كما يزعم أخنوش.. هل حقا الغلاء الفاحش في المغرب مرتبط بأسباب خارجية؟

12

طباعة

مشاركة

رسمت مؤسسات رسمية في المغرب بتصريحاتها وتقاريرها في الآونة الأخيرة، "واقعا أسود" لما يعيشه المواطنون من معاناة مع غلاء الأسعار الفاحش.

وزادت تقارير المؤسسات الدستورية ضغوطاتها على حكومة عزيز أخنوش، بخصوص أسعار المواد الأساسية والخضراوات التي باتت "باهظة للغاية"، في ظل صعود سهم التضخم.

وكشفت هذه التقارير "اللسان الكاذب" للحكومة التي نسبت الأزمة في مناسبات عدة إلى "جائحة كورونا" و"الوضع الدولي"، خاصة بعد تأكيد المندوبية السامية للتخطيط (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء)، أن الأزمة "محلية".

ويرى خبراء اقتصاديون أن مشكلة التضخم الذي يضرب بقوة مفاصل الاقتصاد الوطني بلغ مستويات قياسية، وسط تحذيرات من وصول المغرب إلى مرحلة "السكتة القلبية".

أزمة محلية

وقال المندوب السامي لمندوبية التخطيط، أحمد الحليمي، إن "التضخم اليوم أصبح حقيقة هيكلية للاقتصاد المغربي ويجب التعايش معه، وذلك بسبب نقص العرض ولا سيما المنتجات الفلاحية".

وأكد الحليمي، لموقع "ميديا 24" المحلي في 27 مارس/آذار 2023، أن "التضخم ليس مستوردا بل هو محلي، لأن سببه نقص الإنتاج أي العرض الداخلي وليس الطلب".

وتابع: "لذلك لم نعد في حالة تضخم مستورد، لأن الغذاء، خاصة الفواكه والخضراوات، يتم إنتاجها محليا في المغرب".

وحسب الحليمي، فإن التضخم بالمغرب لا يستند إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق الدولية، ولكنه يرتبط أساسا بارتفاع أسعار المنتجات الغذائية المحلية.

وعن الطريقة التي تتعامل بها حكومة أخنوش مع هذا الموضوع، أبرز الحليمي أن الأخيرة تذهب إلى التأكيد على أن "الأزمة مستوردة في جزء كبير منها، وأن التضخم في جانب قليل منه محلي"، وهو الأمر الذي انتقده.

وشدد الحليمي على أنه "يجب إخبار الرأي العام بالحقيقة وجعله على دراية بالإصلاحات التي يجب القيام بها"، مبرزا أن نسبة التضخم بلغت 10.1 بالمئة في فبراير/شباط 2023، وهو المستوى الذي لم يشهده المغرب منذ سنة 1984.

وفي السياق، رأى المحلل والخبير الاقتصادي، محمد جدري، أن تصريحات المندوب السامي للتخطيط "فيها الكثير من الصراحة والوضوح اللذين تفتقدهما الحكومة في خطابها".

وأضاف جدري خلال تصريحات صحفية في 29 مارس، أن "الحليمي وضع الإصبع على الجرح مباشرة دون لف ولا دوران، عكس الحكومة التي قالت، في أكثر من مناسبة، إن الأسعار ستعرف انخفاضا خلال حلول شهر رمضان، وهو ما لم يتحقق".

وأبرز أن "الرأي العام يسمع خطابا معاكسا لما تقوله الحكومة من طرف مؤسسات دستورية من قبيل المندوبية السامية للتخطيط، وبنك المغرب، والمجلس الأعلى للحسابات (رقابي يختص بالأمور الاقتصادية والمالية)، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومجلس المنافسة (بمثابة جهة تحقيق في المخالفات المالية والإدارية)".

وشدد جدري على أن "الحكومة مطالبة بإعادة ترتيب أوراقها ومخاطبة المغاربة بالوضوح والشفافية".

من جانبه، رأى المحلل السياسي، يونس مسكين، أن "المعطيات التي كشف عنها تؤكد أننا بصدد الانتقال من مرحلة الخصاص التنموي والتفاوت الطبقي، إلى مرحلة جديدة عنوانها الاندحار الجماعي لجميع الفئات الاجتماعية (باستثناء الفئة الناجية العليا)".

وأوضح عبر صفحته على "فيسبوك" في 27 مارس، أن "الازمة التي نعيشها حاليا ليست عابرة ولا ظرفية، وما نسميه اليوم تضخما سيصبح أمرا واقعا دائما".

واستطرد: "أي أن مستوى الأسعار الحالية مستمر وليس عابرا، والسبب ليس الأزمات الدولية ولا الجائحة، بل سوء التدبير والتخطيط الذي قادنا إلى تجفيف مواردنا المائية وتحويل نموذجنا الإنتاجي في الفلاحة إلى مجرد حديقة خلفية للأجانب، مقابل تراجع الإنتاج الوطني الموجه لتلبية الحاجيات الداخلية".

وتابع مسكين تعليقه قائلا: “إننا أمام إعلانات صريحة، من مجلس المنافسة وبنك المغرب، والمندوب السامي للتخطيط، مفادها أننا أمام تدبير مناقض للمصالح الوطنية العليا، بل تدبير مخرّب ومدمّر للقدرات الوطنية، ومهدد للاستقرار والسلم الاجتماعيين”.

من جهته، قال المحلل والخبير الاقتصادي، زكرياء كارتي، إن "تصريحات الحليمي ضربة قوية للحكومة وإضعاف لها أمام الرأي العام".

وأوضح كارتي لموقع "كيفاش" المحلي في 28 مارس، أن "التصريحات كانت بمثابة قنبلة للحكومة بعدما أكد أن التضخم ليس ذا طبيعة مستوردة فقط وإنما هو داخلي ومتجذر في المغرب".

ورأى الخبير الاقتصادي، أن "تصريح المسؤول يتناقض مع ما تقوله الحكومة وحتى مع ما يقوم به بنك المغرب فيما يتعلق بسياسته النقدية".

وفي 23 مارس 2023، اصطدم رئيس الحكومة بوالي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، جراء رفع سعر الفائدة الرئيس بواقع 50 نقطة أساس إلى 3 بالمئة، إذ رأى أخنوش في تصريحات منفصلة أن التضخم في غالبه مستورد، والجزء القليل منه تضخم محلي.

وهذا ما يفسر ضغط الحكومة منذ مدة لإعادة سعر الفائدة إلى 1.5 بالمئة التي كانت إلى حدود منتصف 2022، خاصة أنها تدرك حاجة المقاولات للتمويل بنسبة فائدة تفضيلية، قبل أن تتفاجأ الحكومة بخطوة بنك المغرب برفع الفائدة للمرة الثالثة في غضون 6 أشهر إلى 3 بالمئة.

وقال والي بنك المغرب، في بيان، إن "الهدف من هذه الخطوة هو تفادي حدوث دوامات تضخمية، والتحكم في مستويات التضخم بغية عودتها إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار".

وبدأت أسعار المواد الغذائية في المغرب ترتفع بشكل جنوني حتى بلغت ذروتها مع شهر رمضان، رغم وعود الحكومة بتوفير تموين كاف للأسواق بأسعار معقولة.

وأقر الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال ندوته الصحفية الأسبوعية في 23 مارس 2023، بأن الإجراءات الحكومية من أجل الحد من ارتفاع الأسعار "لم تحقق الأهداف المطلوبة".

وبعدما كانت وزارة الاقتصاد والمالية قد توقعت في 21 مارس 2023 "انخفاض الأسعار" بحلول رمضان، قال بايتاس إن مشكلة الأسعار "أعقد بكثير".

تضارب المصالح

بدوره، قال رئيس "العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان"، عادل تشيكيطو: "في قراءة لما وراء سطور حوار المندوب السامي للتخطيط، أكاد أجزم أن الرجل لم يقل كل شيء، وأن مكابح واجب التحفظ منعته من المسير على طريق البوح بما هو أسوأ في السياسة الاقتصادية لبلادنا".

وعبر فيسبوك في 27 مارس، أضاف تشيكيطو: "رغم أن ما جاء به الحليمي يؤكد خطورة ما نهجته الحكومات الأخيرة وما تنهجه الحكومة الحالية في تعاطيها مع الأزمة الراهنة، غير أنه تلكأ في مسألة تحديد المسؤوليات، ولم يشر بأصبعه مباشرة إلى من تسبب في هذا الوضع".

وتابع: "لو كان الجمهور على مستوى من الفطنة والذكاء سيفهم من كلامه أن المسؤول عن هذا الوضع هو رئيس الحكومة الذي يدبر هذه المرحلة، وهو نفسه وزير الفلاحة (أخنوش من 2007 حتى 2021) الذي قاد برنامج المخطط الأخضر (لتطوير القطاع الزراعي والذي أطلق في أبريل/نيسان 2008) لأكثر من 15 سنة، وهو نفسه أحد أبرز رواد قطاع المحروقات".

وشدد تشيكيطو على أن "الحليمي صوب إصبعه نحو مكمن الخلل، واتفق على كون الأزمة الحالية لا دخل لأزمة كورونا بها، وليست بسبب حرب أوكرانيا، إنما هي بسبب سياسة حكومية غير قادرة على مواجهة تحديات المرحلة، عاجزة عن إعادة تنظيم السوق الداخلية".

وتابع: "أو لنقل إن تضارب مصالح المسؤول الحكومي، تعد أحد التحديات المهمة التي وجب على الدولة التعامل معها خلال هذه المرحلة".

ومنذ تعيينه على رأس الحكومة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تراكمت التقارير السيئة على كاهل أخنوش إذ وجد نفسه في قلب عاصفة قوية من الانتقادات.

ويعود هذا إلى الملف الشائك للمحروقات، بعد أن اتهم "مجلس المنافسة" عبر تقرير نشره في 26 سبتمبر/أيلول 2022 أصحاب شركات قطاع المحروقات بالتواطؤ حول الأسعار.

وعلى فترات متتالية من عمر الحكومة، انطلقت عدة حملات إلكترونية تنادي بتخفيض سعر المحروقات، بل دعت لرحيل رئيسها أخنوش، مالك الشركة الأولى لتوزيع وتخزين المحروقات بالبلاد.

وفي السياق، حمل حزب "العدالة والتنمية" (معارض)، الحكومة ومجلس المنافسة، "المسؤولية الكاملة عن استمرار غلاء المحروقات، رغم الانخفاض المستمر في أسعار المواد البترولية على المستوى الدولي".

ورأى الحزب في بيان صادر عنه في 3 أبريل 2023، أن "الطرفين المذكورين مسؤولان عن الوضعية المختلة وغير التنافسية التي يعيشها سوق المحروقات، وعدم قدرة مجلس المنافسة على الاضطلاع بأدواره الدستورية في هذا الصدد".

من جهة أخرى، نبه إلى "خطورة المنطق المستفز الذي استقر عند الحكومة، ورئيسها بالخصوص، في التعامل مع قضايا المواطنين والمواطنات وفي التعاطي السلبي والاستخفاف بالتحذيرات والتنبيهات المتكررة الصادرة عن بعض أحزاب المعارضة وممثليها بالبرلمان".

وانتقد ما أسماه "المنطق المطبوع باللامبالاة وعدم الاهتمام بالمشاكل والصعوبات الحقيقية التي تواجه المجتمع في معاشه اليومي، وبالإصرار على الترويج لتوقعات اقتصادية ومالية متفائلة وخاطئة وترديد الوعود السخية والتسويق لإنجازات وهمية".

وحذر من أن "هذا الوضع قد يفضي إلى تزايد حالة القلق الاجتماعي الذي تتوسع دائرته وتبرز تجلياته بشكل مستمر، وإلى انهيار منسوب ثقة المواطنين والمواطنات في المؤسسات المنتخبة وفي قدرتها على القيام بواجباتها في الدفاع عن مصالحهم والاستجابة لانتظاراتهم المشروعة".

وجدد الحزب دعوته للحكومة ووزرائها للتركيز على "الأولويات والانتظارات الحقيقية التي تشغل بال المواطنين، والتخلي عن منطق الاحتكار والجشع واستغلال النفوذ المرتبط بزواج المال بالسلطة الخادم لفئة قليلة محظوظة على حساب باقي فئات المجتمع".

أحزاب أخرى معارضة دخلت على خط تفاقم التضخم وغلاء المعيشة، ومنها "الحزب الاشتراكي الموحد" الذي حذر من "التراجع المستمر للقدرة الشرائية لجلّ الأسر التي لم تعد قادرة على مسايرة الغلاء، في ظلّ تجميد الأجور واتساع دائرة الفقر ورفض الحكومة تسقيف أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات".

أيضا استنكر حزب "التقدم والاشتراكية"، صمت حكومة أخنوش إزاء ارتفاع الأسعار وما وصفه بـ"الاستخفاف" الذي يطبع تعاطيها اللامبالي واللامسوؤل مع الغلاء الفاحش لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، محذرا من "تواتر خيبات المغربيات والمغاربة تجاه التطمينات الشفوية وتعبيرات الارتياح التي تطلقها ويفندها الواقع المعاش".

وطالب الحزب في رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة في 30 مارس، بـ"استعمال مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة، التي تتيح للحكومة التسقيف المرحلي لأسعار المواد التي تشهد ارتفاعا فاحشا، ومعالجة اختلالات سلاسل التسويق، والزجر الصارم للممارسات الفاسدة لبعض كبار الوسطاء والمضاربين والمحتكرين".

ولم تقتصر الانتقادات على المعارضة، بل اخترقت "نيران صديقة" الائتلاف الحاكم، أبرزها جاء من "النعم ميارة" القيادي في حزب الاستقلال، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان).

وقال ميارة خلال حفل نقابي بمدينة "قلعة السراغنة" (وسط) في 19 مارس 2023، إن "التدابير الحكومية ينبغي أن تتم على أرض الواقع وليس عبر شاشات التلفزيون”، في شبه انتقاد مباشر إلى التغطية التلفزيونية التي حظيت بها زيارات تفقدية نفذها وزير الفلاحة (محمد صديقي) لبعض الأسواق قبل أيام من دخول رمضان.

وكرر عبارة "حشومة" (عار) لعدة مرات، وهو ينتقد ارتفاع الأسعار، مستغربا من ارتفاع سعر البصل والطماطم "في بلد فلاحي هطلت فيه الأمطار قبل أسابيع"، واستثنى في كلامه انتقاد ارتفاع سعر اللحوم التي أصبح شراؤها اليوم "ترفا"، وفق وصفه.

وتابع: "حشومة (من الوقاحة) أن يبيع الفلاح الكيلوغرام الواحد من الطماطم بدرهمين (0.20 دولار) في الحقل، بينما يصل ذلك في الأسواق إلى 12 درهما (1.18 دولار) بهامش ربح يصل إلى 10 دراهم (0.98 دولار) للكيلو الواحد".

كما استغرب ميارة من أن "سعر البصل في دولة خليجية زارها أخيرا لا يتجاوز 4 دراهم (0.39) للكيلوغرام، بينما يصل سعره في المغرب إلى 14 درهما (1.37 درهم) للكيلوغرام".