هيئة الإغاثة الإنسانية التركية.. ما طبيعة أدوارها الإنسانية في شمال سوريا؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

فجر عصيب عاشته سوريا وتركيا في 6 فبراير/شباط 2023، عندما ضرب زلزال مدمر بلغت قوته 7.7 على مقياس ريختر، وسط وجنوب الأناضول وشمالي سوريا، مخلفا آلاف الضحايا من قتلى وجرحى، إضافة إلى خسائر مادية مروعة. 

ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الزلزال بأنها "أكبر كارثة تشهدها البلاد منذ عام 1939". ومع هذه الحادثة رفعت السلطات التركية حالة الإنذار إلى المستوى الرابع الذي يشمل طلب المساعدة الدولية.

سارعت العديد من دول العالم لتقديم المساعدات لمواجهة آثار الكارثة، كما تحركت داخليا فورا جمعيات الإغاثة التركية لتدارك الفاجعة في البلدين على حد سواء، وعلى رأس تلك المؤسسات العاملة في الشمال السوري، هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، والهلال الأحمر التركي. 

الشمال السوري 

الضرر الذي تسبب به الزلزال في معظم مدن الجنوب التركي، توابعه كانت أسوأ في الشمال السوري لعدة عوامل، منها كثرة الأبنية المدمرة، والقصف الطويل الذي تعرضت له المدن والأحياء خلال السنين السابقة من نظام بشار الأسد وحلفائه لا سيما في حلب وريفها. 

فيما طالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، المنظمات الدولية الإنسانية بالتدخل العاجل لإغاثة السكان.

وذكر بيان للائتلاف أن "الأضرار التي تسبب بها الزلزال المدمر جسيمة وبالغة، طالت مئات الأبنية السكنية ونجم عنها مقتل وإصابة المئات".

وكذلك أعلن الدفاع المدني السوري، المعروف باسم "الخوذ البيضاء"، شمال غرب البلاد "منطقة منكوبة"، بعد الزلزال المدمر.

وقالت المنظمة العاملة بالشمال السوري والمناطق المحررة، في بيان لها، إن "الوضع كارثي في ظل انهيار المباني والتصدعات الحادة والمئات من الإصابات والعالقين، والعشرات من القتلى".

وأشارت إلى "نقص الإمكانيات والخدمات، وعدم توفر مراكز الإيواء ونقاط التجمع الآمنة، وظروف الطقس العاصفة والمثلجة".

ووصف إسماعيل علي أحد المتحدثين باسم منظمة الخوذ البيضاء الدقائق الأولى للزلزال بـ "الكارثية". 

وقال خلال تصريحات إعلامية: "حاولنا ولا نزال إنقاذ الناس من تحت الأنقاض، لكن الوضع كارثي. نحن fحاجة إلى جهود جبارة وجهود دولية حتى نتمكن من نقل الناس".

ونشرت المنظمة صورا ومقاطع فيديو تظهر عناصرها وهم ينقلون ضحايا وخلفهم أبنية انهارت أو تضررت بشكل كبير، ودعت "جميع المنظمات الإنسانية للتدخل السريع لإغاثة المنكوبين وتلبية احتياجاتهم".

وضع مأساوي

رغم الكارثة الشديدة التي تعرضت لها تركيا ووجود 10 مدن ضربها الزلزال، لعبت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) دورا متقدما في الشمال السوري، خاصة أن نشاطها ممتد هناك منذ سنوات طويلة. 

وتواصلت صحيفة "الاستقلال" مع عضو الهيئة شامل يلدريم، الذي قال: "هيئة الإغاثة وضعت خطتها العاجلة للوصول إلى الشمال السوري والسعي إلى إيصال المساعدات الممكنة، لكن حجم الأضرار الناجمة عن الزلزال جعلت الوضع معقدا، لأن النشاط الأكبر منصب على الولايات التركية المنكوبة، وقوة الهيئة لا تسمح باستيعاب الأزمة بشكل كامل". 

وأضاف: "وصلنا إلى 40 منطقة في الشمال السوري، على رأسها حلب وإدلب، ومنطقة باب السلام وأعزاز وعفرين وجرابلس وتل أبيض".

وأردف: "بدأنا بتوزيع ما استطعنا حصره من خيام وألبسة ثقيلة، ثم أدوات طبية علاجية لإغاثة الضحايا، ومواد غذائية أساسية للإعاشة، وكذلك احتياجات الأطفال من ألبان وحفاضات وبطاطين خاصة لتحفظهم من البرودة". 

واستدرك: "لكن المئات من المباني دمرت بشكل كامل، والبنية التحتية لتلك المدن ضعيفة، ومن ثم قضى الزلزال على البقية الباقية".

وبين أن السكان هناك "بحاجة إلى كميات كبيرة من المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي، وأدوات تمكنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، وهو ما تحاول هيئة الإغاثة توفيره سريعا خلال الأيام القادمة". 

وناشد يلدريم المجتمع الدولي والمؤسسات الإغاثية الكبرى بتوفير أكبر دعم ممكن للمدن التركية والسورية، لأن الوضع الإنساني معرض للتفاقم خلال الأيام المقبلة. 

الإغاثة التركية

وهيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) التي تعمل بقوة على تخفيف الوضع في المدن السورية المنكوبة، جرى تدشينها عام 1992، كردة فعل إنسانية على الأحداث المأساوية التي شهدتها البوسنة والهرسك في سنوات الحرب مع صربيا. 

بعدها انطلقت إلى آفاق العمل الخيري على نطاق واسع، ويقع مركزها الرئيس في مدينة إسطنبول.

والمهمة الرئيسة لهيئة الإغاثة الإنسانية، هي الوصول لضحايا الحروب والكوارث الطبيعية، وإلى اللاجئين الذين أجبروا على ترك ديارهم.

إذ تقدم لهم المساعدات العينية والنقدية، وتنشئ في مناطقهم مراكز خيرية أو ما تعرف بـ "مشروعات التنمية المستدامة".

ومنذ عام 2011 تقدم الهيئة خدماتها في سوريا، وكتبت على موقعها الرسمي، أن الحرب التي استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة حتى الكيماوية والمحرمة دوليا، تسببت في مقتل ما يزيد على 500 ألف إنسان سوري، وإعاقة أكثر من 2.8 مليون، وتهجير 5 ملايين خارج البلاد.

وبات أكثر من 13 مليونا ونصف مليون من سكان سوريا في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية العاجلة، ومن هنا حملت الهيئة التركية الواجب على عاتقها، مع بقية مؤسسات الإغاثة الأخرى. 

وتدير (IHH) نشاطاتها الإغاثية في شمال سوريا عبر 10 مراكز تنسيق، وأنشأت حتى بداية العام 2023، 6 ضواحي (كونتينر)، و27 مخيما يعيش في مجموعها أكثر من 150 ألف إنسان. 

وكذلك عملت على توفير الغذاء من خلال 61 فرنا و30 مطبخا، وتأمين اللباس المجاني من خلال 35 مخزنا. 

وتوفير الرعاية الصحية عبر 14 مركزا طبيا، مع بناء جامعة ودعم التدريس في 43 مدرسة، إضافة إلى إنشاء مدينة لرعاية 990 يتيما، وكفالة 10 آلاف يتيم شهريا. 

افتحوا الطريق

ولم يكن الدور الذي تقوم به هيئة الإغاثة التركية في زلزال 6 فبراير 2023 المدمر هو أبرز أدوارها، ففي ديسمبر/كانون الأول 2016 قدمت دورا تاريخيا عندما عمدت قوات النظام السوري وحلفاؤه إلى حصار مدينة حلب حصارا خانقا.

حينها حرمت خلاله المدنيين من الحصول على المساعدات الإنسانية، وبات السكان المحاصرون إزاء مجزرة وحشية واسعة. 

هذه التطورات دفعت هيئة الإغاثة لتنظيم حملة "افتحوا الطريق إلى حلب" بهدف فتح ممرات آمنة وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في المدينة، وإنقاذ المدنيين.

شارك في الحملة نحو 5 آلاف سيارة وما يزيد على 40 ألف متطوع، وأسفرت جهود (IHH) إضافة إلى الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة والجهات الرسمية التركية عن إجلاء 45 ألف إنسان من مناطق الحصار ونقلهم إلى مناطق آمنة.

وعلى طول الطريق، جهز أهل الخير من المتبرعين في أنحاء تركيا كافة 1208 شاحنات من المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجات المنكوبين من سكان حلب.

ووصلت هذه الشاحنات مع جميع مواد الإغاثة التي أحضرها المشاركون في القافلة إلى المناطق الشمالية التي جرى إجلاء المحاصرين من أهل حلب إليها.

إذ أسست الهيئة مخيمات جديدة مجهزة بالمواد الغذائية الأساسية ومواد التنظيف والأحذية والملابس والأغطية الشتوية.

دور المنظمات

وتعد مناطق الشمال السوري من المحاور التي تستهدف الدولة التركية تأمينها على نطاق واسع.

ففي 5 مايو/أيار 2022 أعلن الرئيس التركي أردوغان عن "إطلاق مشروعات لخدمة السوريين المتواجدين في مناطق الريف الشمالي (المؤمنة عسكريا) في الداخل السوري".

وذكر: "أن المشروعات ستكون قائمة على بناء تجمعات سكنية تتوزع جغرافيا على مناطق إعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين شمال سوريا".

وفي نفس اليوم ذكرت صحيفة "صباح" التركية، أن أنقرة وجهت إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)، للتنسيق مع 12 منظمة مجتمع مدني مثل İHH و الهلال الأحمر التركي، بإنشاء مساحات جديدة لبناء المنازل والمرافق العامة والبنى التحتية.

وقبل يوم واحد من الزلزال، أي في 5 فبراير 2023، كانت جمعية "صدقة طاشي" التركية، قد أعلنت عن حملة لجمع تبرعات لصالح النازحين الذي يعيشون ظروفا صعبة في ظل الثلوج والأمطار بالمخيمات شمالي سوريا.

ولفتت الجمعية إلى تضرر مخيمات بمناطق عفرين وإعزاز والباب شمالي سوريا من الأمطار والثلوج الغزيرة في الأيام الأخيرة.

ومن أبرز الجهات العاملة في شمالي سوريا الهلال الأحمر التركي أو (Türk Kızılayı)، أعرق المنظمات الإنسانية في البلاد، والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى عصر الدولة العثمانية في 11 يونيو/حزيران 1868. 

وخلال العام 2022 أعلن الهلال الأحمر التركي عن إرسال 65 ألف شاحنة مساعدات إلى مناطق الشمال السوري، مع تسليم قرابة 50 ألف منزل للنازحين. 

ويعمل الآن على رأس المؤسسات التركية التي تحاول نجدة المنكوبين في سوريا، وتخفيف وطأة الزلزال عليهم.