رغم رفضهم بايدن.. لماذا صوت الأميركيون ضد مرشحي ترامب بالكونغرس؟

12

طباعة

مشاركة

"ليس حبا في الرئيس الحالي جو بايدن، إنما كرها بسلفه دونالد ترامب الذي يمثل خطرا على الديمقراطية الأميركية".. هكذا فسر كثيرون نجاة الحزب الديمقراطي من هزيمة ساحقة كانت مرجحة بشدة في الانتخابات النصفية التي انطلقت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وانتهت الانتخابات النصفية التي شملت جميع مقاعد مجلس النواب (435)، وأكثر من ثلث مقاعد مجلس الشيوخ (100)، إضافة إلى حكام 36 من أصل خمسين ولاية، بفوز طفيف للحزب الجمهوري، دون تحقق الموجة الحمراء (شعار الحزب) في إشارة إلى الاكتساح الذي كان متوقعا.

وبأغلبية ضئيلة فاز الجمهوريون بمجلس النواب، بينما تأجل حسم نتائج مجلس الشيوخ مع تواصل الفرز في ثلاث ولايات (نيفادا وأريزونا وجورجيا) في حين أن الأخيرة بات مؤكدا ذهابها إلى جولة إعادة نهاية العام.

ومع أن النتائج تبدو في ظاهرها انتصارا للجمهوريين، لم تعد الصحف الأميركية ما حدث فوزا حقيقيا بالنظر للتوقعات السابقة باكتساح أحمر لم يتحقق.

بل رأى مراقبون أن ما جرى يعد هزيمة لترامب، لأنه أشرف على اختيار أغلب المرشحين المهزومين في الانتخابات، ما يشير لرغبة كثيرين في قطع الطريق على ترشحه لانتخابات الرئاسة في 2024.

واعترف ترامب ضمنا بذلك وهو يصف نتائج انتخابات التجديد النصفي بأنها "مخيبة للآمال نوعا ما"، فيما أعرب بايدن عن سعادته بعدم الهزيمة الكاملة المتوقعة، مدعيا أن الأميركيين تمكنوا من "الحفاظ على الديمقراطية".

كارثة لترامب

قبل إغلاق صناديق الاقتراع بدت سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس في خطر، وفقا لوكالة أسوشيتد برس، التي قالت إن الحزب الديمقراطي يواجه جيلا جديدا من المرشحين الجمهوريين، منهم قادمون جدد ومنكرو صحة انتخابات عام 2020 ومتطرفون داعمون لترامب.

لكن ما كانت تتوقعه استطلاعات رأي كثيرة من تغير شكل السياسة الأميركية لصالح الجمهوريين عبر موجة حمراء، إن لم تكن تسونامي أحمر، لم يحدث، وصمد الديمقراطيون نسبيا بسبب خوف الناخبين من تدمير أنصار ترامب للديمقراطية.

"لم تتحقق الموجة الحمراء أبدا، وكان أداء مرشحي ترامب الذين اختيروا بعناية دون المستوى، وجاءت النتائج منقسمة بالتساوي كما كانت دائما، وحدثت عودة مذهلة إلى الوضع الراهن"، بحسب مجلة "نيويوركر".

وحدث ما يشبه الخداع من جانب الاستطلاعات التي سبقت الانتخابات، وأشارت إلى أن الكثيرين لا يحبون بايدن (54 بالمائة مقابل 43 بالمائة يوافقون على أدائه)، رغم أنها أظهرت أن الناخبين لا يحبون ترامب أيضا، ولم يقبله سوى 37 بالمائة منهم.

وأكدت التوقعات النهائية لموقع "فايف ثيرتي إيت" في 7 نوفمبر، أن الجمهوريين هم الأقرب للسيطرة على مجلس النواب، وأنهم يقتربون أيضا من التغلب على الديمقراطيين في السباق نحو مجلس الشيوخ. 

وقدم موقع بوليتيكو في 7 نوفمبر توقعات مماثلة، مؤكدا أن الجمهوريين هم الأقرب للسيطرة على مجلس النواب، لكن المنافسة متقاربة فيما يخص مجلس الشيوخ، بينما سيفوز الديمقراطيون بأغلب مناصب حكام الولايات.

بينما جاء التغيير هذا العام أقل بكثير، فخسر الديمقراطيون حتى كتابة التقرير 27 مقعدا فقط، مقارنة بخسارة الديمقراطيين في عهد باراك أوباما بالانتخابات النصفية 63 مقعدا، و52 في عهد بيل كلينتون.

وعادة ما يخسر حزب الرئيس، أو الحزب الحاكم في البيت الأبيض الانتخابات النصفية على الرغم من استثناءات حصلت لهذه القاعدة، في أعوام 1934 و1998 و2002، ربح خلالها الحزب الحاكم.

وعبر أكثر من 160 عاما، لم يتمكن حزب الرئيس الأميركي الذي يتولى السلطة إلا نادرا من الإفلات من التصويت العقابي في هذه الانتخابات.

الأمر ذاته أكدته وكالة أسوشيتد برس في 9 نوفمبر/تشرين ثان 2022 بعنوان عريض: "لا اكتساح للجمهوريين رغم توقعهم موجة حمراء".

قالت: "بدا الواقع مختلفا تماما، وبدلا من الرفض الشامل للرئيس بايدن وحزبه، كانت النتائج أكثر تفاوتا، وأثبت العديد من المرشحين الديمقراطيين مرونة بشكل مدهش وتفوقوا في الأداء على توقعات حزبهم".

ويؤكد مراقبون أن النتائج النهائية التي تستغرق أسابيع قد تشهد مفاجآت أكثر لأن العديد من الناخبين المؤيدين للحزب الديمقراطي يصوتون عبر البريد، ولا تظهر قوة أصواتهم إلا في نهاية الفرز، وهو ما حدث في انتخابات الرئاسة 2020.

وقبل الانتخابات النصفية، كان الديمقراطيون يشغلون الأغلبية في مجلس النواب بـ 222 مقعدا مقابل 213 لصالح الجمهوريين، بينما ينقسم مجلس الشيوخ بنسبة (50-50) بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ويرجح صوت نائبة الرئيس كمالا هاريس تصدرهم بـ 51 صوتا.

ربما لهذا وصفت صحيفة "واشنطن بوست" نتائج الانتخابات في 9 نوفمبر بأنها "كارثة لترامب".

أوضحت أن كل ما كان يهم ترامب من هذه الانتخابات كان الانشغال بمستقبله السياسي واحتمالات عودته للبيت الأبيض مجددا، حيث أعطى الأولوية لإثارة حملته الرئاسية الوشيكة وبدأ ملاحقة منافسه الجمهوري حاكم فلوريدا رون ديسانتيس.

وأكدت أن مرشحي الحزب الذين دعمهم خسروا وأنه قد يكلف الحزب الجمهوري خسارة أغلبية مجلس الشيوخ أيضا، لذا يعزف عنه الجميع ويفكرون في دعم مرشح بديل له (ديسانتيس) في انتخابات الرئاسة 2024.

وأشارت إلى أن ترامب كان أول رئيس يخسر مجلس النواب ومجلس الشيوخ والرئاسة في فترة ولاية واحدة، ومع احتمال خسارة الجمهوريين الأغلبية في مجلس الشيوخ وانتخابات دون المستوى، بات الجمهوريون يفكرون في أنه لا يصلح لترشيحه في انتخابات 2024.

سر الانقلاب

لأن النتائج تبدو أشبه بانقلاب على ما توقعته مراكز الاستطلاعات التي تحدثت عن "موجة حمراء" للجمهوريين وسحق الفريق "الأزرق" الديمقراطية، فقد طرح ذلك تساؤلات عن سر عدم تحقق هذه التوقعات.

الصحف الأميركية لخصت الأمر بأن كثيرا من الناخبين، حتى ولو لم يرضوا عن أداء بايدن وحزبه الديمقراطي، وضعوا نصب أعينهم ما حدث من اقتحام أنصار ترامب للكونغرس وعدم قبولهم بنتائج الديمقراطية حال خسارتهم، فاختاروا الديمقراطيين.

دراسة أجرتها جامعة شيكاغو لصالح وكالة أسوشيتد برس حول نتائج اتجاهات تصويت الناخبين، شملت 94 ألف ناخب، كشفت تأثر الناخبين بأمرين:

الأول: التضخم، الذي لا يلومون إدارة بايدن عليه ويرونه لأسباب خارجية تتعلق بالحروب والتوترات العالمية، وخشيتهم بالمقابل من سياسات الجمهوريين المالية.

والثاني: قلقهم من هشاشة الديمقراطية الأميركية وتخوفهم مما فعله ترامب وأنصاره الفوضويون، وخشيتهم من إنجاحهم للجمهوريين، وهو ما حسم خيارات كثيرين منهم لصالح التصويت للحزب الديمقراطي.

خطورة انتخابات منتصف الولاية هذه المرة ليست في فوز أي من الحزبين ولكن مستقبل أميركا نفسها، فنتائج الانتخابات ستقرر مستقبل الديمقراطية في أميركا وحكم الشعب، في ظل القلق من تيار مؤيدي ترامب الرافض لها، بحسب صحيفة "تايمز" في 5 نوفمبر.

ولعب بايدن، على هذا الوتر، أي التصويت لصالح الديمقراطية لا الحزب، مؤكدا في جولاته لنصرة مرشحي الحزب إن "الديمقراطية في خطر بسبب الأكاذيب والعنف والمتطرفين".

وبسبب ذلك، خسر قرابة 11 من المرشحين الجمهوريين، الذين أيدوا محاولات ترامب، إلغاء نتائج انتخابات الرئاسة السابقة، في هذه الانتخابات النصفية، بحسب أسوشيتد برس.

وأظهر استطلاع لمؤسسة "إديسون للأبحاث" لآراء الناخبين بعد الاقتراع هذا التخوف، حيث أكد نحو 7 من كل 10 مقترعين أنهم يرون أن الديمقراطية الأميركية في خطر، بحسب وكالة "رويترز" في 9 نوفمبر.

وفي مؤشر على هذا المناخ السياسي السام في البلاد بسبب متطرفي ترامب، ألغت رئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي معظم حملتها الانتخابية بعد أن اقتحم عضو بمجموعات متطرفة تدعم ترامب، منزلها وضرب زوجها (82 عاما) في رأسه بمطرقة.

وتتخوف صحف أميركية أن تؤثر الأغلبية البسيطة للجمهوريين في مجلس النواب في عرقلة أولويات نواب بايدن حين يشرعون في تحقيقات بشأن مخالفات ترامب السياسية والمالية.

كما تتخوف من رفض أنصار ترامب نتائج الانتخابات، لو توالت انتصارات الديمقراطيين في نهاية الفرز، بدعاوي أن النتائج مزيفة" كما قال ترامب في انتخابات الرئاسة 2020، وألمح للأمر ذاته في 2022.

وكانت مجلة نيوزويك الأميركية نشرت تحقيقا استقصائيا في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2021 عنوانه "ملايين الأميركيين غاضبون ومسلحون استعدادا للسيطرة على البلاد حال خسارة ترامب عام 2024".

ورصدت فيه كيف أن الجماعات اليمينية المتطرفة المسلحة من أنصار ترامب ومواطنين عاديين بعشرات الملايين اقتنعوا تماما بأن ترامب كان فائزا وتمت سرقة النتيجة. 

لذا يرى مراقبون أن النتائج شبه النهائية للانتخابات النصفية كشفت أن بايدن وحزبه الديمقراطي وأنصارهم نجحوا في تجنب انتكاسة كبرى، وتقليص الأضرار بسبب خوف الناخبين من ترامب.

تداعيات دولية

لا تهم انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، الأميركيين وحدهم، بل تتابعها دول تتأثر مصالحها إيجابا أو سلبا بسيطرة الجمهوريين أو الديمقراطيين.

ومع مؤشرات فوز الجمهوريين بنسب ضئيلة، يفكر محللون في انعكاسات ذلك على جملة من الملفات، في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية وملف البرنامج النووي الإيراني والعلاقة مع الصين ودول الخليج وخاصة السعودية.

وكان حصول الجمهوريين على غالبية في الكونغرس من شأنه أن يشل جدول أعمال بايدن للسنتين المقبلتين، ويمهد الطريق أمام عودة ترامب إلى البيت الأبيض لو ترشح.

فضلا عن تأثيره على القضايا العربية، وعودة دعم الديكتاتوريين العرب والتحالف الديني المتوقع بين اليمنيين المتطرفين الإنجيليين الأميركيين، مع اليمينيين الصهاينة الفائزين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي.

وقالت الكاتبة في مجلة "فورين بوليسي" إيمي ماكينون في 7 نوفمبر، إن "انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ستُراقب عن كثب في كييف وفي موسكو أيضا".

فقد تصاعدت دعوات من بعض الجمهوريين تنادي بتقليص المساعدات الأميركية الموجهة إلى كييف إذا نجحوا في السيطرة على الكونغرس.

وقال العضو الجمهوري البارز في مجلس النواب كيفين مكارثي: "يجب على الأميركيين ألا يقدموا إلى أوكرانيا شيكا على بياض".

وتتصدر أميركا، الدول الغربية من حيث حجم الأموال والأسلحة التي تقدمها إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير/ شباط 2022، بحجم مساعدات بلغ 13.6 مليار دولار، منها ما هو عسكري ومنها ما هو إنساني.

وعلى الصعيد العربي، توترت علاقة أميركا بالسعودية منذ وصول بايدن إلى السلطة لعدة أسباب، بينها حقوق الإنسان وتجاهل واشنطن للهجمات الحوثية على الأراضي الخليجية.

وزادت حدة التوتر بعد رفض تحالف أوبك بلس الذي تقوده السعودية زيادة إنتاج النفط تماشيا مع الرغبات الروسية، ما دفع واشنطن إلى التلويح بفرض عقوبات على الرياض.

لكن الكاتب في مجلة فورين بوليسي جاك ديتش كان قد استبعد تحسن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، سواء فاز الجمهوريون أو الديمقراطيون.

وأوضح قائلا: "أعتقد أنه لن نرى مصافحة أخرى بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان"، واستدل بالضغط الذي مارسه الجمهوريون والديمقراطيون على إدارة ترامب لوقف دعم التحالف العربي في اليمن.

وتوقع أن يستمر الضغط الأميركي بخصوص ملف حقوق الإنسان في السعودية، وهو ما سيؤثر على سعي الولايات المتحدة لاستكمال مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب.

أما بالنسبة إلى العلاقة مع إيران فيعتقد محللون أن سيطرة الجمهوريين على السلطة ستعيق التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الذي يبدو أن المحادثات بشأنه قد فشلت بسبب انخراط طهران في دعم حرب موسكو ضد أوكرانيا.

ويقول الكاتب في مجلة فورين بوليسي "روبي غرامر"، في 10 نوفمبر، إن الاتفاق النووي في هذه المرحلة ميت قبل ولادته من جديد، والجمهوريون سيستخدمون إيران دائما كنقطة حوار لضرب بايدن، قائلين إنه متساهل جدا معها.