عبر "غطاء عربي".. هكذا يحاول النظام السوري إحياء تجارته مع العالم 

12

طباعة

مشاركة

يتسلل النظام السوري من الأبواب الخلفية العربية والدولية التي تمنح اقتصاده نفسا جديدا مستفيدا من موجة تطبيع بعض الدول العربية معه.

وبدأت تظهر مؤشرات على محاولات بعض الدول العربية دمج مؤسسات نظام بشار الأسد الاقتصادية بمثيلاتها العربية، في محاولة لإعادة تشبيك علاقات النظام التجارية مع الغرب.

تشبيك جديد

وبدأ ذلك، ولأول مرة منذ أكثر من عقد بمشاركة وفد من اتحاد غرف التجارة التابعة لنظام الأسد، في 15 مارس/ آذار 2023 في أعمال القمة الاقتصادية العربية الفرنسية تحت عنوان "شراكة يجب توثيقها في عالم يمر بأزمات"، في العاصمة باريس.

وشارك شخصيا في القمة ممثل اتحاد غرف التجارة السورية وعضو غرفة تجارة دمشق مصان نحاس، وهو صناعي مقرب من رأس النظام بشار والأسد.

وسبق أن تولى نحاس رئاسة لجنة المصارف والتمويل في غرفة تجارة دمشق، كما أنه مقرب من إيران كونه يشغل حاليا أمين غرفة التجارة السورية الإيرانية المشتركة.

وقال نحاس، في كلمة له بالقمة، إن المشاركة تأتي بناء على دعوة رسمية موجهة لسوريا عن طريق اتحاد الغرف العربية، معتبرا أن هذه الدعوة تمثل منعطفا مهما وكبيرا في عودة العلاقات السورية مع الجميع، وفق قوله.

وأضاف أن "رفع العقوبات المفروضة على سوريا يمثل واجبا إنسانيا"، داعيا إلى رفعها من باريس التي لم يزرها أعضاء اتحاد الغرف التجارية السورية منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011.

وعلى هامش القمة، عقد وفد النظام السوري الذي ضم رؤساء غرف تجارة دمشق وحلب وطرطوس ودرعا، عددا من اللقاءات مع الوفود العربية المشاركة بالقمة.

والقمة العربية الفرنسية جرت بتنظيم مشترك من الغرفة التجارية "العربية الفرنسية"، واتحاد الغرف العربية، وغرفة تجارة وصناعة مرسيليا، وغرفة التجارة الدولية.

وتضمن جدول أعمالها خمس جلسات حول مواضيع البيئة والمياه والصناعة ومشاريع العمران الحديثة والغذاء والأدوية والإصلاح المصرفي والتسهيلات المصرفية.

وتأسست غرفة التجارة العربية الفرنسية في عام 1970 برئاسة فنسنت رينا، وعقدت قمتها الأولى في باريس منذ أربع سنوات لتوثيق العلاقات بين العاصمة الفرنسية والعواصم العربية الرئيسة.

وحضر الحدث لعام 2023، مندوبون من العراق وليبيا والإمارات، برعاية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أبدى معارضته لأي تقارب مع دمشق.

وكان من بين المتحدثين خلال القمة نائب رئيس جمعية أرباب العمل الفرنسية MEDEF، فابريس لو ساتشي والمدير الإداري لشركة Veolia إستيل براشليانوف.

أذرع صناعية

حضور اتحاد غرف التجارة السورية، الذراع الصناعية والتجارية لنظام بشار الأسد، قمة غرفة التجارة العربية الفرنسية الأخيرة في باريس، يأتي رغم استمرار الرفض الفرنسي للتقارب مع دمشق.

لكن النظام السوري يدرك أن العقوبات الدولية المفروضة عليه، ما زالت تشكل عقبة أمام التجارة مع الدول الأخرى، والتي يحاول تحقيق خرق فيها في ظل انهيار اقتصاده وتكبيل حركته المالية طبقا لنظام العقوبات.

ولهذا فإن ممثلو الأسد تمكنوا من تحقيق جولة استطلاعية لقراءة السوق الأوروبية بغطاء عربي، ولا سيما أنهم تجاذبوا أطراف الحديث مع ممثلي الصناعات الفرنسية في شارع بوسكيه في الدائرة السابعة في باريس.

اللافت أن نظام الأسد، أطلق يد "اتحاد الغرف التجارية السورية"، مجددا في هذه المرحلة لتحقيق نتائج جديدة على صعيد تنشيط اقتصاده.

ولا سيما أن اتحاد الغرف هذا ينضوي تحته كبار رجال الأعمال والتجار الذين يعدون حيتانا اقتصادية ومالية في سوريا ويمتلكون مصانع واستثمارات ضخمة.

وأغلب هؤلاء باتوا مقربين من الأسد شخصيا وزوجته وانخرطوا بما يسمى "اقتصاد الحرب"، وهم من نفذوا عمليات التفاف على العقوبات الغربية على مدى السنوات الماضية.

وبدا ذلك من ذهاب فارس الشهابي رئيس غرفة صناعة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا مع الوفد إلى باريس.

والشهابي رجل أعمال وأحد أبرز الصناعيين الأثرياء ويعد رجل الأسد الأول في حلب، وهو من الذين أيدوا النظام في حربه ضد الشعب السوري عقب الثورة مباشرة.

وحينما زار بشار الأسد موسكو، في 14 مارس 2023، في زيارة رسمية هي الرابعة له لروسيا منذ عام 2011، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جرى توقيع اتفاقية شاملة خلال اجتماع اللجنة السورية الروسية المشتركة.

وشملت الاتفاقية 40 مشروعا استثماريا محددا (ذكرها الأسد في سياق التعاون مع روسيا) في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط والنقل والإسكان، وفي المجالات الصناعية، وقد كُلف "اتحاد غرف التجارة السورية" بتنفيذها.

ومن هنا يتضح الدور القادم لـ "اتحاد غرف التجارة السورية" في التوجه نحو الغرب مستفيدا من فرصة إعادة بعض الدول العربية علاقاتها مع النظام والتي تحاول مساعدته على إحياء الشراكات التجارية القديمة بين سوريا ودول أوروبا.

مناخ غير استثماري

ولا سيما أن "اتحاد غرف التجارة السورية"، أطلقت يده لتنفيذ هذه المهمة، بعد منحه مهمة تنفيذ مشاريع استثمارية بالتعاون مع روسيا حليفة النظام.

ومما يذكر هنا أن العلاقات الاقتصادية بين سوريا وروسيا حققت زيادة بنسبة 7 بالمئة خلال عام 2022.

لكن طموح نظام الأسد بوضع يده مع الشركات الأوروبية غير مضمونة النتائج على الأقل في الوقت الراهن، وهي محاولة "يائسة وشكلية"، ومرد ذلك، غياب المناخ الاستثماري الإيجابي في سوريا منذ العقد الأخير، كما يرى مراقبون.

إلا أن نظام الأسد يحاول استغلال فتح بعض الدول العربية ذراعيها له لإنعاشه اقتصاديا من أجل إعادة تعويم ذاته بذاته، ولو عبر ما تسمى القوة الاقتصادية الناعمة الممثلة برجال الأعمال.

ولهذا فقد أقدم النظام على خطوة استباقية في هذا الصدد، حينما شكل مطلع أغسطس/آب 2022 لجنة للإشراف على مجالس الأعمال السورية المشتركة مع دول العالم.

وأمام هذه المعطيات تبدو آفاق الانتعاش الاقتصادي في سوريا ضعيفة في ضوء اشتداد العقوبات الأميركية والانهيار المالي لليرة السورية.

 لكن جل ما يسعى إليه نظام الأسد البقاء واقفا على قدميه عبر توسيع دائرة الالتفاف على العقوبات المفروضة عليه والتي تشترط دول الغرب انصياعه للحل السياسي وهو ما يرفضه ويعطل كل المساعي الأممية لذلك.

ويعد القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، هو الممهد للحل بسوريا، إلا أنه ما يزال دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وأمام ذلك، فإن الاقتصاد الموجود في سوريا حاليا هو "اقتصاد حرب"، كما أن البلد تعد طاردة للاستثمار الأجنبي، وبالتالي فإن الوصول إلى أرقام استثمارية وصناعية وتجارية مجدية كما يطمح لها نظام الأسد غير متوفرة.

وتعرض اقتصاد النظام السوري لسلسلة صدمات، بشكل رئيس منذ العام 2019، أولها انهيار النظام المالي اللبناني المتمثل بأزمة المصارف اللبنانية، والتي خلقت أزمة سيولة دفعت رأس النظام السوري بشار الأسد للاعتراف بوجود نحو 60 مليار دولار محتجزة في المصارف اللبنانية لرجال أعمال مقربين منه.

ويعتمد النظام السوري بنسبة 70 بالمئة على المساعدات الخارجية، كما أنه تضرر من الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كوفيد 19.

قبل أن يزيد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، من عمق أزمته بعد أن أدت الحرب لارتفاع أسعار الوقود العالمية لتتسبب بعجز النظام عن تأمين التوريدات النفطية لتشغيل مؤسساته وصناعاته.

نسج علاقات

وضمن هذه الجزئية، يؤكد مدير موقع "اقتصادي"، يونس الكريم، أن "دعوة باريس لوفد الأسد ليست رسمية ولذلك لا يمكن اعتبار حضوره ضمن التعاون، بل هي جاءت كترشيح من الغرف التجارية العربية".

وأضاف الكريم لـ"الاستقلال": "من الملاحظ أن النظام السوري بدأ يبلور سياسة تعويمه دوليا بالاعتماد على العلاقات العربية كحصان طروادة لإعادة بناء ونسج علاقاته مع الخارج".

لكن مع ذلك، هذه العلاقات ليست سياسية وخاصة الاتحاد الأوروبي ثابت على موقفه من رفض التطبيع مع النظام وإعادة التواصل معه ولا سيما في ظل استمرار العقوبات التي فرضها عليه منذ عام 2011، وفق الباحث السوري.

وأشار إلى "أن النظام السوري يريد أن يبني علاقاته من نقاط الضعف في العقوبات عبر التعامل مع المنظمات والمنشآت الدولية التي لا تشملها العقوبات على اعتبار أنها مدنية وتهتم فقط بشأن المواطن".

 وبالتالي "النظام هدفه رسم رأي دولي مناصر لرؤيته للحل السياسي وأنه منفتح على كل الحلول وجاهز لأي تواصل غربي لإعادة تحسين الوضع المعيشي للمواطن السوري".

ورأى الكريم، أن "استفادة النظام تأتي من عدة نقاط، منها الجانب المعنوي القائم على فكرة وجود قبول دولي بدأ ينفتح عليه لكسر عزلته".

والثانية هي أن النظام يحاول إعادة بناء علاقاته مع الطبقة الثرية السابقة في أوروبا وتحريك حساباته البنكية والاطلاع على الأموال التي لديه في الخارج بما يحرك العلاقات الاقتصادية.

وذهب الكريم للقول: "إن الدول العربية تعاني من انهيار اقتصادي شديد باستثناء دول الخليج التي نشهد تغيرا بسياساتها".

فعلى سبيل المثال السعودية تبتعد عن الاستثمارات المجانية في الدول العربية بل تطلب استثمارات قوية تحصل عليها مقابل المد بالأموال.

ولذلك "فإنه في الحالة السورية، أغلب الاستثمارات فيها هي تحت السيطرة الروسية أو الإيرانية مما قد يقوم على الصدام بينهم، ولذلك لا يمكن الدخول في استثمارات في الجانب السوري"، وفق الباحث.

ولفت الكريم إلى أن "الاستثمارات في العاصمة دمشق محصورة بيد أسماء الأسد زوجة رأس النظام، والتي تعلم أن نزع سيطرتها عن الاقتصاد هو نزع لسلطتها على الحكم".

وزاد بالقول: "لا يمكن بوجود بشار الأسد وزوجته إحراز أي تقدم مع الجانب السعودي من الناحية الاقتصادية بل ستنحصر على نوع من الهبات البسيطة التي لن تغير بالمشهد الاقتصادي".

وهذا إن حدث فسيكون بدفع من دولة الإمارات لمحاولة إطلاق حل سياسي، لكن الأمر سيفشل لكون النظام السوري غير قابل للإصلاح ببنيته السياسية والأمنية الحالية، وفق تقديره.