عبر مطالب "تعجيزية".. لماذا يصر الحوثيون على عرقلة تمديد الهدنة باليمن؟

12

طباعة

مشاركة

لم تفلح مساع أممية ودولية بعد قرابة ثلاثة أشهر على انقضاء الهدنة باليمن، في التوصل إلى اتفاق بين طرفيها لتجديدها، مع استمرار مليشيا الحوثي بالتمسك بمطالب وصفها وسطاء دوليون بـ"التعجيزية".

ففي 26 ديسمبر/كانون الأول 2022، غادر وفد عماني رفيع العاصمة اليمنية صنعاء إلى مسقط، بعد أربعة أيام قضاها في اجتماعات مطولة مع قيادات مليشيا الحوثي.

جاءت هذه الاجتماعات ضمن مساعٍ دولية لتهدئة الأوضاع وحلحلة الملف الإنساني بعد انتهاء الهدنة الأممية في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وما تلاها من تصاعد في هجمات الحوثيين على مواقع اقتصادية حساسة تمثل المصدر الرئيس لموارد الحكومة اليمنية.

من بينها هجمات بطائرات مسيرة على موانئ تصدير النفط في محافظتي حضرموت وشبوة، خلال أكتوبر ونوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وتهديد قيادات في المليشيا بتصعيد عسكري جديد.

وعاد الوفد العماني من صنعاء بخفّي حنين، إثر تعنت الحوثيين وإصرارهم على فرض شروطهم التعجيزية المتمثلة بصرف رواتب الموظفين والمقاتلين التابعين لهم في مناطق سيطرتهم ورفع القيود على الموانئ الجوية والبحرية الخاضعة لسيطرتهم من قبل التحالف السعودي الإماراتي.

وهو ما يمثل خيبة أمل جديدة في طريق الحل السياسي في البلد الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، جراء الحرب المستمرة بين مليشيا الحوثي المدعومة من إيران والحكومة اليمنية المسنودة بتحالف سعودي إماراتي.

لقاءات رفيعة

وقال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام، الذي وصل رفقة الوفد العماني، إن "زيارة الوفد العماني إلى صنعاء تأتي استكمالا لما يجرى من نقاشات حول السبل الكفيلة بإنهاء الحرب". 

وأضاف في تغريدة عبر "تويتر" في 22 ديسمبر، أن "رفع الحصار وتلبية مطالب الشعب اليمني كحقوق طبيعية وإنسانية لا يتم السلام من دونها"، على حد وصفه.

وتستضيف عمان قادة حوثيين منذ عام 2018، على أراضيها، أهمهم الناطق الرسمي باسم المليشيا محمد عبد السلام وفريقه التفاوضي، الذي يرافق الوفود العمانية في زياراتهم المتتالية إلى صنعاء.

وتعد زيارة الوفد العماني إلى صنعاء الثانية خلال عام 2022، دون تحقيق أي نتائج تُذكر، بعد زيارة سابقة لوفد عماني في 22 أبريل/ نيسان 2022، فشلت في إقناع قيادة مليشيا الحوثي بتنفيذ خطوات جديدة لبناء الثقة، وعلى رأس ذلك إطلاق الأسرى والمعتقلين بشكل كامل، ثم الانتقال إلى الملفات الاقتصادية.

والتقى الوفد العماني في 25 ديسمبر بزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، الذي يظهر لأنصاره في خطاباته عبر دائرة مرئية يتم عرضها في الساحات العامة، دون أن يُعرف مكان وجوده ولم تنشر وسائل إعلام الحوثيين أي صور من اللقاء واكتفت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين، بتصريح الناطق الرسمي للمليشيا محمد عبدالسلام.

بالإضافة إلى اجتماعات عقدها الوفد العماني مع رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط الذي عبر عن استيائه للدور السلبي الذي تقوم به أميركا وبريطانيا في الشأن اليمني وتماهي المبعوث الأممي مع حملات التضليل التي تقودها أميركا وبريطانيا، بحسب وكالة سبأ التابعة للحوثيين.

وقال المشاط: "لا يمكن أن يكون هناك هدنة إذا لم تستجب لمطالب الشعب اليمني المحقة والعادلة المتمثلة في صرف مرتبات موظفي الدولة كافة من ثروات اليمن النفطية والغازية وفتح جميع المطارات والموانئ، ولا مجال للتراجع عن حماية ثروات الشعب اليمني النفطية والغازية".

تحدٍّ حوثي

وحذر الحوثيون من مغبة عدم الاستجابة لمطالبهم، وقال نائب رئيس حكومة الحوثيين لشؤون الدفاع والأمن جلال الرويشان، إنه لا يمكن حصول حل سياسي والبلد تحت العدوان والحصار والاحتلال، على حد وصفه.

وأضاف: "التفاوض لرفع الحصار وإنهاء العدوان والاحتلال هو بين صنعاء ودول العدوان، (السعودية والإمارات) والحل السياسي يتم بعدها بين اليمنيين".

ويبقى خيار الحرب هو الأبرز لدى الحوثيين مع تهديد الناطق باسم المليشيا محمد عبد السلام عقب اختتام الوفد العماني زيارته إلى صنعاء في 26 ديسمبر، بأن المليشيا ليس أمامها أي التزام فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، وتحذيره من أي إجراءات اقتصادية ضدهم قد تقلب الطاولة على الجميع.

وأشار عبد السلام في تصريح لقناة "المسيرة" الحوثية إلى أنه "منذ انتهاء الهدنة أجرى وفد صنعاء المفاوض نقاشات مكثفة مع أطراف عدة من بينها لقاءات مباشرة مع الطرف السعودي والأمم المتحدة في مسقط".

وكانت الهدنة الأممية قد انتهت مطلع أكتوبر 2022 بعدما دامت ستة أشهر منذ 2 إبريل 2022، ودخلت بعدها الحرب إلى حالة من السكون ولم تشهد تصعيدا عسكريا كبيرا، إذ مازالت الأطراف المختلفة ملتزمة بحالة الهدوء، عدا بعض المواجهات المتقطعة في بعض الجبهات.

ويرى متابعون أن الحوثيين يحاولون دائما توجيه رسائل بأنهم مستعدون لخيار الحرب، وهم بالتأكيد أكثر ثقة بخيار الحرب، فإذا لم يستطيعوا حل المشاكل الاقتصادية لامتصاص الغضب الشعبي فالحرب هي الخيار لعودتهم إلى الدائرة القديمة في التبرير.

خصوصا مع توسع دائرة الاحتقان الشعبي في العاصمة اليمنية صنعاء وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، إثر اعتقالها المعارضين لسياستهم وتصاعد تنفيذ الإعدامات بحق الرافضين لمشروعهم.

آخرها حملة الاختطافات لناشطين انتقدوا فساد المليشيا، حيث اختطفت قوة تابعة لجهاز مخابرات مليشيا الحوثي، في 22 ديسمبر الناشط والإعلامي أحمد حجر من شارع الزبيري بصنعاء، واقتادته إلى جهة مجهولة.

وجاء اعتقال حجر عقب يومين من بثه تسجيلا مصورا يفضح إجرام الحوثي ويتحدث عن ألم ومعاناة اليمنيين، وانتقاده سياسة التجويع ونهب ثروات الشعب منذ أكثر من 8 سنوات.

قرار خارجي

وفي قراءته للمشهد، قال رئيس جمعية الصحفيين العمانية، محمد العريمي إن "التحركات العمانية الأخيرة رفيعة المستوى التي ضمت وفدا مكونا من 6 أشخاص يمثلون جهات مختلفة، تأتي من منطلقات عديدة منها أن عمان واليمن ترتبطان بعلاقة جوار وأخوة تاريخية، كما أن أي توترات في اليمن ستنعكس على عمان".

وأضاف العريمي لـ"الاستقلال"، أن "الوفد العماني عاد إلى مسقط بعدما التقى بقيادات الحوثيين في صنعاء وبحث معهم بعض المسائل المتعلقة بالتهدئة وتبادل الأفكار حول نقاط إنسانية".

وأوضح أن "زيارة الوفد كانت لتهدئة الوضع ووقف التصعيد وحلحلة بعض الملفات وهي الرواتب ورحلات الطيران والموانئ، لكن هناك تعنتا حوثيا ومطالب شبه تعجيزية بخصوص دفع رواتب مقاتليه من قبل الحكومة اليمنية وفتح الموانئ والمطارات الخاضعة لسيطرته دون قيود".

واستدرك قائلا: "لم تصل المباحثات إلى حلول جذرية، ولم يوافق الحوثيون على ما تم طرحه من حلول من الحكومة الشرعية، فالحوثيون ينطلقون من منطلقات قوة بسبب ضعف الطرف الآخر (الحكومة الشرعية)".

وبين بالقول: "الملاحظ أنه ليس هناك توافق بين القوى المناهضة للحوثي والمنخرطة في إطار الشرعية في مجلس القيادة الرئاسي، حتى في اجتماعاتهم لم يجتمع المجلس بشكل كامل منذ 6 أشهر إلا مرتين أو ثلاث مرات".

ولفت العريمي إلى أن "الملف اليمني مرتبط بقوة خارجية الجميع يعرفها، وهي للأسف الشديد متمكنة من القرار اليمني، فالقرار ليس يمنيا صرفا، إنما مرتبط بطهران والرياض وهذا الأمر لا يخفى على أحد".

ومازال التدخل الإقليمي والدولي هو العامل الرئيس في الحرب الجارية في اليمن منذ 8 سنوات، وفي تحديد أهدافها ورهاناتها والمخرج منها.

وهو الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلد المنهك، الذي أصبح 80 بالمئة من سكانه البالغ عددهم 30 مليونا، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة بحسب الأمم المتحدة.

المواطن يدفع الثمن

وشدد الصحفي العماني على أن "المساعي العمانية كانت ومازالت وستستمر من منطلقات الجوار والمصير المشترك التي بذلت خلال الثماني السنوات الماضية".

 وعن مستقبل المشهد، قال العريمي: "بحسب المعلومات التي وصلتني فإن هناك اجتماعات ستعقد في مسقط خلال الفترة القادمة لمناقشة المسائل الخلافية".

وأضاف: "وفي الحقيقة القوى السياسية اليمنية تتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب اليمني، فالمتضرر هو المواطن البسيط وبالتالي عليها أن تغلب المصلحة العامة على المصالح الشخصية".

وتعد سلطنة عمان من أهم الفاعلين في الملف اليمني، فيما يتعلق باحتمالية استضافة الحوار نظرا لموقفها المحايد واستضافتها مختلف الأطراف اليمنية.

وفي 22 أبريل 2022، وصل وفد عماني إلى مطار صنعاء على متن طائرة تابعة لسلاح الجو السلطاني، أقلت أكثر من 80 جريحا من الحوثيين، برفقة فريق التفاوض الحوثي برئاسة محمد عبد السلام.

وهدفت زيارة الوفد العماني إلى متابعة الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة ومناقشة آخر المستجدات مع رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط.

وكان المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ يرى أن الحوثيين "طرحوا مطالب مبالغا فيها ومستحيلة" بشأن آلية مقترحة لدفع رواتب القطاع العام.

وذكر في إحاطته لمجلس الأمن الدولي في 13 أكتوبر 2022، أن "الحوثيين جاءوا بمطالب إضافية لم يكن من الممكن تلبيتها".

ولا توجد إحصائية رسمية لعدد الموظفين المدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن تقارير غير حكومية قدرت عددهم بنحو نصف مليون موظف.

وتشترط الحكومة تحويل جميع الإيرادات المالية في المناطق الخاضعة للحوثيين إلى البنك المركزي في عدن، مقابل تسليم رواتب الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة.

غير أن جماعة الحوثي تتمسك بأن الرواتب يفترض أن يتم تسليمها في جميع أنحاء اليمن من إيرادات النفط والغاز التي تتحكم بها الحكومة.

وتصاعدت مطالب الحوثيين وارتفع سقفها، استغلالا لحاجة المجتمع الدولي لتهدئة الحرب في اليمن، ومنع الهجمات التي ينفذونها على الأراضي السعودية وتستهدف منشآت النفط وخطوط الملاحة الدولية، بالتزامن مع أزمة الطاقة العالمية جراء الحرب الأوكرانية الروسية.

تلك المخاوف عبرت عنها تحركات دبلوماسية أميركية وأممية خلال الأشهر الأخيرة بين الرياض وأبوظبي ومسقط، من أجل عقد لقاءات مع الأطراف اليمنية والدول الداعمة لها والوسطاء العمانيين الذين يرعون مفاوضات ثنائية سرية بين السعودية والحوثيين.