بعد المجازر الإسرائيلية في الضفة وتهديد أبو عبيدة.. هل اقتربت المواجهة؟

12

طباعة

مشاركة

تستقبل الأراضي الفلسطيني شهر رمضان المبارك بأوضاع ملتهبة ومجازر دامية، تعيد للذاكرة الفلسطينية الأوضاع السابقة لمعركة "سيف القدس" التي نشبت مع إسرائيل في مايو/ أيار 2021 واستمرت 11 يوما، وشملت غزة والقدس والضفة، وكان الداخل المحتل أبرز ساحاتها.

وارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي في 22 فبراير/ شباط 2023، مجزرة في مدينة نابلس هي ثالثة في الضفة الغربية منذ بداية العام 2023، بعد مجزرة جنين وكفر عقب في أريحا.

واستشهد جراء المجزرة، 11 فلسطينيا، وأصيب أكثر من 100 آخرين، بينهم 7 بحالة خطيرة، إثر استهدافهم برصاص قوات الاحتلال.

وارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين برصاص الاحتلال في الضفة والقدس، إلى 64 منذ مطلع العام 2023.

ويرى مراقبون أن الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في الفترة الأخيرة قد تعيد سيناريو "سيف القدس" في نسخته الثانية مع بداية رمضان في 23 مارس/آذار 2023.

صبر آخذ بالنفاد

وعقب المجزرة مباشرة، قال الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، "أبو عبيدة"، في منشور عبر قناته على منصة "تلغرام" إن "المقاومة في غزة تراقب جرائم العدو المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة المحتلة وصبرها آخذ بالنفاد".

من جانبه، قال الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي"، زياد النخالة، في بيان، إن من واجب المقاومة الرد "دون تردد" على ما ارتكبته إسرائيل من "جريمة كبرى".

وفي رد أولي عقب مجزرة نابلس، أطلقت المقاومة الفلسطينية في 23 فبراير 2023، عددا من الصواريخ تجاه مستوطنات غلاف غزة ومدينة عسقلان، كما استهدفت موقع "صوفا" العسكري شرق رفح جنوب القطاع بعدد من قذائف الهاون.‏

وأصدر الجيش الإسرائيلي بيانا مقتضبا جاء فيه "متابعة للتقارير عن تفعيل الإنذارات، تم رصد إطلاق 8 صواريخ من قطاع غزة، القبة اعترضت 7 وسقط واحد في منطقة مفتوحة".

وبعد رد المقاومة، شن الطيران الحربي للاحتلال الإسرائيلي غارات على أهداف ومواقع في قطاع غزة، حيث تم سماع دوي انفجارات في جنوب مدينة غزة.

ومنذ مطلع يناير 2023، أطلقت المقاومة قرابة 40 صاروخا وقذيفة هاون من قطاع غزة إلى منطقة مستوطنات "غلاف غزة"، في وتيرة غير معتادة منذ وقت، بحسب ما أفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان".

وأعادت تهديدات المقاومة وقصفها التذكير بالارتباط بين الضفة والقدس وغزة، والذي كان نتاج  معركة "سيف القدس" عام 2021. 

وقالت صحيفة "معاريف" العبرية في 25 فبراير 2023، إن "التصعيد بين المقاومة في غزة والجيش الإسرائيلي بدأ بعد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات الغلاف".

وبين المحلل العسكري لصحيفة معاريف، "تال ليف رام"، أن "تبادل الضربات بين مقاومة غزة والجيش الاسرائيلي يشير إلى أن اتجاه التصعيد في قطاع غزة واضح".

وشدد على أنه "سيكون من الصعب للغاية إيقاف التصعيد إذا اندلع"، مشيرا إلى أن "الجيش يعتقد أن حركة حماس ليست معنية بالحرب، ولكن أرقام إطلاق الصواريخ تشير إلى تغيير كبير في سياسة الأخيرة".

بدوره، قال معلق الشؤون الفلسطينية في صحيفة يديعوت أحرونوت، آفي سخاروف، إن "حماس تمتلك حاليا كمية مماثلة من الصواريخ التي كانت تمتلكها في سيف القدس، كما يواصل (القائد العام لكتائب عز الدين القسّام)، محمد الضيف، العمل على بناء القوة العسكرية للتنظيم".

وأشار إلى أن "الضيف وكبار قادة جناحه العسكري، انخرطوا خلال الأشهر الأخيرة في التطوير الهائل للطائرات الانتحارية بدون طيار التي يمكن أن تلحق أضرارا بالجانب الإسرائيلي".

وتابع: "من الصعب تحديد المدة التي ستفضل حماس خلالها إبقاء غزة خارج اللعبة، قد يكون قرارا إستراتيجيا، ولكن ليس من المستحيل الإبقاء عليه، خاصة في ظل العدد الكبير من الضحايا الفلسطينيين الذين يسقطون في العمليات الإسرائيلية".

ويبدو أن الظروف الميدانية في القطاع مهيأة لاندلاع مواجهة جديدة في ظل الجرائم الإسرائيلية المتواصلة، سواء فيما يتعلق بالواقع في الضفة أو الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، بجانب ما يجري في سجون الاحتلال من انتهاكات متصاعدة بحق قرابة 5 آلاف أسير وأسيرة.

"سيف القدس 2"

وقال مسؤول قسم السياسة والإعلام في الجامعة الإسلامية بغزة، وليد المدلل، إن "الاحتلال والمقاومة الفلسطينية يسيران بخطى ثابتة لمواجهة كبيرة لسبب رئيس وهو أن الحكومة الإسرائيلية تشعل الأوضاع في القدس والضفة والداخل المحتل".

وأوضح المدلل لـ"الاستقلال" أن "الوضع في عام 2023، أكثر صعوبة وتوترا مما كان عليه قبيل مايو/ أيار 2021، والتي كان الأمر فيها متعلقا بتهجير منازل في حي الشيخ جراح بالقدس، مع بعض مظاهر الاعتداء على المسجد الأقصى، أما الآن فنعاصر الحكومة الأكثر تطرفا وإجراما في تاريخ الكيان".

وأشار إلى أن "إسرائيل تقوم بارتكاب المجازر، وتدمير المنازل وتوسعة الاستيطان، وتهويد المسجد الأقصى بوتيرة قياسية، وتتخذ إجراءات غير مسبوقة تجاه الأسرى، وبهذا تخلق بيئة تجعل من الصدام الكبير أمرا لا مفر منه".

واستطرد المدلل: "سياسات إسرائيل لا تدع مجالا للشعب الفلسطيني بفصائله كافة إلا للرد على جرائمها، وسيبقى الوضع بهذا الاشتعال طالما استمرت هذه الحكومة في عملها، وهذا ينبئ بسنوات من الاشتباك".

ولفت إلى أن "الظروف الداخلية في إسرائيل مختلفة تماما عن الظروف التي كانت عليها خلال الحروب السابقة، فالكيان يعاني انقساما واستقطابا غير مسبوق، وبالتالي سيكون أكتر انكشافا وضعفا في جبهته الداخلية ولن يكون لعملية عسكرية على غزة شرعية شعبية".

وأوضح المدلل أن "من أحد مسببات هذا الانقسام سعي نتنياهو لإحداث إصلاحات قضائية تفضي لإفلاته من المحاكمة على خلفية قضايا الفساد، وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث المظاهرات الأكبر في تاريخ الاحتلال".

وتابع: "كذلك هناك 100 ضابط في جهاز العمليات الخاصة في الجيش أعلنوا أنهم سيتسرحون في حال تمرير الإصلاحات، ولأول مرة يسمح لعناصر الموساد بالانضمام للاحتجاجات، وهو مؤشر على حدة الصدع الداخلي وعدم جاهزية إسرائيل داخليا لمواجهة كبيرة". 

وشدد المدلل، على أن "أخطر ما يخشاه الاحتلال هو تكريس معادلة (غزة الضفة – غزة القدس) أو وحدة الساحات، بمعنى أن تثأر مقاومة القطاع من الاحتلال عقب جرائمه في الضفة المحتلة، وهو الأمر الذي سيحرك بدوره فلسطينيي الداخل المحتل، وهم الأقدر على العبث بأمن الاحتلال داخليا".

الضفة تغيرت

وكشفت قناة "كان" العبرية في 22 فبراير 2023، أن "الشرطة الإسرائيلية تخشى من أن تفشل في مواجهة أي هبة من فلسطينيي الداخل في حرب مقبلة مع غزة".

وتابعت: "يخشى الاحتلال تعطيل المنشآت الحيوية في أي حرب مع غزة، وهو ما حصل خلال الحرب الأخيرة على مدى 80 كيلو مترا من القطاع، وكذلك البنية التحتية للطاقة خصوصا مع توقعات الاحتلال بزيادة مدى ودقة صواريخ المقاومة".

وتشير الأوضاع في الضفة الغربية إلى أنها ستكون ساحة رئيسة في حال حدوث مواجهة فلسطينية شاملة، حسب التقديرات.

وتتصاعد أعمال المقاومة في الضفة الغربية بشكل يومي، وسجل 42 عملا مقاوما خلال 25 فبراير 2023، أدت لوقوع إصابات في صفوف إسرائيل.

ووفق مركز المعلومات الفلسطيني "معطى" (أهلي) فقد تم تسجيل 16 عملية إطلاق نار، وتفجير 6 عبوات ناسفة، وإلقاء 3 زجاجات حارقة، وإحراق نقطتين عسكريتين، إلى جانب عملية تصدي للمستوطنين، واندلاع 14 نقطة مواجهة.

وفي القدس، شهد حاجز قلنديا إلقاء عبوتين ناسفة، واندلاع مواجهات وإلقاء حجارة، كما اندلعت مواجهات في الطور وعناتا.

ومنذ بداية العام 2023، قتل 10 إسرائيليين، وأصيب نحو 100، بفعل عمليات المقاومة في الضفة الغربية والقدس.

من جهته، قال المراسل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشع، إن اقتحام القوات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية لا زال يتحول إلى مواجهات واسعة النطاق، مشيرا إلى أن كمية النيران التي أطلقت خلال مجزرة نابلس من قبل المسحلين الفلسطينيين كانت هائلة.

ويرى يهوشع، في مقال نشره في 23 فبراير، أن "العملية في نابلس ومن قبلها المماثلة في مخيم جنين، تشير إلى تغيير في طريقة العمليات الإسرائيلية خاصة وأن من يتم استهدافهم لا يرفعون أيديهم ويتم وضعهم في المركبات العسكرية، بل تتحول محاولات اعتقالهم إلى معارك واسعة النطاق".

استعداد كبير

من جانبها، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، إن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا زالت تستعد لاحتمال حدوث مزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة وخاصة في شهر رمضان، ولذلك بدأت في اتخاذ إجراءات استباقية لمنع المقاومين من تنفيذ مخططاتهم".

ووفقا للصحيفة، فإن "هناك خشية من وقوع هجوم واحد قد يؤدي إلى هجمات تقليدية أخرى، لذلك هناك حالة من الاستعداد الكبير للتعامل مع أي محاولات لتنفيذ هجمات".

من جهته، قال الباحث في الشؤون الفلسطينية، زكريا السلاسلة، إن "الأوضاع على الأرض مرشحة للانفجار أكثر من أي وقت آخر، وحالة الغليان التي تعم فلسطين كافة برهان على ذلك".

وأشار السلاسلة لـ"الاستقلال" إلى أن "من أهم مكتسبات معركة سيف القدس في 2021، ومعركة وحدة الساحات في 2022، هي ترابط مناطق الوجود الفلسطيني كافة، فأصبحت غزة ترد على جرائم الاحتلال في القدس والضفة، وفلسطينيو الداخل ينفذون العمليات ثأرا لأهلهم في القطاع".

وشدد الكاتب على أن "تسلسل الأحداث مشابه لما كان عليه الأمر قبيل حرب سيف القدس، حيث عودة إطلاق الصواريخ على غلاف غزة والمناورات للمقاومة والاحتلال، وكذلك نشاط طيران الاستطلاع  والوضع المشتعل في القدس". 

وتابع: "وضع الضفة الغربية مختلف عن وضعها قبل عامين، حيث باتت تمتلك تشكيلات مسلحة مختلفة ونشطة، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله على الأرض في حال نشبت معركة جديدة قريبا".

وأوضح السلاسلة أن "جيش الاحتلال يكثف عملياته ضد هذه المجموعات في الضفة الغربية؛ محاولا إنهاكها وتحييدها عن أي حرب مقبلة، حيث يتخوف من أن ينتقل نشاطها المسلح من التصدي للاقتحامات، لمهاجمة المستوطنات التي تكتظ بها الضفة وربما الوصول للعمق".

وشدد على أنه "عقب عمليتي القدس أدخل جيش الاحتلال 70 بالمئة من جنوده في الضفة الغربية والقدس، لمحاولة منع عمليات جديدة، وتساءل "لكن عندما تحصل حرب جديدة، ما الذي سيفعله الجيش الذي سيحتاج ضخ عدد كبير من جنوده لقطاع غزة وجنوب لبنان وتعزيز الحدود كافة".

ولفت الباحث إلى أن "جيش الاحتلال حتى بعد استدعاء جنود الاحتياط لن يتمكن من تأمين مستوطناته في الضفة ومهاجمة غزة وتعزيز وجوده في البلدات العربية بالداخل المحتل، فضلا عن حراسة الحدود الشمالية والجولان، لذلك يسعى للتوصل إلى تسوية مع السلطة لتنوب مكانه في الضفة".

وأضاف "كما رأينا اتهمت مجموعة (عرين الأسود) وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ بالاجتماع أخيرا مع قادة الاحتلال لإقناعهم بقدرته على إخماد المقاومة في نابلس وجنين، وهو ما دعمته تقارير عبرية تحت شعار (تفاهمات خفض التصعيد، فالسلطة ستكون وسيلته لاحتواء انتفاضة الضفة)".