"كسر الجماجم".. هكذا تجفف مليشيا الحوثي منابع الكلمة لدى صحفيي اليمن

12

طباعة

مشاركة

تتفاقم معاناة المختطفين في سجون مليشيا الحوثي يوما بعد آخر، جراء الممارسات التعسفية والتعذيب الوحشي الذي يتعرضون له في أماكن احتجازهم دون أي تهم واضحة.

ومع دخول فصل الشتاء وموسم البرد القارس، يعيش المختطفون في سجون مليشيا الحوثي بصنعاء، أوضاعاً مأساوية ومعاناة مستمرة.

وتتفاقم المعاناة إثر منع زيارة ذويهم وحرمانهم من حقهم بالتواصل معهم، وغياب الحد الأدنى من الخدمات الأساسية والرعاية الصحية مما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية. 

وتواصل مليشيا الحوثي ارتكاب مختلف الانتهاكات والجرائم البشعة بحق المختطفين والمعتقلين في سجونها منذ 7 سنوات، وترقى تلك الانتهاكات إلى جرائم حرب، بحسب منظمات حقوقية.

ويعيش الصحفيون المحتجزون في سجون الحوثيين في ظروف إنسانية وصحية ونفسية بالغة التعقيد.

ويأتي ذلك مع فشل الجهود المحلية والدولية في الإفراج عنهم واستمرار الصراع الدائر في البلاد بين الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الحكومة اليمنية المسنودة بتحالف سعودي إماراتي.

"كسر الجماجم"

في مطلع أغسطس/آب 2022، تعرض الصحفي توفيق المنصوري (35 عاما) للتعذيب والضرب على رأسه داخل معسكر الأمن المركزي في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيا.

وكُسرت جمجمة المنصوري على يد القيادي الحوثي عبدالقادر المرتضى الذي يشغل منصب رئيس لجنة الأسرى لدى المليشيا.

والصحفي المنصوري اختطفه الحوثيون من أحد فنادق العاصمة، صنعاء، في 9 يونيو/حزيران 2015، مع 8 صحفيين آخرين.

وسبق أن حكم الحوثيون عليه بالإعدام إلى جانب 3 صحفيين في أبريل/نيسان 2020، بعد اتهامهم بالتعاون مع التحالف السعودي الإماراتي الذي يخوض حربا في اليمن، وهو ما ينفيه الصحفيون.

والصحفيون المحكوم عليهم بالإعدام، هم عبدالخالق عمران، وتوفيق المنصوري، وحارث حميد، وأكرم الوليدي.

وقالت أسر الصحفيين في بيان مشترك في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2022، إنه "جرى نقل المنصوري، واثنين من زملائه الصحفيين هما، عمران وحميد، إلى زنازين انفرادية في الدور الأرضي بالسجن".

ووفقاً للبيان، فإن التعذيب والإخفاء القسري استمر لمدة 45 يوماً، دون أن يُسمح بمعرفة مصيرهم حتى لزملائهم الذين كانوا معهم في الزنازين الجماعية، المعروفة بـ"السياج".

وأشار نقلا عن مصادر مطلعة داخل السجن إلى أنه "بعد 45 يوما، نُقل توفيق وزملاؤه إلى الزنزانة الجماعية وشوهدت آثار التعذيب عليه، وفيه ضربة بالرأس وما تزال خيوط العملية عليه".

وأكدت المصادر أن المنصوري أخبرهم، أنه جرى تعذيبه من قبل عبدالقادر المرتضى شخصياً، وشقيقه أبو شهاب، المسؤول عن السجن، وآخر يدعى "أبو حسين".

كما أكدت أن "عبدالقادر المرتضى اعتدى على المنصوري بهراوة على رأسه عدة ضربات، وشُق على أثرها"، لافتة إلى أنها "كانت ليلة قاسية على توفيق" من شدة التعذيب الحوثي الوحشي.

وعبدالقادر المرتضى قيادي حوثي ينحدر من ضحيان بمحافظة صعدة (شمال اليمن)، المعقل الرئيس للمليشيا وهو ممثلها في مشاورات ملف الأسرى والمختطفين.

وأدان وزير الإعلام في الحكومة اليمنية، معمر الأرياني نقل المنصوري وزملائه عبدالخالق عمران وحارث حميد إلى زنازين انفرادية وتعذيبهم.

وأضاف في تغريدة على "تويتر" في 3 ديسمبر 2022، أن "جريمة الإخفاء القسري والاعتداء والتعذيب الوحشي بحق الصحفيين الثلاثة داخل سجن معسكر الأمن المركزي بالعاصمة المختطفة صنعاء، امتداد لمسلسل جرائم وانتهاكات مليشيا الحوثي الإرهابية بحق الصحافة والصحفيين".

زنازين انفرادية

وبحسب تقارير حقوقية توفي في سجون مليشيا الحوثي بفعل التعذيب 128 مختطفا خلال العامين الماضيين.

ويعد سجن الأمن المركزي الذي يحتجز المنصوري فيه واحدا منها وهو المكان ذاته الذي يقضي فيه المرتضى معظم وقته مع زبانيته، بغرفة خاصة.

وهناك يشرفون على عملية التعذيب بحق الصحفيين والمختطفين كافة الذين يزيد عددهم على 4 آلاف مختطف، وفق تقرير نشره موقع "مأرب برس" في 9 ديسمبر 2022.

شرعت مليشيا الحوثي منذ اجتياحها للعاصمة صنعاء عام 2014، بحملة اختطافات واسعة طالت الناشطين والأكاديميين المعارضين لمشروعها.

وجاء ذلك في مسعى من المليشيا لإحكام القبضة البوليسية والأمنية على كل المعارضين والمخالفين، وتطويع المجتمعات بقوة السلاح، وحكمها بالقهر والخوف.

وإلى جانب عدد من الناشطين والشخصيات الاجتماعية، يحتجز الحوثيون شخصيات عسكرية وسياسية رفيعة، موالية للحكومة من بينهم وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي، والقيادي البارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح محمد قحطان.

وتكتظ سجون مليشيا الحوثي بعشرات المدنيين، الذين جرى اختطافهم من منازلهم ونقاط التفتيش، بصورة غير قانونية ودون أي مبررات واضحة.

وحول هذا الموضوع قال محامي الصحفيين والمختطفين، عبدالمجيد صبرة إن "تقييد الحرية لأشخاص مدنيين من نخبة المجتمع إلى مدد بلغت بعضها ست أو سبع سنوات لمجرد اختلافهم في الرأي مع جماعة الحوثي هو أكبر انتهاك لكرامة الإنسان وحقه في الحرية".

وأضاف لـ"الاستقلال": "حتى ولو كانوا في أفضل السجون وتقدم لهم جميع حقوق السجين المنصوص عليها في القوانين المحلية والمواثيق الدولية فما بالك بأغلب معتقلات الحوثيين التي تفتقد لأدنى المعايير الإنسانية".

 فضلا عما يلاقيه المعتقل فيها من شتى صور وحالات التعذيب الجسدي والمعنوي والإهمال الصحي المتعمد والوضع في زنازين انفرادية لا تصلح للعيش الآدمي، كما قال.

وأوضح صبرة بالقول: "كان آخر معتقلين حضرت معهم التحقيق أمام النيابة الجزائية المتخصصة بصنعاء وذلك لـ 15 معتقلا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وهؤلاء جرى إحالتهم من جهاز الأمن والمخابرات إلى النيابة بعد فترة احتجاز لديه لما يقارب سنتين وسبعة أشهر منها تسعة أشهر في زنازين انفراديه وممنوع عليهم الزيارة والاتصال، بحسب صبرة.

ورقة سياسية

ومضى المحامي بالقول "كانوا في حالة إخفاء قسري، بل إن أحدهم أخبرني أن فترة احتجازه في زنزانة انفرادية بلغت 11 شهرا و16 يوما".

وتابع: "تخلل فترة المنع من الزيارة والاتصال أنواع شتى من التعذيب الجسدي والمعنوي والإهمال الصحي وقد رفضوا علاجهم".

ولفت صبرة إلى "مماطلة الحوثيين في الإفراج عن المختطفين والاكتفاء بصفقات محدودة من المحسوبين على السلالة الحوثية بالإضافة إلى استخدام ملف المختطفين من أجل الحصول على مبالغ ضخمة مقابل الإفراج عنهم".

وأكد أن "الحوثيين يتخذون من هؤلاء المعتقلين ورقة سياسية وهم رهائن ويرفضون الإفراج عنهم إلا بصفقات تبادل أسرى مع الحكومة الشرعية".

وخلص المحامي اليمني إلى القول: "وضع المختطفين في زنازين انفرادية ومنعهم من الزيارة والتواصل بالعالم الخارجي وإبهامهم (تبصيمهم) على أوراق وعيونهم مغطاة ولا يعلمون ما كُتب فيها يكفي لأن نقول إن هذه المحاكمات تفتقد لأدنى معايير ومقومات المحاكمة العادلة".

ويستخدم الحوثيون المختطفين الذين وصل عددهم ما يقرب من 17 ألف شخص، كورقة مساومة من أجل الإفراج عن أسراهم المقاتلين لدى الحكومة اليمنية.

كما يجنون مبالغ طائلة مقابل الإفراج عن بعض المختطفين الذين يجري اختطافهم من منازلهم أو نقاط التفتيش التابعة للمليشيا.

ويعيش صحفيو اليمن ظروفا بالغة الصعوبة جراء الانتهاكات التي مارستها أطراف النزاع بحقهم على مدى نحو 7 سنوات من الحرب.

وبات اليمن واحدا من أسوأ الأماكن عالميا من حيث الحريات الصحفية، إذ تعرض عشرات الصحفيين للقتل منذ بدء الحرب، بينما فقد مئات أعمالهم، وفق تقارير حقوقية.

ويقع اليمن في المرتبة 169 (من أصل 180 بلدا) على جدول التصنيف العالمي لحرية الإعلام، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية المعنية بالدفاع عن حرية الإعلام.