هل تتدخل واشنطن لوقف العملية العسكرية التركية في سوريا والعراق؟
استعرضت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية تهديدات وإجراءات تركيا فيما يتعلق بالعملية العسكرية البرية في كل من سوريا والعراق ضد جماعات كردية انفصالية مسلحة تصنفها أنقرة "إرهابية".
إذ صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن "العمليات العسكرية لن تقتصر على ضربات جوية"، وأن بلاده "قد تطلق عملية برية في سوريا للقضاء على الإرهاب".
وفي 20 من الشهر نفسه، أعلنت وزارة الدفاع التركية شن قواتها عملية المخلب-السيف الجوية "ضد مواقع للإرهابيين شمالي العراق وسوريا".
سوابق تاريخية
وقالت الصحيفة, إن تهديدات أنقرة ليست جديدة، بل إنها كثيرا ما تهدد وتنفذ عمليات عسكرية ضد التنظيمات الكردية المسلحة بشكل متكرر منذ عام 2016.
وكانت السلطات التركية قد أعلنت أن منفذة تفجير شارع الاستقلال في 13 نوفمبر 2022، والذي راح ضحيته 6 مواطنين أتراك وعشرات الإصابات، اعترفت أثناء التحقيقات بانتمائها لتنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كا كا/ وي ب ج"، المصنف إرهابيا لدى أنقرة.
وتعد "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، الفرع السوري من "بي كا كا".
وترى "جيروزاليم بوست" أن السياسة التركية في سوريا لا تقتصر فقط على مهاجمة التنظيمات الانفصالية، بل تتعلق أيضا بتقليص دور الولايات المتحدة في الساحة السورية.
وهذا يعني أن الصراع الحقيقي لأنقرة هو – في جزء منه- مع الولايات المتحدة، وأن الأخيرة هي الدولة القوية الوحيدة القادرة– ولو بشكل نسبي- على الحيلولة دون تنفيذ تركيا لعملية عسكرية أخرى، حسب الصحيفة.
وتدعي أن السوابق التاريخية توضح ذلك، إذ ترغب أنقرة، منذ عام 2016، في تطهير المناطق التي تتمركز فيها التنظيمات الكردية المسلحة، لكن غالبا ما تمكنت واشنطن من إبطاء أو منع تلك العمليات.
وتقول الصحيفة إنه "بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011، لعبت كل من واشنطن وأنقرة، إلى جانب روسيا وإيران، دورا في سوريا. ففي حين دعمت طهران وموسكو نظام بشار الأسد، دعمت الولايات المتحدة وتركيا الثوار".
ومع ذلك، سادت حالة من الفوضى داخل المجموعات الثورية، بحلول عام 2014، لدرجة أن بعض الجماعات تجاوزت تركيا، وبدأت في الانضمام إلى تنظيم الدولة والفصائل بتنظيم القاعدة.
وفي إطار مكافحة تنظيم الدولة، عملت الولايات المتحدة مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق، ومدت شراكات في سوريا مع وحدات حماية الشعب الكردية "واي بي جي"، المصنفة على قوائم الإرهاب التركية.
وفي هذا السياق، ساعدت واشنطن تنظيم "واي بي جي" على التوسع وإنشاء "قوات سوريا الديمقراطية" في عام 2015. وفي الوقت نفسه، كانت روسيا قد تدخلت لمساعدة النظام السوري، ما سبب تراجعا للثوار.
وبحلول عام 2016، حققت قوات سوريا الديمقراطية انتصارات ضد تنظيم الدولة لكن تركيا لم تكن راضية عن الدعم الأميركي للتنظيم الكردي الانفصالي.
وتضيف الصحيفة أن "تركيا كانت تقاتل حزب العمال الكردستاني عام 2015 داخل أراضيها، لكن في 2016، قررت توسيع حربها لتشمل سوريا، على اعتقاد أن وحدات حماية الشعب هي جزء من حزب العمال الكردستاني".
وفي عام 2016، نفذت أنقرة عملية عسكرية في مدينة جرابلس السورية، بالقرب من منبج، بهدف وقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية، كما أعلنت معارضتها للدور الذي تلعبه واشنطن في سوريا.
وعندما وصل الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ضغطت تركيا على الإدارة الأميركية لمغادرة سوريا، والسماح لأنقرة بالسيطرة على مدينة الرقة- التي تُعد عاصمة تنظيم الدولة- إلا أن واشنطن لم توافق على ذلك.
تفاهمات ثنائية
وبحلول عام 2017، حولت تركيا تركيزها للعمل مع روسيا وإيران، لتأمين مدينة إدلب الحدودية، ووصلت لتفاهمات مع موسكو تمكنها من محاربة التنظيمات الكردية المسلحة في مدينة عفرين، وتنفيذ ضربات جوية ضدها في المناطق الحدودية.
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن روسيا والنظام عرضا محاولة وقف الضربات الجوية التركية إذا غيرت قوات سوريا الديمقراطية موقفها وتعاونت مع الأسد وليس مع الولايات المتحدة، غير أن التنظيم الانفصالي المسلح رفض هذا العرض.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت تركيا التخطيط لتنفيذ عمليات عسكرية في عفرين ثم رأس العين، ومن خلال العمل مع إدارة ترامب، توصلت أنقرة لتفاهم مع واشنطن حول دخولها لعفرين.
وفي عام 2018، وبعد عملية عفرين، هددت تركيا بالدخول لشرق سوريا والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية، كما حملت أنقرة الولايات المتحدة على الموافقة لتحديد "منطقة آمنة" على طول الحدود السورية التركية، وفق جيروزاليم بوست.
وعندها، بدأت تركيا في إجراء دوريات أمنية، ودرست المنطقة حتى تتمكن من تنفيذ عملياتها العسكرية فيها لاحقا، حسب الصحيفة.
وفي أواخر عام 2019، ضغطت أنقرة على واشنطن فيما يخص شن حملة عسكرية لتنفيذ اتفاقية "المنطقة الآمنة"، لكن ذلك خلق أزمة، وفق وصف الصحيفة، إذ انسحبت الولايات المتحدة من كوباني (عين العرب) ومناطق حدودية أخرى، سيطرت عليها روسيا والنظام السوري.
وبالرغم من سحب واشنطن لقواتها من مناطق التنظيمات الكردية على الحدود، فإنها بقيت على طول نهر الفرات، وبدورها، عملت قوات سوريا الديمقراطية على إبقاء إيران والنظام السوري بعيدين عن المنطقة، حسب التقرير.
علاوة على ذلك، واصلت قوات سوريا الديمقراطية العمل مع الولايات المتحدة، لكن تركيا زادت من استخدامها للطائرات بدون طيار، لاستهداف عناصرها في شرق سوريا.
وعندما تولت إدارة الرئيس جو بايدن، السلطة، حاولت تركيا التوصل لتفاهمات معها، سعيا للدخول إلى مناطق عين العرب والقامشلي وتل تمر وتل رفعت ومناطق أخرى على الحدود السورية التركية.
لكن تعثر الوصول إلى مثل هذا الاتفاق، إلى أن غزت روسيا أوكرانيا، في فبراير/شباط 2022، إذ رأت أنقرة هذا الغزو ورقة ضغط على موسكو التي تحتاج إلى تصدير غازها عبر تركيا، والالتفاف على العقوبات الغربية.
وتذكر "جيروزاليم بوست" أن الجيش التركي نفذ بعد تفجير شارع الاستقلال الأخير عشرات الغارات الجوية، مدعية أن روسيا والنظام السوري فتحا المجال الجوي لأنقرة لتنفيذ هجماتها.
وتزعم الصحيفة أن تركيا والنظام السوري يسعيان لتحييد التنظيمات الكردية المسلحة، حتى يتمكنا، بدعم من روسيا وإيران، من الانقضاض على الولايات المتحدة ثم الضغط عليها للرحيل من سوريا.
وتعتقد أنه في حال سعت تركيا إلى تنفيذ ضربات جوية على الحسكة ومناطق أخرى في عمق سوريا، فإن ذلك سيضع الولايات المتحدة في موقف صعب، خصوصا أن لديها عددا قليلا من القوات في سوريا.
ويضيف التقرير أن إيران، التي تقصف في الوقت نفسه مناطق كردية في العراق، كثيرا ما تدفع المجموعات القريبة منها إلى استهداف الوجود الأميركي في سوريا.
وتؤكد "جيروزاليم بوست" أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تدفع عن قواتها الهجمات الإيرانية، وتوقف في الوقت نفسه العمليات العسكرية التركية، مدعية أنه من المحتمل وجود تنسيق تركي إيراني بهذا الخصوص.
والهدف هنا أن تستهدف التنظيمات القريبة من إيران القوات الأميركية الموجودة على نهر الفرات، وتهاجم المناطق الكردية في العراق، وبالتزامن مع ذلك تضرب تركيا التنظيمات الانفصالية المسلحة المتمركزة في شمال شرق سوريا.
ووفق الصحيفة، سيتعين على الولايات المتحدة ممارسة ضغوط على تركيا لوقف العملية العسكرية المزمعة، لكن الحرب في أوكرانيا تُصَعب من هذه المهمة.
إذ وضعت تركيا نفسها كضامن لاتفاق الحبوب الأوكراني وكمركز محتمل لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، كما تصالحت أنقرة مع تل أبيب، حتى يكون لها بعض التأثير على العلاقات الأميركية الإسرائيلية وعلى القضايا المتعلقة بالفلسطينيين، حسب الصحيفة.
وترى "جيروزاليم بوست" أن هذا يضع الولايات المتحدة في وضع معقد، وأن الأيام والأشهر القادمة ستوضح إذا ما كان بإمكان الولايات المتحدة إيقاف العملية العسكرية التركية أم لا.