بعد سيطرته عليها.. كيف ينتهك الأسد حقوق سكان حلب عبر الإعمار؟
انتقدت صحيفة إيطالية عملية إعادة الإعمار الانتقائية لمحافظة حلب السورية وانتهاكات حقوق ملكية المنازل وإجبار النازحين على اتخاذ خيار عدم العودة إلى ديارهم على أثر فرارهم من الحرب التي ألحقت دمارا كبيرا بالمدينة.
وقالت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" إن إعادة إعمار المدينة حرمت المواطنين من حقوقهم في السكن والأرض والملكية، أي الحصول على منزل وأرض آمنين للسكن فيهما.
وذكرت أن العديد من النازحين يرفضون العودة إلى بلادهم دون التمكن من الحصول على منزل للعيش فيه.
الأضرار والنازحين
وأضافت أن مدينة حلب، التي كانت في يوم من الأيام الأكثر كثافة سكانية في سوريا، ضحية حرب استمرت أربع سنوات دمرت تراثها الثقافي والعمراني.
وبينت الصحيفة أن "مشاريع إعادة الإعمار في المدينة لا تبدو أنها تسعى إلى إعادة الجميع إلى ديارهم، بعد الحرب التي أجبرت ملايين المواطنين على اللجوء".
وكانت مدينة حلب منذ عام 2012 مسرحًا لمعارك عنيفة بين الثوار المتمركزين في الجزء الشرقي ضد قوات نظام بشار الأسد التي كانت تسيطر على الجزء الغربي.
وانتهت هذه المعارك العنيفة في عام 2016 بسيطرة قوات النظام بفضل دعم روسيا التي بدأت التدخل في سبتمبر/أيلول 2015.
ذكرت الصحيفة أن من آثار الحرب التي لم تنته بعد، وجود أكثر من خمسة ملايين نازح حاليا معظمهم من النساء والأطفال تمكنوا من الحصول على حق اللجوء في تركيا ولبنان والأردن والعراق ودول أخرى في شمال إفريقيا.
وبينت أن نتائج الحرب لم تقتصر على نزوح السوريين إلى دول أخرى وإنما كذلك تعرض حلب خلال سنوات الحصار لدمار كبير خاصة بالبنية التحتية، من مستشفيات ومنازل ومدارس.
كما أدى "الإرث الثقافي" في حلب إلى انقسام ديني داخلي نتج عنه هدم العديد من الأماكن المقدسة بما في ذلك المساجد والكنائس والمعابد اليهودية، تضيف الصحيفة.
ومن الأضرار الأخرى التي سببتها الحرب تدمير سوق السقطية الأثري الواقع في وسط حلب، وهو أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة).
وانطلقت مشاريع إعادة ترميم السوق بتمويل من مؤسسة الآغا خان منذ عام 2019، وفق ما ذكرت الصحيفة الإيطالية.
إعمار انتقائي
منذ بدء معركة حلب عام 2012، كانت المدينة مسرحًا لحرب استنزاف أعقبها حصار وحملات عسكرية على الجزء الشرقي مما أجبر نصف السكان على الفرار إلى شمال البلاد.
ذكرت الصحيفة أن الأضرار لحقت 44 بالمئة من المساكن في المدينة و86 بالمئة من البنية التحتية التجارية. ولفتت إلى انطلاق مشاريع إعادة الإعمار في تحويل الأحياء المهدمة إلى مناطق سكنية.
في عام 2012، مكن المرسوم التشريعي رقم 63 لوزارة المالية في حكومة النظام السوري بمصادرة ممتلكات المتهمين بـ"الإرهاب" وفقا للقانون رقم 19 لعام 2012، المتمثل بقانون ما يسمى "مكافحة الإرهاب" الصادر عن نظام الأسد في العام نفسه.
وهذا القانون الأخير كان يضطهد المعتقلين السياسيين السلميين من الناشطين وممن شاركوا في المظاهرات وكذلك من قدموا مساعدات إنسانية، تنتقد الصحيفة.
وفي العام نفسه أيضا، جرت المصادقة على المرسوم التشريعي عدد 66 المخصص لمدينة دمشق والمناطق المجاورة، والذي نص على إمكانية مصادرة الحكومة لعقارات المواطنين لبيعها لشركات البناء وبهذه الطريقة جرى إخلاء أصحابها دون التمكن من تقديم شكوى.
بعد سنوات قليلة، جرى تحويل المرسوم إلى قانون رقم 10 لسنة 2018 وامتد هذه المرة ليشمل كامل البلاد.
ونص المرسوم على وجوب تسجيل جميع المالكين لممتلكاتهم، إما شخصياً أو عن طريق تفويض أحد الأقارب خلال ثلاثين يوماً لدى وزارة الإدارة المحلية أو الوقوع تحت طائلة مصادرة العقار.
وبموجب ذلك، تدخل العقارات غير المصرح بها ضمن خطة إعادة إعمار لإعادة تطوير هذه المناطق إلى مناطق سكنية.
بحسب الصحيفة، تكمن مشكلة هذا القانون في أن معظم السوريين نازحون وغير قادرين على العودة إلى ديارهم.
يسمح القانون للأسد بطرد سكان المناطق التي منحت ملاذا لقوات المعارضة، وتدمير منازلهم وانتهاك الحق في السكن والأرض والممتلكات المنصوص عليه في القانون الإنساني الدولي وفي المقابل يمنح تعويضات لمناصريه.
مع إصدار هذه القوانين، قالت الصحيفة إن "العديد من المواطنين أدركوا أنهم غير مرحب بهم في بلدهم، بل وقد يتعرضون للاضطهاد أو الاعتقال أو سوء المعاملة من قبل قوات الأمن".
انتهاك الحقوق
بحسب الصحيفة الإيطالية، غذت إعادة إعمار حلب انتهاكات حقوق السكن والأرض والملكية. ونقلت عن المهندسة السورية سوسن أبو زين الدين قولها إن ما يجرى يعد جزءا من إستراتيجية ديمغرافية أوسع لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية معينة.
نشأ عن هذا الوضع نقل أشخاص إلى منازل ليست لهم بينما لم يتمكن أصحابها من إثبات ملكيتها، تشرح الصحيفة. وأشارت إلى أن النظام السوري ليس وحده من يرتكب ما وصفتها بهذه الجرائم.
وبينت أن القوات الكردية انتهكت بدورها هذه الحقوق، ففي عام 2015 هدمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) منازل المدنيين في محافظة الحسكة بذريعة البحث عن عناصر تابعة لتنظيم الدولة.
وأجبرت في نفس العام سكان قرية أصيلم في سلوك التابعة لمحافظة الرقة في شمال سوريا، على مغادرة منازلهم حفاظا على سلامتهم.
ووعدت بعودتهم في غضون ثلاثة أيام لكن بعد أسبوعين لم يعد أحد من السكان إلى منزله وهُدمت الممتلكات وتحول بعضها إلى قواعد عسكرية.
وعموماً، سواء كان مصدر هذه الانتهاكات قوات النظام أو غيرها، استنكرت الصحيفة أن المواطنين الأكثر تضررا هم النساء، خاصة اللواتي فقدن أزواجهن ولم يتحصلن على شهادة وفاة ونتيجة لذلك يجدن صعوبة كبيرة في بيع منازلهن.
أكدت الصحيفة الإيطالية أن ارتكاب هذا الانتهاك يزيد من صعوبة إعادة بناء بلد ينعم بالسلام ويسمح لجميع النازحين بالعودة إلى ديارهم خصوصا أن جزءا منهم عبر عن معارضتهم لفكرة العودة إلى البلاد وعدم القدرة على العيش في منازلهم.
في الختام، ترى الصحيفة أن الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 فبراير/شباط 2023 يندرج ضمن ديناميكيات إعادة الإعمار الانتقائية في سياق يشكو آثار حرب مستمرة منذ 12 عامًا.