هل يشعل الاتفاق بين تركيا وليبيا حربا مع اليونان؟.. صحيفة أميركية تجيب

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية الضوء على مذكرة التفاهم الأخيرة الموقعة بين تركيا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

والتزم البلدان بتطوير التعاون الثنائي العلمي والفني والتكنولوجي والقانوني والإداري والتجاري في مجال النفط والغاز البري والبحري في إطار مذكرة التفاهم الموقعة في 3 أكتوبر.

وجاءت هذه الاتفاقات بعد مذكرة تفاهم سابقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بينت الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في البحر الأبيض المتوسط​، بينما مهدت أيضا الطريق لزيادة التعاون الأمني ​​والعسكري.

رأت الصحيفة أن اتفاق التنقيب عن النفط والغاز قبالة الساحل الليبي من شأنه أن يزيد من مخاطر نشوب حرب مفتوحة بين تركيا واليونان.

ونقلت اتهام وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، لتركيا باستغلال "الوضع المضطرب في ليبيا لزيادة زعزعة الأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ​​وفرض هيمنتها على المنطقة"، وفق قولها.

كما ذكرت أن الاتفاق أتى في وقت محموم، تجري فيه اليونان وتركيا وقبرص انتخابات في العام 2023، وهو ما يلقي بمخاطر تصاعد الروح القومية لدى الناخبين.

تأثير الانتخابات

وعلى الرغم من أن اليونان وتركيا تتهمان بعضهما البعض على الدوام باتخاذ خطوات استفزازية في بحر إيجة، فإن نبرة الخطاب قد ارتفعت أخيرا إلى مستويات مثيرة للقلق، وفق الصحيفة.

ففي سبتمبر/أيلول 2022 حذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أن قوات بلاده قد "تأتي بغتة ذات ليلة"، وهو تصريح فسره ديندياس على أنه تهديد مباشر للجزر اليونانية، مطالبا حلفاءه باتخاذ إجراءات صارمة ضد أنقرة، وإلا فستتكرر أزمة أوكرانيا.

بدوره، قال الأستاذ في قسم شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية بـكاليفورنيا، ريان جينجراس، إن "الكثير يستخف باحتمالية نشوب صراع، وهناك شعور في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن هذا الفيلم شوهد من قبل، ولم يغير في الواقع شيئا".

لكن استدرك الأستاذ الجامعي قائلا: "لا أعرف ما إذا كان هذا هو الحال بعد الآن"، مضيفا أن "هذا لا يعني أن الحرب وشيكة، لكنها أصبحت الآن أكثر احتمالا".

وتقول صحيفة "بوليتيكو" إن "ميزان القوى الآن يعد في صالح أنقرة، أكثر مما كان عليه في السابق".

إذ خاضت تركيا عدة معارك منذ عام 2016 وانتصرت، وأثبتت قدرتها على تغيير الظروف السياسية عبر التدخلات العسكرية على جبهات عدة.

ومن جانبه، قال أنجيلوس سيريجوس أستاذ القانون الدولي، نائب وزير التربية والتعليم اليوناني، إن "أردوغان يسعى لجذب بعض الأصوات من حزب الجيد، ذي التوجه القومي".

وأضاف أن "هذه الفرصة يمكن أن تتاح له إما من قبل اليونان أو سوريا"، مشيرا إلى أن أنقرة قد لا تهدف إلى قتل أي شخص، ولكن سلوكها الحاد يمكن أن يقود إلى الحرب، وفق زعمه.

وترى الصحيفة الأميركية أن الحكومة اليونانية أيضا تعيش أجواء الانتخابات، وقد تضررت صورتها أخيرا من خلال فضيحة التجسس على قادة المعارضة والصحفيين، التي كشفت في أغسطس/آب 2022.

بدوره، حذر السفير التركي في أثينا، بوراك أوزوجرجين، من أن الأمور يمكن أن تخرج سريعا عن السيطرة، مؤكدا على أهمية أن يكون الجميع متيقظا، خاصة في ظل الانتخابات المرتقبة في المنطقة وما تثيره من جدل حاد، ونزاعات متجددة.

وأضاف أوزوجرجين أن "قرار توقيع مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا عام 2019 لم يأت بين عشية وضحاها"، لذا فإنه "لا ينبغي أن يشكل صدمة لليونانيين، الذين أطلقوا تحالف 3+1".

وذكر السفير أن هدف هذا التحالف كان "مد خط أنابيب يوناني، بالتعاون مع قبرص وإسرائيل، وبمباركة من الولايات المتحدة، لتصدير الغاز إلى أوروبا، في محاولة لإخراج تركيا من معادلة شرق البحر المتوسط".

وأضاف المسؤول التركي مستنكرا: "هل تعتقد أننا سنجلس ونضع يدنا على خدنا، ونقبل أن نحبس في شبه جزيرة الأناضول".

ووفق الصحيفة، فإنه "ليس من الواضح ما إذا كانت تركيا ستبدأ التنقيب عن الغاز والنفط في المناطق المتنازع عليها قريبا، لكن أثينا تتوقع أن تجرى عمليات التنقيب داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لليبيا كخطوة أولية".

خلافات متشابكة

ووفق صحيفة "بوليتيكو"، فإن جزءا كبيرا من الحساسية تجاه مذكرة التفاهم التركية - الليبية الأخيرة يكمن في الخلافات حول من يمثل الشرعية في ليبيا. 

فقد وقعت أنقرة الاتفاق مع الحكومة التي تدعمها، والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وليس مع غريمها العسكري الذي يتمركز في مدينة بنغازي، شرقي ليبيا، منذ عام 2014.

وبالنسبة للحكومة في طرابلس، فإن توقيع مذكرة التفاهم مع أنقرة يشير إلى أن الأخيرة تعترف بسيادتها كحكومة شرعية تمثل الدولة الليبية.

أما بالنسبة للحكومة اليونانية، فقد حاولت بناء علاقات مع القوى المتمركزة في شرق ليبيا، على أمل تقويض الاتفاقية البحرية التركية الليبية لعام 2019. 

ومع ذلك، اتخذت أثينا مسارا جديدا في أبريل/نيسان 2021، إذ سعت إلى تطبيع العلاقات مع حكومة طرابلس، عبر إعادة فتح السفارة اليونانية في العاصمة الليبية. لكن هذه الخطوة لم يتمخض عنها الشيء الكثير، حسب "بوليتيكو".

فقد استدعت أثينا سفيرها الجديد بعد الاتفاق الأخير، دون أن يقدم أوراق اعتماده، وهو الذي وصل إلى طرابلس في أكتوبر 2022.

وتنقل الصحيفة عن وزارة الخارجية الأميركية قولها إن "منتدى الحوار السياسي الليبي يجبر الحكومة المؤقتة في طرابلس على عدم التوقيع على اتفاقيات جديدة".

وتضيف أن "هذه الحجة غير مقبولة بالنسبة للأتراك"، إذ تساءل السفير التركي في أثينا: "هل من الشرعي لإيطاليا ومصر ومالطا وغيرهم توقيع عشرات الاتفاقيات مع نفس الحكومة، وليس شرعيا لتركيا فعل الشيء نفسه؟".

بدوره، أكد جينجراس أنه "بالنسبة لأنقرة، فإن الصفقة، على المدى البعيد، تخدم هدفها الأكبر، المتمثل في تأكيد وجودها بشكل أكثر حزما في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط".

ورغم هذا التوتر المتصاعد، يشير التقرير إلى استعداد الجانبين للحوار لحل خلافاتهما، مبينا أنهما إذا لم يتفقا فسيسعيان إلى التحكيم في النزاع البحري بمحكمة العدل الدولية في "لاهاي".

وتدعي الصحيفة أن المشكلة هي أن "اليونان وتركيا لديهما وجهات نظر متباينة حول الأمور المطروحة للنقاش".

ففي حين تقبل اليونان بالحديث عن المناطق البحرية فقط، "تريد تركيا معالجة مجموعة واسعة من الموضوعات، منها السيادة على الجزر، ونزع السلاح منها".

ويعود سيريجوس، الذي ينتمي إلى حزب الديمقراطية الجديدة الحاكم في أثينا، ليؤكد على أن "تركيا تريد أن تقود اليونان للنقاش حول جميع القضايا، وليس ترسيم الحدود البحرية فقط".

وادعى المسؤول اليوناني أنه "لا يمكن لأي حكومة في اليونان قبول ذلك على الإطلاق، لأنها إن قبلت فستسقط في اليوم التالي مباشرة".

في هذا السياق، اقترح ائتلاف المعارضة اليوناني (سيريزا) أن تمضي اليونان فورا في توسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا بحريا جنوب وشرق جزيرة كريت بشكل استباقي، ومن ثم البدء في محادثات ترسيم الحدود مع جميع الجيران المطلين على شرقي المتوسط​​، بما في ذلك ليبيا وتركيا.

وقال زعيم الائتلاف أليكسيس تسيبراس: "يجب أن نوسع مياهنا الإقليمية، فمن حقنا فعل ذلك، وأن نسعى إلى حوار لترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط ​​بخطوط حمراء واضحة".

ووفق صحيفة "بوليتيكو"، صرح مسؤولون في وزارة الخارجية اليونانية أن مثل هذه الخطوة ربما تكون وشيكة، لأن العمل الفني اللازم لها قد يكون جاهزا في غضون أسابيع.

وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن "أنقرة هددت أثينا بعمل عسكري إذا وسعت مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا بحريا في بحر إيجة، لأن ذلك سيحصر تركيا في شواطئها، وسيحرمها من الوصول إلى البحر".