رئيس المجلس الوطني الجديد لـ"العدالة والتنمية" المغربي.. من يكون؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عقب مسيرة طويلة امتدت لأكثر من 40 عاما في ميادين التعليم والنقابة والعمل السياسي المحلي والوطني، أصبح جامع المعتصم رئيسا للمجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية" المغربي.

وجاء انتخاب القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية (شعاره المصباح) لهذا المنصب خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الوطني التاسع الذي عقد في 26 و27 أبريل 2025 بمدينة بوزنيقة، في خطوة تعكس رغبة المؤتمرين في تعزيز القيادة التنظيمية بقيادات ذات خبرة وكفاءة.

وسلطت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية الضوء على جامع المعتصم، ووصفته بأنه "شخصية توافقية وغير محسوب على أي تيار داخلي، وهذا ما أكسبه دعما واسعا خلال المؤتمر التاسع للحزب". 

وعلى حد وصفها، تأتي رئاسته في مرحلة دقيقة، وسط تحديات تنظيمية وتراجع انتخابي، ليُعول عليه في إعادة توحيد الصفوف وتهيئة الحزب للاستحقاقات المقبلة عام 2026.

وخلال المؤتمر، أعيد انتخاب رئيس الحزب ورئيس الحكومة المغربية الأسبق عبد الإله بنكيران أمينا عاما لمدة 4 سنوات.

سياسي نشط

وأصبح جامع المعتصم رئيسا للمجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية" المغربي بحصوله على 111 صوتا، مقابل 67 لصالح منافسه عبد العلي حميدين.

ولم يبخل الرئيس السابق للمجلس الوطني للحزب إدريس الأزمي الإدريسي، في الثناء عليه.

وقال الإدريسي للصحيفة: "إنه قيمة راسخة في الحزب، ويمثل رصيدا حقيقيا ويحظى بتقدير كبير بين إخوانه. إنه مخلص ومجتهد وصاحب أخلاق مثالية".

وفي هذا السياق، تبرز جون أفريك أن المعتصم الذي يبلغ من العمر 62 عاما، يُعد أحد الأركان الأساسية للحزب الإسلامي. 

وتضيف أنه من مواليد بونعمان في سوس، كما بدأ عمله كمعلم في تيزنيت قبل أن يصبح إطارا في وزارة التربية الوطنية، ثم ناشطا نقابيا مؤثرا في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب "UNTM"، الذراع النقابي لحزب "العدالة والتنمية".

وبعد ذلك، بنى المعتصم مسيرته السياسية في مدينة سلا، فبعد أن كان رئيسا لمقاطعة تابريكت، ثم نائبا لعمدة المدينة، ثم عمدة لها من 2015 إلى 2021، أصبح رمزا للوجود المحلي لحزب "العدالة والتنمية". 

تمكن المعتصم، بفضل انتمائه النقابي، من الوصول إلى المجلس الثاني للبرلمان كعضو في مجموعة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.

ولكن كما تؤكد الصحيفة، فإن تأثيره كان أكثر وضوحا في الظل وراء رئاسة الحكومة حيث شغل منصب مدير ديوان رئيسي الوزراء عبد الإله بنكيران (2011-2016)، ثم سعد الدين العثماني (2017-2021).

وبالنظر إلى مسيرته السياسية، فسرت لماذا حصل المعتصم، في يناير/ كانون الثاني 2025، على أغلبية ساحقة لرئاسة المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية للمرة الثالثة على التوالي. 

فالرجل "يتمتع بقدرة على التوفيق بين الأطراف المتنازعة وهو الشخص الذي يلجأ إليه الحزب لتهدئة التوترات الداخلية".

وبحسب النائب البرلماني عن الحزب عبد العزيز أفتاتي، فإن صعود المعتصم إلى هذا المنصب يعد خطوة طبيعية في إطار مسيرته الطويلة.

ويقول: "لقد تراكمت خبراته على مر السنوات، ولذلك فإن وصوله إلى المنصب ليس استثنائيا لشخص أمضى نحو 45 عاما في العمل السياسي النشط".

ويُعد المعتصم أحد الوجوه البارزة لمشروع سياسي ديني متجذر في التيار الإسلامي المغربي، بحسب أفتاتي.

وفي هذا الصدد، يقول: "إنه نتاج خالص لهذا التيار، الذي شُكل عند تقاطع الإسلام السياسي المغربي والسلفية الإصلاحية المعتدلة".

كما أنه كُون في هذه البيئة منذ شبابه، وقت أن كان طالبا، ثم أستاذا، ثم مستشارا برلمانيا، ثم عضوا في البلدية، وأخيرا مديرا لديوان رئيسي حكومة.

المحافظة على التوازن

وفي إطار ما ذُكر سابقا، تتحدث "جون أفريك" الفرنسية عن جامع المعتصم قائلة: إن "ما يميزه هو قدرته على الموازنة بين مختلف التيارات داخل الحزب".

وتؤكد الصحيفة كذلك أنه "يحظى باحترام جميع الاتجاهات داخل الحزب، دون أن يظهر كذراع أيمن لأحد".

وفيما يخصه، يقول مصدر داخل حزب "العدالة والتنمية": "هو ليس مدينا لأي من القيادات الكبرى. وانتخابه يبعث على الطمأنينة لأنه عمل مع الجميع". 

وخلال المؤتمر، يدعي المصدر أن "غالبية كبار الشخصيات، بما في ذلك رئيس الفريق البرلماني عبد الله بووانو، كانوا يعارضون بشدة استمرار عبد الإله بنكيران على رأس الحزب".

ومع ذلك، صوتت القواعد الحزبية بشكل كثيف لإعادة انتخابه، مما يوضح وجود فجوة بين القيادة والقاعدة، حسب تعبير الصحيفة.

ورغم علاقة المعتصم السابقة ببنكيران، من خلال عمله مديرا لديوانه وتوليه مهام في معقله الانتخابي بسلا، تشير الصحيفة إلى أنه "لم يعد من المقربين الشخصيين له، ما حافظ على صورته كوسيط نزيه داخل الحزب".

وبعد انتخابه رئيسا للمجلس الوطني، تنتظر المعتصم مهمة صعبة تتمثل في الحفاظ على وحدة الحزب وضمان التعبير عن الخلافات دون أن تتحول إلى انقسامات.

وهنا، تنقل عن عزمي إدريسي، سلف المعتصم، قوله: إن "المجلس الوطني ليس مجرد هيئة إشرافية، بل أحد أقوى مؤسسات الحزب بعد المؤتمر، ويضطلع بدور محوري في رسم السياسات الكبرى".

من السجن إلى القصر

وفي سياق ما ذكرته سابقا، تظهر "جون أفريك" أن مسيرة المعتصم، قبل توليه منصبه الجديد، لم تكن خالية من العقبات.

ففي 12 يناير/ كانون الثاني 2011، وخلال ذروة تصاعد الحراك المرتبط بالربيع العربي، أوقف بتهم تتعلق بسوء تدبير الشؤون البلدية، إلى جانب 18 شخصا آخرين. 

وبحسب الصحيفة، سارع الحزب حينها إلى وصف ما حدث بأنه "مؤامرة سياسية"، وأطلق حملة دفاع شاملة شملت اعتصامات واحتجاجات داخل البرلمان، بالإضافة إلى تصريحات "نارية" من عبد الإله بنكيران.

وفي 21 فبراير/ شباط 2011، عقب أولى احتجاجات حركة 20 فبراير/ شباط، أُفرج عن المعتصم، بل واستُقبل بعدها بأيام في القصر الملكي بالرباط؛ حيث عُين عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

وبهذا الشأن، يرى عبد العزيز أفتاتي أن هذا "التعيين كان محاولة واضحة من الدولة لاحتواء التوتر".

ويؤكد أن "المعتصم اعتُقل دون أن يصدر بحقه أي حكم"، معتبرا أن "القضية لم تكن تستند إلى معطيات حقيقية، بل استمرت وهو قيد الاعتقال دون أدلة". 

ويضيف -بحسب الصحيفة- أن "مناخا ضاغطا كان سائدا، وأن المعتصم ربما كان أول المستهدفين من قيادات حزب العدالة والتنمية". 

رجل توحيد الحزب

وبعد مرور 11 عاما، وتحديدا في عام 2022، وبينما كان حزب "العدالة والتنمية" ينتقل إلى صفوف المعارضة، أفادت الصحيفة الفرنسية بأن المعتصم واجه جدلا جديدا. 

ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، انتخب المعتصم نائبا للأمين العام للحزب، في الوقت الذي كان لا يزال يشغل مهمة رسمية في رئاسة الحكومة.

ولكن هذه المرة مع رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، خليفة سعد الدين العثماني. وقد أثار هذا الخبر موجة من الجدل، بحسب ما ورد عن الصحيفة. 

وفي ذلك الوقت، سارع بنكيران إلى تهدئة الموقف قائلا: إن "المعتصم موظف في الدولة"، موضحا أن "استمراره في المنصب جاء بقرار من رئيس الحكومة الجديد الذي يثق في كفاءته".

وتابعت الصحيفة: "لكن هذا التبرير لم يهدئ غضب القاعدة الحزبية؛ إذ رأى كثيرون أن الشخص الذي يُفترض أن يجسد النزاهة الأخلاقية للحزب، كان يمارس دورا مزدوجا". وفي نهاية المطاف، قدم المعتصم استقالته. 

وفيما يخص هذا الموقف، علق عبد العزيز أفتاتي قائلا: "لقد أخطأ المعتصم، شأنه شأن بنكيران الذي كان على علم بالأمر ووافق عليه، لكنه سرعان ما تدارك الموقف، ما يؤكد التزامه بخط الحزب، وهو أمر يُحسب له".

ويرى أفتاتي أن "سرعة احتواء الأزمة كشفت عن ولاء المعتصم لحزبه وقاعدته"، في حين رأى أن "مبادرة أخنوش بالإبقاء عليه كانت تهدف إلى خلق انقسام داخل الحزب، لا إلى تقدير كفاءته". 

وفي النهاية، تختتم "جون أفريك" تقريرها بالقول: "اليوم، وبصفته رئيسا للمجلس الوطني، يُنتظر من المعتصم أن يعيد توحيد قيادة الحزب وقاعدته استعدادا لانتخابات 2026".