ذهب إليهم مستجيرا.. لماذا أعاد أمراء الخليج السيسي بخفي حنين؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رحلات رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي خلال الفترة الأخيرة إلى عدد من العواصم الخليجية، انتهت "دون تحقيق الهدف المنشود".

وشهد فجر يوم 2 أبريل/ نيسان 2023، زيارة مفاجئة وخاطفة قام بها السيسي إلى السعودية، للقاء ولي العهد محمد بن سلمان.

الزيارة جاءت بعد مرحلة فتور في العلاقات، جراء رفض الرياض تقديم منح جديدة بلا مقابل للسيسي المأزوم اقتصاديا، وبسبب تراشق حاد بين الأذرع الإعلامية والسياسية المحسوبة على النظامين. 

وتبقى خرائط النفوذ والتوسع الاقتصادي والجيوسياسي، هي سمة العلاقات الخليجية (السعودية والإمارات) مع مصر "الضعيفة". 

وأصبح الوضع الراهن يميل نحو سياسة جديدة في الدعم والمساعدات، تختلف عن السنوات الماضية، بحسب تصريحات متفرقة لساسة السعودية.

شروط الكفيل

وفي 7 أبريل/ نيسان 2023، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، تقريرها عن زيارة السيسي إلى السعودية، وطبيعة العلاقات الاقتصادية بينه وبين دول الخليج. 

وقالت إن "السعودية ودول الخليج العربي الأخرى حذروا مصر من أن أي خطة إنقاذ مالية ستعتمد على خفض القاهرة لقيمة عملتها وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة الشروط المفروضة على جارتهم المأزومة بالديون بعد سنوات من المساعدات السهلة.

وذكرت الصحيفة الأميركية، أن "اقتصاد أكبر الدول العربية اكتظاظا بالسكان (أكثر من100 مليون نسمة) في حالة يرثى لها بعد أن دمرت جائحة كورونا قطاع السياحة، وأدت الحرب الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع العالمية".

وأوردت أن "معدل التضخم وصل إلى أكثر من 40 بالمئة، بينما أصبح الجنيه المصري من أسوأ العملات على مستوى العالم".

وأشارت الصحيفة إلى "لجوء السيسي مرة أخرى إلى أكبر المانحين لمصر، حيث زار السعودية في رحلة مفاجئة لحشد المزيد من الدعم المالي". 

ولفتت إلى أنه "منذ استيلاء السيسي على السلطة عام 2013، قدمت دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات لمصر على شكل مساعدات وودائع مباشرة لدعم حليف يعد أيضا شريكا أمنيا رئيسا في المنطقة".

وأبرزت "وول ستريت جورنال" نقطة أن السيسي حين قرر لقاء السفر الحاكم الفعلي للسعودية، ابن سلمان، فإن زيارته لم تسفر عن أي وعود تمويل سعودية فورية.

وقال مسؤولون مصريون وخليجيون للصحيفة الأميركية، إن "جيران مصر الأثرياء يريدون عوائد أفضل لأموالهم، حيث يركزون على إعادة تشكيل اقتصاداتهم المعتمدة على الطاقة".

وأضافوا أن "على رأس قائمة مطالبهم، مزيد من خفض قيمة الجنيه، مما قد يجعل الاستثمارات الخليجية في مصر أكثر ربحية".

وطلبت دول الخليج بشكل مباشر من الجيش المصري تقليص مشاركته في الاقتصاد لصالح دور أكبر للقطاع الخاص، وهي خطوة من شأنها أن تسمح للشركات الخليجية بالاستحواذ على حصص في قطاعات النمو المصرية.

وشدد المسؤولون على أن "الخليج يريد أيضا قيادة مصرية أكثر فاعلية لإدارة شؤونها المالية، وسط سنوات من المخاوف بشأن سوء الإدارة والفساد".

وذكروا أن القاهرة لم تفعل سوى القليل لتلبية مطالب قادة الخليج.

ويتوقع المحللون أن تسمح القاهرة قريبا للعملة بالانخفاض بحدة، مسجلة بذلك رابع تخفيض لقيمة العملة من قبل البنك المركزي المصري منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.

يأتي ذلك في وقت توقفت فيه المفاوضات بين صناديق الثروة السيادية والشركات في الخليج، بشأن أصول حكومية مختلفة، لأنهم يرون أن الجنيه "لا يزال مبالغا فيه"، رغم انخفاض العملة بأكثر من 40 بالمئة مقابل الدولار الأميركي خلال العام 2022.

وختمت "وول ستريت جورنال" التقرير بالقول إن "دول الخليج تتفق مع صندوق النقد الدولي على أن مصر بحاجة إلى كبح جماح الإنفاق المالي وتقليص دور جيشها في الاقتصاد". 

ويرى خبراء الاقتصاد أن خطة الإنقاذ الخليجية ليست كافية لسد فجوة التمويل التي تواجهها مصر في السنوات المقبلة، حيث تسعى إلى سداد ديون تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

إساءات متواصلة 

اللافت للنظر أنه بعد زيارة السيسي، وفي ظل التقارير التي تحدثت عن امتناع ابن سلمان عن تقديم مساعدات مطلقة، لم تهدأ حملة المناوشات والإساءات والتلميحات بين النظامين.

كان آخرها ما قام به مستشار ابن سلمان، تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة السعودية للترفيه، عندما نشر في 6 أبريل/ نيسان 2023، صورة عدت مسيئة للسيسي، وتناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. 

وكانت الصورة لطفل مشارك في مهرجان بالرياض، يحمل لعبة "الطقطيقة" وهي لعبة صغيرة مصنوعة من البلاستيك، أثارت أزمة عام 2017 في مصر.

وانتشرت "الطقطيقة" وحظيت بشعبية كبيرة بين الشباب والأطفال تحت اسم مسيء للسيسي، حيث إن التسمية كانت تحمل إيحاء جنسيا ساخرا من رئيس النظام، ولم ترق للسلطات التي سارعت في مصادرتها وتوقيف بائعيها.

لذلك فإن نشر آل الشيخ صورة كهذه، أعطى دلالة على مدى تأزم العلاقات وتوترها بين السيسي وابن سلمان. 

لا سيما أنه في 26 يناير/كانون الثاني 2023، أطلق الأكاديمي السعودي، تركي الحمد، المقرب من ولي العهد، عاصفة تغريدات على صفحته الشخصية بموقع "تويتر" انتقد فيها الأوضاع في مصر، ورصد أسباب الانحدار السياسي والاقتصادي.

عاصفة تغريدات

وأطلق الحمد 9 تغريدات بدأت بتساؤل عن "ماذا يجرى في مصر"، ثم عرج إلى فكرة الواقع الحالي، ودخول البلاد في طور "الاضمحلال الشديد".

وقال إن "مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية، ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة، لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أو جمهوريا". 

وأرجع الأكاديمي السعودي السبب الرئيس لتدهور الأوضاع إلى "هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة وخاصة الاقتصاد".

وذكر أنه "لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش وبإشرافه، ومن خلال مؤسسات خاضعة له، ولصالح متنفذين فيه".

ولم تكن هذه أولى هجمات الحمد على نظام السيسي، ففي 12 يونيو/حزيران 2022، تحدث أيضا بعدما نشر الكاتب المصري عماد الدين أديب، مقالا تحت عنوان "من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية الأوكرانية؟"

وقال أديب: "قد يكون مستقبل العلاقات المصرية الخليجية إحدى ضحايا فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية".

وقتها، نشر الأكاديمي السعودي، تغريدة غاضبة، قال فيها: "كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟"

وكانت حالة الغضب السعودية تجاوزت "الحمد" إلى رجل آخر، هو السياسي السعودي خالد الدخيل، المقرب أيضا من القصر الملكي. 

ونشر الأخير تغريدة لاذعة على حسابه بـ"تويتر" قائلا: "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذوره الأولى إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952".

وعقب بالقول: "انكسرت في يونيو 67 (الهزيمة العربية أمام إسرائيل) وتبخر وهج 23 يوليو (انقلاب 1953) كما عرفه المصريون والعرب، لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف".

تصريحات الجدعان

ومن أبرز وجوه معضلة كيفية توجيه مساعدات لمصر في وضعها الصعب، ما كان في 18 يناير/ كانون الثاني 2023، عندما اجتمع قادة نظام مصر والأردن وقطر والبحرين في القمة التي شهدتها العاصمة أبوظبي، برعاية الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وكان ملحوظا غياب السعودية والكويت عن القمة. 

وطرحت تساؤلات عن أسباب غياب ولي العهد السعودي تحديدا، مع الإشارة إلى وجود خلافات حادة مع السيسي.

حينها أكد الصحفي السعودي تركي الشلهوب مغردا في 19 يناير 2023 أن علاقات ابن سلمان مع ابن زايد والسيسي "متدهورة جدا"، بسبب رغبة الرئيس الإماراتي في رفع إنتاج النفط وخلافهما في اليمن، أما مع رئيس النظام المصري، فالعلاقة متدهورة بسبب جزيرتي تيران وصنافير اللتين يماطل بتسليمهما للرياض.

فيما ذكر موقع "الحرة" الأميركي ضمن تحليله لأسباب غياب ابن سلمان، عن قمة الإمارات أن "هناك تباينا واضحا في الرؤى الاقتصادية بين الرياض وأبوظبي، ولا سيما في مسألة المساعدات لمصر".

وأكد في 19 يناير 2023،أن "الاقتصاد كان الشغل الشاغل للقاء، خاصة في ظل الأزمة المالية في مصر، وأن غياب السعودية والكويت عن الاجتماع يمثل رسالة، بأنهما لن يسهما في مساعدات للقاهرة، ولا سيما بعد تصريحات وزير المالية السعودي، محمد الجدعان".

وجاءت تصريحات الجدعان، لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، مبرهنة على تلك التوترات، إذ قال على هامش مشاركته في منتدى "دافوس" الاقتصادي بسويسرا، في 18 يناير 2023: "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك". 

وأضاف: "نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم"، فيما يبدو أنها كانت إشارة إلى مصر. 

وأوضح: "لطالما قدمت السعودية الرائدة في الخليج دعما ماليا للاقتصادات المضطربة في المنطقة، من خلال منح وودائع بمليارات الدولارات، ولسنوات كانت المملكة أكبر داعم منفرد لمصر".

وهذه التصريحات متسقة مع شكل العلاقات الأخيرة بين القاهرة والرياض، والمؤكدة على نهج المملكة الجديد والمفسرة لسؤال "لماذا عاد السيسي من زيارته الأخيرة إلى السعودية بخفي حنين".

"الزمن لا يعود" 

وقال الباحث الاقتصادي المصري، أحمد يوسف: "لو نظرنا لطبيعة العلاقات المصرية الخليجية بعد عام 2013، سنجد أنها قامت بشكل أساسي على الدعم مقابل استقرار النظام السياسي الجديد، المناهض لثورة 25 يناير، والموالي للقوى الخليجية، تحديدا الإمارات والسعودية". 

وأضاف يوسف في حديثه "للاستقلال" أن "زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز الشهيرة لمصر عام 2014، المعروفة بزيارة الطائرة، حيث صعد إليه السيسي وقبل رأسه، دالة على مدى التبعية من قبل النظام المصري لأوليائه الخليجيين".

واستطرد: "فكرة مراجعة الخليجيين لمساعدتهم لمصر ليست وليدة هذه الأيام، ولكنها حدثت منذ فترة طويلة، فالسيسي كان يتعامل معهم على أنهم مجرد (ماكينة صراف آلي) كما قال محمد بن زايد عام 2017 في الحديث الذي سربه موقع (ميدل إيست آي) البريطاني، وقتها أعلن ابن زايد (إذا كنت سأدفع لابد أن أحكم)".

وأتبع يوسف: "من هنا زادت عمليات الخصخصة واستحوذت الإمارات على قطاعات مفصلية في الدولة المصرية، مثل القطاع الطبي وصناعة الدواء والبنوك وغيرها، وكانت السعودية تعمل بالمثل، لكن طلبات السيسي زادت، وبدا قلقا من تغول الخليجيين، واستحواذهم على مزيد من الأصول، وهذا سبب المعادلة الصعبة التي يعيشها".

وشدد الباحث المصري على أن "السيسي في سياسته الخارجية تجاه دول الخليج، تصرف وكأن الزمن متوقفا، وأغفل أن الزمن يمضي ولا يعود للوراء أبدا، وأن ما كان في 2013 وما بعدها لا يناسب 2023 والحقبة الحالية".

ورأى أن "الخليجيين يعلمون أن النظام المصري في مأزق مستمر لن ينتهي، نتيجة تخبط السياسات الاقتصادية، والفساد، والمشروعات غير المجدية، والتضخم، والديون المتراكمة، وهذه أمراض لا يمكن الشفاء منها على المدى القريب، ولا يمكن أيضا أن يستمروا في المراهنة على نظام فاشل، ويخسرون هذه الأموال الطائلة".

واختتم يوسف حديثه بالقول: "لهذا فإن الوضع الجديد يستلزم شروطا ملزمة منهم تجاه السيسي وجنرالات الجيش، إذا أردتم الأموال، فأعطونا المقابل من أصولكم وسيادتكم".