رغم تحركاتها الميدانية.. لماذا فشلت المعارضة التونسية بإسقاط قيس سعيد؟
تحاول المعارضة التونسية تعبئة مكوناتها لمواجهة السلطة السياسية، وعلى رأسها الرئيس قيس سعيد، الذي استفرد بالحكم وحلّ المؤسسات وألغى دستور الثورة.
غير أن عوائق عدة ما تزال تثبط تحركات القوى المعارضة لقيس سعيد، وتمنعها من اكتساب جولات سياسية في معركة استرداد مكتسبات ثورة الياسمين.
وتعاني تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021، من أزمة سياسية حادة، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.
ومن ثم إقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو 2022، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/كانون أول من نفس العام.
فما أبرز تحركات المعارضة؟ وما فرص نجاحها في قيادة الشارع التونسي للإطاحة بقيس سعيد؟ وما دور باقي الفاعلين في الحياة العامة في بلوغ هذا المطلب، ولا سيما رجال الفكر والثقافة والإعلام والمجتمع المدني؟
تحركات المعارضة
أعلنت جبهة "الخلاص الوطني" في تونس، 31 أكتوبر/تشرين أول 2022، إطلاق ما أسمته "التعبئة السياسية من أجل العودة إلى الديمقراطية وحماية الحريات".
تضم هذه الجبهة، التي تشكلت في 31 مايو/أيار 2022، خمسة أحزاب، هي: "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"الأمل"، إضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، وعدد من البرلمانيين.
وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، خلال تجمع دعا إليه مناصروها بمحافظة قبلي جنوبي تونس؛ إن "أعضاء الجبهة انطلقوا في سلسلة من التحركات في كامل ولايات الجمهورية؛ بهدف التعبئة السياسية؛ من أجل العودة إلى الديمقراطية ولحماية الحريات والمؤسسات".
وأوضح الشابي أن الهدف من التعبئة السياسية، هو الوقوف مع الشعب التونسي لنقول "لا" لغلاء الأسعار وفقدان المواد الأساسية والأدوية من الأسواق، ولنقول كفى لتفكك الزراعة والموت البطيء للصناعة، وفق ما نقلت صحيفة "عربي 21"، في 31 أكتوبر 2022.
وأضاف أن "الجبهة تتمتع حاليا بموقع متقدم في الحياة السياسية"، مشددا أنه "على الأحزاب والمنظمات الوطنية كافة والمجتمع المدني، أن يكونوا على وعي بأن تونس تضيع".
من جانبه، قال عضو الجبهة عبد اللطيف المكي، خلال التجمع؛ إن "هذا الانقلاب لن يستطيع إعادة الشعب التونسي لسنوات الاستبداد".
وبين أن "سعيد غير قادر على الإصلاح، ولو كان يريد ذلك، لتجاوب مع دعوات الحوار التي أطلقت قبل الانقلاب وبعده".
وقبل وقفة جبهة الخلاص بأسبوع، صدر بلاغ عن الحزب الدستوري الحر، الذي ترأسه عبير موسي، التي كانت من أكثر السياسيين هجوما على الإسلاميين المشاركين في السلطة وتأييدا لقيس سعيد.
وقال الحزب في البلاغ الذي نشر عبر صفحته على فيسبوك في 24 أكتوبر 2022، إنه راسل مديرة صندوق النقد الدولي لمعرفة تفاصيل اتفاقه مع حكومة سعيد، متهما الأخيرة بإخفاء تعهداته المضمنة في وثيقة المفاوضات مع الصندوق عن الشعب التونسي.
وأوضح حزب الدستور الحر، أن مراسلته تأتي لأن "دواليب الدولة تسير من قِبل الحاكم بأمره المفتقد للشرعية والمشروعية بطريقة غامضة وغير شفافة".
وانتقد البلاغ "عدم إعلام الشعب التونسي بتفاصيل برنامج الإصلاحات المزعومة الذي قدمته الحكومة القائمة للحصول على القرض، وتكتم وزارة المالية على مشروع الميزانية التكميلية للسنة الحالية، ومشروع ميزانية السنة القادمة التي ستصدر بمرسوم في غياب برلمان شرعي يمثل التونسيين".
كما انتقد الحزب قمع المسيرة التي نظمها في 15 أكتوبر 2022 للتعبير عن رفضه تدهور الوضع الاجتماعي والمالي وانسداد الأفق، والاعتداء على رئيسته خلال دخولها في إضراب جوع احتجاجا على الديكتاتورية.
بدوره، نفض "ائتلاف صمود" يده عن مسار دعم الرئيس قيس سعيد، وأصدر في 10 أكتوبر 2022 بيانا أعلن فيه تخليه النهائي، عن كل أشكال المساندة للمسار الذي فرضه الرئيس بشكل أحادي، لتركيز نظام سياسي رئاسي هجين.
وأكد الائتلاف في بيان نشره على فيسبوك، تمسكه بالمطالب الشعبية التي ناضلت من أجلها القوى المدنية والديمقراطية على مدى العشرية الماضية، بـ"محاسبة منظومات الفساد والإرهاب وإصلاح المنظومة السياسية والانتخابية".
ورأى المصدر ذاته، أن القانون الانتخابي الجديد غير دستوري لتناقضه مع الفصل 51 من دستور 17 أغسطس/آب 2022، مبينا أنه "سيفرض انتخابات تشريعية غير قانونية، وسينبثق عنه مجلس غير شرعي".
غير أن الائتلاف، وإن دعا إلى مقاطعة الانتخابات، ترشحا وتزكية وانتخابا، إلا أنه عبر أيضا عن دعمه ومساندته لكل التحركات السلمية الرافضة لعودة منظومة حكم الإسلام السياسي، ويقصد هنا حركة النهضة الإسلامية.
وطالب البيان من أسماهم بالمسؤولين الوطنيين والديمقراطيين، بتحمل مسؤولياتهم التاريخية، داعيا إياهم إلى "لعب دورهم التاريخي برفض كل الانحرافات التي من شأنها تهديد المصلحة العليا للوطن".
كما دعا الائتلاف "نساء تونس وشبابها وكفاءتها وسائر شعبها، للدفاع عن حقوقهم الدستورية، ولا سيما الحق في انتخابات تشريعية ديمقراطية منصفة وعادلة".
وأهاب بمنظمات المجتمع المدني والسياسي والأحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية، للتنسيق الحثيث والجدي من أجل إنقاذ الانتقال الديمقراطي، بتنظيم سلسلة من التحركات السلمية في الجهات كافة.
بدورها، دعت حركة النهضة قوى المعارضة لبذل الجهد المستحق في سبيل توحيد الرؤى وتأسيس البديل الديمقراطي.
وبينت الحركة خلال بيان لها في 27 أكتوبر 2022، أن هذا البديل المنشود، تبتغي منه النهضة إنقاذ البلاد مما وصفته بـ"الاستبداد والانهيار الاقتصادي والمالي، ومن شبح الفوضى والمجهول، وفتح آفاق لعودة المسار الديمقراطي".
أزمات بنيوية
أكد الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين السويلمي، أن المعارضة التونسية تعاني من أزمات بنيوية تمنعها من أداء دورها الرئيس في مجابهة قيس سعيد، وتأطير الشارع وقيادته نحو عملية تغيير جذري للوضع السياسي بالبلاد.
وأوضح السويلمي في تصريح لـ "الاستقلال"، أن المعارضة تقبع في حالة شبيهة بتلك التي كانت عليها قبل ثورة 2011.
وأكد المتحدث ذاته، أن التعويل كله اليوم على الشارع التونسي، لأن تحركات المعارضة لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، مشددا أنها "لا تستطيع إسقاط نظام أو تغيير رئيس أو فرض أجندة، لأنها ما تزال مشتتة".
وتابع: "هناك مكونات من المعارضة تعتقد أن شركاء العشرية السابقة أتعس من قيس سعيد، فالهاجس الأيديولوجي، يعيقها ويمنعها من التماسك وخلق حالة نضال سلمية، وجبهة واضحة".
وأشار السويلمي إلى أن بعض معارضي قيس سعيد لا يريدون تغييرا كبيرا، أو العودة إلى ما قبل إجراءات 25 يوليو 2021، التي بمقتضاها حل البرلمان وغير الدستور وشكل حكومة جديدة، بل يريدون فقط تعديلات على بعض الإجراءات المتخذة.
ودعا عدد من الشخصيات التونسية إلى الوقوف في وجه قيس سعيد ومساندة المعارضة، معبرة عن تفاؤلها بسقوطه وبتحركات المعارضة.
ومن هؤلاء الإعلامي التونسي بقناة الجزيرة القطرية محمد كريشان، الذي كتب تدوينة على فيسبوك، جاء فيها: "في تونس اليوم، أي شخص سوي، لا يمكن أن يكون إلا معارضا".
وتفاعلا مع المظاهرة التي نظمتها جبهة الخلاص الوطني المعارضة بسيدي بوزيد، في 6 نوفمبر 2022، أشاد وزير الخارجية التونسي الأسبق توفيق عبد السلام، بالمشاركين فيها.
وقال عبد السلام في تدوينة على فيسبوك: "حيا الله أحرار الرقاب من سيدي بوزيد مهد الثورة والثوار الذين احتضنوا جبهة الخلاص الوطني، مثلما احتضنوا قبل ذلك ثوار الأعماق الذين طردوا النظام المقبور شر طردة".
فقد تحدوا اليوم قرار المنع والحظر البوليسيين ومحاولة توظيف أجهزة الدولة لحماية نظام غير شرعي، وفق قوله.
وشدد المسؤول الحكومي السابق على أن "المعركة مستمرة بحول الله إلى أن يندحر هذا الانقلاب والانقلابيون بقوة الشعب، وترفع هذه الغمة الثقيلة وكل ما جلبه عهد قيس سعيد غير السعيد، من فقر وهم وحزن".
من جانبه، أشاد أستاذ القانون الدستوري ومنسق حركة "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك، بالمسيرة، قائلا: "ذهبنا إلى قلعة الثوار جبنا المدينة بالطول والعرض في ضيافة الأحرار، وصرخنا بوجه الطغاة وأذنابهم الصغار".
وأردف، في تدوينة على فيسبوك "سنجوب كل مدن البلاد، ونخرج مع الناس في الشوارع، ونفرض مواطنتنا وحريتنا على المنقلب الغاشم، ونسقطه هو ومشروع الدمار الذي خدع به الناس".
وأضاف ابن مبارك: "بكل وثوق أرى أن الحيلة انكشفت، والخديعة بانت للشعب. صرنا نرى ذلك في عيون الناس. عمر الانقلاب صار قصيرا كما حبل الكذب"، بحسب تقديره.
أكد بلقاسم حسن، القيادي في "النهضة" التونسية، خلال لقاء إذاعي نشر مقطعا منه على صفحة الحركة في 3 نوفمبر 2022، أن قيس سعيد سيسقط لا محالة.
واستدرك: السؤال المطروح هو متى؟ وهل يجب أن يستمر المواطن في معاناته بانتظار سقوط سعيد؟ وما مسؤولية القوى الديمقراطية عن هذا؟
وشدد القيادي الحزبي أن قيس سعيد دفع الشعب إلى الهاوية، وهدد المواطنين في لقمة عيشهم، منتقدا انفراده في تدبير الشأن العام وانقلابه على الديمقراطية.
بدوره، شدد السويلمي في حديث لـ "الاستقلال"، أن الرهان كله على الشارع، واصفا النظام القائم بالغباء، ولذلك يحيط به الضعاف ومن ليست لهم شخصية أو مواقف مستقلة أو رؤى خاصة.
وعن دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة الانقلاب ودعم المعارضة، أكد المحلل السياسي، أن اليسار فصيل أساسي في هذه المنظمات، ومن سمته أنه وظيفي استئصالي.
وأوضح السويلمي أن اليسار بهذه الصفات، كان أداة في يد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لأجل ضرب الإسلاميين، بحكم أنه كانت لهم قوة بارزة وعمق شعبي.
ومن مساوئ الوضع الراهن، أردف المتحدث ذاته، أن هذا اليسار الاستئصالي يوجد في منظمات عدة، نقابية واجتماعية وإعلامية وحقوقية وغيرها، وهي تريد استئصال خصمها الأيديولوجي وترى أن قيس سعيد وسيلة ذلك وسبيله.
وقال السويلمي إن هذا الصنف من المعارضة ما يزال بعيدا عن الواقعية في التعامل مع الجسم الإسلامي في البلد.
وأوضح أن النظام يخشى الآن من عملية انفلات كبيرة لأن الشعب يغلي، ولأنه اليوم يعيش مراحل صعبة لم يعشها في تاريخه.
ولذلك، يرى المحلل السياسي أن الكل في حالة انتظار للحظة الانفجار الاجتماعي المنتظرة، التي ستؤدي إلى تغيير سياسي.
ونبه إلى أن هذا الأمر قادم، سواء أكانت المعارضة قوية أم عكس ذلك، لأن الشعب التونسي عاش الثورة ولن يقبل بالتراجع عن مكتسباتها، خاصة على مستوى الحقوق والحريات.
وبين أن الشعب التونسي لا بد وأن ينتفض لاسترداد ما أخذه النظام الحالي من حقوق ومكتسبات.