تهين "الثوابت الدينية".. لماذا يصمت المغرب على تجاوزات المدارس الفرنسية؟

12

طباعة

مشاركة

تجاوزات وسلوكيات خطيرة سجلها مغاربة على مجموعة من المدارس الفرنسية في المملكة، خلال السنوات الأخيرة دون حسيب أو رقيب من الدولة.

وتراكمت أخطاء هذه المدارس بشكل ينذر بدق ناقوس الخطر أمام هذه الممارسات التي لم تعد محدودة، مما دفع بعض الآباء لرفع دعاوى قضائية لتصل بعدها القضية إلى المؤسسة التشريعية.

وطالب المغاربة بشكل مؤسساتي وفردي بتدخل عاجل وصارم للدولة لفرض رقابة على "هذه المدارس" ومناهجها التعليمية التي "تتصرف كأنها في مستعمرة وليس دولة أصبحت مستقلة".

وتلخصت هذه التجاوزات في مواقف منها، منع موظفة من الصلاة، والترويج لأفكار تتعارض مع القيم الإسلامية، فضلا عن حذف منطقة إقليم الصحراء من خريطة المملكة التي تقول إنه يتبع لها (في خلاف مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر).

ممارسات مشينة

وفي تطور جديد، اتهمت برلمانية مغربية مدارس البعثة الفرنسية في المملكة "بالقيام بتصرفات تمس الثوابت الدينية والوطنية للبلاد".

جاء ذلك في سؤال كتابي وجهته البرلمانية عن حزب "الأصالة والمعاصرة" (ضمن الائتلاف الحكومي)، حنان أتركين، لوزير الخارجية ناصر بوريطة، في 6 أبريل/نيسان 2023.

وقالت النائبة: "بعض مدارس البعثة الفرنسية بالمغرب، أصبحت تقوم بتصرفات وسلوكيات تمس في العمق بالثوابت الدينية والوطنية للبلاد".

وأضافت أن "هذه التصرفات أثارت حفيظة الأسر التي لم تكن تتوقع أن تتحول الفضاءات التعليمية التي يدرس بها أبناؤها إلى أماكن لتصريف حسابات سياسية والقيام بتصرفات غير معقولة".

وذكرت أنه من الأمثلة على ذلك "عرض خريطة المغرب مبتورة من صحرائه، ومنع بعض المستخدمين من أداة فريضة الصلاة بأماكن معزولة بمقرات العمل، والتشجيع على المثلية (الشذوذ)، وغيرها من الممارسات المشينة".

وطالبت البرلمانية وزارة الخارجية المغربية بـ"الكشف عن التدابير التي ستعتزم اتخاذها من أجل ضمان احترام مؤسسات البعثات التعليمية الفرنسية بالمغرب للثوابت الدينية والوطنية". وأمام هذه الاتهامات لم يصدر عن السلطات في المغرب أي تعليق رسمي.

ويتصدر المغرب لائحة دول العالم من حيث عدد مدارس البعثة الفرنسية، ويبلغ عددها 45 مدرسة، بحسب إحصاءات رسمية، يتابع فيها أكثر من 46 ألف تلميذ دراسته، 70 بالمئة منهم مغاربة.

وتساءل موقع "هسبريس" المحلي: "ماذا يحدث داخل مؤسسات البعثات التعليمية الفرنسية بالمغرب؟ هل هي مجرد أخطاء فردية معزولة صادرة عن بعض الأساتذة والمعلمين؟ أم إن العداء والتحامل الفرنسي انتقل من نطاق السياسة ليستهدف التلميذات والتلاميذ المغاربة داخل مدارس البعثات؟"

وأضاف في مقال نشره في 4 أبريل 2023، أنه "ليس من باب الصدفة أن تتراكم أخطاء المعلمين الأجانب داخل أقسام المدارس الفرنسية بالمغرب في سياق متزامن، وأن تبرز فجأة هذه الأخطاء مباشرة بعد احتدام العداء الفرنسي للمصالح المغربية، الذي أصبح أخيرا ظاهرا للعيان ولا يخفى على أحد".

ولفتت إلى أن "المثير أن تراكم أخطاء هؤلاء المدرسين الفرنسيين بشكل متواتر ومتزامن ينزع عنها الطابع العرضي والمعزول، ويدخلها في إطار تصريف العداء الفرنسي الممنهج لكل ما هو مغربي! ولعل هذا ما جعل أولياء وآباء تلاميذ المؤسسات ينتفضون ضد هذه الأخطاء ويقدمون شكايات أمام القضاء".

وتحدثت وسائل إعلام مغربية عن مجموعة من الاختلالات، الفضيحة الأخلاقية الأولى فجرتها أستاذة فرنسية تعمل بالمؤسسة التعليمية الفرنسية "ليوطي" بمدينة الدار البيضاء، التي استفزها منظر موظفة مغربية وهي تؤدي فريضة صلاة الظهر في مكان منزو بمقر عملها بالمؤسسة التعليمية نفسها.

وحسب مصادر متطابقة فقد انتفضت الأستاذة الفرنسية المعتدية ضد الموظفة المغربية، ومنعتها من إكمال صلاتها، وطالبتها بأداء فريضتها بمنزلها، جاهلة أن الصلاة مفروضة في مواقيت محددة في الإسلام.

سابقة خطيرة

وفي سابقة خطيرة، عرضت مدرسة فرنسية تعمل بمؤسسة “بالزاك” بمدينة القنيطرة، صورا إباحية للجنس الذكوري على أنظار تلاميذ المرحلة الابتدائية.

ولم تقتصر هذه المدرسة الفرنسية على إطلاع القاصرين على محتويات خليعة، وهي الأفعال المجرمة قانونا، بل ينسب لها كذلك أولياء التلاميذ تهمة "التمييز وإقصاء التلاميذ الذين أبلغوا عنها"، إذ يتهمونها بتجاهلهم وعدم تدريسهم بالجدية اللازمة منذ انفجار هذه الفضيحة.

في تطورات هذه القضية، سجلت بعض عائلات تلاميذ هذه المؤسسة التعليمية شكاية أمام القضاء في مواجهة المدرسة الفرنسية المذكورة، بتهم “سوء معاملة الأطفال بالاعتداء على سلامتهم النفسية وعلى أمنهم بواسطة صور جنسية وإباحية منافية للأخلاق العامة، والمساس بالثوابت الدستورية وزعزعة عقيدة مسلم”.

وهذه القضية توجد حاليا في مرحلة البحث التمهيدي من طرف الضابطة القضائية بمدينة القنيطرة.

المثير في قضية أخرى أن أسر تلاميذ مؤسسة تعليمية تابعة للبعثة الفرنسية في المغرب اشتكوا ضد مؤسستهم بعد رفع عدد ساعات تدريس اللغة العربية.

وتحول الموضوع في 22 فبراير/شباط 2023، إلى قضية رأي عام في البلاد بعد تدخل محكمة الاستئناف الإدارية في باريس لتقضي برفض زيادة ساعات "لغة الضاد" في تدريس التلاميذ.

وملخص القضية أن أسر التلاميذ الذين يتابعون دراستهم في مؤسسة تعليمية تدعى "أندري شينيي" بالعاصمة الرباط والتابعة للبعثة الفرنسية، رفعوا دعوى قضائية ضد المدرسة ووجهوها إلى القضاء الفرنسي للطعن في قرار تمديد الحصة الأسبوعية لمادة اللغة العربية من ثلاث ساعات إلى خمس ساعات.

وبعد أيام جاء قرار محكمة باريس بموافقة الطعن الوارد في شكوى الأسر ورفض الزيادة في ساعات العربية.

ورأى الكاتب إدريس جنداري أن "تكرار مجموعة من السلوكيات المعادية في مدارس البعثة الفرنسية (التضييق على الحرية الدينية، عرض خارطة المغرب مفصولة عن صحرائه) يؤكد أن هذه المدارس قد تحولت إلى أداة في يد وزارة الخارجية والاستخبارات الفرنسية لتصفية الحساب مع المغرب".

وأضاف في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك في 5 أبريل 2023، "يجب وقف المهزلة.. لسنا دولة مستعمَرة!".

تجاوزات تستوجب المحاسبة

من جانبه، قال الكاتب، محمد بادرة، إن "هذه المدارس والمؤسسات التعليمية الفرنسية أصبح يتسع نفوذها، حتى باتت أحد المظاهر الواضحة لطبقية التعليم في مجتمعنا، فهي تخدم أقلية من أبناء المجتمع وتمثل النخبة فيه".

وأوضح في مقال نشره عبر موقع "سوس 24" المغربي في 19 نوفمبر 2022 أن "الولوج إلى هذه المدارس يفرض على العائلات التي لها أبناء يدرسون فيها إمكانيات وموارد مالية ومادية مرتفعة ليس لدى الفئات المتوسطة والصغيرة مثل تلك الإمكانيات المادية لتدريس أبنائها فيها".

وأضاف: "لذا فهي ليست مفتوحة إلا لمن هم أغنى وأثرى، وبذلك فهذا النموذج التعليمي الفرنسي هنا لا يحترم القيم الديموقراطية الفرنسية كما هي هناك في فرنسا (تعليم نخبوي)".

وتابع: "إنها تخلق منطق الحكرة (الاحتقار) التي تسيطر من خلاله طبقة مهيمنة تتحدث بلغة المستعمر السابق على طبقات اجتماعية أخرى أدنى مما ينعكس سلبا على بنياننا الاجتماعي".

ولفت بادرة إلى أنه "في تداولنا اللغوي الشعبي يجرى التفريق بين ولاد لا ميسيون (أي أبناء البعثة الفرنسية) وولاد مدارس الشعب (أي أبناء المؤسسة العمومية)، لكن قبل هذا وذاك كلهم أبناء هذا الوطن لا يختلفون إلا في التنشئة التربوية واللغوية بين مؤسستين متعارضتين قيميا وسلوكيا ولغويا".

وشدد على أن "أخوف ما نخاف منه أن يتم خلق أجيال من المتعلمين الذين يعيشون مغتربين عن وطنهم، فلا يشعرون بالانتماء إليه، يفكرون بعقلية الآخر ويخضعون لثقافته بعد أن يتخلوا عن طابعهم القومي والوطني وهنا يكون لعوامل التنشئة الأجنبية في المدارس السر الرئيس في ذلك".

بدوره، قال الباحث المغربي، عبد الصمد الغالي، إن "ملف المدارس الفرنسية في المغرب ومشاكلها ومحاولة تدخلها في قيم الطلبة، بدأ يتناهى للأسماع بشكل كبير أخيرا، وأسهم في ذلك منصات التواصل الاجتماعي".

وأوضح الغالي لـ"الاستقلال" أن "المعروف في المغرب أن تلاميذ هذه المدارس هم من الطبقة الغنية والتي تطمح لتعليم أبنائها بمستوى عال، لضمان فرصة عمل في مناصب عليا، وبالتالي اهتمام أولياء الأمور بالعامل المعرفي وإغفال الجانب التربوي والحس الوطني دفعهم لتجاهل أي زلات ترتكبها هاته المدارس".

وأشار إلى أن "غض الطرف من السلطات المعنية كذلك سمح للمدارس الفرنسية للاشتغال بحرية تامة جعلها تتجاوز كل الخطوط التي يمكن أن نقول عنها حمراء وأبرزها القيم الدينية وقضية الوحدة الترابية (الصحراء)".

واستدرك: "لكن الملاحظ أن الجيل الحالي وصحوة بعض الآباء دفعهم للوقوف أمام تجاوزات المدارس، التي كانت تحيط أسوارها بسرية مستفيدة من جهل بعض التلاميذ بخطورة تجاهل القيم الدينية التي يتربى عليها المغاربة".

وشدد الغالي على أن "الدولة بأجهزتها المعنية يجب عليها مراقبة هذه المدارس بشدة، وإنزال العقوبات والغرامات الزجرية بحق أي تجاوزات لا تتماشى والسلوكيات المتعارف عليها ضمن القيم الدينية للمغاربة".