تأثيرات الحكم بسجن "إمام أوغلو" على انتخابات رئاسة تركيا.. 5 سيناريوهات

12

طباعة

مشاركة

حين فاز ممثل حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في تركيا، أكرم إمام أوغلو،  في انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول على مرشح حزب "العدالة والتنمية" عام 2019، خرجت تنبؤات غربية ومن دول الثورة المضادة العربية، بأنه سيكون رئيس البلاد القادم وسيهزم الرئيس رجب طيب أردوغان.

بيد أن زلة لسان لإمام أوغلو في الانتخابات السابقة، وصف فيها قضاة تركيا بـ"الحمقى"، ربما ستكلفه الخروج من المنافسة في انتخابات الرئاسة المقبلة 2023، بعدما صدر حكم بسجنه وعزله سياسيا بسبب تصريحاته السابقة.

أصل الجدل

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، محكمة في إسطنبول قضت بمعاقبة رئيس البلدية إمام أوغلو بالسجن لسنتين و7 أشهر و15 يوما، وحرمانه من بعض الحقوق، بما فيها العمل السياسي، بتهمة إهانة أعضاء "لجنة انتخابات 2018".

لم يكن حكم السجن هو المهم، بل قرار المحكمة، بتطبيق المادة 35 من قانون العقوبات التركي الذي يقضي بفرض حظر على النشاط السياسي للمدانين بأحكام سجن تتجاوز العامين، وفقا لوكالة "رويترز" البريطانية، في 14 ديسمبر 2022.

والقرار يعني حرمان إمام أوغلو -الذي يُعد لدى البعض مرشح المعارضة الأنسب- من الترشح للرئاسة في حال أراد أمام منافسه الرئيس الحالي أردوغان.

ورغم أن الحكم لن ينفذ إلا لو أيدته محكمة الاستئناف والمحكمة العليا، فقد أدى لتصاعد الجدل والتحشيد السياسي مبكرا لانتخابات الرئاسة المقررة في 18 يونيو/حزيران 2023.

وعده مراقبون ومعارضون وصحف غربية "حكما سياسيا" يستهدف "منافسا قويا" لأردوغان.

بالمقابل، بدأ الحديث عن "مؤامرات سياسية" من جهة أنصار أردوغان، و"حبك سيناريوهات" يلعب فيها إمام أوغلو دور المرشح الضحية، خاصة بعد دخول الغرب على الخط لدعم رئيس بلدية إسطنبول ضد أردوغان.

وبدأت قصة الحكم القضائي حين أجريت انتخابات بلدية إسطنبول في 31 مارس/آذار 2019، وفاز فيها إمام أوغلو، ثم طعن عليها مرشح حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، رئيس الوزراء السابق، بن علي يلديريم، فقرر قضاة اللجنة الانتخابية إعادتها.

عاد إمام أوغلو ليكرر فوزه بها في يونيو/حزيران 2019 مجددا، وتزامن ذلك مع سفره إلى فرنسا لحضور مؤتمر المجلس الأوروبي للسلطات المحلية والإقليمية، وتردد أنه سيقدم شكاوى للاتحاد الأوروبي جراء إلغاء الانتخابات الأولى التي فاز بها.

رد وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، مهاجما إمام أوغلو، واصفا إياه بـ"الأحمق الذي يشتكي بلاده إلى البرلمان الأوروبي"، فرد عليه إمام أوغلو قائلا إن "الأحمق هو من أعاد انتخابات البلدية".

ولأن من أعاد انتخابات البلدية هم قضاة لجنة الانتخابات لا وزير الداخلية، دفع ذلك مدعي عام إسطنبول لرفع دعوى قضائية ضد إمام أوغلو بتهمة "إهانة قضاة المجلس الأعلى للانتخابات''.

وحاول إمام أوغلو خلال محاكمته التأكيد على أن المقصود في تصريحه هو وزير الداخلية، وليس أعضاء لجنة الانتخابات العليا، إلا أن مكتب المدعي العام أصر على محاكمته، ليصدر الحكم الأخير بسجنه وعزله سياسيا.

هل يُمنع؟

منذ صدور الحكم، صدرت عدة اجتهادات قانونية وسياسية يتوقع بعضها أن يتم منع إمام أوغلو من الترشح، وأنه "بات مستبعدا من الانتخابات الرئاسية المقبلة"، وفق وكالة الأنباء الفرنسية في 15 ديسمبر 2022.

وتؤكد توقعات أخرى أنه لو لم يصدر حكم الاستئناف قبل موعد الانتخابات، أي خلال 5 أو 6 أشهر، فسيترشح طالما الحكم غير نهائي.

وليس واضحا بعد ما إذا كان هذا الحكم سيوصد الباب أمام ترشح إمام أوغلو للرئاسة ويفيد أردوغان وزعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو المرشحين للرئاسة أم سيقوي موقف إمام أوغلو أمام رئيس حزبه ليتمكن من الترشح للرئاسة بدلا منه، وفق مراقبين.

المحامي سيرجان بولات الذي يتولى الدفاع عن رئيس بلدية إسطنبول، أعلن في تصريحات للصحفيين أنه سيستأنف الحكم، ما يعني أنه سيبقى حاليا في منصبه، لكن المفاجأة أن المدعي العام المتابع لقضية إمام أوغلو قرر استئناف الحكم الصادر أيضا "لأنه غير كاف" من وجهة نظره.

وأكد أن الحكم ضد موكله "لا يعني عزله على الفور من منصبه الذي يشغله في الوقت الحالي، بل سيبقى على رأس عمله حتى انتهاء الطعن وصدور القرار النهائي الذي ستصدره محكمة الاستئناف لاحقا".

لكن الحقوقي رزان أب أوزدمير، قال: "بما أنه صدر الحكم بالحبس وليس بالغرامة المادية فلا يمكن لرئيس بلدية إسطنبول ممارسة العمل السياسي حتى لو تم تأخير تنفيذ الحكم".

وأوضح أنه "يحق له الاعتراض والاستئناف على هذا القرار، وبالتالي سيدخل هذا المنع حيز التنفيذ بعد محكمة الاستئناف وليس الآن"، بحسب موقع "أخبار تركيا" في 14 ديسمبر 2022.

فيما يرى الباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج، أن "إمام أوغلو لن يدخل السجن بشكل فعلي، لأنه وفق القانون هناك إعفاءات وخصم من الأحكام المتدنية في بعض الجنح والجرائم، لكن الحظر السياسي قد يحصل".

وأوضح في تغريدة عبر تويتر في 15 ديسمبر، أن "هذا الحظر السياسي لن يطبق على إمام أوغلو إلا في حال أكدت المحاكم العليا، الحكم عليه، وهو أمر قد يحصل بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي (قد) لا يؤثر على فرصه في الترشح للانتخابات الرئاسية".

لكن حكم حبس وعزل إمام أوغلو، منح المعارضة وخصوصا "طاولة الستة" سردية المظلومية التي كانت تبحث عنها، ولذلك فهي عازمة على استثمار الحدث بالحد الأقصى، بحسب تأكيد "الحاج".

و"الطاولة السداسية" إطار يضم 6 من أحزاب المعارضة، هي "الشعب الجمهوري" برئاسة كمال كليتشدار أوغلو، و"الجيد" برئاسة ميرال أكشينار، و"الديمقراطية والتقدم" برئاسة علي باباجان.

كما يضم حزبي "المستقبل" برئاسة أحمد داود أوغلو، و"السعادة" برئاسة تمل كارمولا أوغلو، والديمقراطي برئاسة جولتكين أويصال.

وأشار تقرير لموقع "نون بوست" (مقره إسطنبول) في 16 ديسمبر 2022 إلى أنه "بالعودة إلى الإحصاءات القضائية، يكاد يكون من المستحيل استكمال إجراءات الاستئناف والمحكمة العليا في فترة تتراوح بين 4 و5 أشهر، حيث تستغرق المحاكم وقتا أطول".

وأوضح أن "الوقت القصير المتبقي على الانتخابات العامة والرئاسية في تركيا، سيساعد إمام أوغلو عن غير قصد، وسيكسبه الوقت لفرض نفسه مرشحا وحيدا لتمثيل تحالف المعارضة السداسي، وذلك حال تنازل له رئيس حزبه".

وتوقعت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 14 ديسمبر 2022 أن تستمر جلسات المحكمة "لمدة تصل إلى عام ونصف"، ما يعني بقاء إمام أوغلو في منصبه وترشحه في الانتخابات "إذا أراد".

مأزق المعارضة

ويرى مراقبون أن "الحكم ربما يزيد أزمة المعارضة المؤلف من ستة أحزاب، والتي لم تتمكن بعد من تحديد مرشح مشترك للانتخابات الرئاسية، في حين أن إمام أوغلو مُهدَّد بالإقصاء السياسي".

فريق آخر يرى أنه قد يكون "مكسبا للمعارضة" يجعلها تلعب على وتر "المظلومية" أمام الشعب وتقديم إمام أوغلو ضحية، كمرشح رئاسي، حال تأخر حسم محكمة الاستئناف للطعن على حظره سياسيا.

رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، المتحالف مع أردوغان، رأى أن "هذه العملية (استغلال قرار المحكمة لتلميع رئيس بلدية إسطنبول) تستهدف رئيس حزب الشعب الجمهوري كليتشدار أوغلو، ليتنازل لإمام أوغلو ".

وقبل الحكم، تراجعت حظوظ ترشيح إمام أوغلو كممثل للمعارضة في ظل تحركات زعيم الحزب، خلال الفترة الماضية، لإعلان نفسه المرشح الأكثر طموحا في انتخابات الرئاسة المقبلة، لكن فرصه زادت عقب الحكم عليه.

وقال الكاتب التركي، إسماعيل ياشا، في تغريدة 15 ديسمبر، إن "أحد الصحفيين نقل قبل أسابيع عن مقربين من إمام أوغلو أنه قال لهم إن رياح الترشيح ستهب لصالحه في ديسمبر 2022".

وطرح ياشا تساؤلا: "هل كان إمام أوغلو يعرف الحكم الذي صدر في حقه مسبقا؟"

مع هذا كان لافتا قول كليتشدار أوغلو "لن يحول أحد دون أن يواصل أكرم إمام أوغلو خدمة بلدية إسطنبول"، كأنه يقول لإمام أوغلو ألا يفكر في ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية لأنه سيكون هو المرشح وعلى إمام أوغلو البقاء في رئاسة بلدية إسطنبول فقط".

وشكل معارضو أردوغان ائتلافا من ستة أحزاب ليبرالية وقومية ووسطية وإسلامية قبل انتخابات 2023، لكنهم لم يتخذوا قرارا بشأن دعم مرشح رئاسي.

خمسة سيناريوهات 

وبحسب صحف تركية ونشطاء وتحليلات متنوعة، سيكون أمام تركيا فيما يخص الحكم على رئيس بلدية إسطنبول وعلاقته بانتخابات الرئاسة 2023 عدة سيناريوهات.

الأول، أن يستفيد إمام أوغلو من حالة النشوة السياسية والمظلومية التي حظي بها عقب الحكم عليه، ويرشح نفسه بموافقة "التحالف السداسي" ويتنازل له كليتشدار أوغلو.

الثاني، أن تنظر محكمة الاستئناف القضية وفق المعتاد ويستمر الأمر وقتا طويلا يزيد على سنة، ما يسمح لإمام أوغلو بالترشح "لو أراد"، لكن السؤال الغامض الإجابة عليه هو ماذا لو فاز بالرئاسة مثلا عام 2023 ثم صدر حكم عزله سياسيا؟.

الثالث، أن تقوم الحكومة التركية أو النيابة العامة بالإيعاز لمجلس القضاء بتخصيص جلسة استئناف مبكرة خلال الخمسة أشهر المقبلة قبل الانتخابات، ويصدر تأكيد للحكم ما ينهي فرص إمام أوغلو السياسية ويضمن الرئيس أردوغان فوزه لعدم وجود مرشح قوي لدى المعارضة.

الرابع، أن يصرّ زعيم حزب الشعب الجمهوري، على ترشيح نفسه للرئاسة، وحدوث انشقاق في تحالف المعارضة السداسي، وخروج أحزاب منه تدعم ترشيح إمام أوغلو كمرشح منافس لكليشدار أوغلو وأردوغان معا. 

الخامس، أن يصدر قرار عاجل من المحكمة العليا بطلب من المدعي العام لتأكيد حظر إمام أوغلو من ممارسة أي عمل سياسي قبل الانتخابات، ما سيمنعه من الترشح لكن سيظهره كضحية للسلطة ويزيد الاتهامات لأردوغان بالتدخل في القضاء.

مواقف الغرب 

شكل الحكم على رئيس بلدية إسطنبول، الذي يراهن عليه الغرب وأنظمة الثورة المضادة العربية، لإزاحة الرئيس التركي عن الحكم، "فرصة ذهبية" للغرب ليشكك مسبقا في نزاهة الانتخابات المقبلة، ويكيل الاتهامات لأردوغان.

وزارة الخارجية الأميركية أعربت عن انزعاجها من احتمال استبعاد أحد أكبر منافسي الرئيس أردوغان من المشهد السياسي، وحضت تركيا "على وقف الملاحقات القضائية بموجب ما أسماه قوانين الإهانة الجنائية".

وأفادت الوزارة في بيان 15 ديسمبر 2022 أن "الولايات المتحدة تشعر بانزعاج وخيبة أمل عميقين حيال حكم لمحكمة تركية ضد رئيس بلدية إسطنبول بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر ومنعه من ممارسة النشاط السياسي".

فيما وصفت ألمانيا القرار بأنه "ضربة قاسية للديمقراطية"، بينما حضت فرنسا تركيا على ما أسمته "تصحيح انحرافها عن حكم القانون والديموقراطية واحترام الحقوق الاساسية".

وقال الاتحاد الأوروبي في بيان إن الحكم القضائي "يؤكد الافتقار المنهجي لاستقلال القضاء والضغط السياسي غير المبرر على القضاة والمدعين العامين في تركيا". 

من جهته، كتب سفير الاتحاد الأوروبي السابق في تركيا، مارك بيريني، عبر تويتر في 14 ديسمبر 2022، إن "هذا الحكم والحظر السياسي المصاحب له إشارة إلى قلق حزب العدالة والتنمية العميق من أن يكون إمام أوغلو مرشح المعارضة".

وأضاف "إذا لم يتم نقض الحكم في مرحلة الاستئناف، فإن مصداقية الانتخابات ستتضرر بشدة".

من جانبها، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عبر بيان في 14 ديسمبر، إن إدانة رئيس بلدية إسطنبول وحظر توليه منصبا سياسيا "انتهاك للحقوق غير مبرر، واعتداء محسوب على المعارضة السياسية في تركيا قبل انتخابات 2023".

ووصفت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 15 ديسمبر، الحكم على إمام أوغلو بأنه "قمع بعيد المدى"، وترى أن عقوبة السجن والعزل "الغريبة" ستزيد من منافسته لأردوغان وتعطي حملته "دفعة".

وقالت وكالة "بلومبرغ" الأميركية في 14 ديسمبر/كانون أول 2022، إن "حكم سجن إمام أوغلو سيمهد له الطريق لمنافسة أردوغان سياسيا".