"انفجار" قرب مطار السليمانية.. ما تداعياته على العلاقات بين العراق وتركيا؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار انفجار وقع قرب مطار السليمانية في إقليم كردستان العراق، الكثير من التساؤلات بخصوص تداعيات ودلالات وقوعه في هذا التوقيت، لاسيما بعد أيام من إعلان تركيا تعليق رحلاتها إليه، وذلك سبب تكثيف أنشطة حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" في المدينة.

وأكد مدير الإعلام والاتصالات في مطار السليمانية الدولي، دانا محمد، في 4 أبريل/ نيسان 2023، إبلاغهم من الجانب التركي بإلغاء جميع الرحلات الجوية بين مطار السليمانية الدولي وتركيا.

صراع كردي

وأظهر الانفجار في مطار السليمانية الذي أعلنت عنه سلطات إقليم كردستان العراق في 7 أبريل 2023، عمق الخلاف بين أكبر حزبين كرديين في البلاد (الديمقراطي، والاتحاد الوطني) حيال العلاقة مع "حزب العمال الكردستاني" المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا.

‏وقال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، جوتيار عادل، عبر بيان في 7 أبريل: "نعبّر عن قلقنا من استهداف مطار السليمانية الدولي"، مشيرا إلى أن "هذا الوضع هو نتيجة احتلال المؤسسات الحكومية واستخدامها في أعمال غير قانونية".

وأضاف المتحدث باسم الحكومة التي يديرها الحزب الديمقراطي الكردستاني أن "تصرفات حزب استبدادي (في إشارة إلى العمال الكردستاني)، في حدود السليمانية تتسبب بإغلاق سماء تركيا أمام مطار السليمانية ومن ثم مهاجمتها، وفي النتيجة المواطنون في هذه المنطقة يدفعون الثمن".

وتابع: "يجب إنهاء هذه الأعمال غير العادلة وإعادة سلطة الحكومة وتثبيت حُكم يستحقه أهالي السليمانية يكون في مصلحة الأهالي وخدمتهم".

في المقابل، قال زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل الطالباني، عبر بيان في 8 أبريل 2023 إنه يدين بشدة الهجوم على مطار السليمانية الدولي والمحاولة العقيمة لخدام الأجانب والتي استهدفت زعزعة أمن منطقة السليمانية.

وأضاف أن "العملية الإجرامية وخرق حدود الإقليم والعراق بأعين وإرشاد جهاز أمني استخباري داخلي ليست حالة غريبة ولدينا تاريخ طويل معها، ولكن السليمانية وتاريخها، والسليمانية وأهلها أكبر من ذلك وأكثر بطولة من أن ينال خيال أجوف لطرف من سمعتها ويفسد حياة أهلها".

وتابع الطالباني: "لقد صبر الاتحاد الوطني الكردستاني فيما مضى من أجل حماية الوئام وتحقيق المصالح العليا لشعبنا، ولكن استمرار التصرفات غير اللائقة وغير المحبذة لبعض الأجهزة الأمنية التابعة لطرف سياسي في ظل حكومة تفردية فرضت نفسها قد تجاوز كل الحدود وأوصل الوضع إلى طريق مسدود".

وكانت وزارة الخارجية التركية، أكدت في 5 أبريل 2023، أن "قرار تعليق الرحلات جاء بسبب تكثيف أنشطة حزب العمال الكردستاني في مدينة السليمانية، وتغلغل الحزب في مطار السليمانية، مما يؤدي إلى تهديد أمن الطيران".

ومن المتوقع أن يكون التعليق ساري المفعول حتى الثالث من يوليو/ تموز 2023، في المرحلة الأولى، على أن تتم مراجعة أمر التعليق في "ضوء التطورات التي سنراقبها عن كثب حتى التاريخ المذكور"، حسب بيان الخارجية التركية.

تباين رسمي

وعلى صعيد موقف الدولة العراقية، فقد شهد تباينا واضحا في التعامل مع الانفجار في مطار السليمانية، الأمر الذي كشفت عن التعاطي الرسمي مع حزب العمال الكردستاني ووجوده في أراضي إقليم كردستان شمال البلاد. 

وقررت الحكومة العراقية التي يقودها محمد شياع السوداني في 8 أبريل 2023 تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، لمعرفة ملابسات أحداث مطارها السليمانية.

وقال النائب العراقي، كاروان يارويس، في بيان نشره إنه "بأمر رئيس مجلس الوزراء يزور السليمانية وفد رفيع المستوى برئاسة مستشار الأمن القومي للتحقيق في أحداث المطار".

وأضاف البرلماني عن الاتحاد الوطني الكردستاني أنه "من المقرر أن يشكل مجلس النواب العراقي لجنة لتقصي الحقائق من اللجان المختصة في البرلمان وزيارة السليمانية".

وفي الوقت الذي لم يصدر اتهام رسمي من الحكومة ووزارة الخارجية، فإن الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد أصدر بيانا في 8 أبريل 2023 شديد اللهجة وجه فيه أصابع الاتهام إلى تركيا بالوقوف وراء "الهجوم الصاروخي" على مطار السليمانية، وطالبهم بالاعتذار الرسمي.

وقال رشيد إن تركيا ليس لديها المبرر القانوني "لمواصلة نهجها في ترويع المدنيين (العراقيين) بحجة أن القوات المناوئة لها موجودة على الأراضي العراقية، وندعو أنقرة لتحمل المسؤولية وتقديم اعتذار رسمي".

ونفى مسؤول بوزارة الدفاع التركية، خلال تصريحات لوكالة "رويترز" للأنباء في 8 أبريل 2023، وقوع أي عمليات عسكرية للقوات المسلحة التركية في تلك المنطقة.

فيما كتب رئيس شؤون الإعلام الخارجي في حكومة إقليم كردستان، لاوك غفوري، في تغريدة على تويتر في 8 أبريل 2023 أن "طائرة بدون طيار نفذت الهجوم قرب مطار السليمانية، لكنه لم يتسبب في أي ضرر أو تأخير أو تعليق للرحلات الجوية".

مرتع للمليشيات

فور وقوع الانفجار في 7 أبريل 2023، قال سرتيب جوهر، أحد الكوادر المتقدمة التابعة لـ"لاهور شيخ جنكي" المستبعد من رئاسة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في منشور على "فيسبوك"، إن "مظلوم عبدي (رئيس قوات سوريا الديمقراطية) تعرض لمحاولة اغتيال في مدينة السليمانية، لكنه نجا منها".

وقال مصدر مطلع مقرب من قيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يسيطر على منطقة السليمانية، وكذلك مسؤولان أمنيان كرديان إن "قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، عبدي، وثلاثة عسكريين أميركيين كانوا قرب المطار وقت الهجوم".

وقالت المصادر الثلاثة لوكالة "رويترز" في 8 أبريل 2023، التي تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إنه "لم يصب أو يقتل أي أحد في الهجوم".

وأكد مسؤول أميركي وقوع هجوم على قافلة كانت في المنطقة وبداخلها عسكريون أميركيون، لكنه أشار إلى عدم حدوث أي إصابات.

وبعد نفي قوات "قسد" لاستهداف قائدها العام، أعلنت في 8 أبريل 2023 أن عبدي وعناصر من القوات الأميركية، كانوا موجودين في مطار السليمانية الذي استُهدف في هجوم "نُسب إلى تركيا".

وأوضحت قوات سوريا الديمقراطية أسباب نفيها السابق، بالقول إنه "في إطار الاستجابة الأمنية الطارئة المتعلقة بسلامة قيادة قواتنا، تعمّد المركز الإعلامي احتواء المعلومات حول الهجوم التركي على مطار السليمانية، أثناء وجود القائد العام لقواتنا حتى وصوله لمناطق شمال وشرق سوريا بشكل آمن".

وأضافت: "عبدي لم يتعرض لأي أذى".

من جهته، قال المتحدث باسم قوات سوريا الديموقراطية، فرهاد شامي، لوكالة "فرانس برس" في 8 أبريل 2023، إن "عبدي كان موجودا في السليمانية، في إطار العمل المشترك مع جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان العراق، باطلاع من قوات التحالف الدولي، لتنسيق الجهود المستمرة ضد تنظيم الدولة".

دلالات وتداعيات

وعن دلالات وتداعيات الانفجار الذي وقع قرب المطار، قال السياسي العراقي، انتفاض قنبر، عبر تويتر في 8 أبريل 2023 إن "وضع السليمانية فوضوي وتعيش في ظل نقص الخدمات الأساسية، ومعاناة الناس خطيرة ومثيرة للشفقة".

وأضاف قنبر أن "قيادة بافل الطالباني غير المستقرة أدت إلى وضع كارثي في ​​المدينة، وأن السليمانية حاليا هي أرض حزب العمال الكردستاني الإرهابي الخارج عن القانون، فهي اليوم تقع على مفترق طرق بعد إيقاف تركيا الرحلات للمطار، والقصف الذي حصل".  

وتساءل: "لماذا يتحمل أهل السليمانية الطيبون الكثير من المعاناة لجعل مدينتهم مركزا لحرب إقليمية لا تنتهي؟".

وأضاف: "الطالباني استأنف تهريب النفط من الحقل النفطي في منطقة كرميان إلى إيران للمرة الأولى منذ عام 2017، ليس من قبيل المصادفة، لأنه من الواضح أن هدف الأخيرة بمساعدة الطالباني هو استبدال صادرات النفط المشروعة من كردستان عبر تركيا بتهريب النفط غير المشروع من السليمانية إلى إيران".

ويصدر العراق عبر ميناء جيهان التركي نحو 450 ألف برميل نفط عن طريق خط أنابيب يمر عن طريق إقليم كردستان ويصل إلى حقول كركوك شمال البلاد، وتمثل الكمية هذه نحو 0.5 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.

وتابع قنبر قائلا: "قد تخلى بافل في الآونة الأخيرة عن قصر والده (الرئيس الراحل جلال الطالباني) في منطقة الجادرية ببغداد، إلى قيس الخزعلي (زعيم مليشيا عصائب أهل الحق) الذي تفرض عليه الولايات المتحدة عقوبات، وذلك من أجل تسهيل مغامراته (بافل) في التهريب إلى إيران".

ورأى أن "طموحات بافل الجشعة قصيرة النظر، فصل السليمانية عن حكومة إقليم كردستان المستقرة والمزدهرة، الأمر الذي يقوض بشكل خطير الفيدرالية الكردية التي حارب والده الراحل بشجاعة من أجل تحقيقها لعقود من الزمن".

ولفت قنبر إلى أن "بافل يسعى لضم السليمانية إلى المليشيات الموالية لإيران في بغداد، وينحاز إلى الخزعلي المعاقب من الولايات المتحدة".

وشدد على أنه "ما لم يتم إزاحة بافل الطالباني غير المستقر من أعلى دفة الحكم في السليمانية، فإن الأسوأ لم يأت بعد، وسيتعرض الأمن الإقليمي والأميركي لتهديد مباشر بشكل متزايد، ويجب على واشنطن التوقف عن التظاهر بأنه حليف للولايات المتحدة، وعليها إزاحته من السلطة في إقليم كردستان".

ورأى مراقبون أن التفجير الذي وقع قرب مطار السليمانية كشف حقيقة التعاون بين "بي كاكا"  والاتحاد الوطني الكردستاني، الذي طالما حذرت منه تركيا، وبالتالي لا يزال العراق لم يتخذ أي إجراء يوقف إيواء هذه المنظمة والتعاون معها، خصوصا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالب أخيرا من بغداد بتصنيفها على لوائح الإرهاب.

وفي أول زيارة أجراها رئيس الوزراء العراقي إلى أنقرة منذ توليه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بحث مع الرئيس التركي، الكثير من الملفات التي تخص البلدين، ومن بينها ملف حزب العمال الكردستاني.

وتطرق الجانبان خلال مؤتمر صحفي في 21 مارس/ آذار 2023 إلى قضية مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين لديهم قواعد خلفية في منطقة إقليم كردستان العراق المحاذية للأراضي التركية.

وقال أردوغان: "نتوقع من أشقائنا العراقيين تصنيف (بي كا كا) تنظيما إرهابيا وتخليص أراضيهم من هذه المنظمة الإرهابية الدموية".

وبينما تنظر تركيا إلى القوات التي يقودها الأكراد في سوريا على أنها إرهابية وتمثل تهديدا لأمنها القومي، تنظر الولايات المتحدة إلى قوات سوريا الديمقراطية على أنها حليف ساعد في طرد مقاتلي ما يسمى بـ"تنظيم الدولة" من مناطق شاسعة من سوريا.

وتنفذ أنقرة عدة عمليات عسكرية واسعة النطاق، بما في ذلك ضربات جوية، على مدى عقود في شمال العراق وشمال سوريا ضد مليشيا وحدات حماية الشعب الكردي "واي بي جي"، و"تنظيم الدولة"، و"بي كا كا" المحظور في تركيا.

ويصنف حزب "العمال الكردستاني المحظور"، الذي يشن عمليات عسكرية ضد الدولة التركية منذ عام 1984، منظمة إرهابية من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.