"سيناريو ليبيا".. لماذا يرفض السودانيون مبادرة السيسي لحل الأزمة السياسية؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خضم المفاوضات المتعثرة في السودان، بين قوى المعارضة والمجلس السيادي الحاكم للتوصل إلى حل سياسي نهائي، دخل على خط الأزمة نظام مصر برئاسة عبدالفتاح السيسي.

وأثار هذا التدخل خشية المعارضة السودانية التي ترى أن نظام السيسي سيزيد الأوضاع الداخلية "اشتعالا"، ويمضي بالبلاد في سيناريو مشابه للسيناريو الليبي.

وتدخل النظام المصري في الجارة الغربية ليبيا، سياسيا وعسكريا منذ عام 2014 بوقوفه إلى جانب الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، وتسبب في بلبلة الأوضاع والاضطراب المستمر هناك، حتى لا تكاد ليبيا ترى طريقا للعودة.

ظهور مقلق

وأصدرت قوى "إعلان الحرية والتغيير" المدنية، في 18 يناير/ كانون الثاني 2023، بيانا ترفض من خلاله "الوساطة المصرية" بين أطراف العملية السياسية في البلاد. 

وقالت إنها تلقت "دعوة من الحكومة المصرية عبر القنصل العام بالخرطوم، للمشاركة في ورشة عمل بالقاهرة خلال الفترة من 1 إلى 8 فبراير/ شباط 2023، تحت عنوان: آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع".

وشددت على أنها "رفضت الدعوة والمشاركة"، ولا ترى في الورشة المصرية "منبرا لحوار جاد يؤدي لتوافق سوداني-سوداني".

وترى "قوى الحرية والتغيير" أن "ورشة القاهرة، هي مجرد منبر لقوى الثورة المضادة، الذين يأملون أن يحتشدوا فيها لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي، وأن هذه القوى المجتمعة هناك، مرتبطة بالنظام البائد الذي أضرت سياساته بالبلاد".

من جانبه، قال الإعلامي السوداني، خليل يوسف، في مقال نشره عبر موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني في 17 يناير/ كانون الثاني 2023، إن "دوافع مصر للتدخل في السياسة، مشكوك فيها". 

ورأى أن "ظهور مصر المتأخر في السياسة السودانية، أثار حيرة المراقبين والنشطاء على حد سواء، وذلك بعد 16 شهرا من قيام الجيش بانقلاب مدان على نطاق واسع في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والذي أطاح برئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك من السلطة".

وأضاف يوسف: "الجارة الشمالية للسودان، الآن فقط تقترح مبادرة للتوصل إلى تسوية سياسية سريعة".

وعن دوافع السيسي، تحدث الإعلامي السوداني أنه "يريد تمهيد طريق سلس للجنرال الفريق الركن البرهان للاستمرار في رئاسة الحكومة بدعم من إدارة القاهرة". 

واستدرك: "لكن حظوظ مصر ضئيلة في التأثير على الساحة السياسية السودانية حتى تراجع موقفها من الجدل الدائر حول منطقة حلايب وشلاتين".

ومنطقة حلايب وشلاتين الحدودية تتسبب بين الحين والآخر في توتر العلاقات بين الجارين، حيث تحول خط عرض 22 شمالا، الذي شكل قاعدة مثلث "حلايب وشلاتين وأبو رماد"، إلى بؤرة نزاع على السيادة بين مصر والسودان على مدار 6 عقود.

وموجها حديثه للسيسي، قال الإعلامي يوسف: "رسالة إلى جاري في الشمال، عليك مراجعة إستراتيجيتك في السودان، لأنك تحتاج إلى تطوير تكتيك جديد، فهناك في بلادنا قادة جدد وأجيال جديدة". 

تحركات مرفوضة

وخطوات السيسي المتقدمة في السودان خلال الآونة الأخيرة، ظهرت في 2 يناير/ كانون الثاني 2023، عندما استقبل البرهان، رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل.

وذكر مجلس السيادة في بيان على "فيسبوك" أن "رئيس المخابرات المصرية نقل رسالة شفوية للبرهان" من رئيس النظام السيسي.

وأورد أن الرسالة تتعلق بالعلاقات الثنائية بين مصر والسودان، وسبل دعمها وتطويرها وترقية التعاون المشترك بينهما في المجالات كافة.

لكن عباس في زيارته للسودان لم يلتق البرهان وجنرالات الجيش فقط، بل عقد لقاءات مع بعض أطراف "قوى الحرية والتغيير" المعارضة. 

بعدها مباشرة، تحدث سفير مصر في السودان، هاني صلاح، للصحفيين عن مقترح مصري لتسوية سياسية، دون أن يذكر تفاصيل الاقتراح أو معلومات محددة. 

وقتها ذكرت صحيفة "ذا ناشيونال نيوز" الإماراتية عن الصحفي السوداني حمزة هنداوي، تعليقا على تلك الزيارة بأن "الموقف المصري من التطورات السياسية في السودان بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول 2018) المجيدة يتطلب مراجعات عميقة".

وبدا أن تحركات السيسي في السودان ليست محبذة لكثير من الأطراف، خاصة أن تدخلاته السابقة كانت مقلقة ومحور رفض. 

كما أن يد السيسي في السودان، لم تكن فقط عبر قنوات دبلوماسية أو مبادرات مطروحة أخيرا، بل ظهرت مبكرا.

وعقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن حملة ترويج واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، نفذتها شركة مصرية غير معروفة لدعم الحكام العسكريين في السودان.

وأوضحت الصحيفة في 6 سبتمبر/ أيلول 2019 أن "الشركة التي يملكها ويديرها ضابط مصري سابق يُدعى عمرو حسين، ويقدم نفسه على أنه خبير في (حروب الإنترنت)، دفعت لكل عامل جندته 180 دولارا شهريا".

وقالت إن "الشركة التي حملت اسم (نيو ويفز/ الأمواج الجديدة) هدفت إلى نشر رسائل مؤيدة للنظام العسكري الجديد في السودان، من خلال استخدام أسماء مزيفة على صفحات فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتلغرام". 

وأوضحت الصحيفة الأميركية، أن "الشركة المتخصصة في التسويق الرقمي بدأت بعد أيام من مذبحة الجيش للمتظاهرين السلميين في الخرطوم بنشر ما يطلق عليهم (محاربي لوحة المفاتيح) إلى جبهة ثانية، وهي عملية سرية لمديح الحكام العسكريين السودانيين".

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، كشفت صحيفة "وول ستريت" الأميركية، عن مؤامرة بين السيسي والبرهان، نتج عنها انقلاب 25 أكتوبر 2021 في السودان، الذي أطاح بحكومة حمدوك الانتقالية.

وقالت الصحيفة الأميركية إن "البرهان التقى السيسي خلال زيارة سرية للقاهرة قبل يوم من الانقلاب العسكري في السودان". 

وكشفت عن أن "السيسي قدم للبرهان تطمينات (لم تحددها) خلال الزيارة السرية، وما إن عاد الأخير إلى السودان حتى بدأ اعتقال مسؤولين مدنيين وحل الحكومة، وبدأت الأزمة".

 

بروتوكولات العسكر 

وقال السياسي السوداني، وعضو تحالف قوى الإجماع الوطني، تاج الدين عمر، إن "من أشهر أمثال العرب (السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه)، وإذا كان السودان يريد بناء نفسه وصناعة وطن قوي مركزي له ثقله، فعليه أن يرى ما حل بليبيا واليمن وسوريا والعراق، جميعهم راحوا إلى مصير مؤلم".

وأرجع عمر في حديث لـ"الاستقلال" المصير المؤلم لتلك الدول إلى "تدخلات القوى الإقليمية والغربية، ليست مصر فقط أو الإمارات أو السعودية، فكل يريد مصلحته الخاصة وفرض سياسته وأجندته". 

وشدد على أن "السيسي تحديدا تعامل مع السودان منذ بداية حكمه بمنطق عدائي، عندما عدها بوابة خلفية للمؤامرات ضد نظامه ومأوى المعارضين من الإخوان المسلمين وغيرهم، تماما كما عدّ ليبيا أكبر مهدد لحكمه بصفتها بوابة تهريب السلاح وصعود الإسلاميين القوي فيها، فقرر أن يبادر بالمغامرة".

وأوضح عمر أن "ليبيا كانت محور الخطر الأول بالنسبة للسيسي لاعتبارات الجيوبوليتيك، واشتعال صراعات المتوسط، ولخوفه من التمدد التركي، فعمل على التدخل فيها حتى صار متورطا في الحرب، وانقسمت ليبيا بالشكل الذي نراه بعد سنوات من القتل والحرب الأهلية". 

واستطرد: "يبدو أن السيسي لم يكتف بهذا فقرر التوجه نحو السودان ودعم الجيش هناك". 

ولفت عمر إلى أن "نظام القاهرة لديه بروتوكولات واضحة بدعم النظام العسكري في السودان على طول المدى، حتى لو بينهما خلافات، كما حدث أيام البشير".

وتابع: "لكن يجب أن يحكم العسكر، وأن لا توجد حكومة مدنية ديمقراطية أبدا، وهذه قواعد لا تنطبق على السودان فقط بل أي دولة عربية، حتى في سوريا دعم بشار الأسد، وفي تونس يسعى إلى سحق المعارضة ودعم الرئيس قيس سعيد في مسلكه الاستبدادي". 

وختم يوسف حديثه بالقول: "كمعارضة سودانية نرفض الإملاءات والتدخلات المصرية، ولن نثق في السيسي ورئيس مخابراته، وسنمضي في تجربتنا، لأن السودان كبير، وعنده من التاريخ والكفاءة التي تجعله يقرر مصيره ويحدد مستقبله دون مساعدة من أحدهم، خاصة ولو كانت تجربته مثيرة للشفقة ومضرب للأمثال في الفشل".