عبر نشر "الإرهاب" والتحريض.. هكذا تحاول إيران إفراغ المدن السنية في العراق
تشن الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران في العراق، حملة شرسة ضد إحدى المدن ذات الغالبية السنية في العاصمة بغداد، بعد هجوم طال دورية للجيش العراقي، أسفر عن مقتل ضابطين واثنين من الجنود، وثلاثة من المهاجمين، حسبما ورد في الرواية الرسمية.
الهجوم الذي وقع في 16 فبراير/شباط 2023، جاء بالتزامن مع ذكرى وفاة "موسى الكاظم" حفيد النبي محمد، التي يحيها شيعة العراق سنويا بالذهاب إلى مرقده في بغداد سيرا على الأقدام، إذ أعلنت السلطات أنها أحبطت هجوما محتملا من الطارمية كان هدفه الزيارة الدينية.
وتقع الطارمية شمال بغداد وتبعد عنها بمسافة 40 كم، وتتبع إداريا العاصمة، وتبلغ مساحتها نحو 100 ألف دونم ويصل تعداد سكانها إلى نحو 91 ألف نسمة غالبيتهم من العشائر السنية، وتتمتع بطابع ريفي تكثر فيها البساتين وتربية المواشي والأسماك.
— خلية الإعلام الأمني���� (@SecMedCell) February 16, 2023
حملة تحريض
وعلى خلفية الهجوم الذي حصل في الطارمية، شنت شخصيات سياسية موالية لإيران هجمة شعواء ضد المنطقة، وطالبوا بضرورة استنساخ تجربة مدينة جرف الصخر شمال محافظة بابل، التي تستولي عليها مليشيات منذ عام 2014، وتمنع عودة السكان إليها.
بلدة جرف الصخر شمالي محافظة بابل العراقية، جرى تهجير أهلها (140 ألف نسمة) عنها منذ استعادتها من تنظيم الدولة عام 2014، وذلك بقرار من المليشيات الشيعية المسلحة التابعة لإيران، بعدما فرضت سيطرتها على البلدة وحولتها إلى ثكنة عسكرية.
وقال حسين مؤنس رئيس حركة "حقوق" التابعة لمليشيا كتائب حزب الله العراقي إن حاضنات الإرهاب في بعض مناطق محيط العاصمة ستبقى مصدرا لتهديد سلامة أهلنا بين الحين والآخر، وإذا لم تقتلع من جذورها كما في جرف الصخر، فسيستمر تماديها".
وأضاف مؤنس وهو نائب حالي في البرلمان العراقي خلال تغريدة على "تويتر" في 17 فبراير 2023 إن "نجاح تجارب الحشد الشعبي في مسك الأرض، يجب الاستفادة منها وهذه مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة".
— حسين مؤنس (@HussainMouanes) February 17, 2023
وعلى الوتيرة ذاتها، قال زعيم مليشيا كتائب "سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي، خلال تغريدة له في 17 فبراير إن "قواتنا الأمنية البطلة تزف قرابين الفداء لأجل عراق آمن مستقر، يمارس فيه الشعب طقوسه الدينية بأمن وسلام".
وتابع الولائي، قائلا: "وما انفك العدو يتربص الدوائر لتعكير صفو تلك الشعائر، لا سيما في الطارمية الموبوءة بالإرهاب، التي طالما حذرنا من هشاشة الوضع الأمني فيها".
لازالت قواتنا الامنية البطلة تزف قرابين الفداء لاجل عراق آمن مستقر يمارس فيه الشعب طقوسه الدينية بأمن وسلام، وما انفك العدو يتربص الدوائر لتعكير صفو تلك الشعائر، لاسيما في الطارمية الموبوءة بالارهاب، والتي لطالما حذرنا من هشاشة الوضع الامني فيها.
— ابو الاء الولائي (@aboalaa_alwalae) February 16, 2023
رحم الله #شهداء_الزيارة_الرجبية
من جهته، دعا القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي تركي العتبي، إلى "إعلان حالة الطوارئ في الطارمية وتشكيل غرفة عمليات خاصة لإدارة الموقف الأمني من خلال استنساخ تجربة منطقة حوض الوقف في محافظة ديالى التي مرّت بظروف مشابهه جدا من ناحية التحديات".
وادعى العتبي خلال تصريح لوكالة "بغداد اليوم" في 16 فبراير 2023 أن "10 بالمئة من الخسائر البشرية على مستوى العراق بسبب الإرهاب تقع في الطارمية ما يدل أن هذه الخاصرة ساخنة ومصدر قلق حقيقي على أمن بغداد بشكل مباشر".
وفي السياق ذاته، دعا عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية النائب ياسر وتوت إلى ما أسماه "حلا جذريا لإنهاء خطر الهجمات الارهابية" في العاصمة بغداد.
وقال وتوت خلال تصريح له نقله موقع "الغد برس" العراقي في 17 فبراير 2023، إن هناك ضعفا في الاستخبارات والهجوم الأخير من نتائجه، و"لولا العملية الأمنية لحدث الانفجار في مرقد الإمام الكاظم، ما يعني وجود تهديد على بغداد".
وحرّض وتوت على "ضرورة تجريف الطارمية بالكامل، وبدون ذلك لن تهدأ بغداد ولا حزامها، كما على القادة الأمنيين والقائد العام للقوات المسلحة إعادة النظر واختيار الأشخاص المهنيين في عمل الاستخبارات، لأن المعركة الحالية استخبارية".
"مخطط إيراني"
وقوع الهجوم في منطقة الطارمية بالتزامن مع المناسبة الدينية الشيعية في منطقة الكاظمية، أثار الكثير من علامات الاستفهام، وخصوصا مع حملة التحريض التي حصلت ضد المنطقة والدعوة إلى تجريف بساتينها وإخلائها من السكان مثلما حصل مع جرف الصخر.
وقال الإعلامي عماد العزي وهو من السكان السابقين للطارمية إن "المنطقة مليئة بقوات الجيش والشرطة، والموضوع ربما يكون مفتعلا من الأساس للاستحواذ على الأراضي الزراعية، خصوصا أنه حصلت ضغوطات ومساومات من أجل بيعها لكن أصحاب الأراضي رفضوا ذلك".
ولفت العزي في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "السلطات الأمنية لديها الاستعداد أن تتحدث عن أكثر من هجوم للتنظيمات الإرهابية في اليوم الواحد، فهم يسعون إلى تجريف البساتين وتحويلها إلى جرف صخر ثانية".
وأشار إلى أنه "ثمة مخطط إيراني ضد منطقة الطارمية المهمة التي تفصل العاصمة بغداد عن محافظة صلاح الدين لتأمين الطريق إلى مدينة سامراء التي تضم مراقد شيعية، ومن جهة ثانية فهي منطقة إستراتيجية تربط بين أربع محافظات هي بغداد، صلاح الدين، ديالى، والأنبار".
ولم تكن فكرة افتعال الهجمات جديدة في العراق، فسبق أن كشفت تسريبات صوتية غير ذلك، نشرها الإعلامي العراقي علي فاضل على جزأين في 16 و17 سبتمبر/أيلول 2022، لشخص منشق عن مليشيات "لواء ائمة البقيع" في ديالى، يُدعى كريم صالح كريم.
وكشف كريم في حينها عن جرائم وانتهاكات وعمليات ابتزاز، وخطف معوَّقين ومرضى عقليين ووضع أحزمة ناسفة ثم قتلهم وإعلان إحباط هجوم انتحاري، أو اعتقال مواطنين عاديين ووصفهم بأنهم قيادات في تنظيم الدولة عبر تصوير أسلحة ومتفجرات بالقرب منهم أو داخل منازلهم.
وكذلك كشف المنشق عن الحشد الشعبي عن افتعال مليشيا "أئمة البقيع" هجمات "إرهابية" على قوات الجيش العراقي في محافظة ديالى، تتولى فيما بعد المليشيات عملية التصدي لها.
وأشار إلى "تورط بعض الضباط بقيادة قائد عمليات الجيش في ديالى اللواء علي فاضل عمران"، في جانب من تلك الانتهاكات، بالاتفاق مع المليشيات ذاتها.
وأكد كريم أنه ترك العمل بالمليشيات بعدما "طلب منهم ضرب حاجز أمني تابع للجيش في جبال حمرين"، مبيّنا أنه اتصل بسعد طعيس (زعيم مليشيات أئمة البقيع) وأخبره أن الإحداثيات التي تلقوها هي لنقطة تابعة للجيش".
فرد عليه: "اضربها، ولا علاقة لك بالأمر، ولا تتدخلوا"، موضحا أنه "جرى استهداف الحاجز من قبل لواء أئمة البقيع من أجل أن يثبتوا أن الجيش غير قادر على حفظ الأمن" وأن تنظيم الدولة "ما زال موجودا".
"تثبيت الحشود"
كما لم يكن الحديث عن تسليم الملف الأمني للطارمية إلى الحشد الشعبي، حسبما طالب بذلك مسؤول عمليات اللواء 41 بالحشد قاسم الكريطي، بعيدا عما تسرّب من مطالب تقدم بها تحالف السيادة السني إلى رئيس الوزراء محمد السوداني تفضي إلى سحب المليشيات من المحافظات السنية.
وكشفت قناة "يو تي في" العراقية في 15 فبراير 2023، عن أبرز مطلب قدمه تحالف السيادة السني خلال الاجتماع الذي جمعه برئيس الوزراء في 11 فبراير، ولا سيما الذي يتعلق بتواجد المليشيات في المناطق السنية بعد استعادتها من تنظيم الدولة.
وأفادت القناة العراقية التي يمتلكها سرمد نجل زعيم "السيادة" خميس الخنجر بأن السوداني تعهد خلال اجتماع مغلق جمعه بالتحالف السني بإخراج المليشيات من المناطق السنية التي يتواجدون فيها منذ استعادتها من تنظيم الدولة (2014- 2017)، خلال مدة تتراوح من 6 أشهر إلى عام واحد.
وأوضحت القناة العراقية، أن قيادات ونواب تحالف السيادة الممثلين للمحافظات السنية، قدموا للسوداني تجاوزات صارخة من هذه المليشيات ضد المدن وسكانها تتعلق بحقوق الإنسان، ومصادرة الأراضي، إضافة لفرض نسب مالية عن كل مشروع استثماري فيها.
ويرى مراقبون أن أحداث الطارمية ربما تكون رسالة من المليشيات تحاول القول فيها إن الأمن في المناطق السنية لا يزال غير مستقر، وبالتالي لا بد من تثبيت الحشود الشعبية هناك، وذلك قبل أن يذهب السوداني إلى تنفيذ تعهداته بسحب هذه الجماعات المسلحة.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق، مهند الجنابي إن "تعاطي قادة المليشيات مع أحداث الطارمية يمثّل حالة هروب من الحرج الذي وضعتهم فيه الحكومة بعد تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة".
وأوضح الجنابي عبر تغريدة "على "تويتر" في 17 فبراير 2023 أنه "طالما أن معاداة الوجود الأميركي لم يعد ممكنا، فلا بدّ من استحضار العدو القديم (الإرهاب)، خصوصا إذا اقترن بمساعي الاستحواذ على أراض شاسعة شمال بغداد".
تعاطي قادة المليشيات مع احداث #الطارمية يمثّل حالة هروب من الحرج الذي وضعتهم فيه الحكومة بعد تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.
— د. مهند الجنابي (@moaljanabi10) February 17, 2023
فطالما معاداة الوجود الأمريكي لم يعد ممكناً، فلا بدّ من استحضار العدو القديم (الإرهاب)، خصوصاً اذا اقترن بمساعي الاستحواذ على اراضي شاسعة شمال #بغداد
وتنتشر جماعات مسلحة موالية لإيران في المناطق السنية منذ استعادتها من تنظيم الدولة في عام 2017، تحت غطاء قوات الحشد الشعبي، ولا سيما في "نينوى، والأنبار، وصلاح الدين، وكركوك، وديالى، وشمال بابل"، وسط مطالبات سياسية وشعبية بسحبها.
المصادر
- العراق: تسريب جديد يكشف عن جرائم خطف مرضى عقليين وافتعال هجمات وهمية من قبل مليشيا "أئمة البقيع"
- العراق: هجوم الطارمية يثير مخاوف من عمليات انتقامية ودعوات لوقف التحريض
- الخروج من المدن: الاتفاقُ أعني واسمع يا حشد
- الاطار يدعو لاعلان الطوارى في "الطارمية".. الاف الزائرين كادوا يُقتلون
- عضو بالأمن النيابية يطرح حلاً "جذريا" لتأمين العاصمة.. تجريف الطارمية بالكامل
- مسؤول عمليات اللواء 41 بالحشد الشعبي إن ملف الطارمية يجب أن يتحول لقيادة الحشد ببغداد.