تحتضن "الفاو الكبير والقناة الجافة".. البصرة بوابة العراق لمستقبل مغاير

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعرف البصرة بأنها ثالث أكبر مدينة في العراق بعد العاصمة بغداد والموصل، لكنها ربما أصبحت الثانية في الأهمية خلال السنوات الأخيرة.

فبعد أن استولى تنظيم الدولة على مدينة الموصل في عام 2014، هاجر غالبية السكان من المدينة بفعل العمليات المسلحة.

وعلى الرغم من أن بعض سكان الموصل قد عادوا بعد الانتصار على التنظيم، إلا أن ما يقرب من نصف الأهالي لم يعودوا بعد بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمدينة.

ولهذا السبب، احتلت البصرة موقع ثاني أكبر مدينة بالعراق بعد بغداد، وفق ما يقول الكاتب "بيلجاي دومان" في مقال بصحيفة  "ميلييت" التركية.

الفاو الكبير

فالنفط المستخرج منها وحولها وموانئها التي تعد بوابة البلاد الوحيدة نحو البحر، تضع البصرة في قمة الاقتصاد العراقي. إذ توفر المدنية حوالي 70 بالمئة من ميزانية البلاد. 

وأشار الكاتب إلى أن "الموانئ في البصرة، وهي البوابة الوحيدة إلى البحر لتجارة البلاد، هي شريان الحياة للعراق. وعلى الرغم من ذلك، من الصعب جدا القول إن الإمكانات فيها يمكن استخدامها".

فبالإضافة إلى الأزمات السياسية والأمنية في البلاد، فإن التوترات العرقية والطائفية وحتى القبلية تمنع ظهور إمكانات كل من البصرة والبلد بشكل عام، وفق تقدير الكاتب. 

واستدرك أن العراق متحمس لمشروع جديد للكشف عن هذه الإمكانات، حيث جرى وضع أسس "ميناء الفاو الكبير".

وهذا المشروع صمم على أنه "حلم" لفترة طويلة، عام 2021 في عهد رئيس الوزراء آنذاك مصطفى الكاظمي، على الرغم من كل الظروف السلبية والصراعات السياسية في العراق. 

وأحيل تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع إلى شركة "دايو" الكورية الجنوبية، بكلفة قدرها 2.62 مليار دولار، وسيمكن للميناء معالجة 3 ملايين حاوية سنويا مع إتمام هذه المرحلة.

وقدرت الحكومة العراقية سابقا، التكلفة الإجمالية التقديرية لإتمام مشروع بناء الميناء بمراحله الثلاث، بنحو 4.4 مليارات يورو (5.06 مليارات دولار).

ويمتلك العراق في محافظة البصرة أربعة موانئ تجارية صناعية، هي المعقل، وخور الزبير، وأبو فلوس، وأم قصر، ويصدر العراق نحو 80 بالمئة من نفطه عبر موانئ البصرة.

وبحلول عام 2022، جرى الانتهاء من بناء 7 بالمئة من الميناء. وبحلول عام 2028، من المتوقع الانتهاء من بنائه تماما. 

وأردف الكاتب: يهدف الميناء المعني إلى أن يكون أكبر ميناء في الشرق الأوسط بمساحة 54 كيلومترا مربعا.

وسيكون أول ميناء في العراق يفتح أعالي البحار، حيث يجرى بناء موانئ أخرى في البلاد على المياه الثانوية.

ومع ذلك، من المقرر أن يصل ميناء الفاو إلى عمق يمكن أن يستوعب سفن الشحن الكبيرة، وفق قوله الكاتب. 

وبين أن كاسر الأمواج التابع للمشروع الذي تنفذه شركة "دايو" الكورية قد جرى تأكيده على أنه الرقم القياسي العالمي لموسوعة غينيس.

فهو أطول حاجز أمواج في العالم بطول حوالي 14523 كم. وهذا يكفي لإعطاء فكرة عن الميناء، بحسب تقييم الكاتب التركي.

القناة الجافة

واستدرك دومان: وبعيدا عن ميناء الفاو، هناك تخطيط أكبر من شأنه أن يجعل العراق واحدا من أهم أجزاء شبكات التجارة الدولية. 

ويكون هذا المشروع، المسمى "القناة الجافة"، خطا تجاريا يمتد من البصرة إلى الحدود التركية ويتصل بأوروبا عبر تركيا. ويتكون هذا الخط التجاري من مرحلتين متوازيتين، السكك الحديدية والطريق السريع. 

ومن المقرر أن تصل مشاريع السكك الحديدية والطرق السريعة هذه، التي بدأت في البصرة، إلى الحدود العراقية مع تركيا من خلال الناصرية والديوانية والنجف والحلة وكربلاء وبغداد وصلاح الدين (تكريت) وبيجي والموصل. والمشروع، الذي من المتوقع أن يكتمل في عام 2038، يسمى "مستقبل العراق". 

وأشار الكاتب إلى أنه "يمكن أن يكون لتحقيق هذا المشروع تأثير ليس فقط على مستقبل العراق، ولكن أيضا على الديناميات الإقليمية والعالمية".

إذ يمكن أن يغير اتجاه التجارة والأنشطة الاقتصادية، خاصة في الخليج العربي، وأن يكون حاسما للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لأنه إذا جرى تنفيذه، فسيصبح جزءا من "مشروع الحزام والطريق"، الذي تسميه الصين "طريق الحرير الجديد"، يقول الكاتب.

في الواقع، من المعروف أن الصين قد أولت أخيرا أهمية جدية للعراق. ويُقال إنه بعد زيارة رئيس الوزراء آنذاك "عادل عبد المهدي"، إلى بكين، تدهورت علاقاته مع الولايات المتحدة، واهتز مقعده.

إذ تعهدت الصين باستثمار 10.5 مليارات دولار في النفط العراقي عام 2021 وأصبحت واحدة من أهم مشتريها. ومن المعروف أن نحو 45 بالمئة من نفط العراق يذهب إلى الصين. 

وأضاف الكاتب: تحاول الصين زيادة نشاطها في جميع المناطق في العراق، وتعهدت بإقامة 1000 مدرسة في هذا البلد. 

ولفت الكاتب إلى أنه "على الرغم من أن هذا الوضع يطرح بعض الصعوبات على العراق تحت ضغط من الولايات المتحدة، إلا أنه يريح بغداد في مواجهة الولايات المتحدة، التي تريد تنفيذ سياسة خارجية متوازنة في السنوات القليلة الماضية". 

"وهذا الوضع يقوي أيضا يد إيران، التي لديها علاقات جيدة مع الصين، ضد الولايات المتحدة في العراق". وأرجع ذلك إلى أن بغداد تحولت إلى ملعب للصراع بين واشنطن وطهران.

وفي هذه المرحلة، يعد مشروع "القناة الجافة" بالغ الأهمية في بحث العراق عن التوازن. 

وأردف دومان: إن حضور رئيس الوزراء العراقي الجديد "محمد شياع السوداني" القمة العربية الصينية التي عقدت في السعودية، في ديسمبر/كانون الأول 2022، أمر مهم من حيث إظهار دعم العراق لمشروع "الحزام والطريق".

إذ أعرب السوداني عن استعداده لأن يكون العراق جزءا من "طريق الحرير الجديد". وأضاف: يجب على بغداد أيضا تحسين علاقاتها مع أنقرة من أجل تحقيق هذا المشروع.

فتركيا هي الطريقة الأكثر مباشرة للعراق للاتصال بأوروبا. ولن يكون من الخطأ القول إن أنقرة حريصة أيضا على تحقيق مشروع "القناة الجافة"، وفق الكاتب. 

في الواقع، بدأت المفاوضات بالفعل بين وزارتي النقل في تركيا والعراق لهذا المشروع، لأن أنقرة حريصة منذ فترة طويلة على تحسين علاقاتها التجارية مع بغداد وطرح بدائلها، يقول الكاتب.

 وقد اكتملت تقريبا الاستعدادات على الجانب التركي من "أوفاكوي"، وهي البوابة الحدودية الثانية المقرر فتحها مع العراق.

في هذه المرحلة، يحتاج العراق إلى حل مشاكله الداخلية في أقرب وقت ممكن. وعلى وجه الخصوص، من المهم ترتيب العلاقات بين أربيل وبغداد. 

من ناحية أخرى، لا يزال وجود تنظيم حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا في سنجار، الذي يقع على الخط الذي سيمر فيه مشروع "القناة الجافة"، يشكل تهديدا مهما من حيث تحقيق المشروع. 

وختم دومان مقاله قائلا: من الواضح أن العراق يحتاج أيضا إلى مزيد من التعاون مع تركيا واتخاذ خطوات ملموسة للقضاء على حزب العمال الكردستاني. 

ولن يكون من الخطأ القول إن تحقيق المشروع المهم سيكون صعبا إذا لم يجر ضمان الأمن في المنطقة المعنية والقضاء على العنصر الإرهابي. بحسب الكاتب التركي.