90 بالمئة من السودانيين يدعمون إقامة علاقات مع إسرائيل".
بينما التقى البرهان برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في 3 فبراير/شباط 2020، في أوغندا، وقد أُعلن عن هذا اللقاء فجأة.
وفي ذلك الوقت، قال نتنياهو إنه يعتقد أن السودان يسير في اتجاه إيجابي جديد، وأعرب عن آرائه تلك لوزارة الخارجية الأميركية حينها.
وحسب التقرير، فإن الإطاحة بالنظام السابق بدت وكأنها فرصة للسودانيين للحصول على مزيد من الحرية، وعلى حكومة أقل تشددا من حكومة البشير.
ونوه إلى المقال الذي كتبه ألبرتو فرنانديز القائم بالأعمال الأميركي السابق في السودان (2007-2009)، ونائب رئيس معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، تحت عنوان: "تعطش واحد للسلطة في السودان، مناورات بين فصيلين مسلحين".
وفي هذا المقال، الذي يعطي تفسيرا جيدا لجذور الصراع الحالي في السودان، كتب فرنانديز أن "قوات الدعم السريع كانت نتاجا لسياسة انتهجتها الأنظمة في الخرطوم لسنوات".
هذه السياسة عبارة عن إنشاء قوات شبه عسكرية أو مسلحة بديلة، تكون إما قوة موازنة للجيش النظامي أو لتنفيذ الأعمال القذرة الذي لا يستطيع الجيش القيام بها، أو لا يصح له تنفيذها، يضيف فرنانديز.
ووفق المسؤول الأميركي السابق، فإن قوات الدعم السريع هي في جوهرها "مليشيا قبلية تشكلت في البداية كقوة رخيصة للتضحية بها في المعارك، ثم تحولت إلى فرقة عسكرية تعمل بشكل شبه رسمي، أو كحارس لحكومة الخرطوم حينها".
وعام 2013 جرى تشكيل "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المسلحة المتمردة في إقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية على الحدود وحفظ الأمن.
يمضي فرنانديز في ملاحظة أن "البرهان هو بمثابة تكرار للجنرالات السابقين الذين تحولوا إلى حكام للبلاد، كالرؤساء السابقين، إبراهيم عبود (1958-1964)، وجعفر النميري (1969-1985)، وعمر البشير (1989 - 2019).
فجميع هؤلاء الرؤساء من نفس هذه المؤسسة العتقية، وعادة ما يكونون من نفس المنطقة من البلاد أيضا، حسب فرنانديز.
وأضاف أن "القوات المسلحة السودانية لا تزال مرتعا للنشاط الإسلامي، فصفوف الجيش لم تُطهر بعد بالكامل من الموالين للبشير وحزبه (المؤتمر الوطني)"، وفق زعمه.
أما قوات الدعم السريع فهي معادية للإسلاميين بشكل علني، كما حاول حميدتي اجتذاب حلفاء داخليين ضد القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان، عبر إعلان ندمه على الانقلاب العسكري ضد المكون المدني، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وقال حميدتي في فبراير/شباط 2023، متحدثا عن هذا الانقلاب: "تبين لي منذ يومه الأول أنه لن يقود لما رغبنا فيه أولا بأن يكون مخرجا من الاحتقان السياسي، ليصبح للأسف بوابة لعودة النظام البائد".
وتابع: "مما دفعني لعدم التردد بأن أعود عنه إلى الصواب وأن أرغب بصدق في الخروج من السلطة السياسية وتسليمها لسلطة مدنية انتقالية، وهو أمر تعاهدت عليه مع الرئيس الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقيادة القوات المسلحة السودانية ولن أعود عنه أبدا".
انشغال دول المنطقة
وأشارت جيروزاليم بوست إلى أن "هاتين القوتين تقاتلان الآن بعضهما بعضا، أما مَن يدفع الثمن، فهو الشعب السوداني".
وأضافت: "الدول المجاورة، مثل مصر، تراقب الوضع عن كثب، ومن المرجح أن تدعم القاهرة -التي يحكمها الجيش أيضا- بقاء البرهان في السلطة".
وأردفت أن "دول الخليج كذلك معنية بالهدوء في السودان"، مؤكدة أن "هذه فرصة للسعودية ومصر وغيرهما، لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم أيضا التوسط لوقف إطلاق النار".
لكن من ناحية أخرى، فالرياض منشغلة بالملف اليمني، كما أنها تركز بشكل متزايد على سوريا، وتشاركها في هذا أيضا مصر، التي تعمل على المصالحة مع تركيا.
وتجدر الإشارة إلى أن السودان موضع اهتمام دول أخرى كذلك، حيث إن لروسيا مصالح هناك، الأمر الذي يثير مخاوف الغرب، كما كانت تركيا تسعى إلى زيادة استثماراتها هناك قبل عام 2019، حسب الصحيفة.
ومع ذلك، لم يُصدر الغرب بشكل عام سوى تصريحات حول القتال، وليس من الواضح بعد ما إذا كانت العديد من الدول ستقدم الكثير للمساعدة في إنهاء الأزمة.
فقد أشارت صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية إلى أن "الدعوات إلى وقف الأعمال العدائية التي أطلقتها القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، ذهبت أدراج الرياح".
ومن جانبها، ادعت قوات الدعم السريع أنها حققت تقدما ميدانيا، لكن يُفترض أن الجيش يمتلك أصولا عسكرية أكثر منها، من حيث الطائرات الحربية والدبابات وأنواع الأسلحة الثقيلة، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع.
كما ذكرت قناة العربية السعودية أن العديد من المسؤولين - بما في ذلك قادة قطاعات قوات الدعم السريع- قتلوا أثناء القتال.
ومساء 18 أبريل 2023، دخلت هدنة إنسانية بين الجانبين حيز التنفيذ، بعد إعلان الجيش والدعم السريع الموافقة عليها لمدة 24 ساعة، لكن حدثت مناوشات بين الحين والآخر.
كما أن هناك توقعات بانهيار الهدنة المؤقتة، حيث صرح كاميرون هادسون المبعوث الخاص للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى السودان، أن هناك حالة تشكك كبيرة في التزام طرفي الصراع بالهدنة.
وفي سياق المعاناة الإنسانية، ذكرت لجنة "أطباء السودان" في بيان 18 أبريل، أنه "في ظل استمرار الاقتتال تتزايد معدلات القتلى والإصابات بوتيرة متفاقمة تنذر بما لا يحمد عقباه من خسائر فادحة في الأرواح، إضافة إلى تعقيد الحياة العامة وصعوبة إجلاء وحصر قتلى ومصابين وعالقين ومحتجزين آخرين".
وأوضحت اللجنة الطبية غير الحكومية أن "ما يزيد الأمر سوءا خروج العديد من المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة بسبب ضربها بالقذائف، وانقطاع التيار الكهربائي وشح الإمدادات والمعينات، عطفا على استخدام بعضها مرتكزات (عسكرية) وهو أمر يعد جريمة إنسانية وأخلاقية".
ووصل عدد ضحايا الاشتباكات إلى أكثر من 180 قتيلا وأكثر من 1800 مصاب خلال الأيام الماضية وفق تقارير الأمم المتحدة.