اتهامات بالعمالة بين إعلاميي النظام المصري.. ما علاقة السعودية؟

أربعة أوصاف صادمة استخدمها الإعلامي المصري التابع إلى النظام العسكري الحاكم محمد الباز، في هجومه الضاري على زميله عمرو أديب، الذي ينتمي إلى نفس المعسكر.
هذه الأوصاف هي "الكفيل السعودي، أجندة سعودية، عميل السعودية، خدام السعودية)، وهي كلمات لم تكن الآلة الإعلامية للنظام المصري تستخدمها إلا مع دولة معها خلافات عميقة مثل تركيا أو قطر.
وباتت الأسئلة المتتالية تطرح نفسها على المشهد، من قبيل: هل تحدث الباز وهاجم أديب من بنات أفكاره وبعيدا عن الأجهزة الأمنية؟ هل قصد الباز أديب وحده بالهجوم؟ أم قصد السعودية؟ وما دلالة المصطلحات المستخدمة؟
وهل تحمل الخلافات أبعادا معينة في شكل العلاقات المصرية السعودية خلال الآونة الأخيرة؟ ولا سيما أنها تجلت في مجموعة من المشاهد منها امتناع مصر عن تسليم جزيرة تيران وصنافير قبل أقل من شهر إلى المملكة.
وكذلك مقال للكاتب المصري عماد الدين أديب عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على مصر، والذي قال في أول سطر منه إن العلاقات مع دول الخليج ستكون من ضرائب هذه الحرب.
عميل سعودي
الباز الذي يترأس مجلس إدارة صحيفة "الدستور"، قال في فيديو نشره من خلال صفحته الشخصية عبر "فيسبوك"، في 11 يناير/كانون الثاني 2023، "إن عمرو أديب يبث الرعب والذعر في نفوس المصريين، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي".
وتابع: "لو في مشكلة ضخمة فعمرو أديب لن يتأثر لا هو ولا عائلته، آخرها (في النهاية) يأخذ نفسه إلى السعودية كونه عنده كفيل سعودي، وهو يخدم المشروع السعودي الذي لا يتناسب مع المشروع المصري".
وأضاف الباز متحدثا عن عمرو أديب: "ومعاه فلوس كتير تكفيه لبعد يوم القيامة بسنتين"، وفق وصفه.
ثم استطرد: "السعودية من حقها يكون عندها مشروع سواء في الإعلام أو في أي مجال، ومن حقها تجند ناس في كل المجالات، وتجندهم هنا يعني يشتغلوا لمصلحتها.. وعمرو أديب بيعمل ده، بيشتغل لمشروع السعودية، فهو عميل سعودي".
وقد استخدم الباز جملة غير معهودة في تناول الإعلام النظامي للعلاقات مع المملكة، عندما قال نصا: "عمرو أديب راجل أجندة سعودية".
ثم عقب موجها له الحديث: "أنت اخترت تخدم المشروع السعودي وتكون خدام عند السعودية، وعمرو أديب عارف هو بيعمل ايه (يعلم ماذا يفعل؟) لكن متسودش عيشة الناس هنا".
ربما يعلل البعض بأن رؤية الباز إنما هي وجهة نظر أحادية، جاءت في معرض خلاف خاص بينه وبين أديب، وأن السعودية خارج المعركة الدائرة.
لكن جاء اشتراك الصحفي محمد عبد الرحمن، المذيع في قناة القاهرة الإخبارية في الهجوم، واستخدم مصطلح "الأجندة السعودية" أيضا.
وأكد عبد الرحمن على عمق المشكلة، وغرد على حسابه بموقع "تويتر" يوم 11 يناير 2023، قائلا: "المصريون الذين يعملون لدى جهاز بروباجندا تابع لدولة صديقة، هم مصريون يعملون خدما لجهاز بروباجندا ينفذ أجندة الدولة الصديقة، وإن تضادت مع أجندة مصر".
المصريون الذين يعملون لدى جهاز بروباجندا تابع لدولة صديقة، هم مصريون يعملون خدماً لجهاز بروباجندا ينفذ أچندة الدولة الصديقة، وإن تضادت مع أچندة مصر.
— محمد عبد الرحمن (@M_ARahman) January 11, 2023
أبعاد الهجوم
ومع تلك الحملة يبرز تساؤل عن سبب اختيار عمرو أديب تحديدا كمحور لهجوم مبطن على السعودية، وعما إذا كان هناك خلاف يلوح في الأفق، فلماذا يختصر في الشخص المذكور وهو يعد من الأذرع الإعلامية الأساسية لنظام عبد الفتاح السيسي أيضا؟
يرجع هذا إلى أن عمرو أديب هو ابن الإعلام السعودي منذ البداية، وجاءت فرصة ظهوره كمقدم برامج في 1998، من خلال قنوات "الأوربت" السعودية المشفرة آنذاك.
إذ بدأ بتقديم برنامج "ليلة أوربت"، وكان من اكتشاف المخرج والمنتج الشهير طارق الكاشف الذي استشعر في "عمرو" مادة خام لإعلامي ناجح.
وبعدما اقتنع به مسؤولو القناة، أخرجوه على الشاشة في مايو/أيار 2000 لتقديم أولى حلقات برنامج التوك شو "القاهرة اليوم".
واستمر البرنامج المذكور قرابة عقدين كاملين من الزمن، وأصبح من أهم برامج "التوك شو" في الوطن العربي. وحتى عندما سقط أديب احتضنته السعودية.
ففي عام 2010 تساءل عن تلميع جمال نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، في بعض الصحف المصرية.
وقال أديب "لماذا يجرى كتابة 3 صفحات عن فكر جمال مبارك؟"، في إشارة إلى إمكانية توريثه الحكم، ليتم إيقاف برنامجه ومنعه من الظهور إعلاميا داخل مصر.
وقتها لم يجد أديب إلا أحضان رجل الأعمال السعودي الوليد الإبراهيم، مالك قنوات مركز تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي)، وقناة العربية الإخبارية، إذ قدمه كعضو ضمن لجنة التحكيم ببرنامج المواهب الشهير "Arabs Got Talent".
أما المشهد الأكثر جدلا، في مسيرة أديب مع السعودية، فقد جاء في حضرة المستشار بالديوان الملكي السعودي تركي آل الشيخ، خلال توقيعه عقدا مع مجموعة "إم بي سي" عام 2018.
إذ قال آل الشيخ عقب التوقيع: "احنا نحب نقول.. بهاي (هذا) العقد، يصبح عمرو أغلى مذيع في الشرق الأوسط" قبل أن يضرب بقوة على كتفه، في حركة عُدّت إهانة ودلالة على شراء الذمم.
لذلك فإن اختيار عمرو أديب كمركز للنيل من السعودية له وجاهته، ولا سيما إذا وضع مع مشاهد أخرى.
تلميحات اقتصادية
النقطة الأبرز في مظاهر التململ بين الطرفين، والتي ربما تعلل سبب الملاسنات الأخيرة، جاءت مع تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان، لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
وقال الجدعان على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا، في 18 يناير 2023: "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك".
وأضاف: "نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم"، فيما يبدو أنها كانت إشارة إلى مصر.
ثم أوضح: "لطالما قدمت السعودية الرائدة في الخليج دعما ماليا للاقتصادات المضطربة في المنطقة، من خلال منح وودائع بمليارات الدولارات، ولسنوات كانت المملكة أكبر داعم منفرد لمصر".
وذكر موقع "الحرة" الأميركي في 19 يناير 2023، ضمن تحليله لأسباب غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن قمة في الإمارات حضرها السيسي رفقة عدد من زعماء الدول العربية، أن "هناك تباينا واضحا في الرؤى الاقتصادية بين الرياض وأبوظبي، ولا سيما في مسألة المساعدات لمصر".
وأكد أن "الاقتصاد كان الشغل الشاغل للقاء، خاصة في ظل الأزمة المالية في مصر، وأن غياب السعودية والكويت عن الاجتماع يمثل رسالة، بأنهما لن يسهما في مساعدات للقاهرة، ولا سيما بعد تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان".
لكن أبعاد وجود أزمة مبطنة بين القاهرة والرياض، ظهرت من خلال مقال الكاتب المصري عماد الدين أديب (الشقيق الأكبر لعمرو) في 12 يونيو/حزيران 2022، الذي وضعه تحت عنوان "من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية الأوكرانية؟"
وقال فيه: "قد يكون مستقبل العلاقات المصرية الخليجية إحدى ضحايا فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية".
وجاءت حالة الابتزاز الكاملة من أديب عندما اختتم مقاله تحت بند ماذا لو لم تصل المساعدات والاستثمارات الخليجية إلى مصر؟
وهنا تنبأ باستفحال الأزمة والضغط الشديد على حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي في القاهرة، فقال: "ذلك احتمال كارثي يفتح أبواب جهنم ليس على الأوضاع في مصر وحدها، بل المنطقة".
حرب الأفيال
تلك الحالة تسببت في غضب لدى كتاب ورجال دولة خليجيين، منهم الأكاديمي السعودي تركي الحمد، الذي غرد عبر تويتر ردا على أديب: "كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟"
وأضاف: "وهو حقيقة يهين مصر حين يجعلها تبحث عن (راع) خليجي أو إيراني أو تركي، بدل أن تكون هي الراعية، كما كانت في زمن مضى، إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وايران والخليج".
كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل:ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟وهو حقيقة يهين مصر حين يجعلها تبحث عن "راع" خليجي أو إيراني أو تركي،بدل أن تكون هي الراعية،كما كانت في زمن مضى،إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وإيران والخليج.. https://t.co/K8uKYhEZ2v
— تركي الحمد T. Hamad (@TurkiHAlhamad1) June 18, 2022
الباحث الإعلامي طارق محمد، قال أيضا إنه "بالوصف المصري الدارج ما حدث من محمد الباز تجاه عمرو أديب (خناقة حواري) خارجة عن إطار المناقشة والتحليل".
وأردف في حديث لـ"الاستقلال": "لم يكن مبررا حضور السعودية على الخط إلا لعلة أو أوامر محددة وجهت للباز أن يقود الهجوم بهذه الطريقة ويستخدم تلك الكلمات بعينها مثل الأجندة والاتهامات بالعمالة".
وأضاف: "الإعلام المصري الذي تجرى إدارته من المخابرات العامة، وبأوامر كبار الضباط لا يمكن أن يهاجم السعودية اعتباطا، بل الأمر نابع من أزمة سياسية عميقة جدا وشرسة، وما التلاسن الإعلامي منها إلا كجبل الثلج".
واستطرد: "المعركة الكبرى أو حرب الأفيال هي بين النظامين في القاهرة والرياض، فالسيسي في أزمته لا يلوي على شيء ويعتمد اعتمادا أساسيا على المساعدات الخليجية".
وبين أن "السعودية كما قال وزير ماليتها (محمد الجدعان) لن تعطي هكذا، بل ستأخذ ما تستطيع من امتيازات وشركات وقطاعات مقابل أموالها".
ففكرة الأرز الخليجي التي حدثت عام 2013 وما بعد لن تحدث مرة أخرى لأن المنطقة تغيرت والعالم تغير، الذي لم يتغير هو السيسي والعقلية العسكرية الابتزازية، وفق تقديره.
واختتم: "نحن في بداية مشهد له ما بعده والسعودية إن لم تدفع ومصر إن لم تتجاوز الأزمة ومن الصعب تجاوزها، سيزيد الصدام والضغط".
بل سيدخل السيسي في صدامات أعمق مع حلفائه الخليجيين كما نوه عماد الدين أديب بأن العلاقات الخليجية برمتها قد تكون ثمن الأزمة، بحسب طارق محمد.
المصادر
- الإعلامي المصري محمد الباز يصف عمرو أديب بأنه "عميل سعودي"
- محمد الباز يهاجم عمرو أديب: خدام وعميل سعودي ومعاه فلوس تكفيه لبعد يوم القيامة
- حضر السيسي وغاب محمد بن سلمان: تساؤلات حول القمة التشاورية الخليجية وغياب السعودية والكويت
- وزير المالية السعودي: كنا في السابق نقدم منحاً بلا شروط.. وطريقة المساعدات تغيرت
- "المملكة ستغير نهجها".. لماذا غابت السعودية عن لقاء زعماء عرب في أبوظبي؟
- مصر: من يعوّض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسيّة – الأوكرانيّة؟