ركود كبير.. ما أسباب ترنح قطاعات اقتصادية واسعة بالولايات المتحدة؟
أزاح تقرير إسباني الستار عن عدة عوامل تنذر بركود اقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية، القوة العالمية الأولى؛ من ضعف سوق العقارات المصحوب بالمظاهر الأولى لتوترات سوق الشغل، وصولا إلى بداية الشلل على مستوى القطاع الخارجي.
وقالت صحيفة بوبليكو إن العاصفة المالية الناجمة عن انهيار بنك وادي السيليكون أدت إلى تكثيف احتمالات حدوث ركود اقتصادي وشيك في الولايات المتحدة. وحول هذه المسألة، رفض المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، المؤسسة المرجعية في الاقتصاد الأميركي، التعليق.
رسميا، أعلنت الجهات المنظمة للخدمات المصرفية في كاليفورنيا، في 12 مارس/آذار 2023، عن غلق مجموعة وادي السيليكون المصرفية، والمسؤولة عن بنك وداي السليكون "SVB"، في أكبر انهيار مالي منذ الأزمة المالية العالمية 2008.
يعود غلق المصرف، إلى تعرضه لأزمة سيولة وعجز عن سداد فوائد الودائع، دفعته إلى بيع محفظة استثمارية وطرح أسهم في محاولة لتوفير الأموال.
وقد يكون ذلك جرى بسبب الارتفاع المفاجئ في أسعار الفائدة للاحتياطي الفيدرالي، المقدر بنسبة خمسة بالمئة، وفق الصحيفة.
وبالمثل، كان لعمليات تنظيم العمالة المتتالي وواسعة النطاق، منذ الخريف الماضي، من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى والتي انضمت إليها شركات من قطاعات أخرى؛ تأثير في ذلك.
وفي ظل هذه الظروف، بدأت طبول الركود الاقتصادي تدق، وتردد صداها بين المديرين التنفيذيين في الشركات والوسط الأكاديمي.
ويرون أنه خلال الفترة الفاصلة بين هذا الرباعي والرباعي الموالي (السنة المالية)، سيضطر المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية إلى الإعلان عن الأرقام الحمراء للناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، بطريقة أو بأخرى.
ونوهت الصحيفة إلى أن أوروبا، التي غالبا ما تتأثر بالوعكات الاقتصادية الأميركية، ستستقر هذه المرة في حالة من الركود التضخمي، الذي سيساعدها على تجنب الانكماش الذي عد من المسلمات بين الأسواق في نهاية عام 2022.
في ذلك الوقت، اشتدت أزمة الطاقة بعد حوالي تسعة أشهر من الحرب في أوكرانيا، واختار الشركاء الأوروبيون على وجه السرعة تخزين احتياطيات الغاز والنفط، في حين جرى حظر الوقود الروسي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع على جانبي المحيط يمر بلحظات متشنجة بسبب عدم الاستقرار المصرفي غير المتوقع في الولايات المتحدة وانتقاله في أوروبا إلى اثنين من الشركات العملاقة ذات المخاطر النظامية العالية مثل كريدي سويس ودويتشه بنك، مع عمليات طارئة للغاية وموارد أكبر من جانب السلطات النقدية في أميركا الشمالية وأوروبا.
وعرضت صحيفة بوبليكو الإسبانية عدة قراءات تساعد في تحليل المناخ الاقتصادي والاستثماري.
صافرات إنذار
أوضحت أن القطاع العقاري ليس المعيار الوحيد الذي ينبئ بركود اقتصادي، لكنه الأكثر حساسية على المدى القصير.
وبحسب المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، كان هذا القطاع الداعم لتمديد مرحلة التوسع والانتعاش حتى بداية عام 2023، على الرغم من أنه كان بإيقاع أقل شدة.
وعموما، يبرهن سوق العقارات الأميركي أن الركود قد بدأ بالفعل ويشير إلى أن المسؤول هو الاحتياطي الفيدرالي.
وكشفت الصحيفة أن هذا القطاع هو مقياس حرارة كبير للنشاط الأميركي؛ ليس فقط بسبب قيمته وحجمه، الذي يتجاوز 45 تريليون دولار، أي حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولكن أيضا بسبب ديناميكيته في الاقتصاد.
بالمثل، من العوامل الأخرى التي لا تنذر بعام من الازدهار، يمكن الإشارة إلى الانتقال المفاجئ لعقود الرهن العقاري من 3 بالمئة محدد المدة في نهاية عام 2021 إلى أكثر من 7 بالمئة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 (دون احتساب آخر ثلاث زيادات في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي)، والتي تعد القفزة الأكبر من نوعها خلال عقدين.
ونقلت الصحيفة أن الملياردير كين جريفين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سيتاديل المالية، يرى "ركودا يلوح في الأفق، بالإضافة إلى المزيد من رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وبقاء مؤشر أسعار المستهلك عند مستويات حرجة".
وبحسب جريفين، فإن "الأرقام الحمراء أمر لا مفر منه". لهذا السبب، ينصح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي "بتقليل السيطرة على التضخم".
كما يضمن أن "تميل رؤية السوق نحو التباطؤ الوشيك في النشاط، وبالتالي، نحو الهبوط الحاد في التوظيف وهما العاملان الآخران اللذان يحددان يقظة الاحتياطي الفيدرالي".
ويؤكد أن "كل هذا يحدث دون أن يكون هناك إجماع على تصاعد التضخم ومع احتدام العاصفة المصرفية".
من جانبه، أوضح جيريمي سيجل، أستاذ المالية في وارتن، أن خطر الركود "ينمو بلا حلول في الأفق" ويعتقد أن هذا يمكن أن يزيد من خنق أصول سوق الأسهم.
ووفقا لتوقعاته، فإن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بالكاد سيرتفع بمقدار أربعة أعشار هذا العام، وهو ما يعني، في رأيه، "انكماشات في الأرباع الثلاثة المقبلة".
ويذكر الخبير أيضا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه يتوقع خسارة وظائف صافية في الأشهر التسعة المقبلة وزيادة في معدل البطالة إلى 4.6 بالمئة طوال عام 2024.
الديون والركود
وبينت الصحيفة أن الجمهوريين ليسوا على استعداد للمساعدة في الخروج من الأزمة.
وفي هذا المعنى، أرسل المتحدث باسم الحزب في مجلس النواب، كيفين مكارثي، رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يدعو فيها إلى خطة بديلة لخطة البيت الأبيض لتوسيع سقف الديون الذي توشك وزارة الخزانة الأميركية على تجاوزه.
من ناحية أخرى، يحذر جيشه التحليلي، مثل تجمع الحرية في مجلس النواب، من أن مواقف إدارة بايدن تبعد أي اتفاق بين الحزبين، على الرغم من حقيقة أن اللجنة الاقتصادية المشتركة بين المجلسين التشريعيين حذرت الأسبوع الماضي من احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون.
عموما، سيكون لكل هذا عواقب وخيمة على العائلات. تشير التقديرات إلى أن الأميركيين قد يخسرون 20 ألف دولار من مدخراتهم التقاعدية ويمكن لأصحاب المنازل أن يشهدوا زيادة الرهون العقارية بمقدار 150 دولارا في الشهر.
ونقلت الصحيفة أنه في مؤسسة موديز يعتقدون أيضا أن الخلاف حول الديون يمكن أن يكون القشة التي تقسم ظهر دورة الأعمال الأميركية.
في الواقع، سيكلف عدم وجود اتفاقية البلاد 2.6 مليون وظيفة والدخول في حالة ركود، إما في عام 2023 أو في 2024 على الأكثر.
من جانب آخر، قد يؤدي التخلف عن السداد لفترة قصيرة إلى خسارة مليون وظيفة وأرقام حمراء في نهاية هذا العام. وعلى المدى البعيد، يمكن أن ينتج عنه أكثر من سبعة ملايين عاطل عن العمل.
سيأتي هذا في وقت حرج، حيث شرع بايدن في إستراتيجية دعم مكثف لتعزيز صناعة الرقائق والمكونات الأخرى، والاستثمارات الخضراء والتقدم التكنولوجي، مما يجبر منافسيه العالميين على إجراء عمليات مماثلة وأعمق من أي وقت مضى.
نقلت الصحيفة عن مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، أنه "عندما يتصاعد التضخم ويتحول بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى عدواني مع معدلات الفائدة، يحدث الركود على الفور تقريبا".
ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، محمد العريان، أن "العاصفة المصرفية يمكن أن تدفن الولايات المتحدة في ركود جديد"، وفق ما نقلت الصحيفة الإسبانية.
وأوردت الصحيفة أن أوروبا تتنفس الصعداء في ظل الوضع الاقتصادي المشحون، مدفوعة بالتوقعات التجارية المفاجئة للشركات الألمانية في مارس 2023، وفقًا لمؤشر مؤسسة إيفو، الذي يتوقع أن تستقر القاطرة الأوروبية في نشاطها على الرغم من التسونامي المصرفي.
وتقدر التحليلات أن اقتصاد اليورو سيسجل عاما من الركود التضخمي، لكنه قد يصبح ممارسة إذا أبطأ البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة بسبب المخاطر على الاستقرار المالي جراء التوترات المصرفية في الولايات المتحدة.