الهجرة المناخية.. مصطلح متوقع انتشاره مع تهديدات نزوح ملايين الأفارقة
توقع تقرير إيطالي أن تدفع آثار أزمة المناخ في إفريقيا حتى عام 2050، حوالي 113 مليون شخص إلى الانتقال بحثا عن سبل عيش أفضل في الغالب داخل حدود بلدانهم الأصلية.
هذا التقرير الجديد الذي جاء بعنوان "التغير الإفريقي" هو نتاج تعاون بين "مبادرة التنقل من أجل المناخ في إفريقيا" و"مركز الهجرة المختلط" واتحاد من مراكز دراسات وتكوين.
واستخدم التقرير مصطلح "الهجرة المناخية" الذي من المتوقع أن ينتشر كثيرا في المستقبل، وفق صحيفة "نيغريسيا" الإيطالية. وبينت أن ذلك يتعلق بالعواقب الجغرافية والديمغرافية والاجتماعية التي يفرضها تغير المناخ.
وترى الصحيفة بأنه لن يكون التكيف مع كوكب ذي مناخ حار أمرا سهلا، بل يتطلب سلسلة من الجهود تتعلق بالبحث والسياسة والتخطيط لتنفيذ عمل جماعي للحد من غازات الاحتباس الحراري، وفق ما نص عليه اتفاق باريس للمناخ.
واستنكرت عدم إحراز تقدم كبير على هذا المستوى، وهو ما يعني ارتحال ملايين الأشخاص من أراضيهم أو أن يظلوا عالقين داخلها.
الهجرة الداخلية
ولاحظت وقوع نوعين من ردود الفعل الرئيسة المتعلقة بالتغيرات المناخية في السنوات الأخيرة، انتقال الملايين من الناس إلى مناطق أكثر أمانا حيث بالإمكان تحصيل دخل وذلك بسبب ارتفاع مستوى البحر الذي يهدد العديد من المناطق الساحلية الإفريقية والعديد من المدن المطلة على البحر.
فضلا عن تراجع النمو الاقتصادي، سواء للأسرة الواحدة أو تلك المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي للدول الفردية.
وفقا للتقرير، فإن "موجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان قد خفضت بالفعل النمو الاقتصادي العالمي بما يصل إلى 29.3 تريليون دولار بين عامي 1992 و2013"، وأثر ذلك بشكل خاص على الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا.
ووفقا لهذا التقدير، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للفترة 1991-2010 في إفريقيا أقل بنسبة 13.6 بالمئة في المتوسط من النسبة التي كانت محتملة لو لم يحدث تغير المناخ.
وفي إجابتها عن سؤال ماذا سيحدث في القارة الإفريقية إذا استمرت الأمور على هذا النحو، قالت الصحيفة الإيطالية إن الإجابة ليست صعبة.
وتشرح أن التهديد الذي تتعرض له الزراعة، واستقرار السواحل (المركز العصبي للاقتصاد الأزرق)، وارتفاع درجة حرارة البحر، سيؤدي إلى انخفاض الإنتاجية في كل قطاع، وربما إغلاق الشركات الأجنبية مع ما يترتب على ذلك من زيادة في حالات الطوارئ الغذائية، وعدم المساواة والهجرة القسرية.
يحذر التقرير من أن معظم الهجرة المستقبلية والتهجير القسري بسبب المناخ في إفريقيا سيحدث داخل البلدان في اتجاه يعكس في الواقع حركة الهجرة الإفريقية نحو المناطق المجاورة والحدودية، وهو ما يتعارض مع الخطاب الأوروبي بشأن الهجرة الجماعية إلى أوروبا.
ويبرز بأن عدد الأشخاص الذين ينتقلون بحثا عن الحماية وسبل عيش أفضل سيزداد بحلول عام 2050 من 1.5 بالمئة من سكان إفريقيا اليوم إلى 5 بالمئة، بما يعادل ما يقرب من 113 مليون شخص.
كما يتوقع مغادرة ما يصل إلى 2.5 مليون شخص المناطق الساحلية في إفريقيا بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وعوامل الإجهاد الأخرى.
في القرن الإفريقي، يمكن أن تجبر التأثيرات المناخية ما يصل إلى 9 بالمئة من السكان، أي ما يعادل 49 مليون شخص، على النزوح إلى أماكن أخرى في العقود القادمة.
من المتوقع أيضا أن تكون الهجرة عبر الحدود بسبب التغيرات المناخية ضئيلة نسبيا، ويمكن أن يصل عدد المهاجرين إلى 1.2 مليون شخص كحد أقصى بحلول عام 2050.
أي جزء صغير من إجمالي سكان القارة ونسبة صغيرة مقارنة بإجمالي موجات الهجرة العابرة للحدود المحتملة من 11 إلى 12 مليون شخص بحلول عام 2050.
النقاط الساخنة
أكدت الصحيفة أن الهجرة بسبب المناخ ستكون الخيار الأخير الذي سيجبر الأفارقة على قبوله، لا سيما أن معظمهم يظل مرتبطا بأرضه ومنزله ولا يطمح إلى مغادرة مجتمعه.
وكما يوضح التقرير، أعرب نصف الرجال و40 بالمئة من النساء الذين جرت مقابلتهم عن أملهم وتفاؤلهم بالمستقبل على الرغم من الاضطرابات المناخية الشديدة.
بالنسبة لكثير من الناس، التنقل مكلف للغاية، وهذا يعني أن الفئات الأكثر ضعفا والنساء اللاتي تعيل أسرا في غياب رب للبيت، تتخير البقاء في مكانها حتى في الجفاف أو الفيضانات العاتية.
تحدث التقرير أيضا عن "النقاط الساخنة للمناخ"، ومدن معينة ستنمو أو تتقلص بسبب الهجرة المناخية على غرار تلك الواقعة على الحدود والسهول المتأثرة بالأمطار الغزيرة، والمناطق الساحلية المتأثرة، بدلا من ذلك، بارتفاع مستوى البحار.
ما يحتمل حدوثه، وجزئيا بدأ بالفعل هو أن سكان العديد من المدن الكبرى والعواصم (خاصة الساحلية منها) التي تشهد الآن نموا سكانيا سريعا للغاية على سبيل المثال أكرا، أبيدجان، داكار، لاغوس، لواندا، دار السلام سوف يبدؤون قريبا في إخلائها.
هذا، إذا استمر مستوى الغازات الدفيئة في الارتفاع وما يترتب عليها من تداعيات، وهي تخوفات جرى التعبير عنها خلال المباحثات في مؤتمر الأمم المتحدة "كوب 27" في مصر، تقول الصحيفة.
وبحسب قولها، مصر لديها أسباب كثيرة للقلق بهذا المعنى، بالنظر إلى المخاطر الشديدة التي تهدد الإسكندرية والمدن الساحلية على دلتا النيل.
على مدى العقود الثلاثة القادمة، ستتعرض هذه المناطق وربما العديد من المدن الأخرى لخطر أن يغمرها البحر وسيضطر السكان إلى الهجرة إلى المناطق الداخلية، تحذر الصحيفة.
من جانبهم، يشير الخبراء إلى أن السنوات الثماني المقبلة ضرورية لعكس المسار وتنفيذ إجراءات إستراتيجية ملموسة وبديلة على مدى الثلاثين عاما القادمة.
يسلط التقرير الذي يرصد أصوات وقصص الأشخاص الموجودين في "الخطوط الأمامية"، الضوء على بعض الإستراتيجيات الضرورية.
ومن بينها، التخطيط المسبق للهجرة المناخية، وهذا يشمل تعزيز التماسك الاجتماعي في المجتمعات المتضررة.
وكذلك منع نزعة التشبث بمكان واحد، وتعزيز النمو الاقتصادي وحماية الأشخاص النازحين والالتزامات المالية لمعالجة الظاهرة، مع التأكيد على أهمية نشر الوعي بمخاطر المناخ.
في الختام، أكدت الصحيفة أن جميع الخطابات والإجراءات المتعلقة بالتنمية يجب أن تنظر إلى علاقة إيجابية ومستدامة ومحبة مع الطبيعة، والحد من الأثر البيئي والقدرة على الاستثمار في المدن المرنة المرتبطة بالمناطق الريفية واقتصاداتها.