قنصليات جديدة.. ماذا وراء توسع دول الخليج في كردستان العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة قد تعزز من وجودها وتوسع نفوذها السياسي والاقتصادي في إقليم كردستان العراق، يسعى عدد من الدول الخليجية إلى افتتاح ممثليات دبلوماسية لها في مدينة أربيل ذي الغالبية الكردية، المحيطة بها تركيا وسوريا وإيران.

ويستضيف الإقليم الكردي في العراق- الذي يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1992- أكثر من 40 بعثة دبلوماسية، من ضمنها قنصليات عربية، كما أن له العديد من الممثليات في شتى دول العالم.

دولتان خليجيتان

مع بداية العام الجديد 2023، أعلنت سلطنة عُمان عن نيتها افتتاح قنصلية لها في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وذلك بعد شهرين من موافقة السلطات العراقية على افتتاح دولة قطر قنصلية لها هناك.

وقال سفير سلطنة عُمان لدى العراق حامد بن أحمد خلال تصريح لموقع "كردستان 24" في 3 يناير/كانون الثاني، إن "بلاده تعتزم فتح قنصلية لها في أربيل عاصمة إقليم كردستان".

وأوضح ابن أحمد أن فتح قنصلية في إقليم كردستان "يرجع إلى الدراسة" وعلى ضوئها سيتخذ القرار بهذا الشأن، مضيفا: "لا مانع من أن تخضع المسألة إلى الدراسة".

وأشار السفير العماني إلى أن العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تربط بلاده بإقليم كردستان "مستمرة"، كما أبدى رغبة مسقط في توسيع آفاق العلاقات الدبلوماسية مع الإقليم.

وفي 4 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أقر مجلس الوزراء العراقي، توصية الخارجية بفتح قنصلية عامة لدولة قطر لدى جمهورية العراق في محافظة أربيل، حسب بيان لمكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

وقال البيان، إنه جرى "إقرار توصية وزارة الخارجية بشأن فتح قنصلية عامة قطرية لدى جمهورية العراق في محافظة أربيل، استنادا الى أحكام المادتين (25، و26) من قانون الخدمة الخارجية (45 لسنة 2008)، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963". 

وأضاف: "يحتفظ العراق بحقه بشأن فتح قنصلية عراقية لدى قطر مستقبلا طبقا لمبدأ المعاملة بالمثل". 

وفي 19 سبتمبر/أيلول 2019، أعلن سفير الدوحة لدى بغداد خالد حمد السليطي، عزم قطر فتح قنصلية لها بأربيل، في إطار سعي بلاده لتعزيز العلاقات مع إقليم كردستان في شمال العراق.

جاء ذلك خلال اجتماع السليطي بأربيل مع رئيس إقليم كردستان في شمال العراق نيجيرفان البارزاني، ووفد مرافق له.

وأفادت رئاسة كردستان في شمال العراق، عبر بيان، بأن الطرفين سلطا الضوء "على علاقات أربيل بغداد والحوار الهادف إلى حل المشاكل بين الطرفين، والأوضاع السياسية والاقتصادية مع بغداد وأحوال النازحين واللاجئين في الإقليم".

وأكد البارزاني على أن إقليم كردستان في شمال العراق "مهيئ للاستثمار الأجنبي، ويقدم كل التسهيلات للمستثمرين القطريين لإشراكهم في عملية تنميته"، معبرا عن رغبة الإقليم في بناء علاقات أمتن مع قطر.

من جانبه، أكد سفير قطر في العراق "رغبة بلاده في المزيد من تعزيز العلاقات مع الإقليم".

وأبدى لتحقيق هذا الهدف، النية لافتتاح قنصلية قطرية في أربيل والعمل على تشجيع القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال القطريين للاستثمار وتشغيل رؤوس أموالهم في الإقليم"، وفق البيان ذاته.

دبلوماسية اقتصادية

وعن أبعاد رغبة سلطنة عُمان في افتتاح قنصلية لها في أربيل، قال الصحفي والمحلل السياسي العُماني، عوض بن سعيد باقوير إن "مسقط تربطها علاقات تاريخية مع العراق الشقيق، وإن الحديث عن نية السلطنة فتح قنصلية في أربيل يأتي في إطار توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية".

وأضاف باقوير  لـ"الاستقلال" أن "هناك تعاونا بين البلدين الشقيقين، وعادة فتح القنصليات يكون خارج عواصم الدول، ومن هنا فإن وجودها في شمال العراق أو حتى في البصرة جنوبا سينشط الجانب التجاري والاستثماري وفي مجالات عديدة".

وأكد الخبير العُماني أن "سلطنة عُمان تركز في هذه المرحلة على الدبلوماسية الاقتصادية وتوسيع آفاق العلاقات مع الدول العربية والأجنبية، وأن العراق يمتلك إمكانات كبيرة على الصعيد البشري والاقتصادي".

وتابع: "إذا ما صح موضوع فتح قنصلية في أربيل، فهذا سيكون هدفه تنشيط المبادلات التجارية والاستثمار مع العراق خاصة".

 سياسيا، يضيف باقوير، فإن "سلطنة عُمان تتعامل مع الدولة العراقية بكل مكوناتها وهناك تنسيق في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وتشهد علاقات البلدين الشقيقين تطورات إيجابية".

وأردف: "هناك تواصل وزيارات متبادلة وتلعب سفارات البلدين في مسقط وبغداد دورا كبيرا في تنشيط الجانب الاقتصادي بشكل خاص ينسجم مع تلك العلاقات التاريخية التي اتسمت دوما بالاحترام والتشاور".

وفي السياق، يرى مراقبون أن الوجود الخليجي في إقليم كردستان لا يخلو من أبعاد سياسية، في ظل الانفتاح العربي على العراق، بعدما كان الوجود الإيراني هو السائد بعد الاحتلال الأميركي عام 2003.

فدخول الخليج إلى العراق يأتي من باب الاستثمارات في الطاقة والعقارات والمشاريع الخدمية التي يحتاج إليها البلد بعد حروب كثيرة.

وهذا لا شك يمهد لتشكيل موطئ قدم سياسي في الإقليم يساند الدور الأساسي للسفارات في بغداد، لكن توجه عُمان وقطر يعد النقيض للتوجهات السعودية والإماراتية حيال قضايا المنطقة والتعامل معها.

دور سياسي

التوجه العُماني والقطري يأتي بعد سنوات من افتتاح الإمارات والكويت والسعودية قنصليات في الشمال العراقي، لتبقى البحرين الدولة الوحيدة التي لم تتخذ خطوة مماثلة أو تبدي رغبتها في ذلك حتى الآن، رغم أن لديها قنصلية في النجف العراقية.

وكانت الإمارات أولى الدول الخليجية التي فتحت تمثيل دبلوماسي لها في أربيل عام 2012، وذلك بعد عام من موافقة مجلس الوزراء العراقي على توصية وزارة الخارجية.

وبعدها التحقت دولة الكويت بالخطوة الإمارتية وفتحت قنصلية لها في كردستان العراق عام 2015، لتتبعها السعودية وتعلن هي الأخرى فتح قنصليتها في أربيل عام 2016.

وبرز كثيرا لهذه القنصليات الدور الخيري وتوزيع المساعدات على العائلات النازحة جراء الحرب ضد تنظيم الدولة، إضافة إلى الاستثمارات التي باشرت بها شركات إماراتية وسعودية وكويتية في كردستان العراق.

لكن دورا سياسيا خفيا كانت تمارسه قنصليتا الإمارات والسعودية، وهذا كان ظاهرا في دعم استفتاء الانفصال عن العراق الذي أجراه إقليم كردستان في 25 سبتمبر/أيلول 2017، وأثار غضب السلطات العراقية في بغداد، إضافة إلى تركيا وإيران.

وأفادت صحيفة "العربي الجديد" في 6 يونيو/ حزيران 2017، بأن دولة الإمارات دعمت انفصال الإقليم عن العراق وبالتالي تقسيمه، كان سببه الرئيس الرغبة بمناكفة تركيا قدر الإمكان، وكذلك إيران، لأن أنقرة ترى أن دولة كردية مستقلة على حدودها خط أحمر ممنوع بالكامل، وهو موقف لا تبدو طهران بعيدة عنه أيضا.

ونقلت الصحيفة عن سياسي كردي بارز في السليمانية (لم تكشف هويته) أن "الحراك السياسي الإماراتي في أربيل انتهى أخيرا إلى تعهد أبوظبي بتمويل مشروع استفتاء الانفصال عن العراق نهاية العام الحالي".

وبهذا المعنى، تشير صحيفة "هآرتس" العبرية، خلال تحليل لها نشر في 13 يونيو/حزيران 2017، أي بعد أسبوع من اندلاع أزمة حصار قطر إلى أن "الاستفتاء في كردستان" أصبح سلاحا سعوديا لمواجهة تركيا، في إشارة إلى وقوف الأخيرة مع الدوحة خلال الأزمة الخليجية التي انتهت 5 يناير 2021.

وعلى الرغم من رفض البيانات الرسمية لدولتي الإمارات والسعودية لاستفتاء الانفصال عن العراق، فإن شخصيات مقربة من السلطات في هذين البلدين أعلنت صراحة تأييدهما إقامة دولة تشمل جميع المناطق الكردية في العراق وسوريا وتركيا وإيران.

وشدد الخبير السياسي السعودي اللواء أنور ماجد عشقي المقرّب من الدوائر الحاكمة على ضرورة "العمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية".

فذلك من شأنه أن يخفّف من المطامع الإيرانية والتركية والعراقية التي ستقتطع الثلث من هذه الدول لصالح كردستان"، بحسب ما قال عشقي خلال كلمة له أمام "مجلس العلاقات الخارجية" في واشنطن عام 2015.

وفي السياق ذاته، أيد عبد الخالق عبد الله الأكاديمي الإماراتي المستشار السابق للرئيس الإماراتي محمد بن زايد حينما كان وليا للعهد، إقامة دولة كردية.

ونشر في اليوم الذي أعقب استفتاء الانفصال، خريطة تظهر "دولة كردستان الكبرى"، والتي تربطها حدود بست دول، هي العراق، إيران، سوريا، تركيا، إضافة إلى أرمينيا، وجورجيا.

وعلق عبد الخالق عبد الله على الصورة خلال تغريدة له عبر "تويتر" في 26 سبتمبر/أيلول 2017، بالقول: "جمهورية كردستان بعدد سكان 30 مليون نسمة قادمة وإن تأخرت أعوام".

وقال إنه "ليس من حق (الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديد كردستان العراق بالمقاطعة والحصار وإعلان الحرب"، وفق تعبيره.

وأضاف أن "الأكراد مارسوا حقهم المشروع في استفتاء لتقرير مصيرهم بشكل سلمي وديمقراطي"، في إشارة إلى رفض الرئيس التركي، للاستفتاء ووصفه في وقتها بـ"الخيانة".

ولم يأخذ "استفتاء الانفصال" طريقه إلى التطبيق رغم إعلان السلطات في إقليم كردستان أن النتائج أظهرت إدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92 بالمئة، لصالح الاستقلال، بنسبة مشاركة بلغت 72 بالمئة، لأن السلطات العراقية رفضت ذلك وعدته مخالفا للدستور.