احتياطي يكفي 50 عاما.. أردوغان يحقق حلم تركيا بالتحول إلى مركز طاقة

12

طباعة

مشاركة

ارتفعت احتياطات تركيا من الغاز الطبيعي إلى نحو 710 مليارات متر مكعب بعد الاكتشافات الجديدة التي أعلنها الرئيس رجب طيب أردوغان، والتي تقدر بـ58 مليار متر مكعب تحت مياه البحر الأسود قرابة سواحل مدينة صقاريا شمال غربي تركيا.

وأفاد أردوغان في مؤتمر صحفي في 26 ديسمبر/ كانون الثاني 2022 بأن القيمة الإجمالية لاحتياطيات الغاز الطبيعي المكتشفة من قبل تركيا في البحر الأسود، تبلغ نحو تريليون دولار وفق الأسعار الحالية.

وأكد تصميمه على جعل تركيا مركزا للطاقة بالنسبة لمناطق بحر قزوين والبحر المتوسط والشرق الأوسط، موضحا أن هدف تركيا النهائي إنهاء الاعتماد على الخارج في النفط والغاز بأسرع وقت ممكن.

حلم قديم

وتستعد تركيا لاستخراج الغاز المكتشف في البحر الأسود، لتحقيق حلم تاريخي يتمثل في التحول من مستورد كامل إلى منتج للطاقة، ما سيقلص عجز الميزان التجاري، الذي تعاني منه تركيا رغم وصول صادراتها إلى مستويات قياسية تاريخية، وذلك بسبب التكاليف الباهظة لفاتورة الطاقة.

وتبلغ فاتورة الطاقة السنوية أكثر من 50 مليار دولار، وفق أردوغان، الذي أكد أن هذه الاكتشافات سوف تشكل رافدا مهما للاقتصاد التركي وستساعد في تعديل الميزان التجاري المنهك من واردات الطاقة بالعملات الصعبة.

من جانبه، قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز إن بلاده تعمل على إتمام بناء 3 أنابيب لإيصال الغاز المستخرج من البحر الأسود إلى اليابسة، ومن ناحية أخرى تواصل بناء المنشأة التي سيتم فيها معالجة هذا الغاز، حيث تم الانتهاء من 85 بالمئة منها.

وأوضح في 26 ديسمبر أن المحطة ستكون قادرة في المرحلة الأولى على معالجة 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي، على أن ترتفع السعة إلى 40 مليونا في المرحلة الثانية.

وأشار دونماز إلى أن تركيا اكتشفت 405 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي عام 2020، ومن ثم 135 مليارا في 2021، ووصل الحجم إلى 652 مليارا، قبل أن يبلغ 710 أخيرا.

وافتتح الرئيس التركي في يونيو /حزيران 2022؛ ميناء “فيليوس” بمدينة زونغولداك على البحر الأسود؛ ليكون قاعدة لاستخراج وتخزين الغاز المكتشف.

وقال أردوغان آنذاك إن “ميناء فيليوس أحد أهم مشاريع البنية التحتية التي ستجعل بلدنا بين أفضل 10 اقتصادات في العالم وهو جزء من أهدافنا لعام 2023″؛ لافتا إلى أنه كان حلم السلطان عبدالحميد الثاني منذ 150 عاما.

ومطلع ديسمبر 2022؛ أعلنت وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية إنزال أول خزان توزيع للغاز الطبيعي إلى قاع البحر الأسود في حقل “صقاريا”.

وبحسب الوزارة يبلغ وزن الخزان 280 طنا، وتم إنزاله إلى عمق 2200 متر تحت سطح البحر، موضحة أنه نُقل من ميناء فيليوس إلى حقل صقاريا في عرض البحر. 

وتتمثل مهمة الخزان في تجميع غاز البحر الأسود من الآبار ومن ثم ربطه بخط الأنابيب الرئيس الواصل إلى المرافق المخصصة في البر.

دفعة قوية

وفي تعليقه على هذه التطورات، أكد أستاذ الطاقة في جامعة زونغولداك التركية إسحاق توران إن الاكتشافات الجديدة ستسهم في حل مشكلة الطاقة التي تعانيها تركيا منذ سنوات نظرا للفاتورة الكبيرة التي تدفعها لتوفير الطاقة سواء لمصانعها التي تفتح أسواق جديدة أو حتى لتوفير احتياجات مواطنيها.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن احتياطات الغاز التي تم اكتشافها في البحر الأسود منذ أغسطس/ آب 2020، والتي زادت في يونيو/ حزيران 2021 كانت ستكفي احتياجات تركيا لمدة 12 عاما.

واستدرك الأكاديمي التركي بالقول: لكن مع الاكتشافات الجديدة التي أعلنها الرئيس أردوغان فستكفي احتياجات تركيا لمدة تصل إلى 50 عاما قادمة.

وأشار إلى أن تركيا ستكون قادرة على توفير استهلاكها من الغاز الطبيعي مع بدء عمل منشأة فيليوس خلال مارس/ آذار 2023، كما وعدت الحكومة التركية من قبل.

من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم الدراسات العليا في جامعة صباح الدين زعيم التركية الدكتور عبدالمطلب إربا، أن إعلان الاكتشافات الجديدة من الغاز الطبيعي له بعدان نفسي واقتصادي على الشعب التركي.

وأضاف لـ "الاستقلال" أن الإعلان صنع حالة من الراحة النفسية للشعب التركي؛ خاصة مع التأكيد على وصول إمدادات الغاز إلى بيوت المواطنين في مارس 2023، ما يعني انخفاض فاتورة الطاقة التي يعاني منها الجميع حول العالم وتحسن مستوى المعيشة للأتراك. 

وأشار إربا إلى أن الكميات المستخرجة من البحر الأسود والمقدرة بصورة أولية بنحو 10 ملايين متر مكعب ستوفر فاتورة الطاقة التي تدفعها تركيا نظير اعتمادها على الاستيراد، وبالتالي يمكن توجيه هذه الفاتورة إلى مسارات أخرى قد تساعد في رفع المستوى الاقتصادي لتركيا.

لكنَّ منافع الاكتشافات الأخيرة لن تتوقف فقط عند المكاسب الاقتصادية، بحسب إربا، فالإعلان عن هذه الاكتشافات قبيل الانتخابات التركية المزمع عقدها في صيف 2023 ستكون خطوة قوية في اتجاه إعادة انتخاب أردوغان لفترة رئاسية جديدة. 

وكشف أن هناك اتفاقا شبه معلن بين الرئيس التركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لحصول تركيا على الغاز الروسي بأقل الأسعار إضافة إلى تأجيل دفع فواتير الطاقة المستحقة لروسيا إلى ما بعد الانتخابات التركية.

وأكد الاقتصادي التركي الأنباء التي تحدثت أخيرا عن حصول تركيا على تخفيضات على سعر الغاز الروسي بنحو 25 في المئة من قيمته العالمية. 

وفي حال نجحت تركيا في التحول من مستورد للطاقة إلى منتج له؛ فسيزيد ذلك من قوة موقفها المدافع عن حقوقها في ثروات شرق المتوسط، يضيف إربا.

وهو ما ظهر أخيرا كما يرى إربا بالمصالحات التي جرت مع كل من السعودية وإسرائيل ومصر؛ والتي قد تسهم في إنشاء بيئة مناسبة للتعاون بين الدول المتشاطئة لشرق المتوسط لاستخراج الغاز المقدر بنحو 3 تريليونات متر مكعب والاستفادة منه دون أي ضرر بالآخرين.

تجارة الطاقة

وتواصل تركيا مساعيها لتصبح ممرا إستراتيجيا لخطوط الطاقة في المنطقة إلى جانب مساعيها، التي كثفتها أخيرا لكي تصبح مخزنا للطاقة والتحول إلى سوق دولي لبيع الغاز الطبيعي عبر إنشاء خزانات ضخمة على أراضيها.

وفي 16 ديسمبر، قال أردوغان خلال مشاركته في حفل زيادة سعة محطة تخزين الغاز في ضاحية سيليفري بولاية إسطنبول، إنه يهدف لجعل تركيا مركزا عالميا يتحدد فيه السعر المرجعي للغاز الطبيعي في أقرب وقت.

وأضاف في كلمة بالمحطة التي قال إنها أصبحت تحتوي على أضخم خزانات للغاز الطبيعي تحت الأرض في أوروبا: “لقد حددنا رؤيتنا للطاقة لتقليل اعتمادنا الخارجي على الموارد الأولية من 71 بالمئة إلى 13 بالمئة عام 2053، ونضع أهدافنا ونخطط لاستثماراتنا وفقا لذلك”.

وأشار إلى أن محطة تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض في سيليفري يمكنها وحدها تلبية ربع الطلب المحلي حتى في أعلى استهلاك للبلاد، ووعد بالاستمرار في الاستثمار حتى تصبح تركيا “الأكثر أمانا في مجال اكتشاف الغاز الطبيعي، وتشغيله، فضلا عن تخزينه”.

من جانبها، ذكرت وكالة الأناضول مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أن تركيا تسعى للمساهمة في تأمين إمدادات الطاقة من خلال مشاريع الغاز الطبيعي الدولية، وتواصل جهودها لتصبح مركزا يجرى فيه تداول الغاز الطبيعي وتحديد سعره.

وأضافت أن تركيا تمتلك حاليا بنية تحتية قوية في مجال الطاقة، حيث يعبر أراضيها 7 خطوط أنابيب دولية للغاز الطبيعي، ولديها 4 منشآت للغاز الطبيعي المسال، اثنتان منها عبارة عن وحدتي تخزين وتغويز عائمة ومنشأتا تخزين غاز طبيعي تحت الأرض.

ومنتصف ديسمبر 2022، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن البنية التحتية للغاز الطبيعي في تركيا تتمتع بإمكانات كبيرة، مشيرا إلى إمكانية إنشاء منصة إلكترونية لتجارة الغاز فيها.

مشاريع مهمة

وتمتلك تركيا عدة مشاريع طاقية مهمة، في مقدمتها "السيل التركي" الذي يتكون من خطين بحريين، طول كل منهما 930 كيلومترا، ويمتدان من مدينة أنابا الروسية إلى منطقة قيي كوي بولاية قرقلار إيلي غربي تركيا.

وأحد خطي هذا المشروع يتصل بخطوط شبكة تركيا المحلية، في حين يوفر الخط الآخر نقل الغاز إلى دول القارة الأوروبية، وتبلغ القدرة الاستيعابية لكل خط 15.75 مليار متر مكعب في العام.

أما مشروع "التيار الأزرق" فيوفر إلى تركيا من روسيا عبر خط عابر للبحر الأسود، إمدادا سنويا بالغاز يبلغ 16 مليار متر مكعب، ويدخل هذا الخط تركيا من ولاية صامصون المطلة على البحر الأسود، ويمر بولايات أماسيا وتشوروم وقيرق قلعة وصولا إلى العاصمة أنقرة.

وهناك أيضا "الخط الغربي" بين روسيا وتركيا، الذي أصبح غير نشط مع تشغيل خطوط السيل التركي. ويدخل هذا الخط الأراضي التركية من منطقة مال كوتشلار القريبة من الحدود البلغارية، ويمر بمنطقتي هامي تابات وعمبرلي، وبولايات إسطنبول وإزميت وبورصة وإسكي شهير، ليصل إلى أنقرة.

كذلك خط "تاناب" العابر للأناضول، الذي ينقل غاز أذربيجان عبر الأراضي التركية، ويمر منه حاليا 16 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا: 6 مليارات متر مكعب إلى تركيا، و10 مليارات متر مكعب إلى أوروبا.

وتم اتخاذ قرار لزيادة القدرة الاستيعابية لمشروع "تاناب" المصمم أصلا لزيادة طاقتها لتصل إلى 32 مليار متر مكعب. ومن المتوقع أن يبدأ العمل في هذا الاتجاه قريبا.

ويدخل خط مشروع تاناب الأراضي التركية من منطقة بوسوف على الحدود الجورجية، ويلتقي بخطوط أنابيب مشروع "تاب" العابرة للبحر الأدرياتيكي عند الحدود اليونانية، حيث يعبر من 20 ولاية و67 منطقة و600 قرية تركية قبل الاتصال بأنابيب تاب.

ويمكن لتركيا أيضا استيراد الغاز من أذربيجان عبر خط أنابيب الغاز الطبيعي باكو- تبليسي-أرضروم، من ناحية أخرى، توفر تركيا سنويا 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني، وذلك عبر خط النقل الرئيسي بشرق الأناضول.

ورغم تلك الإمكانات تقول خبيرة الطاقة أورا سابادوس، إن "تركيا ستحتاج إلى تهيئة ظروف السوق المناسبة، كتحرير سعر الغاز، لكن السعر يتشكل من خلال التداول وهذا التداول يحدث عندما يكون هناك الكثير من اللاعبين في السوق، ما يخلق التنافس ومن خلال التنافس يظهر السعر".

على الجهة الأخرى يقول آخرون إن تركيا وافقت بالفعل على التشريع المطلوب لمثل هذا التحرير في أوائل الألفية، لكن لم يتبعه ما يلزم لإنشاء سوق حرة لتجارة الغاز.

وتضيف سابادوس في مقال بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أنه لا بد من تقديم المزيد من التشريعات ولوائح الاتحاد الأوروبي إلى تركيا من الخصخصة إلى التصديق على عمليات النقل.

أضف إلى ذلك، أن تركيا قد تحتاج إلى توقيع اتفاقيات ترابط مع دول الاتحاد الأوروبي المجاورة بما في ذلك بلغاريا واليونان، وقد تحتاج أنقرة أيضًا الإذعان إلى نظام الشبكة الأوروبية لتنظيم حجوزات السعة، التي من المفترض أن تكون وفقًا لإجراءات شفافة ومحددة مسبقًا. 

فيما يرى وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أن “تركيا من الدول التي تتمتع بمصادر غنية متدفقة ومتنوعة مقارنة بنظرائها من دول العالم، فهناك تدفق للغاز من نحو 15 دولة، كمان أن دول البلقان وبعض الدول من جنوب شرق وشرق أوروبا تتواصل معنا من وقت لآخر وتطلب شراء الغاز من تركيا".

وكشف دونماز بمؤتمر صحفي في 27 ديسمبر  2022، أن تركيا ستعقد مؤتمرًا دوليا في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2023 لوضع خريطة طريق لإنشاء سوق للطاقة آمن وشفاف، يمكن لأي أحد فيها أن يتفق على منطق يحقق الربح للجميع".